رابح كبير ديكتاتوري وحزبه تفوح منه رائحة السلطة
القتل والتخريب والنهب لا يُمكن أن يكون جهاداً
أسبوعية المحقق
العدد 40 من السبت 16 إلى الجمعة 22 د يسمبر 2006
حاوره: ياسين بن لمنور
وأنت تتحدث لمراد دهينة القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ “المحلّة” تُحس بأنك تُحاور سياسيا محنكا ورجل مجتمع، فرغم محاولتنا استفزازه بالكثير من الأسئلة وتوجيه تُهم بالجملة لإثارة حفيظته، إلا أنه قابل ذلك بصدر رحب ودافع عن نفسه وعن قناعاته التي لم تتغير مثلما تغيرت عند البعض – حسبه – في هذا الحوار فتح دهينة النار على زملائه السابقين في الحزب كرابح كبير وغيره، ونفى معرفته لمرزاق.
مراد دهينة: بداية، أحيّي قراء وطاقم أسبوعية “المحقق” وأقول إنه لم يطرأ أي تغيير على موقفي فيما يسمى “ميثاق السلم والمصالحة”، ومحاولة فرض “الأمنيزيا” كحل للأزمة الجزائرية جاءت صريحة في كل خطابات السيد بوتفليقة وكذا أعوانه حول مشروع المصالحة وهنا يكمُن الخطر، ففرض النسيان طمس للحقيقة ورفض للعدالة وفتح للباب واسعا لتكرار المأساة في المستقبل• أما الاتهام بالراديكالية فهو من ضروب التهم الفارغة التي اعتاد النظام الجزائري وأمثاله إلصاقها بكل من يخالفه الطرح، والتاريخ يبين أن الطرف الجاني هو الذي يحرص عادة على فرض الأمنيزيا وتعطيل الكشف عن الحقيقة، وهو ذات المسار الذي تُصر عليه مثلاً فرنسا في تعاملها مع ما اقترفته من جرائم في حق شعبنا خلال الفترة الاستدمارية، والذي أؤكد عليه أنه مهما طال الوقت أو قصر فلا بد من حل سياسي شامل يقوم على واجب الحقيقة والذاكرة والعدالة .
لكن الحقيقة التي تبحث عنها تبدو واضحة من خلال الميثاق: المفقودون في ذمة الله. الفيس مسؤول عن الأزمة. النظام جنّب الدولة السقوط في اللاعودة. الجيش قام بدوره الدستوري وهو حماية الوطن من الفتنة• هل هناك حقيقة أخرى؟
الحقيقة التي تصفها ليست بالحقيقة، فلا يجوز النداء بالسكوت عما وقع في حق العباد من جرائم، ويا للعجب ففي الدول المحترمة لو أن حيوانا قُتل أو اختفى لوقع التحقيق وتفعيل وسائل الشرطة والعدالة، أما في الجمهوريات الفرعونية فتوضع مواثيق تُمجّد الدعوة لنسيان الجرائم وتُجرّم من يدعو للحقيقة والعدالة، ولا أرى أكبر استهتارا بكرامة الناس من أن نقول لهم إن حصيلة فظيعة مثل التي تسبب فيه انقلاب 1992 تُعدّ أمرا حسنا كان في خدمة الوطن، أما كلمة الفتنة فأرفضها جملة وتفصيلا وما هي إلا محاولة لتبرير ديني لجرائم سياسية وأنا لا أرفض التحقيق النزيه الذي يبين مسؤولية الجبهة في الأزمة ولكن أرفض قطعا الاعتراف بتدليس الانقلابيين وإن سُمِّي ذلك ميثاقا للسلم والمصالحة.
