الصراع الحضاري الذي جمع مالك بن نبي رحمه الله مع لويس ماسينيون في عدة جبهات كان غير متكافئ للغاية وكان لزاما أن ينتهي في غير صالح المهندس “الأنديجان”.
إلا أن هذا الأخير إضافة إلى إيمان وثبات راسخين كان يتمتع بخصلات إستثنائية لم تكن معروفة من قبل في العالم الإسلامي مكنته مواجهة خصمه وشبكته العنكبوتية بصمود ودفاع ثم هجوم معاكس فتاك.
مالك بن نبي أعاد الإعتبار لعقل المسلم وللطرح العلمي الذي ميز الأولين، وفضح النقل الآلي وظاهرة الحشو والإسهاب التي أصابت الثقافة العربية الإسلامية بعد الوهن والإنحطاط.
كان مالك بن نبي يستمد طاقته التحليلية وسلطانه التفكيكي من حضارة الهندسة وأنغام المعادلات. وكان يبني نظام العلاقات بين العلة والمعلول بالنمذجة الحسابية ومنطق الرياضيات.
كان مالك يحدد المجاهيل الحضارية ويصنفها، وحسب أهميتها يمنح لها الدرجات.
الطرح الفكري والحضاري لمالك بن نبي هندسة دقيقة لا تقبل الطعون ولا التعقيبات.
ذلك هو الكنز الذي تركه مالك بن نبي وأوصى به كمنهج يفوق الكتب والمقالات. رحمة الله على مالك ما دامت الأرض والسموات
تعليق واحد
نعم إن طرح مالك الفكري و الحضاري هو هندسة دقيقة ، رسمت للإنسانية معلما متميزا في القراءة و التفسير و التفكيك و التركيب، و هو بمثابة طراز متفرد في البناء و التفكير ، فإذا كانت البشرية عرفت نوعين من التفكير : * المتعاكس ، و هو الأكثر رواجا و اتباعا . * و المتوازي المعروف عند إدوار دي بونو بأسلوب القبعات الستة ، الذي فرض نفسه على مستوى بناء المشاريع في أكثر من قطاع . فإن أسلوب مالك في التفكير ، نتيجة معلمه المتميز الذي هو بمثابة المعلم المتعامد و المتجانس ، يمكن أن نعتبره أسلوبا أو طريقا ثالثا في التفكير و التحليل ، ألا و هو أسلوب التفكير الدائري . و لعل ذلك هو سر القول بأن أفكاره سبقت زمانه . لكن الأهم بالنسبة إلينا ، ليس هو الطعن أو الطعون التي لم يكشف عن كنهها الأستاذ عبد الحميد ، و لا هي التعقيبات أو التعليقات وفق فهم الأستاذ ، خصوصا أن التعقيب أو التعليق يمكن أن نختلف بشأنه من سياق إلى سياق ، بل الأهم هو : كيف يمكننا أن نتعاطى إيجابيا مع هذه المدرسة المتفردة في التفكير و التحليل و البناء ؟