منذ الوهلة الأولى اتُهِم الحراك بالعمالة للخارج (“اليد الخارجية” ذائعة الصيت)، وأنه تنفذ مخطط الدولة العميقة، وموظف من طرف عصابة توفيق وحزب فرنسا، وكل السلسلة النمطية المعروفة للنيل من كل شريف، وها هو اليوم يُتهم بأن استمراره وتعاظمه، يتم بالمال الفاسد، كما صرح قائد الأركان في خطابه الأخير يوم الثلاثاء 15 أكتوبر، يوم خروج الطلبة في مسيراتهم المهيبة، وقبل يومين من الجمعة 35 من الحراك المبارك.
في خطاب مليء بالتهديد والوعيد، مستفز لجماهير المواطنين، بدلا من الإقرار بالمسار العبثي الذي يتجه إليه كرنفال 12/12 والطريق المسدود الذي تتشبث به خريطة طريق القايد، ورغم كل المؤشرات الدالة على هذا المأزق، خاصة بعد إصدار ثلة من الشخصيات السياسية المشهود لها بوطنيتها وغيرتها على البلاد، دون أن يكون لمعظمهم أي تصفية حسابات مع السلطة، أو طموحات شخصية في الحكم (تقدمهم في السن، تجاوز بعضهم التسعين من العمر)، ولم تكن صرختهم، انطلاقا من شعورهم بالمسؤولية، سوى مساهمة منهم للخروج من حالة الاستبداد والانسداد، إلى مرحلة تعيد الأمل للشعب وتنتشل البلاد مما يتخبط فيه من أزمات. جاء بيانهم الأخير، متميزا صادقا وأمينا، يعيد البوصلة ويوضح طبيعة الأزمة وعبثية الخريطة المفروضة من قبل الحكم الراهن، يحذرون فيه، انطلاقا من تجربتهم وقراءتهم للوضع، من مغبة عدم الإصغاء إلى صوت الضمير ومطالب الشعب، كون أن “الانتخابات الموعودة تم الفضل بها دون مشاورة حقيقية وموافقة أطراف المجتمع، بما يجعلها بوابة لتعميق الأزمة، ويعرض البلد لمخاطر تدخل شتى”، لكن، بدلا من الأخذ بنصائح أصحاب البيان وتوجهاته العامة، راح الحاكم الفعلي، غير عابئ بأحد، يكيل التهم الغليظة ضد الحراك السلمي المتواصل في أسبوعه 35.
لقد جاء خطاب قائد الأركان مخيبا للآمال حقا وكأنه موجه إلى عدو لدود، وليس إلى الشعب الذي بفضل وعيه وتضحيته، ساهم بالقدر الأكبر في الإطاحة بعصابة، كانت ستتولى إلى يومنا هذا، حكم البلاد وتتحكم في رقاب العباد، وتستمر بغطرسة واستفزاز، في عهدات متتالية (وهل ننسى أن رئيس الحكومة الحالي، جمع عندما كان وزيرا للداخلية 6 ملايين استمارة لفخامته لعهدة خامسة)، عهدة خامسة ولِمَ لا سادسة، لولا الدعم الذي استفادت منه القيادة الحالية للإطاحة به وببعض وجوه تلك العصابة، وكمْ كنا نأمل أن تستند هذه القيادة على حراك الجماهير وتدخره طاقة وفرصة، لإعادة السيادة الكاملة إلى صاحب السيادة، ودخول التاريخ من بابه الأوسع، بدلا من المراوحة والمماطلة وحيل تلبيس إبليس.
هذا الحكم من قيادة الأركان على الحراك، سببه رفض الجماهير الوقوع في فخ وسراب الحلول الجزئية، والانخداع بعمليات التجميل التي تحافظ على أسس منظومة الفساد وجذوره، ولم تقبل بتنحية فروع الفساد وترك منظومته، مما فتح عليها أبوب نقمة السلطة الفعلية، جعلها تتحوّل إلى خصم، تسعى هذه السلطة بكل ما أتيت إلى القضاء عليه، سواء عن طريق التضليل وتشويه سمعته والافتراء عليه بل وتخوينه اتهامه بالعمالة.
ربما يتعين علينا أن نذكر بتسلسل ملفت للانتباه، فلا ننسى، أن قيادة الأركان وكافة الأجرام الدائرة حولها، لم تكن تؤمن بالحراك من أصله ولم ترتاح له منذ انطلاقه ووصفوه بكل النعوت القبيحة واتهموه بكل التهم، أقلها، التشكيك فيه وفي من يقف خلفه، واستمر الأمر كذلك طيلة أسابيع كاملة، حتى أيقنوا أن القطار قد سار ولا يبدو مستعدا للتوقف نصف الطريق، فاضطروا إلى إعادة تقييمهم التكتيكي ومراجعة حساباتهم والتصريح بأنهم “مع” الحراك من اجل مكافحة الفساد، وأنهم “يثمنون” مطالبه ويعملون على تحقيقها، لكن بعد إسقاط بعض وجوه منظومة الفساد، عسكريين ومدنيين، اعتقدوا انه باستطاعتهم إقناع الحراك بوقف المسار والرضا بما قدمته لهم القيادة الوطنية، وبعد أن خاب ظنهم أمام إصرار الحراك على تمسكه بمطالبه الجوهرية، وأنه لم ير أي تغيير جوهري، باستثناء عملية تصفية حسابات لاستنساخ نفس المنظومة، أمام هذا الإصرار، عادت القيادة إلى توزيع سلسلة تهمها بحق الحراك، تارة باتهامه رفع مطالب تعجيزية أو غير وطنية، خاصة بعد رفع شعار “دولة مدني ماشي عسكرية”، أو اتهامه باختراق صفوفه من قبل بقايا الدولة العميقة، إلى أن وصلت التهمة إلى “استعماله المال الفاسد”.
