” و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير ” الآية 30 من سورة الشورى.
” ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ” الآية 41 من سورة الروم.
من يأتينا بالخبر اليقين ! ؟
مقدمة : كثير هي التوقعات التي حذرت من حرب عالمية ثالثة، وأكثر التوقعات بناها أصحابها على التوتر الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط من بعد أحداث ١١ سبتمبر 2001، و الحرب على العراق، و الدمار الذي لحق باليمن و سوريا، واستبدال القاعدة بداعش، و الفراغ الرهيب على مستوى قرارات مجلس الأمن، ناهيك عن المسار الذي تميزت به الحرب على ( الإرهاب)، و انفراد الولايات المتحدة بتسيير و إدارة هذا الملف على هواها! و الضربات التي تلقتها مصر اجتماعيا وفكريا، حيث أفرِغت من شحنتها الثقافية والحضارية وتأثيرها في الأحداث الإقليمية على أقل تقدير، ناهيك عن هندسة الساحة العربية خصوصا، والإسلامية عموما، وفق وتيرة الصراع الفكري الذي احتد بشكل رهيب وغريب، زاد بأضعاف عما كان عليه إبان أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي! التوقعات، كلها تقريبا صبت في اتجاه واحد، لا يختلف كثيرا عن الأساليب القديمة التي اعتمدت على استخدام الأسلحة المتطورة في مجال الاستطلاع والدمار اعتمادا على التطور التكنولوجي اللافت، وأجمعوا تقريبا على أن الشرق الأوسط هو مسرح الحرب المتوقعة، ولم تكن أحداث العراق، سوريا، واليمن، إلا مقدمات.
ولكن كل ذلك اختفى أمام حرب مفاجئة من نوع آخر! ذات قرنين، منه ما هو معلن، ولو بطريقة غير مباشرة (حرب أسعار النفط )، وما هو غير معلن ( فيروس كورونا )! و إن كان الشك والغموض هو سيد الموقف!
* تقريب الصورة :
هناك غموض كبير يلف هذين الملفين، أو رأسي الحرب العالمية الثالثة، و هي حرب مركبة تستهدف أمن الناس من الخوف وأمنهم من الجوع! تستهدف اقتصادهم و سلامتهم البدنية، وفي الحالتين يعرض حياتهم إلى الخطر!
و هناك حذر، لم يسبق له مثيل، بخصوص حقيقة ما يجري، إلى حد بات العالم في حالة من الانكماش و الإنعاش، بدل الانفتاح و الانتعاش مثلما كان مأمولا ومرغوبا سنة 2020 ! في حالة شبيهة بالأيام الأولى من الحرب الكونية الثانية، وحتى الأولى؛ و من دون شك فإن الأولى كانت تمهيد الثانية، لم يفصل بينهما سوى عقدين من الزمن، وهي مدة قصيرة في حياة المجتمعات والدول، وأكثر من ذلك توجت الأولى بوعد بلفور المشئوم، والثانية بقيام الكيان الصهيوني بعد أحداث 1948 !
و يمكن الاتفاق على أن الذي حدث مع بداية السنة الجديدة 2020 جاء مفاجئا و محيرا، بل وباعثا على الخوف من المستقبل !
و دوائر الإعلام، كلها تقريبا، بمختلف أنواعها و تخصصاتها و اهتماماتها، باتت منشغلة بأعداد المصابين و المتوفين، و بدرجة أقل بأسعار النفط المتدنية .
أما مراكز البحث و الدراسة في الشأن الإنساني والسياسي و إدارة النزاعات و الصراعات، تكاد تكون هي الأخرى في عطلة مدفوعة الأجر، شغلها الشاغل توفير وسائل الوقاية من قفازات و كمامات!
و حتى الإشاعة لم تعد فاعلة مثلما عودتنا بخصوص أكثر من ملف في السابق ! مما يعني أن الجميع تقريبا دخل فيما يشبه حالة من السبات والترقب المشوبة بكثير من الهلع حينا، و الخوف أحيانا أخرى ! ناهيك عن التأثيرات الجانبية المترتبة عن قلة الحركة والانطواء على النفس، لأننا جميع لم نعود أنفسنا على قيم غاية التأمل، مثل: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، و كلها أساسات ضمن الوقاية خير من العلاج .
* ما المشكلة ؟
يصعب تحديدها! ببساطة نحن، في أحسن الأحوال، نتعامل مع فرضيات تتصل جميعها بخصوص طبيعة الفيروس القاتل، وإمكانية اكتشاف لقاح، وعلاج للمرضى المصابين، هذا من جهة أولى . و من ناحية ثانية بخصوص انخفاض أسعار بالتوازي مع رفع الإنتاج لما يقارب ثلاثة ملايين برميل يوميا، حيث قفز انتاج الخام السعودي من 10 ملايين برميل، إلى ١٣ مليون برميل يوميا !
و على هذا الأساس يمكننا مقاربة أبعاد هذه الحرب العالمية انطلاقا من فرضيات، أما الحقيقة والنتائج فتبقى رهينة إثبات فرضية من الفرضيات القائمة. و في كل ملف نتناول فرضيتين على الأكثر .
* الملف الأول : جائحة أسعار النفط
الفرضية الأولى:
حرب معلنة ضد المصالح الأمريكية، و تحديدا اقتصادها القائم على الصناعات النفطية !
تداولت مختلف وسائل الإعلام، ما مفاده أن روسيا تمسكت بسقف إنتاجها بهدف خفض أسعار الخام بالأسواق العالمية بهدف التأثير سلبا على ازدهار قطاع صناعة النفط المستخرج من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة الأمريكية التي تفوقت على أكبر المنتجين عالميا ! وذكر الإعلام عدم التوافق بين ” أوبك ” و روسيا، مما دفع السعودية العضو بالمنظمة إلى رد سريع على الموقف الروسي، حيث عمدت إلى خفض السعر، وزيادة الإنتاج من جانب واحد، دون الأخذ في الاعتبار رأي باقي أعضاء المنظمة !
نطرح بعض الأسئلة بهذا الخصوص:
1 – هل هدف روسيا من خلال موقفها المستجد هو ضرب الاقتصاد الأمريكي؟ و هل تستطيع في غياب دور منظمة ” أوبك ” رفقة السعودية، الصمود في وجه السياسة الأمريكية ! ؟ المعروف عن روسيا، حتى خلال الحقبة السوفياتية، أنها لم تنفرد بموقف معلن ضد المصالح الأمريكية، وكانت تحسب لذلك ألف حساب، فما بالك إذا تعلق الأمر بملف النفط، كون دول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات حليفتي أمريكا استراتيجيا ! ؟
2- هل الاقتصاد الأمريكي، الأول عالميا، في حالة من الضعف، يجعله في متناول الموقف الروسي المستجد؟
3- هل هناك دولة مستقلة، ذات سيادة و شرعية شعبية، تلجأ إلى إجراء من جانب واحد ينزل بميزانيتها إلى النصف، ويرهن قرارها السياسي والاقتصادي وأمنها الاجتماعي على المدى المتوسط بأقل تقدير، مثل الذي أقدمت عليه السعودية !؟
مثل هذه الأسئلة تجعل الفرضية غير مؤسسة، وأن المستهدف ليس الولايات المتحدة الأمريكية بأي حال من الأحوال، وسنحاول البرهنة على ذلك ضمن الفرضية الثانية. ويمكن القول أنه لو كانت الولايات الأمريكية متخوفة من جائحة مالية للجأت إلى دفع السعودية والإمارات إلى خفض الإنتاج وزيادة السعر من جانب واحد، لتنال أمريكا نصيبها من العائدات عن طريق الابتزاز كما عودتنا، والضغط بأقل الملفات التي تحتفظ بها، ومنها ملف مقتل جمال خاشقجي الذي لن يبقي محمد بن سلمان، ولا حتى محمد بن زايد في مأمن ليوم واحد !
* الفرضية الثانية :
الولايات المتحدة الأمريكية هي من خططت لهذه الحرب المعلنة من عملائها العرب. و من المعلوم في علم الاقتصاد، أن القاعدة التي تكاد تكون ثابتة هي قاعدة العرض والطلب التي تخدم المنتج قبل الزبون في العموم، إذ كان من مصلحة السعودية ضمن منظمة أوبك، ومن ورائها الولايات المتحدة، الحفاظ على سقف إنتاجها، ومن ثمة الحفاظ على الأسعار، ولو مؤقتا، والتعامل مع الموقف الروسي بأساليب أخرى للحد من تداعياته، وحتى إذا تطلب الأمر الإيقاع بروسيا، فيكون الرد من المنظمة بجميع أعضائها بعد دراسة كل البدائل الممكنة، ما يجعل السعودية ودول مثل العراق، الجزائر، فنزويلا، وغيرها، في مأمن على ميزانيتها حتى نهاية 2020 على أقل تقدير، ومثل هذا الموقف كان سيخدم الاقتصاد الروسي أكثر، و هو ما يمكن الجميع التقليل من آثار جائحة فيروس كورونا الداهم، والتفكير في تنسيق الجهود من خلال تقديم مساعدات مالية للمحتاجين داخل حدود الحجر الوقائي . لكن، للأسف الشديد الذي حدث هو العكس تماما، وبالتالي فإن الكبار في عالم اليوم لا يتعاملون من باب الحد من مخاطر فيروس كورونا القاتل، و مساعدة الإنسانية على تجاوز محنتها، بل سيزيد تعاطيهم من حدة الأوضاع المالية والمعيشية لشعوب العالم المتخلف على وجه الخصوص. و عليه يمكن أن نتساءل بخصوص المذنب؟ في الظاهر هو السعودية من خلال موقفها الشاذ كثيرا، لكن المذنب الأكبر والأخطر هو من يقف وراء السعودية بدعم من الإمارات، ألا و هو الولايات المتحدة الأمريكية، مما يرجح ضلوعها في التخطيط وإدارة الأزمة النفطية الحالية ! نعم النظام السعودي مذنب في حق الأسرة المالكة ( تقييد حرية أحمد بن عبد العزيز، محمد بن نايف، ونايف بن محمد) ، وفي حق الأمن القومي السعودي، وأمن العالم العربي و الإسلامي، و بحق الشعوب المستضعفة في عالم اليوم، ولن يخدم مثل الإجراء الذي أقدمت عليه من جانب واحد، سوى إدارة ترمب وحليفها الصهيوني . ولا يمكن بأي حال أن تفعل كل من السعودية والإمارات خلاف ما يريح أمريكا و يرضيها!
وما يزيد من قوة هذه الفرضية، ظهور الولايات المتحدة الأمريكية في صورة الضحية والمتضرر من زيادة إنتاج الذهب الأسود و خفض أسعاره ! و الإعلان المفاجئ لزيادة أعداد المصابين، بطريقة لم يتوقعها أحد قبل شهر من الآن ! حيث تصدرت دول العالم في 27 مارس 2020، مما يدفع بأكثر من مراقب إلى صعوبة فهم ما يحدث بالذات، حيث تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المستهدف الأول من الحرب العالمية المستجدة برأسيها المخيفين، جائحة الفيروس القاتل، المجهول الهوية، وجائحة أسعار النفط المتهاوية!
والعالم كله تقريبا بات في حكم المسلم بما تقوله وتقدم عليه أمريكا ! وأكثر من ذلك يعلن الجمهوريون من داخل الكونغرس أن أمريكا مستهدفة، ولو أمكن لحقق مجلس الأمن مع المذنبين الرئيسيين، فيروس كورونا، والنظام السعودي المتآمر حسب الجمهوريين على أمن و سلامة الأمريكيين ! و بناء على ما سبق، هل يمكن التسليم بأن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أول اقتصاد عالمي، وأكبر ترسانة نووية، وأكبر ميزانية إضافية أقرها مجلس شيوخها بتريليونين من الدولارات، باتت مغلوبة على أمرها، تزف شكواها إلى العالم بأسره أمام تعنت نظام محمد بن سلمان المتآمر عليها رفقة روسيا ! ؟
في مثل هذه الأجواء يسارع الأمريكيون الرسميون إلى خلط الأوراق أكثر، فيصرح ستة أعضاء جمهوريين من الكونغرس أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض إلى حرب نفطية من طرف السعودية وروسيا، هل يعقل هذا ! ؟ و في هذه الظروف بالذات. من يصدق أن نظام بن سلمان يجرؤ على المشاركة في حرب تستهدف المصالح الأمريكية ! ؟
و من بين ما جاء في رسالة الأعضاء الجمهوريين الستة ( كيفن كرامر – ليزا موركوسكي- دان سليفان- جيمس انهوف- جون هوفن- سيندي هايد سميث) أن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الطاقة أصبحت الآن تحت تهديد مباشر من بلد يصرح بأنه حليف لأمريكا ! مثل هذا القول يبعث على الغثيان، إذ كان يمكن تصديق السادة الأعضاء، لو أن الميزانية السعودية لم تنزل إلى النصف! لكنهم يزيدون على ذلك بالطلب من الرياض تطليق منظمة “أوبك” والدخول في شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وسبق ذلك تصريح للرئيس ترمب من أن صناعة النفط و الغاز في بلاده تحت الحصار! وفي السياق ذاته يخرج وزير خارجيته بومبيو، داعيا الرياض إلى طمأنة الأسواق العالمية ! بالله عليكم، ماذا يحدث هذه الأيام داخل بيت الساسة المغامرين المستهترين بأمن المعمورة!؟
إن مثل هذا الغموض المقصود، وغير المبرر، وهذا التعاطي المبهم الذي تدير رحاه إدارة ترمب ومجلس شيوخها، سيعرض أمن الإنسانية لمزيد من التهالك، وسيدفع باتجاه الشك بخصوص الفاعل الحقيقي، والمدير الحقيقي للأزمة ذات القرنين التي يشهدها عالم اليوم!
ملاحظة: المصدر الإعلامي بخصوص موقف الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس عديدة، منها على وجه الخصوص : سكاي نيوز، CNN عربي، وغيرهما .
* الملف الثاني : جائحة فيروس كورونا
أخذ الفيروس الجديد اسمه بناء على تصنيفه من طرف الصينيين بالدرجة الأولى على أنه واحد من مجموعة فيروسات كورونا المعروف بشكله التاجي مثلما يبدو تحت المجهر؛ والحقيقة أن هذا التصنيف الذي سلمت به منظمة الصحة العالمية، وكبار الباحثين في ملف الأمراض المعدية، لم ينبثق من تحديد دقيق لطبيعة الفيروس و مصدره، و إنما قام على أساس أعراض المرضى الذين انتقلت إليهم العدوى، مثل الحمى، السعال الجاف، و ضيق التنفس . و تحديدا يستهدف الجهاز التنفسي .
أما بخصوص اللقاح، وعلاج المصابين، فإن أكثر من جهة مختصة، سواء داخل المستشفيات أو الشركات المهتمة بالبحث عن لقاح مناسب وفعال، يتعاملون مع المشكلة مثلما اعتادوا على التعامل مع أي مرض بكتيري في ظل غياب هوية هذا الفيروس القاتل، و غرضهم في ذلك تقوية الجهاز المناعي للمصاب، فمنهم من فكر في استخدام دواء السل، و منهم من أستخدم دواء الملاريا المخصص أصلا للعلاج من مرض طفيلي، كان إلى حد بعيد شديد العدوى .
