ينقسم الأفراد إلى نوعين: القائد والمنقاد. تنطبق شخصية الأول على ما أوضحه “نيتشه” وتنطبق شخصية الثاني على ما قاله “إتيان لابويسي”، وهذا هو السبب الأنثروبولوجي والنفسي لوجود السلطة، وتنقسم الجزائر اليوم من ناحية التوجهات السياسية إلى نوعين وهما لا يمثلان الأغلبية وإنما الرموز فحسب، إنهم الديمقراطيين المنقادين المثقفين القابلين للاستعمار المتأثرين بالفكر الفرنسي المتصهين، والإسلاميين المنقادين كالحمار يحمل أسفارا، الذين لا برنامج لهم، يبحثون عن زعيم مثل أردوغان، يأخذون تركيا كمثال يقتدى به. لماذا لم يأخذوا الدول الإسلامية الأخرى كإندونيسيا وهي أكبر بلد إسلامي في العالم اليوم أو الباكستان في صنع القنبلة النووية؟ ذهبوا الى تركيا لأنهم نسوا الاعتماد على أنفسهم، يأخذهم الحنين الى أيام الاستعمار التركي الذي لا يزالوا يحسبونه فتوحات، ينتظرون منه دور المخلص من هذه الهيمنة الاميكو-صهيونية اليوم كما خلصهم الأتراك من الأسبان في القرن 16. يبقى هذا الكلام معقول ومنطقي إلى حد الآن، ويبقي سلوكهم خال من مرض التبعية ولكن فقط في حالة ما إذا اعتبرنا الأتراك مخَلصين. في حقيقية الأمر خَلّصَ الأتراك أنفسهم من الفقر والعوز حيث كان ” عروج” أحد قطاع الطرق وأصبحت الجزائر تحت قبضة القراصنة. لم يكن له أي مشروع، ولم يكن عارف بالسياسية وإنما كان من كبار اللصوص الذين تميزوا بالشجاعة، ولم تكن القرصنة حكرا على الأتراك وحدهم وإنما أتي بها الفرنجة وطوروها حتى أصبحت آلة نهب وسلب في حوض البحر الأبيض المتوسط. أراد “عروج” أن يكون له فقط مقر في الجزائر، بل وظفه في بادئ الأمر أمير مصري، ثم أعطاه الملك الحفصي مناء جربة وأصبح يتقاسم الغنائم معهم. أراد أن يطور أسطوله حيث انتقل من سفينة واحدة الى 12 سفينة، وبعدما أصبحت له نوع من القوة من اجل القرصنة ونهب السفن الأخرى العابرة للبحر أراد أن يكون له مستقر ومركز في الجزائر فبدأ أول مرة بمدينة جيجل، من أجل ذلك دخل الاتراك المرتزقة في صراع مع الاسبان الصلبين، ومن أجل ذلك أيضا ترك ” عروج” ذراعه” في بجاية وحياته في تلمسان حين لاحقه الاسبان بعد هربه من قلعة المشور. لم يكن للأتراك في أول الامر مشروع، ولم يدخلوا من أجل نشر الإسلام أو الدفاع عنه كما يدعي الاسلامين المنقادين اليوم وإنما من أجل القرصنة لا أكثر. تحول بعد ذلك المشروع التركي الى وصاية ونوع من الهيمنة على الجزائر حيث ورث ” خير الدين”، رجل سياسي محنك، كيانا سياسيا أوجده أخوه ” عروج” دون أن يعلم. كيان لم يبقى له سوى الرأس فكان رأسه، وكان من ربط الجزائر بالباب العالي وتحولت الوصاية التركية الى كيان، وأهدى الى “سليم الأول” بلد بأكمله يضاف الى قوة الدولة العثمانية أنداك. هنا ظهرت الجزائر من جديد ولكن تحت الهيمنة والغطاء التركي. بعدما استعمر الاتراك الجزائر،أحكموا السيطرة عليها وأصبحت ملكا لهم دافعوا عنها، ولم تصبح الجزائر قوة في حوض البحر الأبيض المتوسط الا بعدما انفصلت بشكل شبه كلي عن تركيا في عهد البايات في القرن الثامن عشر، وأصبحت تفرض الجزية على كامل أوبا وخاصة أمريكا. أن المعركة الحاسمة بين “شارل الخامس” وخير الدين، والتي انتهت مع وجود العاصفة سنة 1546 خير مثال على ذلك. هل يمكن أن نعتبر هذا استعمار رغم أنه في البداية لم يكن للأتراك أي مشروع استعماري. إذا أمعنا مطولا في وضعية الجزائريين خلال الوجود التركي فإننا لا نجد وجود لهم. نجد مصطلح ” البايلك” الذي مازال ساري المفعول ، والذي يعنى بأن ما هو للبايلك ليس لي الشعب، الايالة التركية حاضرة والشعب غائب، بمعنى أن السلطة التي تكون من اختيار الشعب وهي شيء ضروري يعبر عن حرية الافراد في اتخاذ القرار لم تكن موجودة. منذ العهد التركي وقع الفصل بين السلطة والشعب وأصبحنا نعانى من هذا الفصل الى يومنا هذا، والسلطة والشعب عنصرين اساسين من أجل تكوين الدولة. ثم أحكم الاتراك سلطتهم عن طريق فرض الإتاوات ووضع سلم أداري هرمي يأخذ تعليماته وتعيناته من الباب العالي وأصبح الأهالي في واد والحكام في واد آخر. هؤلاء الاسلامين المنقادين يغضون الطرف عن هذا الامر ويبقى نقطة ضعفهم، ليسوا بالضرورة مداخلة خاضعين لإرادة السلطان، وإنما يحملون نوعا من الوعي الديموقراطي والسياسي، مشكلتهم الوحيدة هي البحث عن زعيم، منقادين ينتظرون المُخَلص، مثل الحشد الجماهيري عديم الرأي، دائما في حاجة الى قائد. وليسوا داعشيين يحبذون العنف وإنما الحوار والحاسبات السياسية، يتقمصون شخصية القائد ويقومون بعملية التماهي من أجل تعويض فشل الحركات الإسلامية في الوقت الحالي، باستثناء اقلية طبعا.