إذا أمعنا النظر نلاحظ أن المشكلة، ترتبط أساسا بطبيعة منظومة الاستبداد التي لم تؤمن يوما بقيم وقدرات الشعوب، ولطالما ازدرتها وحطت من قيمتها واعتبرتها كيانات فارغة لا تملك قدرة التغيير، ناهيك عن الكفاح من اجل استعادة سيادتها وكرامتها، ونفت عنها أهليتها (وامتلاكها أي إرادة ذاتية) لخوض الكفاح والتضحية بالمال والنفس من اجل ذلك ( لاحظوا أن في كل مرة تتحرك الجماهير، يقال أن من وراء تحركها، أطراف مشبوهة، داخلية وخارجية). هذه طبيعة المستبد وعقليته التي لا تؤمن ولا تثق في الشعوب ولا بروح التضحية، لا يفهمون الشعوب ولا يشعرون بأحاسيسها (لا آلامها ولا آمالها)، لذا يعتبرون أي حركة، لا بد أن تكون بالضرورة بتوجيه ومال فاسد، لأن المستبد لا يعرف للقيم قدرا ويعتقد انه يستطيع شراء كل شيء.
أقولها بأسف، إن مثل هذا المستبد لا يستحق ولا يجب، أن يتحكم في رقاب مثل هذا الشعب، فهذه السلطة لا يمكن أن تكون جزء من الحل، لأنها تجسد جذور الأزمة، من خلال صم أذانها وقتل كل بذور الأمل والغدر بكل المبادرات النبيلة، ويقيننا في انتصار الحق وأهله في نهاية المطاف، لأن سنن الكون والتغيير، تفرض أن النصر يكون دائما، عاجلا أو آجلا، من نصيب الحق والقيم والشعوب المكافحة.
17 تعليق
من قال أن القايد مستبد ؟
القايد يريد أن يحقق أحلام بوتفليقة ، الرئيس الذي حلم في نهاية عهدته الثانية أن يتوج بعد عمر طويل بتاج الملكية .
لا أدري هل نكاية في ملوك و أمراء العرب ، أو تأسيا بملوك أوربا الذبن باتوا يملكون احترام شعوبهم ! ؟
لعل رئيس العهدات الأربعة الطامع في الخامسة ترك ما يشبه الوصية لنائبه عن وزارة الدفاع ، والذي يبدو أن الوزير من دون حقيبة بلغ منه العياء وهو يقرأ الوصية ثلاثاء من بعد ثلاثاء وسط الكم الهائل من الشعراء و الأدباء و العقداء و العلماء و النشطاء والقائمين على إعلامنا و قضائنا ، حد التجريم و التخوين لكل البلهاء الذين لم يفهموا المقصود .
و كان بإمكان القائد أن ينزع عنه الحياء و يعلنها في وجه الأشقياء أن الشعب يريد منه ملكا فوق كل الرؤساء تكريما لصاحب الوصية الذي أفنى عمره في كبح جماح اللصوص الأوفياء الذين باعوه تركة الأباء و زادوه قوت الأطفال و النساء ، ظنا منهم أنه الوريث الشرعي لدم الشهداء ، و فوق ذلك كله حامي الحمى .
و تقولون عنه مستبدا ، من المستبد ، هو أم الأدباء و مثلهم الشعراء ، و بقية من العلماء ، و على دربهم عقداء و إعلاميون و ناطقون باسم القضاء ،
كل ذلك من أجل تحقيق رغبة الناقمين على فرنسا و حزبها ، ومن بات يراهن بالملايين لنصرتها عبر شوارع العاصمة التي يجب أن تغلق أبوابها كل جمعة ، نكاية في علي لبوانت و كل الأحبة و الرفقاء الذين غرر بهم بن مهيدي و حسيبة و مئات النزهاء .
وهل ينزل المستبد من الفضاء !؟ أو ليس هو من صميم ما تزرعون و تنحتون ، و بالولاء له تهتفون ، و يوم الاقتراع تصطفون ، كأنكم صائمون مخبتون ! ؟ لكنكم بالرغم من ذلك كله بتتم تتخفون من رؤية سفراء السلمية و حملة مشعل الحرية على طريق الدولة المدنية.