و مما صعب من مهمة الباحثين هو التركيز على الأعراض بدل الأسباب، بدافع إمكانية إنقاذ مزيد من الأرواح.
وفعلا فقد أطلقوا على الفيروس عبارة ” الفيروس المستجد ” مما يعني حسبهم أن هذا الفيروس هو حلقة في سلسلة فيروسات كورونا التي عرفت سابقا، ومنها المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة المعروفة بـ “السارس” .
و في ظل غياب التأكد من هوية الفيروس بصفة علمية دقيقة، لا سبيل سوى الانطلاق من فرضيات، خصوصا أن التصنيف القائم يقوم على أساس فرضية، لا أكثر!
و يمكن مقاربة المسألة أو المشكلة من فرضيتين:
* الفرضية الأولى :
ليس فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) سوى حلقة ضمن سلسلة أو مجموعة فيروسات كورونا، ويرى بعض المختصين أن السبب يعود إلى تعاطي الإنسان في حدود تلبية حاجاته الغذائية بطريقة غير مقبولة ومألوفة خارج حدود الصين، الأمر الذي فتح الباب أمام مثل هذا الفيروس الذي وجد في نهم الإنسان غير المبرر، الرحم المناسبة للتكاثر والانتقال مستهدفا مناعة الإنسان في الصميم .
و حسب الخبير “تريفور بيدفورد ” فإن الاحتمال الأكثر ترجيحا لانتشار هذا الوباء تتمثل في نقل الخفافيش الحاملة لهذا الفيروس العدوى إلى حيوان ثديي غير معروف، وعن طريق هذا الحيوان المفترض وصل الفيروس إلى الإنسان في حدود مدينة ووهان الصينية مع نهاية سنة 2019 . و ذهب في نفس المنحى تقريبا الكاتب الروسي ” دميتري الكسيف ” وإن لم يذكر الصين بالإسم .
ويطلب كثير من الساسة، وفي مقدمتهم الأمريكان، من الصين تقديم توضيحات مقنعة بخصوص مصدر هذا الفيروس. وتبقى في الغالب هذه الفرضية هي المعتبرة لدى الأوساط الصحية، ومنها منظمة الصحة العالمية، ولدى شريحة واسعة من المراقبين .
* الفرضية الثانية : فرضية أن هذا الفيروس صناعة مخبرية، بمعنى أن الفيروس تمت هندسته وراثيا بغرض تجربته على الإنسان و التأكد من درجة فعاليته ضمن التحضير لحرب بيولوجية، بعد أن تم تجريب الأسلحة الكيماوية في أماكن محددة. ويجب التأكيد أن هذه مجرد فرضية، لكنها تبقى غير مستبعدة، و في أحسن الظروف يعزوها الدليل .
و بهذا الخصوص يمكن مراجعة صحيفة ” فايننشال تايمز ” التي نقلت عن الخبير ” بيدفورد ” في مركز ” فريد هاتشينسون ” لأبحاث السرطان في سياتل بولاية واشنطن، إذ صرح بالقول، أنه لا يوجد دليل يشير إلى أن فيروس كورونا تمت هندسته وراثيا، ويقول : لدينا بعض الأدلة على أن الطفرات في الفيروس تتوافق مع التطور الطبيعي.
لعل ” بيدفورد ” استند أكثر على كون الفيروس استهدف الجهاز التنفسي، وأن الأعراض ( الحمى، السعال، وضيق التنفس) هي ذاتها المعروفة ضمن فصيلة فيروسات كورونا، ولو كانت اليوم أشد حدة و أثرا على صحة و مناعة الإنسان .
و لعل الزعم بقيام هندسة وراثية للفيروس، استند، من بين ما استند إليه، تصريح ضابط الاستخبارات الإسرائيلي ” داني شوهام ” عبر صحيفة ” واشنطن تايمز ” الذي ربط ظهور الفيروس القاتل والمدمر بعمل بعض المختبرات الضالعة في العمل على تطوير أسلحة بيولوجية.
بناء على ما سبق ذكره، تبقى فرضية تطوير سلاح بيولوجي غير مستبعدة أمام عدم إعطاء جواب علمي بخصوص هوية الفيروس و مصدره، وهو ما يستدعي التعاون بين منظمة الصحة العالمية والصين من أجل تقديم تقرير علمي مقنع .
* الملف الثالث : طريقة التعاطي مع الحرب الجديدة ذات القرنين
أولا: من حيث التعاطي مع أزمة أسعار الذهب الأسود، الغالب هو انفراد إدارة ترمب و مجلس شيوخها بشقه الجمهوري، على وجه الخصوص، بتوجيهه بعيدا عن أي تأثير في الاتجاه المعاكس، كون الصين كقوة اقتصادية رائدة من بين أكثر المستفيدين من تدني الأسعار، وكذلك تركيا، إضافة إلى دول الاتحاد الأوربي مجتمعة، أما روسيا فإن الغالب هو انخراطها إلى جانب الولايات المتحدة ضمن بروتوكول تفاهم من أجل تقاسم الأدوار سياسيا واقتصاديا بخصوص مناطق نفوذهما في قابل ! و إلا ما كانت روسيا تقبل بالإجراء السعودي من جانب واحد ! و السعودية لا يمكنها الانفراد بالمغامرة من غير ضوء أخضر أمريكي و موافقة روسية مبدئية !
لذلك و لذلك فقط فالعملية محسوبة في أدق تفاصيلها، والأدوار مقسمة، والعملية المقنعة قائمة تحت طائلة الضغط بأكثر من ملف .
و الخاسر الأكبر بطبيعة الحال هي دول مثل العراق، الجزائر ، إيران، فنزويلا، و أعضاء آخرين ضمن منظمة أوبك بنسب متفاوتة . و سيكون لذلك تداعيات على منطقة الشرق الأوسط ، خصوصا القضية الفلسطينية، و مستقبل ” صفقة القرن “. و لعل القادم بعد تجاوز محنة الفيروس القاتل، تغير جيواستراتيجي بلون مغاير جدا .
ثانيا : وأما طريقة التعاطي مع جائحة الفيروس اللغز، فإن طريقة التعاطي مع الأرقام، خصوصا عدد المصابين، يبعث على الدهشة ! ليس بخصوص خطر الفيروس الذي لا نشك فيه، ولكن من حيث التوظيف السياسي ! وفي هذا الصدد بالذات ما هي الجهة، منظمة أو هيئة مختصة، كمنظمة الصحة العالمية مثلا، يمكن التأكيد على صحة الإحصائيات المقدمة؟ وهل فعلا الصين باتت غير مهددة، وأنها فعلا هي في حكم المنتصر على الفيروس؟ وكذلك بخصوص عدد المصابين الأمريكيين، هل العدد حقيقي؟ هي أسئلة تعتمد على عدم الثقة في سياسة إدارة ترمب التي ثبت إفلاسها في ملفي سوريا واليمن على وجه الخصوص !
لكن هناك من يتساءل بخصوص تضرر دول مثل إيطاليا، إسبانيا، وألمانيا على وجه الخصوص؟ والجواب بسيط ، فالضحايا داخل حدود هذه البلدان بالآلاف، مثلما حدث خلال الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص، حيث تكبدت ذات البلدان ضحايا بالملايين ! و أصابها دمار كبير، وتحطمت اقتصادياتها إلى حد بعيد، كل ذلك بسبب الساسة المغامرين، المفلسين على وجه الخصوص، ولم تكن قنابل الطائرات والمدافع والبوارج والدبابات تميز بين كائن من كان!
و لعل الذي يعزز من فرضية تورط نوع من الساسة المغامرين والمفلسين هو بالغ الغموض الذي يلف طبيعة الحرب التي بدأت مفاجئة وغير متوقعة في شقيها أو رأسيها، شق الفيروس القاتل، و الشق الاقتصادي المتصل بتدني أسعار البترول بإرادة بشرية محددة ! لكن في كل الحالات تبقى الفرضيات في حاجة إلى برهان، والبرهان في ظل حرب بهذا المستوى تبقى صعبة المنال، مثلما غابت الجهة المدبرة التي عملت على تهيئة الظروف لاندلاع الحربين الكونيتين و المدمرتين، الأولى و الثانية .
و في هذا الصدد بالذات يجب التأكيد على أن الحيلة في مثل هذه الملفات تقتصر فقط على دوائر ضيقة جدا، ومعها يبقى تحديد المذنب من الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلا أحيانا ! وليس مستبعدا أن يكون الطرف المتسبب قد رتب أوراقه بعيدا عن حسابات الصين، روسيا، و حتى الولايات المتحدة الأمريكية، و هو من رسم مسار الأزمة بالكيفية التي باتت واقعا يفرض أكثر من تحدي، ويعرض العالم لمخاطر جمة ! ولعل الفاعل لم يعد يعول على الحروب التقليدية التي تستخدم فيها الطائرات والدبابة والصواريخ الباليستية أمام عدم كفاية منظومات الدفاع مثل بطاريات الباتريوت على سبيل المثال، مما جعله يجرب مثل هذا الأسلوب الجديد، وليس المستجد !
على كل حال، فإن الهدف من طرح مثل هذه الفرضية التي تفتقر إلى دليل صريح، هو التخوف من أن يكون الفاعل فعل فعلته من باب اختبار فعالية هذا الأسلوب، سواء في حدود الصين انطلاقا من “ووهان “، أو داخل حدود إيران انطلاقا من ” قم “، أو حتى داخل أمريكا انطلاقا من ” نيويورك”، ناهيك عن إيطاليا، إسبانيا، وألمانيا! و لربما سيفكر في ما هو أبشع بكثير بطريقة مختلفة، خصوصا من حيث الأهداف! و هو ما يعزز أهمية مشاركة أوسع بخصوص هذا النقاش من باب قدسية النفس البشرية بغض النظر عن المعتقد، و العرق، و الجنس، و اللون، و اللسان.
لكن لا يمكن أن نصدق التفسير الذي أخذه منحى إدارة ترمب مع قضية خفض أسعار البترول، والظهور بمظهر المستهدف من قبل النظام السعودي وروسيا على السواء! فإذا رفض الألماني و الإيطالي و الإسباني مثل هذا التفسير، يمكنهم عدم الثقة ثقة عمياء بكل ما يقال بخصوص الفيروس القاتل مجهول الهوية .
21 تعليق
لعله من المفيد ، بعد أن تعاملنا مع المشكلة انطلاقا من فرضيات ذات سياقات متقاربة ، و وفق منهجية تقوم على الجدلية في عمومها ؛ أن نتابع المسار اعتمادا على مجموعة من المؤشرات ، و كل مؤشر يمكن أن يقوم على فصيلة من الأسئلة .
أولا :
يتساءل السيد ” ليجان زاهو ” نائب رئيس إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية – الجمعة 13مارس 2020 – جدلا ، فيقول :
١ – متى بدأ المريض الأول في أمريكا ؟
2- كم عدد الأشخاص المصابين ؟
3- ما أسماء المستشفيات التي يعالج فيها المصابون ؟
انتهى كلام المسئول الصيني .
يمكننا أن نضيف إلى ذلك أسئلة أخرى :
4- متى بدأ أول مريض في الصين ؟
5- المدة الزمنية بين أول إصابة اكتشفها الطبيب الصيني الضحية ، و إعلان الجهات الرسمية عن الإصابات بالمئات ! ؟
6- ما أسم المستشفيات التي عولج بها المصابون ؟
7 – هل كل من أعلنت عنهم الصين ضمن عدد الإصابات ( أكثر من 80ألفا ) هي إصابات مؤكدة بذات الفيروس ، و إذا كانت كذلك ، ما طبيعة العلاج الذي رفع عدد المتعافين، و قلل الوفيات ! ؟
8- متى بدأ أول مريض في إسرائيل ؟
9- كم عدد الإصابات المؤكدة في إسرائيل ؟
10- ما سر الهدوء الذي يلف المجتمع الإسرائيلي المعروف بطبيعة هلعه حينما يتعلق الأمر بخطر قاتل خفي ! ؟
11- ما أسم مستشفياتهم ؟
12- متى كانت أول إصابة في روسيا ؟
13- كم عدد الإصابات المؤكدة ؟
14- كم عدد الوفيات ؟
ثانيا :
أما بخصوص منشأ الفيروس ، فقد أجاب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني بالقول : ” يمكن تحديده فقط بالعلم ، أي الاعتماد على وجهات النظر العلمية و المهنية ، لا نأمل رؤية أي أحد يستخدم هذه المسألة لوصم دول أخرى ، و على العالم الاجتماع لمحاربة الوباء ، عوضا عن توجيه اتهامات و مهاجمة بعضنا البعض ، و هو الأمر غير البناء ” .
انتهى كلام المسئول الصيني .
يمكنكم مقابلة كلام المتحدث باسم وزارة الخارجية ، و نائب رئيس إدارة المعلومات بذات الوزارة الصينية ، من جهة ” ليجان زاهو ” و في المقابل ” جينغ شوانغ” ! ؟
المهم هو فصيلة الأسئلة التي يمكن بناؤها :
1- من هي الجهة الأكثر تخوفا من قيام تحقيق علمي و مهني يكشف حقيقة و طبيعة الفيروس ، و يحدد المسئولية ؟
2- و الجهة التي تحول دون قيام تعاون ، بين الكبار على الأقل ، لمواجهة خطورة الوباء ؟
3- هل سيشهد العالم سباقا بخصوص التكتم حول طبيعة الفيروس، و الوسائل الفعالة الكفيلة بالحد من الخسائر البشرية ؟
4- ما دور منظمة الصحة العالمية في هذا الخصوص بالذات ؟
ثالثا :
بخصوص ” اللقاح ” و هو الأهم ، لأنه سيساعد في الكشف عن طبيعة الفيروس . و بناء على ذلك نبني فصيلة ثالثة من الأسئلة :
1- من تكون تحديدا ، على الأقل في علم منظمة الصحة العالمية ، الجهات المهتمة فعلا بالبحث في إمكانية اكتشاف لقاح ؟ و هل هناك إمكانية انفراد جهة بذلك ، خارج حدود دائرة الدول : ألمانيا ، الصين ، أمريكا ، فرنسا ، روسيا ؟
2- هل هناك جهة تحوز على اللقاح بناء على علمها بطبيعة الفيروس، تنتظر الظروف الملائمة و المناسبة للإعلان عنه بطريقة أو بأخرى ؟
3- هل هناك إمكانية غلق ملف طبيعة الفيروس و اللقاح بعد تجاوز المحنة من خلال علاج المصابين وفق ما هو متاح الآن ؟
رابعا :
بخصوص طبيعة انتشار الفيروس ، و عدد المصابين ، و عدد الوفيات ، و عدد المتعافين ؛ هل هناك عشوائية ؟ لأنه إذا تحقق قيام عامل العشوائية بهذا الخصوص فإن قيام فصيلة أخرى من الأسئلة وارد :
1- هل يمكن أن تتحول كل من إسرائيل ، و غزة ، إلى بؤرة من الخطورة بمكان ، أو على الأقل إحداهما ؟
2- كيف استطاعت روسيا ، بالرغم من التقارب و التواصل بينها و بين الصين و إيران ، و حتى بعض الدول الأوربية ، أن تتفادى و تحول دون تحولها إلى بؤرة للفيروس الخفي القاتل حتى الآن ؟
3- هل هناك جهة علمية يمكنها إبعاد شبهة عامل العشوائية بخصوص ترتيب بؤر الانتشار و الإصابات المؤكدة ، و الوفيات ، ناهيك عن المتعافين ؟
الخلاصة : بناء على ما سبق نجد أنفسنا ، على الأقل ، أمام أربع مؤشرات ، يمكن أن يقوم كل واحد على فصيلة من الأسئلة ، تحتاج إلى إجابات شافية من جهات مختصة ، و رسمية ، مما يتيح إمكانية الوصول إلى تحديد مجموعة تعريف هذه الحرب الوبائية.