أما النوع الآخر من المنقادين هم الديموقراطيين الائكين المتنورين المثقفين القابلين للتبعية، المعتدلين والراديكاليين المتأثرين أو الممثلين للفكر المتصهين، الذين يأخذهم الحنين الى الوجود الفرنسي مثل الفئة التي ذكرنها سابقا ولكن الى نوع أخر من الاستعمار. هؤلاء الراديكاليين يطابون بفصل الدين عن الدولة، وهنا وقعوا في الخط لأنه بالنسبة للمسلم الإسلام دين ودولة، وأخطأوا في المجتمع لأن الجزائر بلد مسلم ومتدين، متسامح لأنه حمى اليهود وفتح لهم الأبواب عندما أتوا لاجئين بعد مطاردة الحاكم الروماني ” تيتيس” ، وهدم المعبد في القدس سنة 70 م، قبلوا الإسلام وتعربوا، كانوا غالبا مع الحق، خرجوا من الصراع بين علي ومعاوية كما خرجوا من قبل عندما كانوا مسحيين وأصبحت المسيحية دين اداري تحكمه سلطة ” قسطنطين الأول” حيث تحولوا الى “دوناتين”. لقدا أخطأوا حينما أرادوا فصل الماضي عن الحاضر وعدم فهم المجتمع كما قالها مثلا “سعيد سعدي” نفسه بعدما فشل في انتخابات 1992. يردون تطبيق نفس الاستراتيجية التي طُبقت في أوربا من أجل زعزعة نظامها الذي بدأ منذ القسم المقدس في القرن الخامس بين الملكية والكنيسة عندما اُستبدلت بجمهوريات فاسدة، هؤلاء المنقادين تحت تأثير الصهيونية لا يردون بناء الدولة وإنما القضاء عليها والتصدي للإسلام كما تصدوا للمسيحية ولا تهمهم الديموقراطية أو حتى مصير البلاد في شيء. أما النوع الآخر من الديموقراطيين المعتدلين نوعا ما، والوطنين الذين جلهم مثقفين، منقادين فكريا، لا يعرفون الإسلام ولا يعرفون الديموقراطية، أقصد كل فئة حسب ما أرى، والواقع يثبت صدق الكلام من خطأه. تعنى الديموقراطية حكم الشعب ويعنى الإسلام نفس الشيء، وحتى ولو كان الحكم عن طريق نخبة واسطة لا بد أن تكون مقبولة من طرف الأغلبية. يذهبون الى حرية المعتقد وحماية الأقليات، وتعنى الديموقراطية حكم الأغلبية دون المساس بحكم الأقلية وهذا ما أقره الإسلام بصريح النص قبل أن تعرفه الديموقراطية الحديثة. مفهوم الذمي لا يوجد في أي ديانة. ” لا اكراه في الدين” حرية المعتقد موجودة في الإسلام قبل حقوق الانسان والمواطن التي ظهرت في القرن 19 والتي أكدت على حرية المعتقد، وهي اليوم المثل الأعلى بالنسبة للديموقراطيين. تراهم يتشدقون بأوروبا والديموقراطية الغربية، والغرب حادث كسر العالم ثلاثة مرات، هيمنة الرومان، وهيمنة الاستعمار الحديث، والهيمنة الامريكو- صهيونية الحالية، يأخذونهم كمثل للتقدم والتحضر وهم أنفسهم من اعترف بأنهم كانوا همجيين أكثر من الهمجين الذي أرادوا تحضيرهم، يتبعون أوربا التي تقول بأن حداثتها هي اعادة انتاج التراث الاغريق-روماني والثقافة اليهود -مسيحية، ولم يكن الرومان سوى همج وقراصنة، ولم يكن اليهود سوي محتالين نصابين، ولم يكن الاغريق الذين ادعوا الديموقراطية التمثيلة سوى أولغاشية استعبادية قسمت المجتمع الى ثلاثة طبقات: العبيد والاحرار والأجانب. حتى أفلاطون نفسه نادي بحكم النخبة ولم ينادي بحكم الأغلبية التي هي حكم الشعب وهي الديموقراطية. كان المجتمع الإغريقي خاضعا الى السلم الهرمي وإذا اطلع هؤلاء الديموقراطيين على ” نيتشه” مثلا لعلموا كيف قضى المجتمع الهرمي على للأفراد، طمس وكبل ارادتهم وطموحاتهم. لا أريد أن أطيل الحديث، بل أفضل أن أقول لهؤلاء المدعين الديمقراطي التابعين