لماذا لا يستحي الأدعياء ؟
ماذا أنتم فاعلون ، بالعشرين نفرا المنتفضين ، الإبراهيمي الطبيب الوزير ، و بن بيتور رجل الاقتصاد الخبير ، و علي بن محمد المربي القدير ، و الحسني الهادي الباديسي البشير ، و علي يحي عبد النور الثائر على عدالة التيلفون ، و صحفيين و محامين و أكاديميين ، اختاروا طريق الملايين ، و تحروا اليقين ، و استجابوا لنداء الضمير !؟
كيف أنتم لهؤلاء مصنفين ؟
إن شئتم اسألوا بورقعة ، بوحيرد ، و حتى الرئيس اليمين !
و إن شئتم استفتوا الملايين .
و خذوا الإذن قبل ذاك من بن يونس و علي ذراع و كل الطيبين الذين قهروا العصابة التي أعيت الجزائريات و الجزائريين .
و إلا فاحبسوهم و اضربوا لهم موعدا ككل المتهمين من أهل الرأي الرصين .
هل من التفاتة !؟
هل من التفاتة أو استفاقة أو صحوة ضمير ؟
من دون ريب أنتم غير موافقين ، ولا متحمسين ، إنها سمة الشعب الثائر بالملايين . لذلك و لذلك فقط لن أجرؤ على استدعاء منتديات الأمن و الأمان ، و منظمات حقوق الإنسان ، و ندوات الانتقال إلى بر الأمان .
كل ذلك لأن أنظمة هذا الزمان باتت شريكة في تكميم الأفواه ، و قطع الأرزاق ، و صناعة النفاق ، و وأد البنين و البنات ، في اليمن السعيد ، وليبيا المختار ، و فلسطين القسام ، و سوريا باشا الأطرش السلطان ، و مصر رابعة شهر الرحمة و الغفران .
وهل يعير للسلمية وزنا !؟
من تقصد ؟
وهل سوى الاستبداد ، ومن خرج من رحمه أو تربى على يديه .
وهل يلد الاستبداد ؟ بطبيعة الحال ، إنه الإنسان المستبد، يأكل خبزنا و يشرب ماءنا و يلد مثلما يلد كل إنسان ، وله أتباع و أنصار ، شعراء كشعرائنا ، و أدباء كأدبائنا ، و أطباء كأطبائنا ، و محامون كمحامينا ، و تجار كتجارنا .
و إذا ، أين تكمن المشكلة ؟ ببساطة إنه من فئة العبيد ، موقفه من الحرية كموقف إبليس من آدم ، مشكلته مع الحرية ، يدعي أن عدو الإنسانية قديما و حديثا هي الحرية، و الحل يكمن في الحكم الفردي ، الذي يجب أن يبسط سيطرته عن طريق القمع ، و ليس سوى القمع ، العنف و ليس سوى العنف . و كذلك الأتباع ، أو نسيت أن لإبليس أتباعا ، في كل واد يهيمون ، و يقولون ما لا يفعلون .
و لذلك لا يعيرون وزنا ولا قيمة للسلمية !
نعم هم كذلك ، و أكثر .
لا يقبلون بالرأي المخالف ، ولا حرية التعبير ، ولا حتى المنافسة الشريفة في الأسواق ، لا سبيل لهم سوى السطو على المال العام ، و الغش و الاحتكار .
ولماذا بات الشعب يعول على السلمية ؟
السلمية بالنسبة للشعب هي خيار و إنذار ، خيار للأحرار ، و إنذار للعبيد من مغبة التمادي في تجاهل مطالب الثوار.
وما علاقة السلمية بالثوار ، لقد عودتنا الثورات على مقابلة العنف بالعنف ؟
السلمية هي شمة العظماء و الغرباء ، أو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ” . حديث صحيح ، رواه مسلم .
و زاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى : ” قيل : يا رسول الله ! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ” .
و على هذا الأساس فإن السلمية سبيل الأحرار أمام تعنت قوى الاستعمار و أنظمة الاستبداد التي راحت منذ مطلع القرن الجديد ترمي الشعوب المستضعفة المتطلعة إلى الحرية بتهمة الإرهاب ، و فعلت فعلتها في بلاد الرافدين و اليمن و ليبيا و مصر الكنانة و بلاد الشام .
و اعلم أن السلمية سيتعلم منها الروس والأمريكان ، مثلما تعلم من الإسلام الفرس و الرومان ، و سيكون مصير المستبدين شبيها بمصير فرعون و هامان .
من أجل ترسيم مسار الثورة السلمية
نحن بين مسارين لا ثالث لهما ، مسارين بارزين للغاية ، مسار الحرية و مسار الاستبداد ؛ و من دون ريب فإن قوى الاستعمار تبذل قصارى جهدها للحفاظ على دوائر الاستبداد ، أما مسار الحرية فلا تسنده سوى الشعوب المتطلعة للحرية و الكرامة التي اقتنعت أيما اقتناع بمسار الثورة السلمية ، هذا المسار هو مسار الأحرار الذي لا يقف عند حزب بعينه أو يتأثر بعرق أو لون أو تيار فكري لذاته ، أو حتى معتقد من المعتقدات ، يسع الجميع و لا يضيق برؤاهم ، يحكمه مبدأ واحد و فريد ، إنه مبدأ الإنسان الحر .