يمكن أن تتساءل بخصوص تضرر الإيطاليين و الإسبان ، خصوصا من حيث الوفيات ، و حتى الإصابات ، فتقول : لماذا لم يشار إليهما ضمن المؤشرات الأربعة ، و تحديدا فصائل الأسئلة؟ فعلا مثل هذا التساؤل مشروع ، لكن الإجابة على ذلك تقتضي التأكد من المؤشرات ، و درجة قوتها قبل كل شيء ، حينها يظهر أن وضع البلدين خاص ، و له ما يبرره ضمن السياق العام للمشكلة ، لكن ذلك سيتوقف على مدي النجاح في الوصول إلى تحديد مجموعة تعريف هذه الحرب الوبائية ، و قبلها فك شفرة اللقاح اللغز !
هذا من جهة ، و من ناحية ثانية ، هل بإمكان الديمقراطيين في أمريكا ، و تحديدا على مستوى ” نيويورك ” الخروج عن القاعدة التي يستند إليها الرئيس ” ترمب ” ؟ بمعنى هل يمكن التعرف على تعاطي الرئيس مع ما حدث و يحدث فعلا ، هل الروح ( الوقود ) الذي يسكنه هو روح المجتمع الأمريكي ، أم روح إدارته ، و تحديدا مكتبه الضيق جدا رفقة أهم مستشاريه ؟
و السؤال لن يتوقف على الفيروس القاتل ، و نتائجه، بل سوف يتعداه إلى أزمة أسعار النفط و طبيعة التعاطي مع ( الحليف ) السعودي ، لكي لا يفوت الوقت ، ثم يتوجه بعض الديمقراطيين باللوم على روسيا ، كما فعلوا بخصوص الانتخابات الرئاسية بعد ترسيم الرئيس !
و لكن يمكن أن يحدث الرئيس ترمب المفاجأة ، كونه يتحول إلى طفرة في عالم السياسة و الاقتصاد و الصحة و البيئة و السلام و الأمن الدوليين ، و يعجل بقيام نظام عالمي جديد ، فيكفي الإنسانية شر الأوبئة و الحروب على اختلاف أنواعها .
لكن لا أدري إن كان ترمب متناغما إلى هذا الحد مع مجتمعه الاتحادي بخصوص أمنه القومي و أمن الإنسانية جميعا ، هذا الذي يجب أن يجيب عليه الديمقراطيون، لأن الجمهوريين سيكونون منشغلين أكثر بسلامة رئيسهم من الفيروس الخفي .
و بخصوص الصين ، فإن التدافع الاقتصادي عموما ، و التجاري خصوصا بينها و بين أمريكا في غياب نظام عالمي جديد ، لن يسعد الإنسانية في شيء .
النظام الصيني نظام شمولي متميز ، متنمر ، و مقاوم ، يملك قدرة كبيرة على الانفتاح على داخله ، و على غرار محيطه بسرعة فائقة ؛ لقد استوعب نموذج الليبرالية و تحكم في أبعادها و مخرجاتها ، و استثمر في نتائجها داخل حدود الصين على وجه الخصوص ! و حول البلاد إلى حقل تجارب ، بنى على أساس نتائجه مختلف خطواته السياسية في مختلف مناحي الحياة ؛ و هو النظام الذي لا يعترف بالفصل في عالم السياسة ( فن الممكن ) بين ما هو اجتماع و اقتصاد و دفاع ، و صحة و مرض ، و موت و حياة ! غير أنه مع ذلك كله ، لا يمكنه أن يتجاوز حدود القاعدة : ” إذا تجاوز الشيء عن حده انقلب إلى ضده ” ؛ لأن درجة التدمير في حدود الكيان محل التجربة ستكون حينها هائلة و مريعة !
بناء على ما سبق يمكننا إعارة قليل من الأهمية لعلاقة الصين بالفيروس الخفي القاتل الذي استطاعت ، إلى أن يثبت العكس، أن تستوعبه! كيف لا ، و هو في حدود عشوائية انتشاره ، و حصد ضحاياه بالآلاف ، يشبه إلى حد ما الليبرالية الغربية في عشوائيتها و نتائجها ! و لعل ذلك الذي ميز ، و يميز الصين حينما تضع يدها على تجربة ، أو نموذج، أو فصيلة ، أو سلوك ، أو جهاز ؛ فتلتهمه ثم تنسج على منواله ما تريد ، وفق ما يشبع حاجتها الاستهلاكية ، أو يستجيب للحاجات الاستهلاكية لزبائنها المختلفين ؛ حيث تنظر إلى المسألة و تصورها على كونها سلعة أو بضاعة قابلة للاستهلاك ! أتدرون لماذا ؟ ببساطة ، لأنها لم تتمكن من تجاوز حدود ما هو مستهلك و ما هو قابل للاستهلاك ، تعزوها الفكرة بخصوص تحديد رؤية كلية متوازنة تجاه عالم لا تسري عليه قاعدة العرض و الطلب ! هذه هي مشكلة النظام الشمولي الصيني الذي يستبطن خزانا بشريا هائلا ، و قدرات ذاتية هائلة ، و استجابة فائقة للبت في سؤال العرض و الطلب في حدود كوكبنا الأرضي في ظل عالم تعلوه غمامة مخيفة من حماقات و إخفاقات و إفلاس أكثر من نظام شمولي استبدادي متهور !
و ضمن هذا السياق بالذات ، يمكننا مقاربة علاقة الصين خلال ثلاثة أشهر ، أو يزيد ، مع الفيروس الخفي القاتل ، كيف و متى نزل بين أبناء ووهان، حيث تجاهلته السلطة في بادئ الأمر ، و تعاملت بصرامة تبعث على الريبة مع الطبيب الضحية الذي زف خبر العدوى و حذر منها ! لكن بالرغم من محاولة التكتم ، فإن ذلك لا يكتسي أولوية أمام سؤال تجاوز محنة القاتل الخفي الذي ربطته السلطة الصينية ، قبل غيرها ، بفصيلة فيروسات كورونا ، سواء كان هندسة وراثية ، أو طفرة طبيعية في حدود المستجد ؛ و هذا السبق المتفرد بخصوص فرض نمط واحد حول أهم معلومة بخصوص الفيروس أمام استسلام شبه كلي في حدود الخبرة العالمية القائمة في هذا السياق بالذات .
و بالرغم من ذلك كله فإن السلطة الصينية ذاتها كادت تخرج عن القاعدة في جو دهشة عالمية لم يسبق لها مثيل ! كان ذلك عبر بعض مسؤوليها ، خصوصا المكلف بإدارة المعلومات بوزارة الخارجية ، الذي لمح إلى إمكانية تعرض الصين لهجوم بيولوجي من قبل أمريكا ! لتستدرك السلطة ، كمن يسترجع أنفاسه مجددا ، فيدعو المتحدث باسم وزارة الخارجية إلى قيام تعاون دولي لمواجهة الوباء ! والحالة هذه لا تتصل بشخص طبيب من الأطباء ، أو مصاب من المصابين ، و لكن بالصين الرسمية !
لذلك و لذلك كله ، اعتمادا على هذه المقدمات ، من يستطيع ، من الرسميين ، أن يقنع البشرية ، كون الرواية و التفسير الصيني هو التفسير السليم الذي يجب أن يؤيده العالم أجمع ، هذا من جهة ، و من جهة ثانية ، كيف أمكنها أن تستوعب قوة القاتل الخفي ، و تستمر في طريقها لتلبية حاجات كل المستهلكين بناء على تفسيرها و روايتها آحادية الجانب دون استفسار من أي جهة كانت ! ؟
عند هذا الحد أجدني أشك في قدرة الصين التفرد في تفسير ما حدث فعلا ، و ما سيحدث خلال الشهر ، أو الشهرين القادمين على أكثر تقدير ، خصوصا أن الصين كانت ، في حدود الاستثمار، منفتحة من أجل التعاون ، حتى مع الشيطان ؛ ولا أدلكم على من هو أخطر من دوائر الفكر المنغلق المتخفية و المقنعة كثيرا ، و التي لا تختلف كثيرا عن الفيروسات إلا من حيث طبيعة حمضها الأميني و أوراق عملها عالية الجودة من حيث التخفي و التدليس!
و ماذا عن فرنسا ؟
و قيم الجمهورية ، و الشعار المثلث الرمز ( حرية – إخاء – مساواة ) !
و دلالاته في حدود كل ما قيمة إنسانية ، خصوصا الطمأنينة و الأمن و الأمان ؟
لا يكاد يعثر الفرنسيون أنفسهم على ثابت من الثوابت ، أو قاعدة من القواعد حفظت الأسس التي قامت عليها الجمهورية من بعد الثورة الفرنسية 1789 ، فلا و جود سوى لأمارات الإقصاء ، إقصاء كل ما هو قيمة إنسانية ، و لا أدل على ذلك من روح فرنسا الاستعمارية التي لوثت العهود و الوعود ، خصوصا تلك التي قطعتها على نفسها ، لما كادت تختنق جوعا ، لولا تلك الأطنان من القمح التي وصلتها من الجزائر ، التي لم يكن شعبها يومها يعرف حدود العرق و اللون و الجنس و اللسان ! و لا أدل على ذلك من أن مسيري شركة الحبوب من أصول يهودية ! و أكثر من ذلك أن الجزائر في ظل الحكم العثماني ، و مكانة أسطولها البحري ، لم تكن تفكر في تجويع الفرنسيين و لا ترويعهم !
غير أن فرنسا لم تحفظ ذلك ، و تقابل الحسنة بالحسنة، فترد الجميل، أو على الأقل تفي بالوعود ! ببساطة ، فرنسا لم يسعفها شعارها المثلث ، و قيم الجمهورية ، من أن تحتفظ على مستوى ذاكرة الشعوب و الأمم بموقف من المواقف ، أو مثال من الأمثلة يدل على تلك المبادئ و القيم ! و في المقدمة الشعب الجزائري الذي اغتصبت أرضه و رملت حرائره و أرهبت أطفاله، و أحرقت عائلات بأكملها داخل كهوف لجأت إليها ، اتقاء شرور المحتل الغاصب !
أتدرون لماذا ؟
لأن لائكية فرنسا ، و إن علقت على صدرها شعار الثورة المثلث ، كانت خلاصة انحراف مركب ، تسبب فيه فكرها الديني الكنسي ، و ممارسات ساستها المغامرين ، الذين لم يميزوا، على حد سواء بين ما هو حرية ، ولا أخوة ، و لا مساواة ؛ و حبذا لو حافظوا على واحد منها . و لا أدل على ذلك من شعارهم الذي تفاخروا به كثيرا : ” اشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر إقطاعي ” الذي يترجم إلى حد بعيد أثر الفكر الكنسي على الناس ، و خصوصا العلم و العلماء ، بداية بسحل و إعدام العالمة و المعلمة ” هيباتيا ” المتخصصة في الرياضيات و الفلك و الفلسفة ، و ابنة العالم ” ثيون ” !
و لم يتوقف أثر تلك اللائكية المشحونة بكثير من المآسي في عالم القيم على فرنسا ، بل تعداها إلى الجوار ، و أفسد كل حس و مشاعر في حدود عالم الأفكار ، و لا أدل على ذلك الجنوح من الشعار المعروف : ” لا نريد ربا و لا سيدا ” ! ليتهاوى الشعار المثلث ، و تضيع معه قيمة الحرية و قيمة الأخوة من واقع الناس ؛ و يلد من ذات الرحم المريضة أبرز قادة التوجه الشيوعي الشمولي المتوحش ، رافعا شعار العدالة الاجتماعية ، ففرق شمل المجتمعات ، و أشقى الأباء و الأمهات ، و لم يبق – بضم الياء – من المثلث الذي تداخلت أضلاعه ، و غارت زواياه، فيما يشبه قارب النجاة الذي فقد ركابه استسلم ربانه تحت ضربات دعاة ” المساواة ” التي لم تصمد طويلا حتى تحول ضلعها الموروث إلى ما يشبه المستقيم ، و يا ليته كان مستقيما حتى يصل بالبشرية إلى شط الأمان ، و تتحقق معه قيمة المساواة : ” كلكم من آدم و آدم من تراب ” ! ؟
هذه هي لائكية جمهورية القيم التي أتعبت أوربا بمزاعمها قرونا من الزمن ، فكانت ، للأسف الشديد مرتعا للفكر المنغلق الذي تقنع كثيرا، و تستر طويلا وراء أكثر من شعار ، و أدخل أوربا ، للأسف الشديد في أتون حربين كونيتين مدمرتين كادت تزيل خارطة القارة العجوز إلى الأبد ! ولم يكن رواد الفكر هناك ، إلا القلة ، في مستوى تضحيات المربية ” هيباتيا ” و أمثالها .
لذلك و لذلك فقط ، لا يمكن أن يأتي من فرنسا الخلاص ، و لا يمكن للاتحاد الأوربي أن يصمد طويلا ، لأنها – فرنسا – هي من جلبت له الخواء الفكري و القيمي على حد سواء ؛ و تحملت في سبيل ذلك ألمانيا كل الأعباء ؛ و تخلصت من ثقلها بريطانيا بعد طول عناء !
باختصار هذه هي فرنسا الرسمية اللائكية التي لم تع في يوم من الأيام درس العلمانية ، الذي أوصاها ، قبل غيرها ، أن تحسن للإنسان ، بداية بالشعب الفرنسي الذي احتوته الأوهام ، و كشفت عن هشاشة منظومته الرسمية محنة الفيروس الخفي القاتل هذه الأيام ! و لو كانت الجزائر متعافية ما غضت عنه الطرف من أجل حرية و كرامة الإنسان .
Bachir و ليس BLANCHIR ، معذرة .