ألا تزال تُصّر على تسمية توقيف المسار الانتخابي سنة 1992 بالانقلاب. فعلى ما يبدو حتى ولو كُشفت الحقيقة التي تتطلع إليها أنت فإنك لن تنسى الماضي. وهنا بيت القصيد من مضمون مشروع ميثاق السلم؟
من هي هذه السلطة “المتألِّهة” التي تسمح لنفسها بتوقيف مسار انتخابي لم تشهد الجزائر مثله في الشفافية؟ وكيف لا أصف ذلك انقلابا والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن مجموعة من المسيطرين منعت نوابا منتخبين من ممارسة مهامهم الدستورية في البرلمان والحكومة إثر انتخاب حر؟ وأنا أعود وأكرر أنني أرفض كلمة النسيان لأن الأمة التي تنسى تاريخها وما وقع لها أمة لا روح لها وهي معرضة للهلاك.
إذا كنت تعارض المشروع نظراً لما حمله مضمونه• فالشعب الجزائري تبناه بعد الإطلاع على هذا المحتوى، وبالتالي أنت تمثل تيار الأقلية الذي يُحترم رأيه لكن لا يُؤخذ به وعليه احترام رأي الأغلبية إن كان فعلاً يُؤمن بالديموقراطية؟
هذا التبرير بالديمقراطية هو من خانة ديمقراطية الحكام العرب الذين يفوزون بنسب خيالية، وبعضهم بنسبة 100 بالمائة، فالديمقراطية ممارسة لها ضوابط وهي للأسف غير محترمة في بلادنا: فالاستفتاء جرى في حالة الطوارئ ولم يفسح المجال لمعارضي المشروع للتعبير عن مواقفهم وقبل ذلك كله جاء الطرح ملتويا حيث أن الشعب لم يطّلع مسبقا على النصوص التفصيلية بل أنه أوكل حسب النتائج الرسمية – والتي فيها كلام – لرئيس الجمهورية مهمة اتخاذ التدابير اللازمة لصياغة مشروع يعيد السلم والمصالحة للبلاد وهذا طموح شعبي لا يختلف عليه اثنان.
إذن أنت توافق المشروع من حيث لا تدري؟
هنالك فرق كبير بين هذه الوكالة وقانون يُبرّئُ مجرمي حرب بل يمجّدهم ويمنع الجزائريين قانونا من مقاضاة هؤلاء المجرمين! وكل ما بُني على باطل فهو باطل ولا يمكن الاستدلال بخيار الأغلبية إن صحّت لفرض قوانين تطمس العدالة وحق اللّجوء للعدالة الذي هو أساس أي نظام ديمقراطي، ثم أضيف للذين يتغنون باحترام خيار الشعب: أين كنتم عند الانقلاب العسكري في جانفي 1992؟
أصدقاؤك في الجبهة الإسلامية “المحلّة” آمنوا بالمشروع وزكوه ومن عارضه فإنما عارض نقاطاً منه لكن هذا لم يمنعه من المجاهرة بتبنيه. فأين أنت من هؤلاء؟ أم هي القطيعة مع رفقاء الأمس في المشروع السياسي؟
الكلام عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ورجالها طويل وعريض، وعلاقتي بالجبهة لها خصوصيات قد نتطرق إليها فيما بعد، فأنا لم أشاطر مشروعا سياسيا بالمعنى العلمي للكلمة مع كل رجال الجبهة بل إن سيري في إطار الجبهة كان أساساً في خانة التصدي لرأي النظام الحالي، فلا شك أن هناك فروقا أساسية بيني وبين عدد من أعضاء الجبهة من حيث الطرح السياسي فالكل مسؤول عن مواقفه ومنهجه• نعم، قد يصل الأمر إلى عدم التوافق في الطرح ويضطر المرء تارة إلى عبارة الخضر ـ عليه السلام ـ حيث قال لموسى عليه السلام “هذا فراق بيني وبينك”، والحمد لله فلم أختلف مع أحد على منصب أو عرض من الحياة الدنيا ولكن من أجل مبادئ .