*تحديد : من يكون الإنسان الحر !؟
بطبيعة الحال هذا التحديد يتوافق مع ما سبق ذكره ، لا يحكمه من ذلك فإنه لا يقدر بثمن ، فيه شفاء للناس من كل الأدواء التي زرعت بذورها قوى الاستبداد و الفساد على مستوى المعمورة .
لم تتضح ملامح هذا التحديد ، فلعلك تريد القول أن عمليات التقسيم و التفتيت و زراعة بذور الخوف و اللأمن هي من وضع تلك القوى ، خصوصا المقنعة !؟ بكل تأكيد ، فالذين قسموا بلاد الهند التي كان ينعم في ظلها الهندوسي ، و المسلم ، و الملحد ، بالأمن و الأمان ، إلى بنغااديش ، الهند ، و باكستان ، التي انتشر فيها القتل و الجوع و الهوان ، كانوا يستهدفون هذا التحديد الجامع لبني الإنسان . واعلم أن أحداث ميانمار ، العراق ، اليمن ، ليبيا ، الشام ، الصومال ، السودان ، و أفغانستان ، كانت كلها تستهدف حربة و كرامة الإنسان .
وحتى الذين زرعوا الكبان الصهيوني في أرض فلسطين ، لم يكونوا سوى يستهدفون رسالة الأديان التي حاربت كل إكراه و إذعان .
*التحديد : لا أطيل عليكم ، سأحيلكم على الفيلسوف الإنسان . لأن هذا التحديد يتعارض مع رؤية إبليس الذي لم يقبل بالامتثال إلى عمل الميزان .
عن أي ميزان تتكلم ؟ هو ميزان الحرية و الأمن و الأمان . أما الأستاذ الإنسان فهو فيلسوف الحضارة و مهندس الثقافة بن نبي مالك . لقد وصل إلى ضبط المفهوم و المدلول في أبسط عباراته ، و أطلق عليه عباررة : ” الإنسان الحر ، و دل عليه بالحد الإيجابي ، أو الجد الفاصل بين نافيتين ، تنفي كل منهما شعور الإنسان و آدميته ، و تستهدفه في طمأنينته . و يوضح الأستاذ المسألة بالقول : ” هو الحد الإيجابي بين نافيتين تنفي كل واحدة منهما هذه القيم و تلك الالتزامات ، نافية العبودية ، و نافية الاستعباد ” . ص 70 – تأملات – دار الفكر – الجزائر .
و على هذا الأساس يتضح أننا بين مسارين ، مسار العبيد، و مسار الأحرار .
أعطيكم مثالا بسيطا ، إذ يمكن أن لا يفي بالغرض ، بخصوص الإنسان المستبد ، عكس الإنسان الحر ، و هو الحد المطلوب .
كلاهما ينفي قيم الحرية و الكرامة و الحكم الراشد والتزاماتها . مثالان بارزان اليوم العيان ، ليس على سبيل الحصر ، و لكن على سبيل المثال .
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ، و ولي عهد السعودين بن سلمان .
الأول هو ذاك المستبد ، بكل ما أوتيت الكلمة من معنى و أبعاد ، يساهم في زرع الخوف و اللأمن بين الجيران و الإخوان ، و يمدهم بأدوات القتل و الدمار ، و يطلب من دون حياء حكام السعودية بدفع المال ، فيمتثل بن سلمان مطأطئا الرأس مذعنا في غير أمان . و في المقابل يقف الشاب الغلبان بالرغم من الجيب المليان و الخدم بالأطنان و الحرس الذي لا ينام ، فيتسبب في إزهاق روح إنسان لا علاقة له بسياسة الأمبراطور الجوعان ، ولا بخيبة السلاطين و أمراء البترودولار .
إنها صورة معبرة عن عبيد هذا الزمان . و لكم من الأمثلة التي تسبب أصحابها في هدر قيم المروءة و الصدق و الإحسان .
عند هذا الحد يمكننا أن نتبين طريقنا ، الذي لن يكون سوى طريق الثوار السلميين الغرباء الأحرار .
في سبيل الترسيم
سبقت الإشارة إلى تحديد طبيعة الإنسان الحر كحد يمكننا من تمييز مسار من مسار ؛ و خيار من خيار .
كثيرا ما نقرأ، و نقرأ عبارة خفيفة على اللسان ، ثقيلة في الميزان : ” الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها” . فإذا أدركتم أن الحكمة ضالة ، فذلك يعني أنها ليست في متناول الكسالى و العاجزين .
الحكمة : لا عرق ولا لون ولا رائحة لها ، مثلها مثل الماء و الهواء .
والإنسان الحر بالنسبة لمسار الثورة السلمية حكمة بالغة، أنى وجدتها فأنت أحق الناس لها .
