في خضمّ هذه الاختلاف والتنوع النقابي والمطلبي – وإن كنت من مؤيديه باعتماد مبدأ الهوية الاجتماعية الخاصة مع الحفاظ على حد أدنى من العمل والنضال النقابي الموحد – نجد أنّ المطالب الخاصة بالأستاذ الجامعي لم تحض بالعناية اللازمة من قِبل الدولة باعتباره منتج للثروة وإنما كانت مساهمتها عبارة عن عملية تسيير لوضعية أو لحالة الجامعة الجزائرية أكثر منها محاولة لبناء مركز علمي إشعاعي يستقطب رأس المال البشري ويعمل على تكوينه وتأهيله وبالتالي التأسيس لمجتمع المعرفة المبني على التكوين المستمر والدائم (التكوين وإعادة التكوين). بل وظّفت الجامعة كحاضنة لحلّ أزمة النمو الديمغرافي وتأجيل للبطالة، مما كان له انعكاس سلبي على القائمين على شؤونها تسييرا وتكوينا.
من هنا جاءت النظرة المختزلة للدولة عن الجامعة ودورها وانعكست في تعاملها مع الأستاذ الجامعي، حيث لم تتجاوز محاولاتها السعي لإحداث توازن اجتماعي عوض أن يكون بعث لمجال منتج للمعرفة والثروة. فالدولة بهذا المعنى تعالج مشاكل الأستاذ الخاصة في الإطار الكلي للمجتمع حيث تحاول ترضية الرأي العام أكثر من ترضية الأستاذ الجامعي ولنضرب لذلك بعض الأمثلة:
1― أثناء إضراب ماي 2006 أعلنت الدولة أنها ستوزع 3000 سكن على أساتذة الجامعة في حين أنها في حقيقة الأمر قامت عن التنازل عن سكنات وظيفية تمّ توزيعها قبل ذلك التاريخ بكثير كما نتج عن هذه العملية تنازع الصلاحيات بين وزارة السكن ووزارة التعليم العالي، إضافة إلى محاولة تراجع الوزير الأول أحمد أويحيى عن القرار في سنة 2010؛
2― القيام بزيادة أجر الأستاذ بطريقة غير مباشرة وهي عمل ساعات إضافية كمحاولة للتخفيف من ضعف الأجور هو الإجراء الذي جاء به الوزير السابق عمر صخري؛
3― في بداية الدخول الجامعي لسبتمبر 2010 تمّ الإعلان عن زيادة في أجور أساتذة الجامعة في حين أنّ الواقع هو عبارة عن عملية روتينية تتمثل في الترقية وما ينتج عنها إعادة تصنيف وبالتالي تغيّر في الأجر.
وغيرها من الوقائع المعاكسة لحال الأستاذ الجامعي الذي يظلّ يعاني عديد الإشكالات في أغلبها مادية وسهلة الحل على اعتبار أنّ عددهم لا يفوق 40000 أستاذ وتتعلّق أهمّ هذه الإشكالات بالأجر والسكن.
ففيما يتعلّق بمشكل السكن يمكن للدولة أن تتدخّل لحله بصفة نهائية لأنه لا يعقل أن يسكن الأساتذة في الفنادق الرخيصة وبيوت السباب والأحياء الجامعية أو يدفع نصف راتبه لإيجار شقة، ناهيك أنّ توزيع السكنات الوظيفية أصبح يقصي بعض الأساتذة ممّن يمتلكون سكن في حين أنهم يعملون بعيدا عن محل إقامتهم الأصلية. فكيف يحرم أستاذ من سكن وظيفي بحجة أنه يمتلك سكن في منطقة تبعد بـ 700 كلم عن مكان العمل في حين يستفيد آخر من سكن وظيفي وفي مقابل ذلك يمكنه أن يقيم مشروع سكن تساهمي أو يشتري سكن مع احتفاظه بالسكن الوظيفي الذي ربما يتمّ التنازل عنه فيما بعد فأين هو العدل هنا وبأيّ منطق يتحدّثون.
أما فيما يتعلّق بالأجر فإننا نقولها صراحة إنّ الأجر الذي لا يمكن الأستاذ من اقتناء الكتب والجرائد والحصول على خدمة الأنترنت والتنقّل لحضور المحافل العلمية وإنما يضمن له فقط الأكل والشرب مع عدم ضمان النوعية لا يعتدّ به.
وعليه فإنه يمكننا القول أنّ الجامعة ستتحسّن لأنّ الدولة ستعمل على توسيع الشرخ بين أفراد الأسرة الجامعية أنفسهم من خلال ممارسة سياسة الإقصاء الاجتماعي بنوعيها الإيجابي والسلبي. والتي ستتجسّد ميدانيا من خلال نظام المنح والتعويضات، خاصة المنح المتغيّرة، الذي يعمل على تهميش الكثير من منتجي المعرفة وكذلك من خلال سياسة المناصب الإدارية التي ستعود على أصحابها بمبالغ مالية كبيرة نوعا ما في مقابل تجسيد السياسات العامة ميدانيا.
في الأخير لا يسعنا القول إلا أنّ الدولة الجزائرية إن لم تتدارك هذا الواقع فإنّ الأمور لن تنفرّج في القريب العاجل ولن تستطيع الجامعة الجزائرية أن تحتلّ مكانة مرموقة عربيا وإفريقيا ودوليا مادامت السياسة المنتهجة تعتمد على التسيير البيروقراطي أحادي الجانب أكثر من كونها مبنية على قواعد علمية وحوارية بين الفاعلين الاجتماعيين ككل: دولة، أساتذة ومجتمع ككل.
نعيم بن محمد
4 أكتوبر 2010