و نعود إلى سؤالنا عن عدم اعتذار فرنسا. في الحقيقة إن الأمر يتعلق بالجزائر أكثر منه بفرنسا لأن هذه الأخيرة تمتلك أرشيفا تستعمله كورقة ضغط ضد الجزائر في جميع الأمور التي تمس بمصالحها بصفة مباشرة أو غير مباشرة. فهذا الأرشيف يضم في صفحاته التاريخ الرسمي الجزائري من الجانب الاستعماري و هو يحتوي على كل شاردة و واردة تخص الثورة و صانعيها الذين استشهدوا و الذين لا يزالون على قيد الحياة و هذا التاريخ الذي نعتز به يضم اشراقات كما يضم نقاط ظل لا يعلمها إلا أصحابها و لذلك فإن إخراجه إلى النور سيعرض الكثير من الذين عاشوا على التغني بمبدأ الثورة إلى المساءلة لا نقول القانونية و لكن الاجتماعية و التاريخية.
لقد بدأت تظهر إلى الساحة العديد من القضايا مثل المجاهدون المزيفون، المسؤولون مزدوجوا الجنسية و عدد شهداء الثورة و الاقتتال الداخلي أثناء الثورة بين أبناء الوطن الواحد و مسألة الاستقلال و هل هناك إستراتيجية ثورية لبناء دولة جزائرية مستقلة أم أن الأمر كان عفوي و ارتجالي. و كل هذا فتح المجال للعديد من المتابعين للوضع الجزائري و خاصة في شقه التاريخي إلى اعتبار كل دعوة للاعتذار هي ذر للرماد في العيون و لن تجني منها الجزائر أي شيء في الوقت الراهن و إنما من الضروري كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بكل محتوياتها و بكل محاسنها و مساوئها و لنترك الحكم للتاريخ و هذا ما أكده كل من محمد حربي الذي دعا إلى فتح الأرشيف الوطني خاصة الخاص بالثورة و دعوة عبد الحميد مهري إلى كتابة المذكرات خاصة بالنسبة للذين تقلدوا مناصب مهمة في الدولة الجزائرية قبل و بعد الاستقلال.
أما نحن فلا يهمنا الاعتذار الفرنسي في الوقت الراهن بقدر ما يهمنا التعريف بالثورة و تكوين جيل فخور ببلاده و بثورة أبنائها يؤمن بالجزائر و بقوتها و لا يسعى إلى الهجرة بأي وسيلة كانت حتى و لو كلفته حياته. كما يهمنا تكوين دولة قوية دولة مؤسسات و دولة قانون تقدم أبناءها للمساهمة في البناء و لا تستعمل سياسة الإقصاء و التهميش حتى تتمكن من مواجهة الآخر الذي يريد إذلالها و تركيعها بمجرد الاحتفاظ بمجموعة وثائق يعتقد في قوتها و هي عكس ذلك لأن القوة هي قوة المواجهة مواجهة الدولة و أبنائها لتاريخهم و السعي لتحسين حاضرهم و مستقبلهم.
نعيم بن محمد
28 مارس 2008