و على هذا الأساس يمكننا ، على اختلاف أعراقنا ، و معتقداتنا ، و أفكارنا ، و مختلف انتمآتنا ؛ أن نشق طريقنا مجتمعين في سبيل تجاوز عقبة الاستبداد الذي بات يقتات من سخافاتنا باسم الجهة و العرق و الحزب و المذهب و الشعار ، و ما إلى ذلك من أوهام . إن ضالتك في هذا المضمار ، يمكن أن تحصل عليها خارج حزبك ، و أسرتك ، وحتى تيارك الفكري . إن الإنسان الحر بالنسبة لمسار الثورة السلمية من أجل تجاوز عقبة الاستبداد عملة نادرة في عالم العملات ، لا تقبل الصرف ولا التحويل مهما كانت الإغراءات .
ختم الأستاذ رشيد زياني شريف مداخلته بالقول : ” أقولها بأسف، إن مثل هذا المستبد لا يستحق ولا يجب، أن يتحكم في رقاب مثل هذا الشعب، فهذه السلطة لا يمكن أن تكون جزءا من الحل، لأنها تجسد جذور الأزمة، من خلال صم أذانها وقتل كل بذور الأمل ، والغدر بكل المبادرات النبيلة، ويقيننا في انتصار الحق وأهله في نهاية المطاف، لأن سنن الكون والتغيير، تفرض أن النصر يكون دائما، عاجلا أو آجلا، من نصيب الحق والقيم والشعوب المكافحة ” .
من دون ريب فإن موقف الأستاذ نابع من حرصه الشديد على أن لا يكون شاهد زور في هذا الزمان على عتبة قرن جديد ، الذي هو زمن الشباب ، خصوصا أن قرننا المتميز في عقده الثاني سيكون قرنا جديرا بطي صفحة الاستبداد.
إنه عقبة كؤود في طريق الشعوب ،في ثوب جاهلية عهد جديد ، ترعاه بعناية قوى الاستعمار العنيد .
المشهد عندنا غريب ، و كئيب ، يبعث على الغثيان من شدة هذيان الإخوان الذين عقدوا العزم على المغالطة و المكابرة في حظرة السلطان .
زعموا أن العصابة ذهبت وانكسرت من بعد انكشاف أمرها في حضرة السفير ، على أهبة إلحاق الأذى بالمساكين الذين ملأوا الساحات و وقفوا في طريق ترسيم العهدات .
و من صميم الخيبات فشلهم في إزاحة قائد الأركان الذي أعطاهم الأمان ، و أقسم بكل الأيمان أن يرافق الشعب الغلبان إلى آخر الطريق ، لكن الإخوان أرادوه أن يستبدل يمين بيمين ، فمن اليمين ، أرادوه أن ينتقل بسرعة البرق إلى الشمال ، و يتحول الشعب عن بكرة أبيه ملكا للسلطان ، ملك يمينه . و شهدوا زورا على عقد القران ، واحتفوا ببذلته العسكرية ، و زادوه عمامة باديسة ، و علقوا على صدره شارة نوفمبرية ، نكاية في فرنسا و عصابة الفاسدين .
و من شدة الهذيان طالبوا الزعيم بوجوب إرغام ملك اليمين على الإنجاب في فصل الشتاء ، حتى لا يباغتهم الربيع الذي بات كابوسا في ذاكرة الأمراء و الملوك الإخوة الأعداء لمسار الشعوب .
عند هذا الحد زاد عدد المترشحين من أجل التبني والتجني على الأم المسكينة التي تحاشت الوقوع في المكيدة التي تغنى لها الشعراء و رقص لأجلها الأدباء ، و تحاشاها الأوفياء الذي قدموا النصح للزعيم . هذا هو المشهد الغربب و العجيب في بلد المليون شهيد .
هل يمكن الانتظار ، و الاستغفار ، لعل القايد يستفيق ، و يعلنها مدوية في وجه الأشرار ، أن الجزائر عصية و أبية لا تقبل الدنية مهما فعلت فرنسا الغبية و غلمانها الخاسئون .
يمكنه ذلك ، نعم ، وأكثر من ذلك ، فالأمل عقد في رقبة أحفاد بن مهيدي تتداوله الأجيال من أجل الحرية و الكرامة .
بين شعب ينتفض و سلطة تعترض
لماذا الانتفاضة ؟ سئمنا من حكم العصابة ، عصابة الفساد . لكن العصابة باتت محبوسة . و لماذا يحبس الشعب ، أهو مع العصابة ؟ اسألوا من بيده مفاتيح الحبس ، اسألوه ، ماذا فعلت العصابة ، و ماذا فعل الشعب !؟
بالله عليك ، لم أعد أفهم ولم أعد أميز بين حبس العصابة و حبس الشعب ، فماذا لو أن مفاتيح الحبس بيد العصابة، هل كان سيحبس الشعب ؟
أو تريد أن تقول أن المشكلة فيمن بيده مفاتيح الحبس ؟
بطبيعة الحال ، من يملك المفاتيح ، يملك قرار الحبس ، و هل يملك مفاتيح الحل ؟ عن أي حل تتكلم ، بفتح الحاء أم بكسرها ؟ الحل و الحل ، فتحة ، و كسرة ، في نظر السلطة سيان ، تريده حلا من حل ، تريد إحلال الشعب محل العصابة ، و تحميل الشعب أوزار العصابة .