مؤخراً، دخلت قيادات الجبهة من المنفى الاختياري ومنهم من أعلن عن تأسيسه حزب وأقصد رابح كبير، ما رأيك في الموضوع؟ وهل تطمح بدورك لقيادة أو تشكيل حزب بالجزائر؟
المشكلة ليست في تشكيل حزب ولكن في المشروع الذي نريده للدولة الجزائرية، فتشكيل حزب في إطار هيمنة أجهزة السلطة على كل ما هو مصيري يعني أن الأحزاب تبقى في الصورة الحالية تلعب في الفضاء الذي يسمح به أصحاب القرار الحقيقيون، ولا يمكنني أن أصنّف دخول الوجوه البارزة التي كانت تدعي المعارضة في المنفى إلا في هذا السياق. الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أخوض فيه هو تحرك جدي لتغيير سلمي لطبيعة النظام الحالي وليس القبول بالأمر الواقع .
رابح كبير أعلنها صراحة بأنه سيكون أول من يعارض عودة الفيس، فهل ستوافقه الرأي؟ أم لديك تحفظات خاصة وأنك استقلت في أكتوبر 2004 من رئاسة المكتب التنفيذي دون أن نفهم الأسباب الحقيقية سوى أن مرد ذلك المحاولات العديدة التي أطلقتها لإصلاح أوضاع الجبهة خاصة بعد إطلاق سراح الشيخين عباسي وبن حاج والتي لم تلق صدى لدى أهل الحل والربط في الجبهة؟
معارضة قيام الفيس أو أي حزب آخر هو من فعل الدكتاتوريين وأعوانهم ولا يمكنني أن أكون من الذين يساندون مثل هذا الكلام، والذي دفعني إلى الاستقالة من المكتب التنفيذي للجبهة هو الوضع التنظيمي المضطرب وملاحظتي عدم الاستعداد العملي لدى الكثير من قيادات هذا الحزب لإصلاح الأوضاع، فالمشكلة عائدة إلى غياب تقاليد التسيير والمحاسبة، وفي تصوري أننا نحن المنتسبين إلى الدين الإسلامي أولى من غيرنا في تطبيق مفهوم المحاسبة الصارمة في العمل وضبط طرق التسيير وآليات الشورى الحقيقية، والاستقالة عند الشعور بالتقصير أو تراكم العراقيل الناجمة من الرداءة أو الفكر المتخلف فعل حضاري ليته يصبح عادة عند طبقة السياسيين والحكام في بلادنا، ولعل هذا الموضوع من الفوارق الأساسية التي تفرق بين دول متقدمة محترمة وأشباه الدول المتخلفة .
تقول إن الاستقالة التي سببها الاحتجاج على الفكر المتخلف فعل حضاري. فمن هم المتخلفون في الفيس الذين دفعوا بك للاستقالة من المكتب التنفيذي؟
هناك فرق بين صاحب فكر متخلف ومتخلف! والفكر المتخلف الذي أشير إليه ليس ذلك الذي يفهمه العلمانيون، أي كل ما له صلة بالشرع أو السنة النبوية الطاهرة، فالفكر المتخلف الذي أشرت إليه والذي أعتبره من أهم أسباب إخفاقات الجبهة هو في حقيقة الأمر من مخلفات الفهم المعوز للممارسة السياسية في بلادنا عموما، وأكبر تجليات الفكر المتخلف تظهر في طرق التسيير وما سميته فكر المشيخة والوصاية الذي يتعارض مع العمل المؤسساتي، فما كنت لأقبل بطرق عمل تشبه في بعض الأحيان ذات الطرق التي ينتهجها النظام وهيئاته! ولا أحب أن أحمّل أحدا بعينه مسؤولية هذا الوضع ولكن أحمّل الجميع، بما في ذلك نفسي الضعيفة التقصير في معالجة هذا الوضع، فكلٌّ يأخذ من قوله ويرد إلا المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم .
