بادئ ذي بدء، وجب الاعتراف أن الجزائر لا تنقصها أحزاب أو جمعيات سياسية حزبية؛ فما أكثر تلك الأحزاب التي ولدت تباعا، لتذهب تباعا، لأنها سرعان ما تحولت إلى مطبات في طريق البحث عن مخارج لأزمة فكر الازمة بسبب اغتصاب السيادة الشعبية منذ 1962, و وصولا إلى 1992 ؛ أحزاب، لم تختلف كثيرا عن ” الأفلان ” و” الأرندي ” و حزب من دون عمال، إلا من حيث سرعة التواري عن الأنظار في اليوم الموالي للإعلان عن نتائج الانتخابات التي انفردت بها السلطة مرارا و تكرارا ، و استأثرت بمخرجاتها.
أما وأن الأزمة باتت مركبة، وأن السلطة الحاكمة باتت في حكم العصابة التي ثبتت إدانتها وفق نظام الإثبات الحر الذي لا يمكن الاختلاف بصدده من لدن كل الجزائريين، مدنيين وعسكريين، فإن الأزمة تحتمل حلا فريدا ووحيدا، ألا وهو الحل السياسي الذي يجب أن ينهي الوصاية الأجنبية إلى غير رجعة.
أما وأن الحل السياسي يتطلب إجماعا على أن العصابة هي جزء من الحل بقدر ما هي سبب المشكلة الأم؛ فإن آلية الانتقال الديمقراطي كضمانة لازمة وكفيلة باسترجاع الثقة وبعث الأمل لكل الجزائريين من دون استثناء هي آلية خاصة ومتميزة، يجب أن تنبع من رحم الحراك الشعبي السلمي.
أما وأن هذه الآلية ضرورة من ضرورات الحل، فيجب أن يتحقق فيها شرط الحياد، حيادا بالمعنى الإيجابي، يميزها عن الأحزاب السياسية! فلا هي حزب، ولا نقابة، ولا هي سلطة من السلطات.
أما وأن مهمتها هي تحقيق الانتقال الديمقراطي بالمعنى الحقيقي والصارم، سلوكا حضاريا ينظم نشاط الحاكم والمحكوم في المجتمع على سبيل الإلزام، فإن ذلك يتطلب إعادة الأمل وتحرير الذمم وإزالة الخوف والريبة.
أما وأنها كذلك، فيجب أن تقف على نفس المسافة من كل وجهات النظر والرؤى، مهما كانت مرجعياتها الفكرية.
أما وأنها كذلك، فيجب أن تلتزم بهدفها الوحيد، ألا وهو الانتصار للشعب من أجل استرجاع السيادة كاملة غير منقوصة، وهو، من دون ريب، مقتضى التغيير الجذري باتجاه تحقيق مطلب الدولة المدنية، دولة الحق والقانون.
أما وأنها كذلك، فهي لا تطمع فيما تصبو إليه الأحزاب من مناصب وغنائم وامتيازات.
أما وهي كذلك فهي لا تنتظر أجرا ولا مكسبا، وإن كان فلسا واحدا.
تلك هي الآلية المركزية لأجل انتقال ديمقراطي ممكن؛ فإذا تمكن الحراك الشعبي السلمي من تجسيده، فإن باقي الآليات، من حوار، وتدارس بخصوص المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي، وغيرها، يمكن أن تتحقق تباعا في جو من الثبات والاطمئنان والوضوح.
كل ذلك لن يكون سوى ثمرة من ثمار الثورة الشعبية أو الحراك الشعبي السلمي المبارك إن شاء الله.