أو لهذا تعترض السلطة ؟ نعم
وما طبيعة اعتراضها ؟ اسأل الشعب !
سؤال الثورة هذه الأيام
يسألونك عن الثورة من دون سؤال عن الثوار ، و يسألونك عن الثوار من دون سؤال عن الاستعمار ، و يسألونك عن الثروة من دون سؤال عن رأس المال .
فإذا كان رأس مال الثوار هو حريتهم و كرامتهم ، فثورتهم هي ثورة حرية و كرامة ، ومن كانت ثورته كذلك فثروته من جنس ثورته على كل حال .
و هل يملك الاستعمار ثورة ؟ لو كانت الثورة تساوي ثروة لباع المستعمر كل أملاكه في سبيل ذلك ، ولتمكن من انتزاع مفتاحها من الثوار !
أو تريد القول أن المستعمر – بكسر الميم – يملك الثروة ولا يملك الثورة ؟ نعم هو كذلك .
و ماذا عن الاستبداد ؟ الاستبداد يملك السلطة ولا يملك الثورة . و أما سلطته فهي منحة من الاستعمار ، ومن يعطيك السلطة يأخذ منك الثروة ، و أكثر من ذلك يأخذ منك رأس المال !
لذلك و لذلك فقط فإن الثورة ملك الشعوب المتطلعة للحرية و الكرامة ، هذه هي ثروتها ، و هذا هو رأسمالها ، و هما في كل الأحوال غير قابلين للمساومة .
أو تريد القول أن تجار الممنوعات ،دوما ، يختارون سوق المستبدين ، و يتحاشون سوق الثوار ؟ نعم .
لكنك لم تسألني عن ثوار الجزائر هذه الأيام ؟ لقد أبدعوا أيما إبداع بمسار السلمية الكفيل بقطع الطريق عن تجار الممنوعات الذين باتوا يزايدون على الشعوب و يراهنون على هزيمتها !
مدرسة السلمية
هي مدرسة الشعوب الثائرة بامتياز ، في سبيل حرية و كرامة الإنسان ، مهما كان ، كيفما كان ، و أينما كان .
و هل هناك نوع آخر من المدارس ؟ اسأل الثوار و الأحرار الذين عاشوا ويلات الاستعمار !
ولا ينبئك مثل خبير . كانت للمستعمر مدارسه الخاصة به، وحتى معاهده و جامعاته . يسهرون على تعليم أطفال مدارسهم مفاتيح التفوق و أدوات المبادرة ، و يكابرون من أجل ذلك كثيرا .
أما مدارس الأهالي قديما و حديثا ، و إلى يوم الناس هذا يعتبروننا أهالي مستعمرات يساوموننا دوما في مدارسنا، فيسمونها بالضعف و التخلف ، ليس شفقة و عطفا ، و لكن من باب تفعيل سياسة التمييع و التعويم ، و مثلما عوموا و ميعوا قطاعنا العام باسم الخوصصة والاستثمار، فقد عوموا و ميعوا مناهجنا و برامجنا في حقولنا و مدارسنا و معاهدنا و جامعاتنا و معاملنا ، جيلا بعد جيل .
و أكثر من ذلك يتهموننا زورا و بهتانا بالإرهاب ، و ينعتون شبابنا بالمتهور العنيف . و هم ، من هم ، فقد زرعوا العصابة التي أرهبتنا في بيوتنا و قرانا و مدننا و مداشرنا الآمنة ، وانطلت الحيلة ، للأسف الشديد على قيادة أركاننا فنعتتنا ذات يوم بالمغرر بهم ، حتى وصل الحال بالعصابة إلى نهب المال و تخريب الاقتصاد ، و الكذب علينا بمصانع الخردة و شركات طيران ، و مقاولات تبتز بنوكنا في وضح النهار .
لهذا و لهذا فقط وجب على نخبتنا أن تقترب من شعبها لكي لا تحرم نفسها من دروس السلمية .
هل ينفع التعتيم ؟
أسلوب جربته قوى الاستعمار مع الشعوب الثائرة ، و أثبت التاريخ أنه مجرد ألغام ، وقتها أصابها الغرور في زمن لم يكن فيه بديل في وسائل الإعلام ، و كان دليل الأحرار الصبر الذي حطم القيود و فك الأغلال .
اليوم ينتهج الاستبداد المتشبع بخميرة الفساد ، نفس الأسلوب ظانا أن الشعوب قد استسلمت لواقع الحال و رضيت بالهوان .
فلا أحزابنا ، ولا كتابنا ، ولا قنوات البلاد ، و النهار ، و الشروق ، و كل الجرائد التي تطبع بالأطنان ، استوعبت الدروس العظام .
ولا دساتير هذا الزمان يمكنها جميعا تغيير مسار الثورة و النيل من عزيمة الثوار . ولا حتى فرنسا و أمريكا و روسيا يمكنها التحكم في صنع القرار و تزييف حقيقة الأخبار .