هل كنت واحداً من أصحاب الحل والربط في الجبهة أم كنت مجرد مناضل بسيط اختار منفى له لأن أفكارك دائماً مختلفة عن أفكارهم وأقصد القيادة في الداخل أو الخارج؟
إن علاقتي مع الجبهة لها خصوصياتها، فأنا لست من مؤسّسيها ولم أترشح باسمها لأي منصب ولم أنتمِ لأيّة هيئة من هيئاتها قبل حلّها! والسبب الرئيسي لهذا الوضع أنني غادرت الجزائر قبل إنشاء الجبهة والتحقت بالجبهة بعد حلّها وبعد ما حُرمت من فوزها بعد انقلاب جانفي ,1992 فالتحاقي بالجبهة جاء في وقت المغارم وكلفني الكثير وأسأل الله أن يكون ذلك كله لوجهه وحده ولست بالذي يحكُم على نفسه إن كنت من أهل الحل والعقد فيها أم لا، هذا إذا فرضنا أن لمثل هذا الوصف معنى، غير أنني شاركت في الكثير من الأمور المتعلقة بنشاط الجبهة بعد الانقلاب وأترك للمحللين تقييم هذه المرحلة أو توافق نظرتي السياسية مع باقي أعضاء الجبهة ولكن الشيء المؤكد أن الطرح السياسي الذي أؤيده هو ذلك الذي أقره مؤتمر الشهيد حشاني سنة 2002 والذي يبقى الوثيقة المتكاملة الوحيدة التي نشرتها الجبهة .
بصراحة، هل أنت على اتصال مع من كانوا في الحزب؟ هل مدني مزراق واحد منهم؟ وكذا رابح كبير وولد عدة وأنور هدام والزاوي؟ وإذا كان العكس فأنت معزول عن الجبهة إذن؟
أنا في اتصال مع رئيس الجبهة الإسلامية ونائبه وغيرهما وليس لدي اتصال بمزراق وانقطع اتصالي بكبير منذ سنين، ومن الناحية التنظيمية ومنذ استقالتي من مكتب الجبهة في 2004 لم تعد تصريحاتي تعبر عن موقف الجبهة ولكني لازلت أتبادل التناصح والتشاور مع الشيخين عباسي وبن حاج خاصة.
لماذا انقطع اتصالك بكبير؟ ولماذا لم يكن لك أي اتصال مع مرزاق؟
فيما يخص مزراق فلم يُكتب لي اللقاء به ولا أدري ما العجب في ذلك ولا شك أن مساراتنا مختلفة ولم يكن هناك داعي للقاء، أما فيما يخص كبير فالانقطاع ناتج عن اختلاف في الطرح وفي حقيقة الأمر برزت إشكاليات منذ خروجه من الجزائر وبذلنا جهودا لترتيب الأمور وتحسين أداء الجبهة في الخارج كما كان الحال عند إنشاء الهيئة التنفيذية، وللأسف لم يوفق هذا السعي وجاءت محطات عديدة لتعمق الخلاف، كالموقف من وحدة الجماعات المسلحة في 1994 أو هدنة 1997 واتصالات كبير بالنظام الجزائري وجهات أخرى، ثم جاء موقف الشهيد حشاني رحمه الله واضحا في رفض نهج كبير وجماعته، وخلاصة الأمر أننا لم نعد على خط واحد فيما يخص أمورا مصيرية فكانت القطيعة التنظيمية.
ألا ترى بأن قيادة الجبهة انقسمت إلى فئتين: الأولى مشتتة ينقصها التنسيق وهي التي تنتمي إليها، والثانية عرفت كيف تعيد بعث صفوفها وأقصد كبير ومزراق وأعلنت عن إنشاء وعاء سياسي بديل؟
الجبهة كحزب منظم غير موجودة اليوم ولكنها تبقى مرجعاً لفئة معتبرة في الشعب، ولا أحب أن أعقب على نهج رابح كبير وأصحابه مع أنني أعرف الكثير عنه ويكفيني أن أقول إنني لا أوافق طرحه ولا أراه يمثّل شريحة الجبهة التي تبقى موالية للشيخ بن حاج في الجزائر.