والإسلاميين على حد السواء، من أجل الجزائر يجب أن يرجع الديموقراطي الى الإسلام، والإسلامي الى الديموقراطية، لأنه إذا رجع سيجدها مثل الإسلام بينهما قاسم مشترك: الحرية. ولا نقصد هنا الديموقراطية البرية المتوحشة وانما الديموقراطية التي نادى بها الفكر الإنساني مثل “لورنزو فالا” و” باتريارك ” وحتى “اراسميس” . وإذا رجع الديموقراطي الى الإسلام وقام بنوع من المقارنة بين ما سمي ب”الاغورا” الاغريقية ودرس مثلا “جميس هارنغنون”، “جون ميلتون”، “برنار دومنفيل”، وهؤلاء المفكرين الذين كان يأخذهم الحنين الى الاغريق، ويقارن كتاباتهم عن الديموقراطية بما وقع في ساقفة بين ساعدة مستندا الى مؤرخين أمثال “ابن عبد ربه”، “الطبري”، “المسعودي”، “أبوبكر بن عربي” وغيرهم. سيجد بأن الاختيار الحر والحق في الانتخاب والمعارضة قد أوجدهما الإسلام قبل النهضة الأوربية في منصف القرن السادس عشر والتي أسست لمبادئ الديموقراطية اللبرالية، وإذا رجع الى آخرين أمثال “علي عبد الرازق” و”السنهوري” سيجد بأن رسول الإسلام (ص) لم يُعين خليفة من بعده، ولم يريد أن تنتقل السلطة عن طريق الوراثة وقرابة الدم كما كان معمولا به عند الاغريق والفرس والرمان، وإنما تركها لاختيار الجميع، الكل، العدد، ولا تعني الديموقراطية شيئا سوى قانون العدد. ترك الإسلام الخيار للجميع، لا يوجد تعصب الى طغمة أو عائلة أو قبيلة. ولا تُبني البلاد بالتعسف والتعصب للشرق أو للغرب وإنما الايمان بالذات، ومشروع الدولة والمجتمع الواحد، نحن جزائريين مسلمين برير وعرب، وخليط من الاجناس، وضمير الأمة مزيج من الأفكار والمعتقدات، هذه هي الهوية التي يجب التمسك بها والشخصية الثقافية والقانونية التي ينبغي أن نكون عليها. أما هولاء الاسلامين المستسلمين الباحثين عن مثل أعلى وهؤلاء الديموقراطيين المتصهينين تحت غطاء الديموقراطية لسنا بحاجة لهم.
تعليق واحد
تطرق الكاتب لسؤال القيادة و الانقياد ، ذكر ” نيتشة ” و ” لابويسي إتيان” من دون مضمون في ذات السياق ؛ لكنه اختار شريحة من الجزائريات و الجزائريين و حملهم عبئا ثقيلا مثل العبء الذي ألقت به أنظمة الاستبداد و الفساد على صدر الشعوب التي سحقتها قوى الاستعمار تحت طائلة سياسة ” فرق تسد ” ؛ و أكثر من ذلك حكم بعدم جدواها و الحاجة إليها : ” أما هؤلاء الإسلاميين المستسلمين الباحثين عن مثل أعلى ، و هؤلاء الديمقراطيين المتصهينين تحت غطاء الديمقراطية لسنا بحاجة لهم ” . و لم يفصح عن طبيعة الإجراء بخصوص استبعادهم أو إقصائهم ! و إلا كيف يمكنه تحديد مدلول عبارة ” ديمقراطي متصهين ” و ” إسلامي مستسلم ” في حدود المشهد الجزائري اجتماعيا و سياسيا على أقل تقدير ، ناهيك عما هو أعراف و قوانين ! و لن يكون في حال أحسن حينما يعيد قراءة ورقته و يقابلها بموقف القائد الفذ الشهيد العربي بن مهيدي 1923 _ 1957 الذي فكر و قدر ، ثم فكر و قدر ، فقال : ” ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب ” من دون حاجته يومها إلى تصنيف الجزائريات و الجزائريين إلى مثل تصنيف الكاتب أو تصنيف شبيه به !
أو يقابل ورقته بواحد من شعارات الحراك الشعبي السلمي الذي تجاوز بكثير من الوعي و الصدق و الصبر جحافل الرداءة التي حذر منها الرجل القائد عبد الحميد مهري بالقول : ” هذا زمن الرداءة و للرداءة أهلها ” !؟