إنها مدرسة السلمية التي باتت الناطق الرسمي باسم فلسطين و الجزائر و تونس و صنعاء و ليبيا و السودان و لبنان .
فلا حفتر ، ولا كل الألغام التي شوهت سمعة مصر الكنانة و جبين عمر المختار ، يمكنها صناعة الفارق هذه الأيام .
ببساطة لأن ثورات الربيع تحولت عبر كل الفصول ، إلى إعصار و بركان كفيل بإزاحة كل الألغام التي زرعتها أيادي الغدر و المكر و الفقر على خط الطغيان .
و هل ينفع التخويف ؟
يراهنون على التخويف بواسطة الحديد و النار ، فكم حصدت طائرات فرزسا من أرواح و أحرقت من مداشر و دور و صوامع ، و نصبت من صلبان ، ظانة أن الشعب سينتهي ، وحتى من تخلف أو نجا سيغادر الديار ، و يأتي صاغرا طمعا في صكوك الغفران .
و خسئ من ظن أن الشعوب تموت و تنتهي بقوة الحديد و النار .
أما الاستبداد فقد تسلم من ولي نعمته مهمة نبش القبور و التمثيل بالأموات ، خوفا من أن يستعيد أحفاد الشهيد الذكريات ، و يتحول جيل الاستقلال إلى صانع للحياة .
و بالرغم من الإساءة التي بلغت عنان السموات ، بحق الجغرافيا و التاريخ و الثروات ، و سقوط أقنعة العصابة و كل البارونات ، لم يتعلم المستبد درسا واحدا في الوفاء و الثبات .
لذلك انبعثت روح بن مهيدي و علي لبوانت و كل الذين عذبوا و شردوا و أحرقوا داخل الأكواخ و المغارات ، حاملة بشرى ميلا جديد يعلو محياها ابتسامة ، سميت على بركة الله سلمية ، ابتهج بها البعيد و القريب ، و هللت لها كل الشعوب ، معلنة أن الخوف ، لم يعد ينفع مع حياة القلوب على طريق الحرية و الكرامة .
و هل ينفع التزويف ؟
بداية ، من يتأمل في خبايا الفعل : ” زاف ” ، لا يمكنه البتة التفكير في مسألة العرق أو الجنس أو اللون أو حتى المعتقد ، بمعنى الفعل من دون رابط عرقي على وجه الخصوص ، فهو نبات كالنبات أو الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام بالرغم من التحذير .
و الأهم هو أن عبارة : ” زاف الإنسان ” ليست مثل “زاف الطير ” ، فالأولى تعني الاسترخاء بمعنى التراجع أو الركون أو الخلود أو التخلف عن الركب أو الغدر به ، …
أما الثانية فتعني حلق بعيدا عن الأرض . وفي كل الأحوال ليس التولي كالإقدام .
كذلك هي الأفعال الصادرة عن الإنسان في هذا الشأن بالذات وهو الزوف ، زاف ، يزوف ، زوفا . ليست مثل الصادرة عن الطير خصوصا ، و الأنعام عموما .
مثال : زافت النقود تعني أن النقود مغشوشة ، و نفس الشيء حين تفقد العملة قيمتها ، و كل ذلك بسبب الإنسان الزائف . نقول : زيف فلان النقود ، أي جعلها مغشوشة ، أو تسبب في ذهاب قيمتها .
و للتوضيح أكثر نقول عن العصابة التي تمتهن الغش هي عصابة زواف ، زيفت و تزاوفت ، بمعنى غشت ، غدرت ، خانت الأمانة . و الخلاصة أن الزيف و التزاوف لا يرتبط بعرق أو لون أو جنس أو معتقد مثلما أراد القوم أن يزيفوا الحقائق ، و قد سبقتهم إلى ذلك قوى الاستعمار التي ركبت رأسها ، و طمعت في إلصاق الإرهاب بعرق أو معتقد لذاته ، و الشيء نفسه إذا تعلق الأمر بالتخلف .
إن الذين تسببوا في الزيف قليله و كثيره هم من جهات متعددة ، حتى لا أقول مختلفة . منهم القبائلي ، و الشاوي ، و الميزابي ، و العربي . منهم الأنثى و الذكر ، و الشاب و المسن . من شرق البلاد و من غربها . المدني و العسكري .
و على هذا الأساس فإن لعبة سلطة الأمر الواقع باتت مكشوفة و مفضوحة ، ولا يمكن أن تنطلي الحيلة على أحد .
و يجب القول أن من سيسوا الدين ، و سيسوا الأعراق ، يمكنهم تسييس المجتمع و تقسيمه إن استطاعوا .
و مهما قيل بخصوص ” الزواف ” و منطقة ” زواوة ” فإن سياسة المعروفة ب : فرق تسد ، لا تخفى خيوطها و أماراتها على أحد .