تعرف الكثير عن نهج كبير وأصحابه وترفض البوح به. ما الدليل على أنك تعرف ما تدعي؟ أين الشجاعة في إبداء الرأي؟
المهم بالنسبة لي هو أن ما أعرفه يكفيني لبناء موقف سياسي وعملي موضوعي فيما يخص الرجل، وليس المهم عندي التعيير ووصف الآخرين بالنعوت الشائنة وإن كانت صحيحة، فعدم الخوف من لومة اللائم والمسؤولية تجاه الأمة يعني في هذا الصدد تبيان موقفي من مسار رابح كبير السياسي والإعلان صراحة عن اعتراضاتي عليه، وهذا ما فعلته.
أما الأساليب الملتوية فلن أخوض فيها أبدا وأنا أحرص على كرامة كل إنسان وللمجالس أمانات والساذج هو الذي يبوح في كل واد بكل ما سمع ورأى، فلكل مقام مقال ويبقى الفاصل هو ما أجنيه من مصلحة وأدفع به من مفسدة في ذكر ما استقر لدي من معلومات، فقضية كبير ثانوية بالنسبة إلي ومفصول فيها وليس لدي رغبة في الاسترسال فيها.
كيف تفسر السرعة التي أعلن بها كبير عن عزمه تأسيس حزب سياسي رغم أنه ممنوع من ممارسة أي نشاط سياسي أم أن في الأمر صفقة مثلما قيل؟
لا شك أن هناك اتفاقا أو سمه صفقة إن شئت معلنة أو مفهومة ضمنيا، مكّنت رابح كبير وزملاءه من العودة إلى الجزائر ومزاولة نشاط سياسي وإعلامي، ولا يمكن لعاقل أن يظن أن مثل هذا النشاط نابع من “ديمقراطية النظام الجزائري”، وهذا الواقع مثال حي لتناقضات النظام وما يسنّه من قوانين وكذا تصريحات مسؤوليه، وإذا كان من حق كبير تأسيس حزب وطرح رؤيته السياسية فإنه لا يمكننا أن نغفل أن لب الموضوع ليس ما يكون قد تعلمه كبير في الخارج من أفكار واقتناع بالحريات، وهذا فيه كلام لأنني أعجب أن يكون قد فهم هذه الأبجديات إلا بعد سفره لألمانيا، ولكن المشكلة في القالب السياسي الذي يتحرك فيه كبير، وهنا لا يمكنني للأسف إلا أن ألاحظ أن الرجل يتحرك في إطار ونحو الاتجاه الذي يريده أصحاب القرار في الجزائر، سواء أكان ذلك برضا منه أم لا أو بشعور منه أو لا، فلا عذر لمن يخوض العمل السياسي في مثل هذه الانزلاقات.
هل مشروع قيام الدولة الإسلامية أو مثلما سماها رئيس الجمهورية “الكهنوتية” لا زال قائماً رغم ما انجر عن ذلك من خسائر في الأرواح؟
عبارة بوتفليقة برفضه الدولة الكهنوتية فأنا أول من يقف ضد مثل هذه الدولة وأحرص على الطبيعة المدنية للدولة، ولكنني أخشى أن يكون بوتفليقة من أنصار الدولة الكهنوتية في الواقع الذي يظهره من ممارسته للسلطة، وإني سمعت أحد وزرائه يصرح أن مجيء بوتفليقة كان كرامة إلهية وأن من بين مظاهر هذه الكرامة ارتفاع أسعار النفط، فلا مكان في تصوري للدولة الجزائرية للدولة الكهنوتية أو الثيوقراطية.
إذا طلبت منك تصنيف تنظيم مزراق المسلح “المحل” فهل ستضعه في خانة المنظمات الإرهابية؟ أم أنك ممن يؤكدون أن التنظيم كان جناحاً عسكرياً للجبهة في السابق؟
الجبهة التي توليت مسؤولية مكتبها والتي قادها حشاني رحمه الله، والتي يرأسها عباسي مع نائبه بن حاج لم تصرح في أي يوم من الأيام أن لها جناحا عسكريا، الطرف الوحيد الذي صرح بذلك هو هيئة رابح كبير، ولا أقول هذا الكلام طعنا في عمل الذي اضطرهم البطش وبعض الممارسات المحسوبة على الأشخاص لحمل السلاح ولكن لتوضيح أمر تنظيمي يريد البعض تغيير حقيقته وتوظيفه سياسيا، فمكانة تنظيم مزراق لا تختلف عن مكانة الجماعات المسلحة الأخرى بالنسبة لهيكلة الجبهة، فهي مستقلة عنها في النصوص وفي الواقع.