و ماذا عن روما الجريحة ، و شعبها المضياف! ؟
نعم ، كأن إيطاليا الحزينة اليوم ، تكاد تختزلها روما أو “رومية ” 753 قبل الميلاد ، و إلى أيام الناس هذه ، و تختصر كل الطرق في طريق واحد ، بخلاف الطريق الذي اشتهاه اليمين المتطرف ، فتغطي على تاريخ إيطاليا بكامله ! أو لربما هو من جنس ما كانوا يحلمون به ، و يتصورون روما هي أوربا ، و أوربا هي روما ! فبدت لتوها مدن إيطاليا في صورة المدينة الواحدة احتفاء بجلوس ” رومية ” على العرش من جديد ! كمن يتمنى أن يتخلى الإيطاليون ، و معهم جميع الأوربيين ، عن فحوى : ” كل الطرق تؤدي إلى روما ” ، لكن من جانب واحد ، و في اتجاه الجنوب ! و لربما هي الرغبة التي عبر عنها اليمين الفرنسي المتطرف مرارا و تكرارا على لسان ” ماري لوبان ” !
و كانوا يأملون تخليص أوربا و معها كل العالم من تعدد الطرق ، علهم يعبدون طريقا إلى السماء ، و هو الذي لم يتحقق ، للأسف الشديد ، فتقطعت بهم الأسباب ، و السبل في آن واحد ! و شتان بين أبواب السماء ، و طرق الأرض ! و في اللسان ، جاء : ” و السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره ” .
و جاء في القرآن : ” و تقطعت بهم الأسباب ” بمعنى : المودة ، فيما ذهب إليه ابن عباس . و ذهب مجاهد إلى معنى : انقطاع تواصلهم في الدنيا .
و أسباب السماء مراقيها، قال الأزهري :
و من هاب أسباب المنية يلقها * و لو رام أسباب السماء بسلم .
روما أو ” رومية ” عاصمة الدنيا ماضيا ؛ و حتى في حاضر إيطاليا الذي عانى من حاضر أمريكا عموما ، و من حاضر فرنسا على وجه الخصوص !
أتدرون لماذا ؟ ببساطة ، لأن ذاكرة روما أو ” رومية ” الإيطالية اليوم تشتتت كثيرا ، و أصابها الذي أصابها في حدود ما هو ” مناعة ” في التاريخ ، و ” مناعة ” في التحضر !
و اليوم ، تكاد تتحول إيطاليا الرومية بجميع مدنها إلى ” روما ” مدينة واحدة من دون طريق و لا سبيل ، كمن يريد أن ينفرد بها في جزيرة ، فيخفي عن كل العالم أسرارها ، و يقتل فيها أنفاسها ، و يمنعها من الحياة !
و السؤال : ما ذنب الإيطاليين الأبرياء ، و من كان سببا في انتشار هذا الوباء ! ؟ أهو فعلا بسبب المهاجرين الأفارقة الذين تفرقت بهم السبل و ضاقت بهم بلدانهم و أذنب في حقهم حكامهم المستبدون؟ أم هو اليمين ، و إلا يمين اليمين ، أم هو من فعل اليسار أو يسار اليسار ؟
لكن روما أو ” رومية ” التي اجتمعت من حولها كل المدن تخطب ودها و تطلب وصالها، لا تعبأ بذلك كله ، لأنها عادت بها الذاكرة ، تبحث عن روما التاريخ و روما المناعة المتوجة بكثير من الهمة و العنفوان ! و إلى وقت قريب كانت بمدنها التاريخية تفتح ذراعيها للجميع ، منفتحة على العالم كله ، بل منفتحة على كل طريق !
رومية ! ماذا أصابها في جمعها و لحمتها ، على حين غفلة من أمرها ؟ حتى أنها لم تعد تتبين أي طريق ! تشتتت ذاكرتها و استهدف جمعها و ضعفت مناعتها، فتفرقت فيها و عبرها أوربا ، بدل أن تتوحد ، و ثلثت بدل أن توحد ، و لم تشفع ديرها و كنائسها، و حتى مساجدها التي أفتى المسلمون بغلقها ! و لم تعد جوهرة التاريخ الرومي تتبين طريق النجاة ! و قد أصابها كثير من الغثيان الذي أنهك شعبها كثيرا .
اسأل ” رومية ” المريضة و الجريحة التي بدت متربعة على العرش من جديد في غياب جموع المهنئين الذين انتظرهم السكان عبر كل الطرق التي كانت مفتوحة باتجاه ” روما ” ! و جهت دعوتها إليهم جميعا في حدود أوربا و أمريكا ، و لم تعد تميز بين يسار و يمين ! لكنها بالرغم من وطأة الفيروس الخفي القاتل ، لم تغب عنها صورة القادمين من الجنوب من أولئك التائهين اللاجئين الذين توقفوا عند سواحلها خائبين ! و في ذات الوقت تسترجع ، إلى وقت قريب ( نصائح ) قائدها اليميني ” ماتيو سالفيني ” الذي طالب منتصف شهر فيفري المنصرم ، بغلق الحدود من جهة البحر المتوسط لمنع المهاجرين من الاقتراب من الأرض الإيطالية خوفا من وباء ” كورونا ” . لعل هذا القائد اليميني الذي خطب في جموع الإيطاليين كثيرا ، كان فعلا يهتم لسلامة الإيطاليين و الإيطاليات و مناعتهم ؛ و قد كان متناغما كثيرا مع اليمينية من دون يمين ، الفرنسية ” مارين لوبان ” التي تباهت و تماهت في حدود ” لائكيتها ” ، فاستكثرت بعنصريتها المفرطة ، علاج الأفارقة داخل مستشفيات فرنسا بسبب الوباء الخفي القاتل ، التي حسبته مهاجرا ، جاء من الجنوب يطلب ودها ! و نصحت نظراءها اليمينيين بالمثل .
لكن ، للأسف الشديد ، تتوالى الأخبار من داخل إيطاليا المحاصرة ، مبطلة ادعاء السحرة ، تفيد كلها بعدم تسجيل أي إصابة في صفوف المهاجرين داخل حدود إيطاليا التي قارب عدد مصابيها عتبة المائة ألف مصاب ، و زاد فيها عدد الوفيات عن العشرة آلاف ! و إلى غاية 18 مارس 2020 لم يتم الإعلان سوى عن ضحيتين من غير الإيطاليين ، يتعلق الأمر بمواطنين عربيين يقيمان بمدينة ” بيرجامو” الشمالية ، يمكن أن يكونا من بين طواقم التمريض و الاستطباب في الجبهة الأمامية لمواجهة الفيروس .
و للعلم ، فقد اجتمع قبل أقل سنة من الآن – مايو 2019 – قادة عشرة أحزاب يمينية أوربية في إيطاليا بدعوة من رئيس حزب الرابطة الإيطالي اليميني المتشدد ” ماتيو سالفيني ” بهدف الحشد للانتخابات الأوربية التي تجري في 27 بلدا عضوا في الاتحاد الأوربي ، و كان ذلك في ” ميلانو ” ؛ و خلاصة ما دعا إليه ” سالفيني ” هو استعادة مفاتيح البيت الأوربي ! و اعتبر ذلك مسألة حياة أو موت ! ؟
و من دون ريب ، فإن قادة اليمين المتطرف ، أمثال ” ماتيو سالفيني” الإيطالي ، و ” مارين لوبان” الفرنسية ، و ” خيرت فيلدزر” زعيم حزب الفلامنك الهولندي ، القريبين جدا من مواقف الرئيس الأمريكي ” ترمب” ، يتوددون كثيرا إلى زعيم روسيا القيصرية ” بوتين ” الذي جاء على إثر غسل الشيوعيين أيديهم جراء تحطيم آخر حصن من حصون القيم الإنسانية ، و لم يقبلوا حتى بما تبقى من أضلاع مثلث و رمز الثورة الفرنسية ، ألا و هو ضلع المساواة ! التي استشاط بخصوصها اليمينيون كثيرا ! و على إثر الفاجعة التي حلت بساحة الإيطاليين ، راح ” بوتين ” يرسل المساعدات إلى صديقه و شريكه
” سالفيني” ، حيث من المتوقع أن تنقشع الغمة، و ينجو الإيطاليون مثلما نجا الصينيون .
و لكن هل يستطيع ” سالفيني ” و ” ماري لوبان ” الاقتراب من ساحة ” بوتين ” و يسألانه عن أسرار ما حدث بالذات ، على حين غفلة من جموع الإيطاليين ، و ملايين الأوربيين ، ناهيك عن التخبط الذي أصاب الأمريكيين الذين لم يستوعبوا ، إلى اليوم ، فوز ” ترمب ” بالانتخابات الرئاسية التي لم تكن روسيا القيصرية بقيادة ” بوتين ” الذي لا هو يميني ، ولا هو يساري ، لا إنجيلي ، و لا علماني ، لكنه فعلا حير الديمقراطيين و الجمهوريين على حد سواء !
و أين هي إسبانيا من كل هذا !؟
الشعب الإسباني مضياف و منفتح كثيرا ، لم يأت ذلك من فراغ ! عايش الحكم الملكي ، فالملكية الدستورية ، فالحكم الديمقراطي في صبغته البرلمانية ، و قبل ذلك بكثير كانت إسبانيا إمبراطورية ذات نفوذ واسع ؛ و عرفت بشمس أوربا كمتنفس للقارة العجوز ، تحتفظ بالكثير من الذكريات لأنها بلد متحضر منفتح على أكثر من حضارة ، و تكره الانغلاق بالرغم من ارتباطها بالشمال أكثر منه بالجنوب في السياسة و الاقتصاد ؛ لكنها تبقى من أفضل دول أوربا في عالم بناء الأواصر و الصداقات .
لعلك تتفق معي ، كون إسبانيا بقيت ، إلى حد ما ، عصية على كل ما هو يميني متطرف ، بالرغم من بعض الفضائح المالية و الأخلاقية التي لاحقت الطبقة السياسية الحاكمة ، على غرار فضيحة ” غورتيل ” أو ” وترغيت إسبانيا ” ، حيث حاول استغلالها حزب ” فوكس ” ذي
النزعة المعادية للأجانب ، و الاستثمار في بعض المتناقضات ، خصوصا النزعة الانفصالية في حدود مقاطعة ” كتالونيا ” ، و تقربه من
حزب ” مواطنون ” الكتالوني . و لعل صمود المجتمع الإسباني في وجه المد اليميني بمختلف روافده داخل حدود أوربا ، يعتبر استثناء و علامة إيجابية في جبين إسبانيا جديرة بالتأمل ! خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار موقعها بين عالمين يكتسيان حساسية تاريخية و حضارية من حيث توجيه دفة الصراع التي تعيشها المعمورة اليوم ! عالم غربي يتباهى بإمكانه المادي و تفوقه التكنولوجي و الاستقرار المؤسساتي الداخلي ، و عالم إسلامي تتقدمه بوابته الإفريقية المفتوحة على مصراعيها يحتضنها البحر الأبيض المتوسط و يلفها من جهة الغرب واجهة أطلسية تبعث على التأمل و كثير من الاستغراب.
تلك هي إسبانيا المتفهمة أكثر من غيرها لأكثر قضايا العرب و المسلمين ، و لو كانت ذات تأثير محدود ! و خصوصا القضية الفلسطينية ، بالرغم من المعاملة الحسنة لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية ، بالرغم من وقوف إسبانيا في عهد الجنرال ” فرنكو ” إلى جانب ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية ، و الذي استولى على الحكم قبل ذلك بسنوات ، أي في العام 1937 .
و معروف عن الكيان الصهيوني توجسه من حكام إسبانيا و شعبها ، حيث أيد بريطانيا بخصوص ملف ” جبل طارق ” ، و استثمر بعد ذلك في الحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول الغربية الرأسمالية ، و حتى الاشتراكية ، مما حذا بإسبانيا إلى الانفتاح على العرب و إفريقيا ، إضافة إلى أمريكا اللاتينية .
و بالرغم من التحول السياسي الذي طرأ على إسبانيا من بعد حكم ” فرنكو ” ، حيث أصبحت الأخيرة عضوا في شمال حلف الناتو ، إلا أن الثقل الاجتماعي و التراث الحضاري الذي ورثته عن تاريخ الأندلس الإسلامي أبقاها عصية أمام مختلف الضغوط من جانب إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص .
و لعل هذا الوجه المشرف لإسبانيا ، التي تبتعد أكثر فأكثر عن الصبغة اللائكية لفرنسا و يمينها المتطرف ، يجعلها في الوقت ذاته عرضة لأكثر من تهديد من أجل العدول عن مواقفها !
الملاحظ أن إسبانيا تلت إيطاليا من حيث عدوى الفيروس الخفي القاتل ، و لم يفصل بينهما سوى أسبوع ؛ و هو المسجل حتى بخصوص عدد الإصابات و الوفيات ! مما يدفع على الاعتقاد على أن الخطر القاتل وصلها من نفس الوجهة تقريبا التي وصل عبرها إلى إيطاليا ، و بذات الحدة !
و الملفت أن روسيا التي انفتحت على إيطاليا ، و حتى الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص إرسال المساعدات ، بقيت غائبة عن المشهد الإسباني ! و صرح الرئيس الأمريكي ” ترمب ” قائلا : ” …و روسيا أرسلت طائرة كبيرة جدا محملة بالإمدادات الطبية ، لقد كان أمرا لطيفا جدا ” ! كان ذلك في 31 مارس 2020 . و قالت السفارة الروسية ، قبل ذلك ، في ذات الخصوص : ” إن أجهزة الاختبار الخاصة بنا أظهرت جودتها العالية في الصين و إيران ، و جرى تسليمها إلى إيطاليا ” . ذات الخبر تداولته وسائل الإعلام الروسية ، و وسائط التواصل الاجتماعي ! يمكن أن يكون اليمين الإيطالي بقيادة ” ماتيو سالفيني ” أكثر تناغما مع الزعيم الروسي ” فلاديمير فيتش بوتين ” !
كل هذا ، للأسف الشديد ، يحدث زمن العولمة ، أمام الجائحة التي تجتاح عالمنا في حالة من التخفي و التستر و كثير من الغش و التدليس .
و لكن ، تأكدوا أن إسبانيا الشعبية و الرسمية ستتجاوز محنتها بجلد أكبر إن شا ء الله ، و ستبقى شمسا مشرقة من دون منازع .
كيف هو عالمنا اليوم على عتبة شهر أفريل 2020 , و كيف يبدو في حراكه السلمي تجاه من بات يقتل الناس في صمت مريب ! ؟ و من يرافق الشعوب الحائرة اليوم ؟ هل نحن بصدد ثورة أطباء ضد حالة من التهميش ، مثل التي عاشها أطباء الجزائر قبل حراك 22 فبراير ضد العصابة اللغز بشهور ! ؟ أم هي حرب على العلم و العلماء ممن رفعوا راية السلمية تحت شعار ” الشعوب تريد إسقاط الوباء ” ! ؟
بالله عليكم : من سيكون في صف العلماء ، و من سيراهن على الوباء ! ؟
و في ذات السياق يمكن أن يتساءل المرء :
هل سيوحد الفيروس الخفي القاتل عالمنا الذي بات مشتتا، بل و يكاد ينغلق على نفسه من داخله ، مثلما فعلت بمناعته العولمة ! ؟ أم أن الفيروس جاء ليمزقه، ثم يعيد هندسته من جديد ؟
و في الغالب فإن الذي جاء من أجله الفيروس اللغز ، وارد جدا ، و ما سيفعله بالمجتمعات و الدول وارد أيضا .