وهل تنفع الانتخابات ؟
بين انتخابات وانتخابات ، شتان بين هذه و تلك ، الفرق بين و و اضح كالفرق بين رأس مال الشعب و رأس مال العصابة ، من سرق رأس مال الشعب هو العصابة ، و بالتالي فإن العصابة تريد سرقة انتخابات الشعب باسم الانتخابات ، مثلما فعلوا باسم الخوصصة و الاستثمارات مع القطاع العام . و عليه فإن الذين طمعوا في مال الشعب ، سيطمعون بكل تأكيد في أصواته ، و هم الزواف الحقيقيون .
و ليس لنا بعد هذا سوى أن نقول : ظهر الحق و زهق الباطل
و عليه نبني وجهتنا بالقول ظهر الشعب ، بمعنى انتصر ، و ذهبت العصابة ، بمعنى خابت .
و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل .
بين التأسيس و التسييس
ما أعظم التأسيس و ما أبخس التسييس ! الشعب الثائر يريد التأسيس ، و العصابة تتمسك باالتسييس ، و التسييس هنا هو تحديدا مستنقع البولتيك الذي توارثته ، للأسف الشديد، عن دوائر باتت تتاجر بكل الممنوعات في سبيل تعويم و تمييع عالم القيم و المنظومات .
يطلع علينا شيخ طاعن في السن، لقبوه عنوة بالرئيس ، لا يمثل سوى العصابة ، يجلس في هيئة المتهم أمام رئيس ضالع في الدفاع المميت عن حكام باتوا يعرفون من الرأس إلى القدمين بقمع الشعوب و هدم البيوت على رؤوس الغلابى . يخاطب الفخامة بعبارة غاية في الغرابة : اطمئن السيد الرئيس !
لقد سيسوا القيم ، و داسوا عليها مثلما تدوس الدبابة على الجماجم، و تقصف الطائرات القرى و المدن ، ثم يهرعون خفية إلى مجلس هيئة الأمم من أجل إدانة المواثيق و المطالبة بالتحقيق مع كل من أساء للفخامة و التطاول على الرئيس .
سيسوا المعتقد ، و العرق ، و المذهب ، و الكنيسة ، و الطريقة ، و القلم ، وتوجهوا باللوم للشعوب و الأمم ، فقط لأن الفخامة باتت تخاف من السياسة التي فضحت الرئيس .
و ماذا عن التأسيس ؟
الشعوب الثائرة هي من تملك مشروع التأسيس على طريق الحرية و الكرامة . و أكثر من ذلك فقد اختارت من أجل المحافظة على الأمانة، خيارا ، بات يقلق كل العصابة و المتورطين في النهب و التزوير ، إنه سلاح السلمية من أجل بناء صرح الديمقراطية و أمن الإنسانية التي يجب أن تقول لا للفخامة التي تتستر على جرائم الرئيس .
روح نوفمبر
نوفمبر ! هل هو شهر ضمن قائمة الشهور ، اشتهر ككل الأشهر بهلاله ، واشتهر ككل الجزائريين بانتسابه ، فكأن الشهر جزائري ، و بات لكل شعب من شعوب عالم اليوم شهره أو شهرته ؟
لا أكاد أميز بين شهر و شهر إلا بقدر ما بات يتميز به كل شعب و هو يستعيد ذكرياته و أمجاده ، أو مهازله و خيباته .
تذكرت شهر نوفمبر و هو على الأبواب ، من سيعيد علينا هذه المرة الذكريات و يروي لنا البطولات و يوصي البنين و البنات على أمل الوفاء للتضحيات ! ؟ ثم سرعان ما غفوت فيما يشبه العائد من رحلة أحلام ، و بدل أن أصحو ، استرسلت في نوم عميق ، و آثرت أن لا أستفيق طمعا في العودة من جديد إلى عالم الأحلام ، لعلي أشعر قليلا بالأمان ، فأروي للأجيال حكاية وطن تغرب كثيرا بين الأوطان .
من منا سيحتفي بقدوم الشهر العظيم عظمة شهدائه ، و الكريم كرم أبنائه و بناته ، و الوفي وفاء غزة لفلسطين ، و الجدير بأن يكون الترجمان نيابة عن كل الجزائريين في وجه النسيان !؟
هل سيخطب فينا الخطباء ، و يمجدنا الأدباء ، و يهنئنا الملوك و الرؤساء ، حتى يسمح لنا نوفمبر بالمرور إلى ما يليه من شهور من أجل استمرار العصابة ! ؟
و هل يجب أن يموت شعب نوفمبر من أجل الفخامة و الزعامة و الدستور ؟
روح نوفمبر لم تعد للذكريات ، ولا سجلا لتدوين المغامرات ، أو موعدا لعقد الصفقات ، أو شاهدا على خيبة جديدة باسم الانتخابات. بات الشعب كله نوفمبر ، و أقسم أن لا يترك الطريق حتى يستعيد النشيد الذي تغنت به العصابة نكاية في الشهيد الذي أغضب الفخامة و كل الانقلابيين على خطى الاستعمار البغيض .
يا له من علامة في جبين الأحرار ، يستحق التكريم و نيل وسام الثورة السلمية داخل الوطن الحبيب .