هل تؤمن بأن ما كان وما يزال على الميدان من قتل وتخريب ونهب وحواجز مزيفة هو جهاد؟
لا يمكن اعتبار القتل والتخريب والنهب ضد الأبرياء جهادا، ولكن لا بد من النظر إلى من عمل من خلال حرب مضادة، وتقنياتها معروفة وقد استعملتها فرنسا الاستعمارية ونظّر لها رجال كالمجرم أوساريس ضد الشعب الجزائري على تعفين الأوضاع بُغية تحويل طبيعة الصراع من بين الانقلابيين وأنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين سُلبوا من فوزهم في انتخابات نزيهة إلى صراع بين الجزائريين.
عرفت العاصمة مؤخراً عودة السيارات المفخخة التي راح ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعب ورجال الشرطة فهل تدين هذه الأعمال أم تباركها؟
لا يمكن تبرير التقتيل الأعمى الذي غالبا ما يطال الشعب الأعزل، وقبل الحكم على أي جهة يجب التحقيق ووجود جهاز شرطة في خدمة المواطن وعدالة نزيهة وللأسف فهذا غير متوفر في الجزائر، فبقدر ما نشجب القتل الهمجي بقدر ما نسخط على النظام الذي يتعنّت في رؤية غير صائبة وتصرف إجرامي من بعض رؤوسه، الأمر الذي يكلف الجزائريين الويلات.
حتى نكون في الصورة. فإنه تقريباً لم يبق سوى تنظيم مسلّح يُدعى الجماعة السلفية للدعوة والقتال فهل مراد دهينة ضد العمل المسلّح ويرفض مثل هذه التنظيمات ويدعو لعدم الالتحاق بها ويدين أعمالهم أم لديه تحفظ؟ خاصة وأني ألحظ أنك متحفظ فيما يخص عمل هذه الجماعات؟
إن بقاء رجل واحد يحمل السلاح في البلاد يتطلب أولا معالجة الأسباب السياسية لهذا الوضع، أما سياسات الاستئصال فهي فاشلة أساساً لأنها تعد حملة السلاح بالموت وهذا لا يخيف من حمل السلاح! وأظهر الواقع أن سياسة الاستئصال مآلها الفشل ويبقى إلى يومنا هذا شباب جزائريون يلتحقون بالجبال، وكما سبق أن قلت فأنا لا أنتهج سياسة الإدانة الفارغة والتهرب من المسؤوليات، وموقفي من المسألة واضح وهو أن العلاج السياسي هو الحل حتى لا يبقى أي عذر لمن حمل السلاح ونأمن من جهة أخرى الجماعات ذات الطابع الإجرامي.
بصراحة، هل كنت ضد أو مع التقتيل الذي عرفته الجزائر طيلة سنين المحنة؟
هل يعقل أن يكون إنسان مع التقتيل الأعمى إذا ما استثنينا المختلين عقليا والمجرمين؟ ولكن لا يكفي إظهار الاستنكار والإدانة ورمي الاتهامات للنيل من الخصوم، فكل من يدّعي استنكار التقتيل والمجازر والإجرام عليه أن يطالب بكشف الحقائق وتفعيل القانون النزيه والمستقل.