لكن المحير هو اختفاء لغة التهديد و الوعيد من لدن أكثر من جهة، خصوصا إدارة ” ترمب ” التي لم تعد تبدي وجهها المعروف ! و اختارت لنفسها هذه الأيام قناعا لم يف بالغرض المطلوب ، و لم تعد أجهزة الاختبار تكفيها أو تستجيب لحاجاتها، حتى أن السفارة الروسية طمأنتها بالقول ” أجهزة الاختبار الخاصة بنا أظهرت جودتها العالية في الصين و إيران ، و جرى تسليمها إلى إيطاليا ” ! ؟ و شتان بين قناع و قناع ! إذ كيف أمكن تجاوز ” ترمب ” معضلة إمكانية تورط روسيا في سؤال الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، بالرغم من من كل الذي فعله الديمقراطيون !
و اليوم تريد ذات الإدارة التي لم يعد ” كوشنر ” المستشار يظهر إلى جانب رئيسها ، أن تقنع العالم ، حتى لا أقول العرب ، أن الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة الذي سجل السبق في تنفيذ الحجر الصحي على عمه أحمد بن عبد العزيز ، و أبناء عمومة آخرين ! تحول إلى عملاق سياسي لا يطاق ، بل أكثر من ذلك بات يشكل خطرا على أول اقتصاد في العالم ، و لم يعد يكترث للعلاقات ( الإستراتيجية) مع الأمريكان ! ؟ و يترجى ” ترمب ” أن تعيد روسيا مع السعودية النظر في المسار المفاجئ بخصوص أزمة الذهب الأسود .
و في ذات الوقت يريد ” كوشنر ” من دون أن يظهر ، إبعاد شبهة الإصابة عن ساحة صديقه الأمير الذي ، كما يعرف العالم أجمع ، أن إدارة ” ترمب ” فرضت عليه ، بعد الجائحة التي أصابت الصحفي البريء جمال خاشقجي ، حجرا ، ليس صحيا بطبيعة الحال ، لأنه في نظر أمريكا – الجمهوريين – على الأقل ، الذين لم يعودوا يولون العناية الكافية لجهاز استخباراتهم العتيد ، معافى و في كامل لياقته، و لكن كونه بات كنزا ثمينا لا نظير له ، و أكثر من ذلك يتوقف على سلامته و مناعته مستقبل ” ترمب ” و ” كوشنر ” السياسي و الاقتصادي على حد سواء !
فهل أخذت إدارة ” ترمب ” ، رفقة اليمين المتطرف ، في فرنسا و إيطاليا على وجه الخصوص ، و بالتنسيق مع ” فلاديمير فيتش بوتين ” الذي التهم اليمين و اليسار دفعة واحدة ، على عاتقها التلاعب بالعقول ، و الأعراف ، و المواثيق ، و القوانين ، إلى هذا الحد من الاستهتار بكل ما هو أمن و أمان ! ؟ و تتصور أن لا قوة يمكن أن تقف في طريقها ، حتى و هي تتعامل و تتعاطى مع الظاهرة ” كورونا ” ! خصوصا أنها تريد أن تحول محمد بن سلمان في حدود العالم العربي و الإسلامي ظاهرة تشق بها الطريق من أجل ” صفقة القرن ” التي قل الحديث بخصوصها هذه الأيام ! لأن بن سلمان لن يتجرأ في توجيه التهمة إلى إيران ، و يحملها مسئولية الفيروس الجائحة ، و لما لا ، يظهر بمظهر الضحية ، و يلوم منظمة ” أوبك ” التي هي اليوم غارقة في بحر من الأوهام ، و يصف أنظمة مثل إيران ، و العراق ، و فنزويلا ، و الجزائر ، بالفاشلة ؛ و أكثر من ذلك وارد جدا !
* من صميم الحجر الصحي :
كم من سؤال نطرحه حتى تتحقق الإجابة ! ؟ لكن ، من سيكون بإمكانه أن يسأل ، و من سيكون في متناوله أن يجيب ، حتى لا تتقطع بنا السبل ؛ أما الأسباب فسؤال أخر ! ؟
العالم كله تقريبا ، يسأل في صمت ، و يستغيث من مقت ، مثلما كان يستغيث أربعينيات القرن الماضي !
لن يفيد الغضب ، و لن يفيد الصخب ؛ لقد غضب ” أدولف هتلر ” كثيرا و صخب كثيرا ، حتى اختنق غضبا ، و لفظ أنفاسه صخبا !
و لم يشفع ذلك كله لألمانيا كي تصلح العطب ! و لا حتى أوربا مجتمعة أن تفهم السبب ! أهو السحر ، أم هو السم ؟ و شتان بين من يمتهن سحرا ، و من يصنع السم ! و من يتباهى فيغرق العقول خمرا ، و من يموت بأنفاس الحمقى بحثا عن دواء للأمم ! ؟
اليوم ! لم تعد تسع ساسة العالم دار هيئة الأمم ، و لا تطيق حملهم منصة العشرين نفر ؛ و لا حتى الرابطات ، و الاتحادات ، و كل المحافل الدولية ، و الأممية ، الخطابية منها و الاحتفالية ، التي لم تفكر يوما في مثل هذا المطب !
و لا مصر أضحت مصر ، و لا الشام أمسى شاما، و لا اليمن السعيد هو سعيد ! و لا عبد القادر الجزائري هو اليوم أمير ؛ ناهيك عن الريف المغربي ، و لوبيا التي لم تعد سوى ليبيا ينخر كيانها النسيان و بهتان أمراء من دون إمارة و ملوك من دون ملك ؛ لأن دبي لم تعد مصرية ، و لا شامية ؛ أما الحرة اليمنية فتأبى أن تكون كذلك يا حكام العرب !
أكاد أختنق من وطأة الأخبار ، فأتنحى ، ليس بحثا عن مخبأ ، فالأرض لم تعد مخبأ للمتضررين ، ليس من حدة التلوث الذي سكنه قليل من الحياء ، و لكن من جائحة قمة في الغباء ، كونها تصنع بالأهل ما لم يصنعه من قبل الأعداء ! فأشم قليلا من عطر الأفكار تنبعث بخورا من تربة تونس الشابي و البوعزيزي ، يعلو هامته شعاع من نور في هيئة شيخ وقور ، يريد أن يرشدنا إلى منبع المجرى الصافي على أمل أن نسترجع الأنفاس و نهنأ بشربة ماء عذب زلال !
قلوبنا معلقة مثلما هي إسبانيا اليوم معلقة ، تلاحق ” رومية ” التي ضاق بها يمينها و يسارها على السواء ، تلاحقها في موتاها و مصابيها، فتبدو في سباق ، كمن يدفعها دفعا لتتجاوزها بكثير ! لكن الشمس تأبى الأفول، و لو اجتمع اليسار و اليمين ، و تطرف ” ماتيو سالفيني ” و ” مارين لوبان ” ، و انفجروا عن آخرهم ، و معهم جميع شحنات المكر و الحقد الدفين ؛ الذي لم يسعف، للأسف الشديد، الأبرياء في أعراقهم و بياض بشرتهم ، و لم يتعرف عليهم حتى في ألسنتهم التي تكاد تغرق من شدة ما حل بها وجع و ألم !
لكن هل يستقيم أن تسترجع إسبانيا جنرالها ” فرانشيسكو فرنكو ” ، أو تستعيد ألمانيا زعيمها ” أدولف هتلر ” ، كي تتعلم روسيا و تتأدب! ؟
أبدا ، ليس من الاستقامة بمكان ، لن ينفع الجنرالات و الزعماء ، و معهم كل الشعراء و الأدباء ، و الهوليديون و الهوليوديات الذين احتلوا اهتمام الفنادق و الساحات أكثر بكثير من أطباء و طبيبات هذا العالم الذي بات يشكو من وطأة الفيروس الخفي القاتل ! لأننا اليوم أمام منظومة منغلقة جدا ، و مستهترة كثيرا ؛ يفسر ذلك طريقة تعاطيها مع أطفال و نساء و شباب سوريا بالملايين ، و اليمنيين بالملايين ؛ كمن يتعاطى مع ذباب أو حشرات ضارة باتت تشكل خطرا على الملايين ! ؟ و كادوا يمنعونهم من كل طوق نجاة، مثلما حدث مع بعضهم على حدود اليونان قبل أشهر بكثير ! و كل ذلك يحدث في حدود عالمنا المستغيث الذي عولمته الشحناء و البغضاء كثيرا !
مهما يكن السؤال ، و طبيعة الجواب المنتظر ، لن تنقطع الشعوب عن السؤال ، و لن تيأس بحثا في حدود أسباب الإجابة ؛ لأن الإنسان الحر يتوب ، و لا يقبل أن يذوب ، فيتحول إلى مجرد ملح في طعام الآثمين المذنبين في حق الإنسانية !
* إيران !
من المذنب ؟ من السهل استهداف ساحة إيران ، فيكيلون لها ما طاب من تهم ، و يحيطونها بما تيسر من خوف ! لكن كيف تبدو و هي متهمة ؛ و شتان بين من هو مذنب ، و من هو متهم !
يطول الحديث بخصوص العلاقة بين بلاد فارس و الغرب من جهة ، و بلاد فارس و العرب من جهة ثانية ؛ لعل ذلك من أثقل الملفات المثقلة بأوراقها المتشعبة ، الغائرة تارة ، و المشتعلة تارة أخرى ؛ و التي أثقلت كاهل المسلمين قبل غيرهم بكثير ، حيث غلب على الحالة طابع الشعبوية، و العشوائية ، بغرض التضليل و التهويل !
إيران ! تبدو في حيرة من أمرها ؛ كما لو أنها لم تعد تتبين طريقها ، حتى لا أقول الأسباب كفاية ؛ و شتان بين السبيل و السبب ! لأنها في غياب قامات مثل ” علي شريعتي ” و ” هاشمي رفسنجاني ” ، و منذ زمن ليس بالبعيد، لم تعد ترسم و تهندس مساراتها و خططها منفردة ؛ و لم تعد على إثر ذلك تحسب خطواتها كفاية ، و تراجع عائداتها بعناية !
و لعل الأهم بخصوص سؤال الظاهرة الإيرانية ، مثلما يصورها البعض ، هو قدرتها الفائقة على التحمل ، لكن المشكلة كونها الأضعف من حيث سهولة تناولها للطعم عن أخره ، خصوصا بنكهة الخفاش الصيني ، أو الدب الروسي ! و هذا هو مربط الفرس ، و بيت القصيد ؛ لأنها عندما تستعيد وعيها لن تجد فرسا يحملها ، و لا شاعرا يرثيها ! فهي في الغالب ، حينما تكون في حالة من الاسترخاء على مستوى الذاكرة ، يأتيها ما يأتيها من جهة التفكر و التدبر ، فتثق كثيرا في من يقترب من ساحتها ، فيعطيها ” الطعم ” مثلما يعطى الماء الزلال ، فيفعل فعلته مثل المادة الكيميائية سهلة الابتلاع !
نعم ؛ إيران ، اليوم ، متضررة من جائحة ” كورونا ” ، و هي لا تعرف حتى كيف أتاها ، و حل ضيفا بساحة بعض قادتها ، و استسهل حصونها، حتى أكثر المدن قداسة عند الإيرانيين !
مهما يكن من حاجة ملحة ، لن نفتح أي ملف من الملفات العالقة ، سواء تعلق الأمر بدائرة الحاكم ، أو ساحة المحكومين ؛ و من غير المفيد لنا جميعا ، لأن إيران جريحة ، و لن يشفع لها زخمها الحضاري، مثلما لم يشفع لإسبانيا انفتاحها على عمقها الأوربي و حسن ضيافتها للوافدين!
إيران ، اليوم ، لم يعد بين يديها ، و على المدى القريب ، من ورقة ضغط سوى ورقة ” الحوثيين ” ، الشوكة التي باتت تؤلم كثيرا السعوديين و الأمريكيين على السواء ؛ و حتى الروس المتماهين كثيرا في التضليل و التدليس ، حتى يزداد الأيرانيون غما و هما في ظل جائحة الفيروس الخفي القاتل الذي أرعب الملايين !
* البحث في غير موضوع !
هل تتصور مشروع بحث لا يقوم على سؤال ! ؟ أو يتناول السؤال مثلما تتعامل معه بعض وسائل الإعلام ، فتقول و لا تقول ، و تعلم و لا تعلم ، سوى ما قالوه لها ، و أعلموها به ؟ كمن يكتب لنفسه أمرا بمهمة فيمر الكاتب ، و لا تمر المهمة !
هذا هو حديث الساعة تقريبا ، إذ لا كلام سوى حول ” كورونا ” ، و ” كورونا ” تعني الفيروس المستجد ، و ما هو مستجد ، كائن ، ليس في حدود الإمكان فقط ، و لكن في حدود الممكن المعلوم بالضرورة ، و ما هو معلوم ، هو ذات المستجد الذي جد جده ، و أبان عن وجهه من جديد ! لذلك و لذلك فهو من غير الصنف الجديد و لا الغريب ، و لا حتى العنيد ؛ لكن كيف بهذا المستجد يتحول غريبا ، عنيدا ، رهيبا، لا يقبل الكلام و لا السؤال ، ناهيك عن كل الذي ألفناه من عيادة و زيارة و تسوق و تجارة و تعبد في جماعة و سفر و سياحة و دراسة و رياضة دون رخصة و لا استئذان !
و إذا سألت ، فتذكر أن لا تسأل إلا إذا وافق سؤالك سؤال السلطان ، و تأدب لأن الضيف يضيق كثيرا بالسؤال عن الأصحاب و الخلان ، و أولياء النعمة الذين رحبوا بقدومه أيما ترحاب ، و سلموه كل سلطة ، و منحوه أعظم الألقاب ، من دون أن يسألوا عن اسمه و لا فصله ، حتى يحقق مبتغاه و يأتي على الألباب ! و هو فوق ذلك ينفي عن ساحته صفة الوباء ، و لا يطيق أي معارضة ، و لو كان ” لقاحا ” لأن اللقاح سيسمم الأجواء ، و يزيد من التلوث ، و من أطماع الغرباء !