الكثير من القيادات التاريخية للجبهة أطلقت نداءات للمسلحين تدعوهم لتطليق العمل المسلح والنزول من الجبال و فهل مراد دهينة يرفض إطلاق مثل هذه النداءات أم أن الأمر شروط؟
ردي بسيط• ماذا كانت النتيجة؟ فقد نزل بعض الأفراد استجابة ليس لهذه النداءات ولكن لوصول بعضها للطريق المسدود في الجبال أو الصراعات الداخلية فيما بينها أو بناء على فتاوى ولكن حتى ما عرضه النظام عليها من خلال مشروعه للمصالحة لم يقنع الجميع! بل أرى أن نداءات البعض وطريقة إطلاق تلك النداءات زاد الأمر تعقيدا، ثم فلنكن واقعيين: هل نداء مراد دهينة أو غيره كاف ليضع المسلحون سلاحهم؟ والجواب طبعا لا• فلابد أن نكرر مرات ومرات أن الوضع الأمني المتردي راجع أساسا إلى فقدان أو ضعف الشرعية وغياب الحل السياسي الشامل الذي يؤسس لدولة عادلة حرة قوية ومحترمة لإرادة شعبها.
أعلم أنك تعي أن باستطاعتك العودة للجزائر لأن ميثاق السلم يسمح لك بذلك فمتى سيعود دهينة للجزائر التي غاب عنها لمدة فاقت العقدين؟
أنا أعيش خارج الجزائر منذ 23 سنة وعودتي للجزائر في المستقبل إن شاء الله لا علاقة لها بميثاق المصالحة، ويعلم الله أن ما أعانيه منذ بداية التسعينيات من مضايقات لا يعاني منه الكثير حتى في الجزائر وذلك لموقف بعض الدول المتغطرسة لسد الباب ـ بالتنسيق مع أطراف في بلادنا ـ في وجه أي معارضة جادة لا تقبل الانصياع لهذه الدول بل تحرص على حرية وكرامة الجزائر، ولكن أملي كبير في الله أولا وآخرا.
لما ترفض العودة؟ هل الأمر متعلق بمكانتك في المجتمع السويسري خاصة وأنك دكتور في الفيزياء مما يُؤهلك لمنصب تجني من خلاله الملايين هناك، فضلاً عن أنك تقيم بفيلا في أرقى أحياء جنيف؟ مع الإشارة إلى إن الثـراء أصبح ميزة قادة الإنقاذ !
الظروف حاليا ليست مهيأة لعودتي بما يضمن كرامتي كإنسان، ولا أقبل أن يؤول رجوعي كاعتراف بنجاح السلطة في مسعاها، وبما أن هدفي يبقى مثول المجرمين الذي نكّلوا بالشعب وسلبوا حقه أمام المحاكم فبقائي في الخارج في الظرف الحالي أولى، ولا بد من الصبر والثبات على المبدأ حتى يأتي الحق ويزهق الباطل.
وفيما يخص وضعي المادي فأقول إنني لو كنت أريد عرض الحياة الدنيا لانتهجت طريقا آخر، وقد جاءتني الدنيا بأيديها مفتوحة فقد حصلت على منصب هام في سويسرا قبل التسعينيات بعدما حصلت على شهادة الدكتوراه في الفيزياء من أكبر الجامعات الأمريكية ولم يتجاوز سني آنذاك 26 سنة، وعقب انقلاب جانفي 1992 لم يكن بوسعي أن أتمتع بما أنا فيه من نعمة وإخواني يذبحون في الجزائر ودفعت الثمن الغالي من أجل ذلك، سائلا المولى أن يكون ذلك خالصا لوجهه، وإلى يومنا هذا ليس لدي جواز سفر ولا أوراق رسمية، لا جزائرية ولا غيرها، ثم إن عدم قبولي أية مساومة مع الأنظمة الغربية حرمني من أدنى حقوقي والله المستعان، فكما أن مجيئي إلى سويسرا كان بقدرة من الله فإن رحيلي عنها سيكون بإذنه تعالى وأنا مسبقا أتقبل ما يختاره الله لي، والحمد لله فإنني لن أساوم أحدا على حساب مبادئي، وأطمئنك يا سيدي فأنا بعيد عن السكن في فيلا، وأسكن بيتا في عمارة شعبية يمكن تصنيفها دون تردد في أسفل سلم الجودة في سويسرا.