لذلك و لذلك فقط وجب التقيد بالتعليمات ، و التأكد من المعلومات ، لأن أمن الأحياء و الساحات ، و سكينة المصابين و المصابات ، و صحة الأطباء و الطبيبات ، كلها باتت من أولويات السلطان الذي أوصى بالحجر على كل كلام أو سؤال يمكن أن يعرض السلامة و الأمن و الأمانة لأي مكروه ! لأن الضيف الخفي المخيف ، جاء خصيصا من أجل تأديب الشعوب التي لم تعد مطيعة كفاية ، و لا مؤتمنة على سلامة الصفقات ، خصوصا صفقة القرن التي يجب أن تمر بسلام ، لأنها هي ” اللقاح ” المخلص الذي سيحقق الأمان للفلسطينيين و الإسبان و الإيطاليين ، و حتى الروس و الصينيين على حد سواء ! أما الأمريكيون فقد تطوعوا و أخذوا على عاتقهم تحمل الأعباء زيادة من أجل سعادة العالمين ؛ و لن يبخلوا من باب الإحسان و لو كانوا إيرانيين ! و للأمانة وجب تقديم الشكر لصاحب الجلالة أمير الأمراء الذي أصلح حال المملكة رأس مال المسلمين ، و كان أكثر الأسخياء حين خفض أسعار البترول التي زادت عن المطلوب ! تلك هي الرواية التي يجب أن تعيها كل البيوت التي استعادت المكانة رفقة الحيارى و المشردين ! و تلك هي الأمانة التي بشر بها الرئيس الذي بات علامة على جبين العالم التعيس !
و للأمانة فإن الشعوب لم تكترث كثيرا بالرواية ، لأنها اقتنعت كفاية بالنهج السليم لثورة القرن ، و وقفت في وجه الصفقة منذ أكثر من قرن ! و باتت على دراية بمخططات الفيروس القادم الجديد ، الذي يشبه كثيرا جيوش ” هولاكو ” التي أبادت الملايين ! و لم تعد تثق سوى في العلماء الباحثين عن منشأ الوباء من أجل تحديد بطاقة التعريف ، و التأكد من الختم و التوقيع ! حينها فقط سينجح الخبراء في تحديد ما يتطلبه الوضع من دواء و لقاح منيع ، يبطل عشوائية السياسة ، من يسار و من يمين ؛ لأن ” السلمية ” باتت السبيل الآمن لإسعاد العالمين .
* موقف و تفسير منظمة الصحة العالمية :
فيروسات ” كورونا ” هي فصيلة فيروسات واسعة الانتشار ، يعرف أنها تسبب أمراضا تتراوح من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد حدة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ( MERS ) ، و متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم ( السارس ) . و فيروس كورونا المستجد ( nCoV ) هو سلالة جديدة من الفيروس لم يسبق اكتشافها لدى البشر .
و حسب المنظمة ، فإن :
فيروسات كورونا حيوانية المنشأ ، أي أنها تنتقل بين الحيوانات و البشر .
و بخصوص الأعراض ، تقول المنظمة :
تشمل علامات العدوى الشائعة : الأعراض التنفسية و الحمى و السعال و ضيق النفس و صعوبات التنفس ، و في الحالات الأشد وطأة قد تسبب الالتهاب الرئوي و المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة و الفشل الكلوي و حتى الوفاة . انتهى .
ملاحظة : هذه المعلومات كانت بحوزة منظمة الصحة العالمية و في حوزتها قبل انتشار الفيروس الخفي القاتل الذي بدأ رحلته من الصين ، و لم تعط الصين التفاصيل اللازمة بخصوصه ؛ و هي التي تبدو قد تجاوزت خطره تماما !
تفسير المنظمة العالمية قائم على أساس الأعراض التي حددتها الصين، و لا شيء غير ذلك .
* العلاج :
كل الذي أقدمت عليه الدوائر الصحية العالمية هي التعامل مع الوباء انطلاقا من أدوية و عقاقير مخصصة في الأصل للعلاج من أمراض بكتيرية ، مثل السل ، و كذلك علاج الملاريا .
و لحد الساعة لا جديد بخصوص علاج خاص بالفيروس الخفي القاتل.
* اللقاح :
التصريحات المتوفرة تفيد أن العمل سيستغرق سنة على الأقل من أجل الوصول إلى لقاح ! إذا كان الوقت هو العائق فقط ، فهذا يفسر قيام فكرة اكتشاف اللقاح ، و هو ما يتطلب دراية بطبيعة الفيروس .
لكن هل فعلا البحث قائم على هذا الأساس ؟
و في هذا الصدد بالذات ، تقوم شركتان أمريكيتان ، و شركة صينية ، و فريق امبيريال كوليدج بلندن ، حسب الأخبار الأكثر تداولا ، بكافة الإجراءات المطلوبة استعدادا للبدء في تجارب محدودة و ضيقة النطاق حول الفيروس القاتل .
و في حدود إمكانية تطوير لقاح خاص بفصيلة من الفيروسات التي باتت معروفة ، أو بمرض من الأمراض القريبة من حيث الأعراض ، و تقديمه للناس من أجل حمايتهم يبقى ممكنا كثيرا .
* ماذا قال الدكتور مصطفى محمود بخصوص عالم الأوبئة؟
يقول الدكتور رحمه الله : ” الفيروس كائن عجيب ، يقع على الحد الفاصل بين مملكة الموت و مملكة الحياة ؛ نصف حي و نصف ميت ، مثل ” دراكولا ” ، فهو يموت في النهار ، و لكن في الليل يقوم من فرشته ” .
يحاول الدكتور تبسيط الصورة بقوله هذا القائم على التجربة و التأمل. و يقول أيضا : ” الفيروس مادة ميتة ، عبارة عن بلورات ، و لكن لحظة ملامستها لخلية حية تتحول إلى كائن شيطاني يطعن الخلية بمخالبها ثم تحقن الخلية بمادتها ” .
و يضيف : ” مادة الفيروس هي مادة الجينات الوراثية ، و لها صفة الأمر على جميع المكونات الخلوية ، لأن مادة الجينات الوراثية هي المادة المختصة بنسخ الصفات الوراثية ، و ورقة العمل التي بناء عليها تصنع جميع البروتينات اللازمة لنمو الخلية ، و طبيعي أن كل خلية لها ورقة عمل خاصة بها ” .
و يزيد على ذلك بالقول : ” عندما يحقن الفيروس مادته في الخلية يحدث حالة خلط ، لأنه لأول مرة تجد الخلية نفسها أمام ورقة عمل ليست ورقتها ، و لفترة تبدأ الخلية تطبع نسخا من هذه الفورمة الجدية، بمعنى أن الفيروس يصخر الخلية في أن تطبع منه عددا كبيرا من النسخ تصل إلى 100 ألف فيروس ، إلى أن تنفجر الخلية و تعزو خلايا أخرى ” .
و يقول رحمه الله : ” من ضمن النظريات التي طرحت أن الفيروس يصنع في الفضاء و ترجم به الأرض ، لأنهم عثروا على فيروسات في الفضاء ، كما عثروا على حمض الأمينو أسيس، و الحمض الأميني هو الوحدات التي من الممكن أن يركب منها فيروسات ” . انتهى كلام الدكتور ؛ و هو متوفر على الفيديو على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي .
بناء على ما سبق عرضه ، تبقى فرضية إلحاق الأذى بالملايين قائمة ، كما قامت من قبل ، و من بعد ؛ و ليس بعيدا بداية أربعينيات القرن الماضي التي لم تميز بين الأعراق و الألوان ، و حتى المعتقد و اللسان، فأصابت العرب و الفرنسيس و الإيطاليين ، ناهيك عن الألمان و الإسبان ، و روسيا و اليابان ، ليس سوى من أجل إشباع نهم المفلسين و المفسدين في كل زمان !
أما الآن فقد آن الأوان لبحث ورقة أمريكا :
حدث و أن تساءل المرء ، قبل سنتين من الآن : من يكون ” دونالد ترمب ” ! ؟ مستفهما ؛ هل ترمب ابن ملك أو ملكة الولايات المتحدة الأمريكية ، أو ابن إمبراطورها ؟ يمكن أن يختلط الأمر على الناس ، فيعتقدون أن الاتحاد الأمريكي هو المملكة المتحدة ذاتها ، بمعنى بريطانيا ، أو صورة طبق الأصل لها ! بكل تأكيد هي ليست كذلك ؛ لأن الأوربيين ، و على رأسهم الإنكليز، لم يريدوها كذلك ، إذ بدل أن يجروا تجاربهم داخل المجتمع البريطاني مثلا ، اختاروا أمريكا لذلك ، فكانت بكل تأكيد مستعمرتهم المفضلة ! و ربما كانت فرنسا تريد أن تجعل من الجزائر و الشمال الإفريقي عالمها الجديد !
و بكل تأكيد ، فلا أمريكا ، و لا الجزائر ، كانت مملكة ، و كلاهما لم يألف ذلك و لم يرغب فيه ؛ جربه الأوربيون في حدود أوربا ، و تأكدوا من انتهاء صلاحيته ، جربوه فيما بينهم و لم يفلحوا ، لذلك تركوه للتاريخ و للذكرى ! و في بخصوص هذا المنحى بالذات ؛ لا أدري لماذا يتمسك به إخواننا في المغرب الأقصى القريب إلى قلوبنا و عقولنا كثيرا ! ؟ هل تخفي علينا النخبة المغربية محاسن نظامهم و أفضليته ، أم أن المغاربة تحديدا لا يصلح شأنهم العام إلا بهذا النظام و هذا الأسلوب ! ؟ المغاربة وحدهم أجدر و أحق باختيار ما يعود عليهم بالأمن و الأمان .
كان ذلك قبل سنتين من الآن . أما اليوم فإن أمريكا ، و تحديدا الاتحاد الأمريكي ، لم تعد هي أمريكا ؛ على الأقل من ناحية ربانها و القائمين على رأس مكتبها الأبيض ، و لا حتى مكتبها الاستخباراتي ؛ و لن تستطيع أن تكون آسيا ، و لا إفريقيا ، و لو أرادت ، و حتى إن صوت هنودها و أفارقتها و الجنس الأصفر معهم جميعا ! أتدرون لماذا؟ ببساطة ، لأن الغالب عليها هو عرقياتها القادمة إليها من أوربا ؛ منهم الألمان ، الايرلنديون ، الإيطاليون ، الروس ، الاسكندنافيون ، الإنجليز، و الفرنسيون !
و على هذا الأساس يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تتنفس أوربا ، و تنام و تستيقظ على أحلام أوربا ! و هذا ما يفسر صلتها بأوروبا من حيث تعاطيها مع الفيروس الخفي القاتل ، المصنف
” كورونا ” ؛ و الغريب أن التصنيف شذ ، فجاء هذه المرة صينيا !
لكن الأهم ، هو أن التنوع العرقي في غالبيته الأوربية سيف ذو حدين، هذا التنوع يمكن أن يتحول إلى نقطة ضعف ، إذا تعلق الأمر بعالم المال و جماعات الضغط المتجذرة ، مثلا ، لكنه في نفس الوقت يمكن أن يشكل عائقا أمام بعض التوجهات اليمينية المتطرفة ، فيحول دون سياساتها ؛ و هي ، من دون ريب ، غير مؤتمنة ؛ خصوصا تلك المتناغمة مع التوجه ” الصهيو- إنجيلي” الذي أوصل ” ترمب ” إلى البيت الأبيض ، و أخلط أوراق الديمقراطيين و الجمهوريين على السواء ؛ و لعله شبيه بما يفعله الفيروس القاتل بأوراق خلايا الإنسان الأمريكي هذه الأيام ؛ حيث لم تختلف حالة ” الإيطاليين ” بين نيويورك ، و روما ، إلا قليلا !
و ضمن السياق الإنساني ، و قيمة النفس البشرية ، في حدود أمنها من الخوف و أمنها من الجوع ، يمكن أن يتساءل المرء : تصوروا أن الفاتح عقبة بن نافع عبر بجيشه المتحضر مياه المحيط الأطلسي ، و وصل إلى أمريكا ؛ هل كان يومها هنود أمريكا سيهانون أو يذبحون ، و هل كان الأفارقة سيجلبون من ديارهم بغرض الاستعباد و القتل ! ؟ لا يمكن استحضار الصورة كاملة و إجراء المقارنة ! ؟ اسألوا الأندلس و سكانها الأصليين ؛ اسألوا الأتراك و الأفغان و الفرس ؛ اسألوا مفكري ألمانيا و النمسا و إسبانيا ، الذين صحت عقولهم و ضمائرهم ،و تعاملوا مع التاريخ مثلما تعاملوا مع الفيزياء و الجبر و الكيمياء ، و كانت لهم الكلمة في مقارعة الفيروسات زمنا طويلا ! ؟
و ضمن سياق وصول ” ترمب ” إلى منصة الحكومة الفدرالية ، يمكن أن نتساءل عن الجهة الفاعلة التي ذللت كل العقبات من أجل عكس كل التوقعات التي استبعدت وصوله ، و أغرقت العالم كله فيما يشبه الهستيريا خوفا على سلامة الأمريكان ! ؟ و من بينها توقعات الإعلام الأمريكي و الأوروبي على حد سوى ؛ و هو اليوم يجد صعوبة بخصوص التواصل ضمن ما هو معلومة و أخبار ، و خبرة و أسرار تتصل بالأمن و الاستقرار الدوليين ؛ و الدليل غياب الأسباب الحقيقية وراء سحب الخبرة الأمريكية بخصوص الأوبئة من داخل الصين في وقت مبكر سبق ظهور الفيروس اللغز بكثير ؛ و كذلك التغييرات التي تمت على مستوى التركيبة البشرية للمكتب الأمريكي ذاته ! ليبقى الرئيس ترمب بقراراته المفاجئة هو الطفرة الغالبة على المشهد الأمريكي برمته . مثل هذا التعاطي ، مع أكثر من ملف ، لم يبدأ البارحة ، و لم يكن بسبب ما خلفه الفيروس الداهم من اضطراب ؛ أبدا ليس كذلك ؛ لقد كان السمة الغالبة التي ميزت ” ترمب ” رفقة مستشاره و صهره ” كوشنر ” الذي لم يعد رفقة زوجته يأبه بأخبار الأمريكيين و سلامتهم ، من وجهة نظر الرئيس ؛ ولا زوجة ترمب هي الأخرى باتت تثق كثيرا فيما يقول ! أو لهذا الحد بات شيوخ الكونغرس لا يأبهون ، و خبراء أمريكا و جهازها الاستخباراتي لا يهتمون ! ؟ هذه هي المشكلة بالذات التي باتت تغطي بظلالها على كل أمريكا ؛ و كأن ( الشيطان ) أدرك أن الأمن العالمي يجب أن يستهدف من داخل أمريكا ، و تحديدا من داخل مكتبها الأبيض !
و انطلاقا من هذه الزاوية بالذات باتت كل الولايات الأمريكية تبحث داخل اتحادها عن اتحاد ، و داخل حكومتها عن حوكمة ، و داخل جهازها الاستخباراتي و الوقائي عن خبرة و خبراء ! حتى أن العالم بإعلامه و علمائه ، و خبرته و خبرائه ، يتساءل اليوم عن نية الفيروس و أهدافه و مطالبه ؛ أهو الرئيس ” ترمب ” ، جاء يخطب وده و رضاه! أم هو عين الاستفزاز ، جاء من أجل أن يتحداه ! أم أن أمريكا يجب أن تصلب حتى تتحمل ذنوبه و خطاياه ! ؟
هذا هو سؤال العالمين الذي غاب بحثه بإتقان ؛ و لربما يريد المحافظون الجدد مزيدا من الوقت ، من أجل أن تتحول أمريكا إلى إفريقيا ، و معها الصين و اليابان ، من أجل تطوير الخبرة بخصوص أمن و سلامة الإنسان !
لماذا إفريقيا!؟
* الفكرة الأساس:إفريقيا هي عالمنا الجديد
*مصدر الفكرة: الفكر أو الفلسفة المنغلقة
* الفكر المنغلق بات عجيبا، غريبا و خطيرا أكثر من أي وقت مضى؛ نصف ميت و نصف حي! لا يمكن أن يجد تطبيقاته و آثاره إلا في حدود المحيط الخارجي، غير مرئي كفاية، و مقنع بعناية .
* لا يمكن تتبع مسار هذا الفكر، أو الفلسفة، إلا من الداخل، و لكن عن بعد ! إذا أمكنك قراءة ورقة من أوراق عمله، يمكنك النجاة، لكن ليس لوقت بعيد، ذلك أن العقل _مصدر الفلسفة_ يمتاز بنشاط رهيب!
وهو في كل مرة قادر على تغيير قناعه و تعديل أوراق نشاطه، فتكون ملامسته أصعب و مقاومته ليست بالأمر الهين البسيط، إن لم تكن شبه مستحيلة في كثير من الأوقات.
*لعل أهم مشروع بخصوص هذا الفكر، أو الفلسفة، هو مشروع مستجد، أو مشروع القرن، “أو صفة القرن” .
من دون ريب،فإن مهندسي الصفقة وجدوا صعوبة كبيرة في بنائها، لأن القوم لا ينطلقون من فراغ، و لا يحلمون كثيرا ؛ بقدر ما يعملون و يتفانون كثيرا !
و إلى حد الساعة لم يعلنوا عن كل تفاصيل الصفقة ، كونهم لا يستهترون و لا يستهينون بالعقبات ، مهما كان حجمها ؛ و هذا مكمن قوتهم و خطرهم ؛ و لعلهم قدموا بعض الملامح ، و أخفوا الكثير الذي هو الأهم . و في هذا المضمار بالذات ، على سبيل المثال ، نلاحظ عدم فصحهم عن الورقة الخاصة بأرض ” سيناء ” التي أعدوها بعناية فائقة، حيث أشرف عليها حاكم مصر شخصيا ؛ سواء تعلق الأمر بعمليات التهجير ، و التجريف ، و تغيير الملامح ، حتى تكون فعلا امتدادا في جزء كبير منها للدولة الفلسطينية المفترضة، و حصنا منيعا بعد عزل قطاع غزة من جهتين و احتوائه داخل الكيان الثقافي والجغرافي المصري، تكون على إثره دولة إسرائيل بما فيها القدس و الضفة الغربية في مأمن. أما مهمة تأطير و تأديب الفلسطينيين أمنيا فتتم على عاتق المصريين!
هذا قليل من كثير لم يفصح عنه مهندسو الصفقة التي فصح عن محتواها الرئيس “ترمب” منذ شهور.
عند هذا الحد أدرك القوم أن الظروف لم تعد مواتية نتيجة وجود عقبات يجب إزالتها، و ترتيبات يجب القيام بها، و معطيات يجب تحقيقها على أرض الواقع!
لذلك ولذلك فقط قامت فكرة العالم الجديد! و بناء على ذلك تم تجنيد معطيين بطريقة شيطانية، انطلاقا من تفعيل نواة اللوبي المعروف بالمشروع ( الصهيوانجيلي) داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، الاتحاد الذي بات يتنفس أوروبا، و ينام و ينهض على أحلامها.
و المعطييان هما يمين اليمين، أو اليمين المتطرف الذي انتشر خلال السنوات الأخيرة داخل حدود أوروبا و أمريكا بشكل مدروس ونتيجة مخطط محكم، هذا من جهة، و من جهة ثانية يسار اليسار، أو اليسار المتطرف الذي قام على إثر الفشل الذريع الذي مني به اليساريون، و تحديدا الشيوعيون على أرض الواقع في حدود ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي الذي تهاوى عن آخره مع نهاية القرن الماضي ابتداء من سنة 1991، و يتركز حاليا، داخل حدود كل من روسيا و صربيا؛ و قد نجحوا في تطعيمه حتى بات أخطر من يمين اليمين ذاته؛ و لا أدل على آثاره من تناغم” ماتيو سالفيني” و “مارين لوبان” مع الزعيم الروسي ” فلاديمير فيتش بوتين”. هذا التوجه الذي يجد صداه داخل حدود أمريكا ذاتها، حيث لم يسلم من تأثيره، لا ملف الرئاسة و لا ملف الاستخبارات،و ظهرت آثاره كذلك داخل حدود الكونغرس بسبب شيوخه الذين شاخوا كثيرا أمام ضربات الفكر المنغلق، و لم يعودوا يدركون جديد المعطيات و أبعاد أوراق العمل الجديدة و المستجدة على السواء.
* ما هب النتيجة؟
النتيجة هي أن متنفس”صفقة القرن” بات متصلا بفكرة العالم الجديد.
و إضافة إلى المعطيين السابقين _ يمين اليمين و يسار اليسار _ و التأكد من قابلية توظيف كل من الرئيسين” ترمب”و ” بوتين” على حد سواء، ظهر معطى ثالث من الأهمية بمكان يتصل بالظاهرة الصينية التي تفتقر إلى عقيدة، و هذا هو بيت القصيد ! أما اليابان فمكره صديقك لا بطل ، حيث لم يعد سوى امتدادا للسياسة و المصالح الأمريكية.
*ماذا عن الورقة الصينية؟
الصين باتت قوة نووية و اقتصادية، و منافسا عنيدا؛ لكنها ككيان ثقافي و اجتماعي و حضاري يفتقر إلى عقيدة، و هنا يكمن الخطر!
و هي من دون ريب نقطة الضعف التي بنى على أساسها الفكر المنغلق
أو الفلسفة المنغلقة تصوره بخصوص فكرة العالم الجديد ” إفريقيا البكر” كمخرج لإقناع الصين من باب ضمان نصيبها و حصتها ومكانتها
على حد سواء؛ و هو طبيعة الطعم بدرجة اللقاح الفعال الذي اكتشفه خبراء الفكر المنغلق بخصوص تحييد و توظيف هذه الظاهرة القادرة على التهام العالم كله ، مثلما فعل المغول أيام زمان !
لذلك و لذلك فقط بات ” بروتوكول” فكرة العالم الجديد جاهزا كفاية.
و بناء على هذا الأساس و هذا التوجه وجد العالم نفسه أمام خطر الفيروس الخفي القاتل الذي كيفوه و صنفوه ضمن فصيلة فيروسات كورونا( n cov) !
* لماذا انتشر الفيروس داخل الصين ثم انتقل إلى أوروبا و أمريكا وفق مسار غلبت عليه العشوائية كثيرا؟
بسيط جدا، لأن الهدف من ذلك كله هو تهيئة المشهد اجتماعيا داخل حدود أوروبا و أمريكا على وجه الخصوص حتى تتقبل شعوبها ورقة العمل الخاصة بفكرة العالم الجديد؛ أما بخصوص إفريقيا اجتماعيا و ثقافيا، فالمسار يقتضي الانتقال بالفيروس الخفي القاتل إلى داخل إفريقيا بشكل مختلف نوعا ما !
و النتيجة المتوقعة هي انتشار الوباء أو الفيروس الخفي الذي يجب أن يغير أوراق عمله كثيرا، وبطريقة عشوائية فظيعة، حيث يرتفع عدد الإصابات و عدد الوفيات بشكل مخيف، مما يضعف مناعة القارة البكر
و يجعلها في متناول الفكر المنغلق و تطبيقاته، الذي لن يتأخر عن طريق الصين، الولايات المتحدة الامريكية ، و روسيا عن تقديم مساعدات في شكل خبراء، أدوية، و مواد غذائية؛ وليكن ذلك رفقة قوات مسلحة مشتركة تحت غطاء تنظيم و حماية المساعدات المقدمة، وهو ما يستدعي إقامة قواعد عسكرية تشرف على تسيير الأزمة تحت غطاء حماية العالم من الوباء. و على إثر ذلك يتم تجسيد فكرة العالم الجديد على أرض الواقع .
* ما هو الهدف من ورقة أسعار النفط التي ظهرت بالتوازي مع ورقة الفيروس الخفي القاتل ، من خلال الدور المشترك الذي تقاسمه “محمد بن سلمان ” و ” فلاديمير فيتش بوتين ” تحت رعاية و توجيهات الرئيس ” ترمب” ؟
الهدف ببساطة هو إخضاع و تطويع البوابة الإفريقية انطلاقا من مياه البحر الأبيض المتوسط مع إمكانية الالتفاف من جهة الأطلسي ؛ و البوابة تحديدا هي الجزائر، أما المغرب فمكره أخاك لا بطل ، و أما ليبيا فحدث ولا حرج ؛ أما مصر فهي باتت جاهزة للغاية .
لذلك و لذلك وجب التأثير في حدود البوابة الرئيسية الشمال إفريقية من خلال استهداف اقتصادها القائم على عائدات المحروقات بشكل أساسي و رئيسي ، و التي تعاني من وضع سياسي و اجتماعي غير مستقر منذ مدة .
* من المستفيد ؟ هو المستفيد من الذهاب بصفقة القرن إلى نهاياتها، حيث يأمل أقطاب الفكر المنغلق تحول مركز الثقل بخصوص القرار الدولي السياسي و الاقتصادي و الأمني إلى دولة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر ، تجد في الواقع الجديد للعالم الجديد الحصن المنيع أمام أي تهديد يأتيها من المشرق أو المغرب ، أو حتى من داخل الأندلس !
هذا باختصار السيناريو المتوقع انطلاقا من فكرة العالم الجديد المستوحى من الروح الاستعمارية التي ميزت القارة العجوز التي لها خبرة متصلة بتاريخها داخل أمريكا ، آسيا ، و إفريقيا ؛ و هو المخطط الذي أخذ في الاعتبار حصة الظاهرة الصينية و الحاجة إلى الاستفادة من الخبرة اليابانية ، مستغلين قابلية شعوب أمريكا و أوربا المتضررين من زيارة الضيف الغريب و العجيب المسمى كورونا الذي حبسهم و جعلهم يفكرون في البديل الذي يحفظ أرواحهم و يفك أسرهم ليعودوا إلى أجوائهم التي ألفوها كثيرا !
هذه رؤية نابعة من الحرص على أمن و أمان الإنسان الإفريقي الذي لا يمكن أن ينفصل عن أمن و أمان الإنسانية جميعا ؛ و هي قائمة على قراءة متأنية و مستشرفة انطلاقا من داخل العقل المدبر داخل حدود الفكر المنغلق الذي لا يعمل ولا يخطو خطوة إلا من وراء قناع ، و هو مكمن الخطر .
و ليس أمام إفريقيا إلا مراجعة كل أوراقها الخاصة بمناعتها التي لا تنفصل عن مناعة مشرقنا و مغربنا المنفتحين أكثر من اللزوم .
ملاحظة :
الفكر المنغلق يسيطر على مساحة غالبة على مستوى عالم القراءة، لأنهم يقرأون كثيرا ، أكثر مما تتصورون، إذ تكاد النخبة ضمن محيطهم الحيوي تتنفس قراءة ، و تنام قراءة ، و تنهض قراءة ! بخلافنا نحن ، نأكل كثيرا ، و ننام طويلا ، و لا ننهض إلا متأخرين ؛ أما القراءة فحدث و لا حرج ! و هو ، هذا الفكر المدرسة المتفردة و المقنعة لها من القدرة ما يجعلها متقلبة ، إذ يمكن أن تغير أوراق عملها تضليلا و تدليسا ؛ و تراهن على عامل الزمن كثيرا ؛ لذلك لا يجب أن تتفاجأوا إذا استحدثت بعض الأدوار غير المفهومة ! لكنها في الغالب فقد لا تتراجع بخصوص المضي في ترجمة فكرة ” العالم الجديد ” إفريقيا الفكر، مهما يكن حجم التكاليف .
و أما من يتساءل بخصوص إيران و العراق ، فإن ما حدث عن قرب مع الفيروس الذي أصابهم في الصميم ، ليس سوى اختبار الجهاز المناعي للقيادة و المجتمع على حد سواء ؛ و العراق بات مثقلا من الداخل و في وضع يحسد عليه ؛ و إذا لزم فإن إمكانية التعامل معهم انطلاقا من اختبار سلاح بيولوجي ، يمكن أن يكون جاهزا !
لكن ، ماذا عن تركيا ؟ لن يغامروا بتركيا ، كونها امتداد طبيعي لكل من أوربا بما فيها روسيا ؛ و لن يتعاملوا إلا إذا دعت الضرورة ، سوى أنهم سيفكرون و سيعملون من جديد بقصد الإطاحة بنظام الرئيس رجب طيب أردوغان ( الهدم من الداخل ) .
كل هذا يحدث في غياب شبه كلي لمشروع بديل يمكن أن يبطل مفعول عمل السحرة و الكهنة و الساسة المغامرين الذين باتوا يتخوفون من أبعاد و مفاجآت الثورات السلمية ( اللاعنفية ) أكثر مما يتخوفون من الصواريخ الباليستية بكثير !
من الدولة العربية أو الإفريقية التي تستطيع سد حاجياتها بنفسها من مادتي السميد ( الطحين ) و الحليب ، فتطعم نفسها مما تنتج مدة سنة بالتمام ، و هي داخل حدودها لن تحتاج إلى الخارج ، فتقي نفسها من شر الفيروس الخفي القاتل ! ؟ من دون شك ، مثل هذه الدولة المنتجة خبزها و حليبها بنفسها ، لن تحتاج للخارج ، أكثر بكثير من سنة . و ما يقال عن الدولة يقال عن المقاطعة الواحدة ، و ما يقال عن الدولة و المقاطعة ، يقال عن العائلة ؛ فما بالك ببلد مثل الجزائر ، و تونس ، و المغرب ، و السودان ، يمكن أن يكفي نفسه و يسد حاجياته من المنتوج الفلاحي ، حيث الأرض بملايين الهكتارات، و المياه ، و المناخ ، و كل عوامل نجاح النشاط الفلاحي الذي يكفي العيال و زيادة ! هل ستحتاج هذه البلدان ، على سبيل المثال ، للصين أو فرنسا ، أو روسيا أو أمريكا كي ترسل إليها المساعدات، و حتى الكمامات ! ؟ هنا تكمن المفارقة ،
و من دون شك ، فإذا تحقق الاكتفاء الذاتي بخصوص الغذاء ، لن يكون صعبا تصنيع الدواء و كل وسائل الوقاية ؛ و حينها فقط يسهل على المجتمع و الأمة تفعيل الحجر الصحي ، و الوقائي كفاية و بكل عناية !