هل تعلم أنكم إلى جانب قيادات أخرى يُحملكم الشعب الجزائري أو السواد الأعظم منه مسؤولية مقتل 200 ألف جزائري؟ فهل أحسست يوماً ما أن لك مسؤولية في الأزمة خاصة وأنكم محسوبون على قيادات الفيس التي فرّت للخارج وأعلنت التمرد والعصيان؟
فيما يخص المسؤوليات في الأزمة الجزائرية فليعلم الجميع أنني أطالب – ولن أسكت عن هذه المطالبة إلى أن يقضي الله أمرا – بفتح تحقيق مستقل في كل ما وقع في الجزائر من جرائم ضد الإنسانية ونهب لكرامة الشعب وأمواله وسأكون مستعدا لدفع الثمن إذا ثبت أي شيء ضدي، وسنرى حينئذ من هم الذين قتلوا ونهبوا واستغلوا خيرات البلاد، أهو مراد دهينة أم غيره من المرتزقة الذين دمروا البلاد والعباد، ولعل الفاصل في المسألة هو التّعرف على من يرفض مثل هذه التحقيقات بل يُجرِّم قانونا كل من يطرح هذا السؤال من خلال ميثاق السلم والمصالحة الذي أعده بوتفليقة، فمن يخاف إذن من الحقيقة؟
ألم يكن جائزا تغليب الحكمة والرشاد. يعني التنازل عن حقكم في انتخابات سنة 1991 مقابل ضمان العيش للأرواح التي زُهقت أم أن ثمن السلطة أغلى من إبادة 200 ألف جزائري؟
هذا سؤال وجيه وأقول إن من أكبر طامّات بلداننا العربية عموما هو مفهوم السلطة واستعمال أسلوب التجريم من طرف من هم في سدة الحكم ضد كل من يعارضهم بدعوى أنهم يريدون السلطة، وينبغي تصحيح هذه المغالطة النابعة من صميم الفكر الفرعوني حيث قال >ما أريكم إلا ما أرى<، فليعلم المواطن في بلادنا أن من حقه المطالبة بالسلطة وليس لأحد أن يُجرِّمه من أجل ذلك وأن السلطة ليست مكتوبة لفئة من الناس أو من يرضون عنهم أو يرضى عنهم الجنرالات، الشيء الذي ينبغي أن نضمنه هو نزاهة الاختيار وأن يبقى الشعب باختياره الحر هو الوحيد الذي يختار الحكام ويعزلهم، أما اتهامي بالجري وراء السلطة فَلِم لم يُطرح نفس السؤال على أولئك الذين ناوروا وعقدوا الصفقات على حساب الشعب الجزائري للوصول إلى السلطة؟
لنختم حوارنا بسؤال أردت طرحه عليك في البداية لكن أريد أن تكون جريئاً في إجابتك مثلما كنت في الأسئلة التي سبقت. هل مراد دهينة صاحب الدكتوراه في الفيزياء إرهابي؟ وإلى ماذا يطمح في المستقبل؟
أعلم أن والدي رحمه الله كان يسمي “فلافا” و”إرهابيا” و”مجرما” من طرف الاستدمار الفرنسي لأنه لم يرض بالذل والرضوخ تحت الاحتلال، وبعد خروج فرنسا تغير الوضع والحمد لله، فالشتم والنعوت التي يُراد بها الحط من قيمة الإنسان وتجريمه أمر معتاد واستعمله الظلمة منذ القدم للنيل من معارضيهم، بل وحتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم ينجوا من هذه المعاملات، فضميري مرتاح من هذا الباب ولا أعتبر نفسي إرهابيا حسب التعريف المفروض اليوم ولم أخض أبدا في أي أمر يمس بحقوق الناس، خاصة الضعفاء منهم والمظلومين والمستضعفين الذين كانوا أكثر الناس تضررا من الحرب التي فرضت على الشعب الجزائري بفعل من يرون أنفسهم أوصياء على هذا الشعب.