أما أن نصنع تبعيتنا للأجنبي بأنفسنا و بما كسبت أيدينا جراء قابليتنا المفرطة لعصابات الاستبداد و الفساد ، فإن الداء سيجد الطريق مفتوحا على مصراعيه ، و المناعة في خطر ، و البلد كله في متناول الأطماع !
و من ينتج غذاءه ، و يصنع دواءه ، لن يفرط في أبنائه العلماء ، ليس فقط زمن الوباء ، و لكن طيلة الزمن كله ؛ و لن يكون ذلك ممكنا إلا تجاوزت الشعوب المستضعفة و المغلوبة على أمرها أسباب القابلية للموت البطيء ، حيث تفتك حريتها من أجل كرامتها و بناء صرح دولة العدل و القانون التي تضمن أداء الواجبات و استيفاء الحقوق لجميع مواطنيها و زيادة .
فأين الجزائر ، مثلا ، التي كانت تسمى زمن الاحتلال الغاصب ” مخازن روما ” ، و كانت أربعينيات القرن الماضي تسد 45 بالمائة من غذاء أوروبا ! و مقاطعة واحدة داخل حدودها تكفي حاجة فرنسا من الحليب ! ؟ ناهيك عن الفلاح الذي كان يقسم غلة السنة الفلاحية بين بذور يزرعها خلال الموسم الفلاحي القادم ، و جزء لغذائه دون الحاجة إلى السوق ، و الجزء الثالث أعلافا لمواشيه !
كل هذا لم يعد موجودا ؛ و باتت الجزائر تنتظر ما يأتيها من فرنسا من غذاء و دواء ، و منتوج هي في غنى عنه !
و ما ينطبق على الجزائر ينطبق على أكثر بلد عربي أو إسلامي ؛ لكن الجزائر سجلت السبق في ذلك ؛ و ما مبلغ 1200 مليار دولار التي سرقت في وضح النهار من لدن عصابة الفساد إلا شاهدا و دليلا على حجم المصيبة !
و لعله آن الأوان من جديد من أجل التأمل في سؤال القابلية للإستعمار التي اتضحت أبعادها و أثارها أكثر من أي وقت مضى ؛ دون أن يهمل علماؤنا و مراكز و معاهد بحثنا سؤال الصراع الفكري و ضحاياه !
أين يكمن السر ؟
يتساءل الناس بخصوص منشأ الفيروس و طبيعته ، والقول ، إذا كانت هناك مؤامرة ، فكيف تتأثر بنتائجها الوخيمة أمريكا و أوربا بالدرجة الأولى ! ؟ و الجواب انطلاقا من الغموض الذي بقي يلف السؤال ، خصوصا ما تعلق بعدم تبين طريق اللقاح المناسب لمثل هذا الوباء الجائحة الذي يكاد يخنق المعمورة عن آخرها ؛ و هو اليوم يفرض عليها حظر التجوال ، و الحبس المنزلي ! لا يمكن إلا أن يستند لفرضية وجود ثغرة أخلطت الأوراق إلى حد بعيد وفق ما يعرف بانقلاب السحر على الساحر ؛ هذا الأخير الذي كان يأمل سحر أبصار الناس ، ثم يسرق منهم أمنهم على أنفسهم ، و يمرر ما يشاء من ملفات ؛ و لكن لا يمكن أن يتحقق شيء من هذا القبيل و غيره خارج مشيئة الله .
لذلك و بسبب وجود ثغرة ، خرج الأمر عن السيطرة ؛ و بدل أن يعمل الفيروس عمله داخل الحيز المحدد سلفا وفق المخطط المتفق عليه انطلاقا من ” ووهان ” الصينية ، ثم ” قم ” الإيرانية ، ثم ” إفريقيا ” انطلاقا من بوابتها الرئيسية المطلة على البحر المتوسط ؛ غير الفيروس طريقه بسبب حركة الصينيين السريعة و انفتاحهم الكبير على العالم ، ليجد أكبر حاضنة بشرية في انتظاره داخل أوربا و منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ليعم بعد ذلك كل العالم تقريبا بصورة غريبة ! و على هذا الأساس لم يكن الذي حصل متوقعا أبدا ؛ و هو ما لم يأخذوه في الحسبان : ” و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين ” .
و يمكن أن تسقط هذه الفرضية التي تستند إلى مقدمات تاريخية و واقعية في حالة واحدة ، و هي الوصول علميا إلى تحديد طبيعة الفيروس جليا ، ثم يعزز ذلك فقط و فقط إذا وصلوا إلى اكتشاف اللقاح المناسب .
و فوق كل هذا لا يجب استبعاد اختبار الناس بسبب ضخامة الفساد الذي عم العالم بما كسبت أيديهم ، تذكيرا لهم لعلهم يرجعون قبل فوات الأوان ، و الله يعفو عن كثير سبحانه و تعالى عما يصفون .
و في كل الحالات فإن الذي حدث و يحدث هو من جنس أعمال الناس، ليس إلا . يقول الله سبحانه : ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه أجرا عظيما ” . الآية 40 من سورة النساء . و يقول : ” إن الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون ” . الآية 44 من سورة يونس .
و لم يفهم الناس سلوك الصين بخصوص تقديمها المساعدات إلى أوربا ، و حتى أمريكا ! الأقرب وفق ما سبقت إليه الإشارة ، هو أن الصين تريد أن تغطي على الثغرة المشار إليها أعلاه ، و التي نقرأها ضمن تلميحات الرئيس ” ترمب ” بمسؤولية الصين ، و إن لم يفصح ، حيث اكتفى بالتلميح و القول بالفيروس الصيني ! و يشارك ” ترمب ” في تلميحه الصمت المريب لأكثر من جهة ، مما يوحي بوجود رابط بين هذه الأطراف !
مما باتت تخاف أمريكا و الصين ! ؟
أولا : لم تتقدم الصين بما يكفي من توضيح بخصوص توقف الإصابات تقريبا بين الصينيين ، و عودة الحياة إلى ” ووهان ” ، و لعلها قدمت الكثير لإيران التي يبدو أن تحذو حذو الصين بخصوص التعافي ؛ و هو ما يدفع إلى الاعتقاد أن الصين أسرعت إلى ذلك حتى تبعد شكوك إيران باتجاهها ، و هذا وارد جدا !
ثانيا : أمريكا هي الأخرى تعيش وضعا مريبا ؛ و لم يعد الداخل يثق في خطاب ” ترمب ” و سلوكه ، و حتى بخصوص الانفتاح على الصين و القبول بالمساعدة ، و أكثر من ذلك الهوس الذي بات يطبع تعاطي الرئيس مع شعبه ، و في اتجاه بعض الشعوب الأوربية؛ و هو ما يعزز إمكانية الإقدام على الرفع من درجة التوتر باتجاه إيران لصرف الأنظار عن المسلك الخطير الذي أخذه الفيروس الخفي القاتل أو المركب المجهول الهوية .
و هناك ما يعزز عدم قدرة الصين من البداية على الإحاطة بحيثيات الملف و التستر عليه ، و يفسر دهشتها المقنعة هذه الأيام .
نقلت ( CNN ) عربي ضمن تقرير خاص حول الطبيب الصيني ” لي وينليانغ ” أول من أعلن عن وجود إصابات بالفيروس آخر شهر ديسمبر 2019 عبر تطبيق (weChat ) و الذي اتهم بنشر الشائعات من طرف السلطات الرسمية ، ما مفاده أن الطبيب قال لها عبر رسالة نصية أنه يخشى اعتقاله و أن تشعر عائلته بالقلق عليه ؛ و حسب ذات المصدر فقد تأكدت عدوى الطبيب بالفيروس في 10 يناير الماضي ، و في 17 من ذات الشهر تم الإعلان عن 41 إصابة ، لترتفع في20 من نفس الشهر إلى 198 وفق سلطات ” ووهان ” .
و أهم ما جاء في التقرير أن السلطات فرضت في ال23 من ذات الشهر حظرا غير مسبوق على ” ووهان ” ، و لكن بعد مغادرة 5 ملايين شخص ! و هذا هو بيت القصيد .
و ضمن ال5ملايين أو يزيد ، كم هو عدد الأجانب من الزوار و التجار الذين انتشروا حول العالم ، و من جنسيات مختلفة ! ؟ و هنا تكمن الخطورة ، كون السلطات الصينية لم تقدر فعلا حجم الكارثة، ولعلها لم تحسب أو تتوقع المسار الذي أخذه الفيروس اللغز انطلاقا من عدم قدرتها على التحكم في حركة المغادرين لحدود ” ووهان ” في وقت مبكر ، و في مختلف الاتجاهات ! و مثل هذا يمكن أن يكون من بين الأسباب التي جعلت الصين في موقف العاجز عن إقناع العالم بحقيقة ما حدث بالفعل ، مما حذا بها إلى التستر أكثر عن حيثيات الملف من أجل إغراق العالم في بحر من التفسيرات و التأويلات البعيدة عن الحقيقة .
و من دون شك سوف تظطر الصين لاحقا إلى تكييف موقفها ، سواء من حيث كونها واحدا من ضحايا الفيروس ، مثلها مثل أوربا و أمريكا، أو من حيث وجوب التعاون عالميا من أجل تجاوز المحنة ، أو حتى إلقاء اللوم على أطراف أخرى ؛ ليبقى العالم يتجرع نتائج سوء تقدير العواقب .
و ماذا إذا أجرينا سبرا للآراء في حدود المجتمع الأمريكي المتنوع للغاية في أعراقه و أجناسه و ألوانه و طاقاته الإبداعية ؛ من سيكون بات أثقل و أخطر ، رئيسهم ” ترمب ” أم الزائر العجيب ، الفيروس الخفي القاتل ! ؟ من دون شك سيجيب الواقفون على قارعة التاريخ، من زاوية التسول ، أن النتيجة ستكون في صالح ” ترمب ” الذي افتك فيزا العبور إلى البيت الأبيض بالرغم من كل التوقعات التي لم تقدر أثر عمليات الهدم من الداخل ، و سيستشهدون على ذلك بجهود الرئيس في مقاومة الفيروس ! إلا أن النتيجة لو أجرت مراكز الولايات المتحدة المختصة في سبر الآراء عملا من هذا القبيل، سوف لن تكون وفق ما يتمناه كثير من ضحايا الصراع الفكري على التاريخ ، حتى يعيد القدس إلى سابق عز صلاح الدين !
و لماذا لم يتساءل المرء ، مثلا ، و ليس حصرا : ما بال ” جونسون ” في بريطانيا بات أحب و أقرب إلى هذا الفيروس المركب ، منه إلى ” ترمب ” الرئيس و مستشاره و صهره النبيه ” كوشنر ” ! ؟
من دون ريب ، لن يكون العالم بعد اختفاء الفيروس القاتل و ذهاب غمته، مثلما كان ؛ لكن في صالح من سيسير الركب ؟ التاريخ حافل و زاخر لمن يريد أن يتعلم .
و حتى الحراك السلمي أو الشعوب في ثوراتها السلمية ” اللاعنفية” ستتأخر بخصوص أخذ العبرة ، لأنها ملت من الانتظار على قارعة التاريخ .
و كيف يمكننا أن نقرأ التاريخ بعد اليوم ، و نحن نتأمل في مسار الفيروس الخفي القاتل الذي أرعب أمريكا ؛ فأتاها و أوربا على حين غفلة ، لم يتوقف عند مريض خائف، أو متشرد جائع ، و لا عند شيخ طاعن في السن ، أو شاب على وشك عقد القران ، و لا حاكم لم يجلس بعد على كرسي الحاكم ، ولا أم ، لم تفرغ بعد من التأمل في عيني رضيعها ، يرمقها في عينيها و ترمقه بقلبها ! فيهتف الجميع أن ألزموا بيوتكم و عطلوا أعمالكم و انسوا أحقادكم ، و لو إلى حين ! و يخطب فيهم الزعيم ، يستغرق أمنهم و أمانهم في كلمات ، و يختزل هدير البوارج و أنين الصواريخ و صخب الطائرات في السؤال عن الكم الهائل من الكمامات التي لم تعد تنفع مع الجائحة العابرة للقارات ! فنبحث عن السر ، أهو في الأرقام التي لم تعد في جانبنا ، فنستفسرها عن أوضاعنا و أحوالنا و مآسينا ، أم في قابليتنا للموت البطيء التي لم تعد تطيق شكوانا على قارعة الطريق ؛ و لم نعد اليوم ، نميز بين ضحايا الأمريكيين و الأوربيين و مصابيهم ، و قتلى و مرضى و جوعى اليمنيين و السوريين بالملايين ! و لا حتى كون السويديين و اليابانيين باتوا غير مبالين بنصائح المختصين من أجل الحجر المنزلي و لو لأسبوعين متتابعين ! تلك هي المصيبة .
و المصيبة ليست في أن المرض بات يصارع التاريخ ، بالرغم من أننا بتنا نحن الضحايا ، فأصابتنا الغفلة في مقتل ، و رحنا نعد موتانا كمن يعد أوراقا مالية بالملايين ، و ننام على وقع الأرقام كمن يتعاطى بنهم أقراص الأسبرين؛ فلا يكاد يفرق بين يسار و يمين ، و لا بين حاكم و لا محكوم كلاهما بات ضحية لتجار الكوكايين ، فتساوى عنده الليل و النهار يحفظهما عن ظهر قلب من دون ترانيم و لا يكاد يذكر سوى المستجد فيروس كورونا الهجين ؛ و يتحمس بوناطيرو مبشرا الملايين ، لكنه سرعان ما يقع مغشيا عليه تحت تأثير الكلوروكين ، الذي أذهل الرؤساء و السلاطين ، فلم يعودوا أصلا يسألون ، و معهم معهد باستور ، عن لقاح و لا ترياق قد يستغرق انتظاره سنين ! و لا العرب جميعا همهم هم سوريا ، و آهات اليمنيين، و لا روح الجمال خاشقجي التي باتت تلوح فوق كل جبين ! فمن يكون حليفه النصر ، المرض أم التاريخ على حلبة خالية من حكم و مشجعين ؟ و من نشجع نحن ، و كلاهما رقم يلوح في كل حين ؟ و أيهما كان المسئول الأول عن خراب الشام ، و ضياع ليبيا ، و حسرة مصر، و تقسيم اليمن ، و حصار فلسطين؟ بالله عليكم ، هل نلوم التاريخ، أم هو الوباء المستجد كورونا البائس هذه الأيام في حدود عالم يشكو من فقدان كمامة و قلة طحين ! ؟ و من سيركب قاطرة التاريخ بعد بزوغ الفجر بإذن الله العفو الرحيم الكريم ؛ ومن سيتخلف ليفتك به الاستبداد و الفساد إلى حين ! ؟ أهو الخوف من الموت ، أم هو طول الأمل ، فذاك الوباء ، و هذا الداء ! نسأل الله توبة من كل غفلة و نجاة من كل وباء ، آمين يا رب العالمين .