تعيش الجزائر منذ فترة ليست بالقصيرة العديد من المشاهد التي لم كن أحد يتوقعها وذلك على جميع المستويات، لعل أبرزها الفراغ السياسي الذي تعرفه البلاد منذ تجديد العهدة الرابعة والذي لم يستطع أحد ملأه سواء من قبل السلطة القائمة أو من الطرف المعارضة الموجودة. أو ممن يترأسون الحراك الاجتماعي الذي يسعى للضغط على الطرفين من أجل تلبية مطالبه.
إن الملاحظ للوضع الحالي يمكنه أن يستنتج أن الحل ليس بالقريب العاجل. إنما الأوضاع تسير نحو مزيد من التصعيد الذي قد يجلب معه الفوضى، هذه الأخيرة لن تحدث تغييرا واضح المعالم بقدر التدمير الذي ستحدثه وبقدر الانتفاع الذي لن تحصله الفئات الشعبية بمختلف شرائحها المتوسطة والهشة التي ستكون المحرك له بل ستؤول منافعه إلى القلة الطامعة والمتربصة والتي تستغل كل ما من شأنه أن يحقق مصالحها ويبقى على نفوذها وانتفاعاتها اللامسؤولة واللامبررة قانونيا وأخلاقيا.
انطلاقا من هذا فإننا سنحاول هنا تقديم عرض للمؤشرات التي أجلت التغيير الفعلي الذي كان سيحدث نقلة نوعية في الحياة العامة للجزائر شعبا ومؤسسات دولة. والبعض من هذه المؤشرات قد يساهم في إحداث الفوضى باسم التغيير والإصلاح في الأرض. وذلك بغية تدارك الوضع من قبل جميع الأطراف المتصارعة والتي تتحدث باسم الشعب في كليته هذا الأخير لا نراه إلا حطبا لصراعاتها.
أولا: إن إعادة التجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تنبئ أن الشعب يرفض التغيير بنفس القدر الذي ترفض فيه السلطة التنازل عن الحكم أو مشاركة الغير في إدارة البلاد والعباد. وهذا ناتج عن الخوف من البديل الذي قد يؤدي إلى المحاسبة ومنه المعاقبة وبالتالي فالتمسك بما هو موجود أحسن من اختيار بديل نعتقد في صفته العقابية أكثر من الإصلاحية.
ثانيا: وجود معارضة هشة وصورية استفادت من قوة السلطة كما تستفيد اليوم من ضعفها. هذه المعارضة لم تقدم جديدا رغم ادعائها باللجوء إلى الشعب الذي لم يمكنها من وعاء انتخابي يسمح لها بالتأثير الفاعل على الساحة السياسية، وبالتالي توظيف طاقاتها من أجل إحداث تغيير سلمي، والدليل على ذلك عدم تمكنها من تحصيل نسب معتبرة في العمليات الانتخابية المختلفة أو أثناء ممارستها لنشاطاتها الجماهيرية، إضافة إلى نوعية خطابها المتميز بالخطاب العاطفي المبني على تسفيه الآخر أكثر من اعتمادها على خطاب بديل وطموح يستغرق الحاجيات الحقيقية لمختلف الفئات الشعبية مما يوسع من قاعدتها الشعبية.
ثالثا: ذكاء السلطة الحالية باعتمادها على المعارضة وتجنيدها من أجل التغطية على المعارضة الحقيقية والممثلة في الشرائح الصامتة والصابرة من الشعب وذلك لخلق نوع من الحركية السياسية في البلاد. إضافة إلى عدم فسح المجال أمام الوجوه الشابة والحاملة لأفكار واعدة وإصلاحية والتي تمثل البديل الفعلي للطبقة السياسية الحالية. فمن خلال هذا الاستعمال تمّت مصادرة الرغبة في التغيير واعتماد أدوات هشة لا أثر لها ميدانيا لافتقارها إلى خطاب تعبوي جدي وبديل كما أن ماضيها السياسي لا يعطيها القدرة الكافية على التجنيد والإقناع.
رابعا: إعادة توجيه الرأي العام الوطني نحو قضايا هامشية مثل مسألة المرأة ووضعها القانوني وكذلك نحو الصعيد الدولي من خلال المساهمة في حل بعض القضايا الإقليمية وبالتالي توجيه الأنظار عن المشكل الحقيقي وهو عدم وجود إرادة فعلية في الإصلاح وتسيير البلاد بنحو ديمقراطي يمكن الجميع من المساهمة في بناء صرح مؤسساتي قار وذلك من خلال نهج إصلاحات حقيقية تعتمد النقاش والحوار حول القضايا الرئيسة التي تهم المجتمع في كليته. عوض ما هو قائم اليوم من تعويم للقضايا الهامة وانحسار دور المختصين عن تأدية واجبهم في التحسيس والتنوير مما حط من قيمة تلك القضايا. إضافة إلى إغفال القضايا ذات القيمة الوطنية مثل المنظومة التربوية والجامعية والصحية والمالية والتي تعد ركيزة أساسية في بناء جزائر الغد وإنسان المستقبل.
خامسا: صعود فئة من الأغنياء الجدد الذين تمكنوا من اختراق المنظومة النسقية القائمة والتي لم يكن المال أحد ركائزها بل تحوّل هذا الأخير إلى عامل فاعل في إحداث أي إصلاح. هذا المال يتميز في عدم وضوح مصدره وبالتالي فهو يسعى إلى الحصول على الشرعية من خلال ولوج عالم السياسة الذي سيساعد على تبييضه وتطهيره بصفة قانونية ومؤسساتية مما يفسح له المجال للبراءة من أي محاسبة أو عقاب.
بناء على هذه المؤشرات يمكنا القول أن طريق التغيير في الوقت الحاضر لن يكون ذا جدوى لعدم وجود فاعلين بيدهم الإرادة الحقة التي تمكنهم من إحداثه والتخفيف من وطأته بل ستستمر الحال على ما هي عليه إلى حين تشكل وعي وقيم تسمح بالانتصار لفكرة الإصلاح والتغيير والسعي لتجسيدها ميدانيا مما يمكن البلاد و الشعب من التقدم والتطور وفقا لمكانيزمات العدالة الاجتماعية.
نعيم بن محمد
21 مارس 2015
تعليق واحد
الجزائر إلى أين؟؟؟
منذأن كتب محمد بوضياف كتابه الشهير(الجزائرإلى أين؟؟؟)؛والبلد كالسفينة التي فقدت بوصلتها كل اتجاه،و أصبحت تخوض عباب بحر هائج متلاطم الأمواج مائج،في ليل بهيم،ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج ـ الربان الأرعن ـ يده لم يكد يرها،و مع ذلك فهو يتشبت بالمقود، لعله يثبت لنفسه و لراكبي القارب المتهالك أنه الأقدر على القيادة و الأجدر بالزعامة و السيادة.و لا أحد يدري كيف الخروج من هذه الدوامة الخطيرة،و الوصول إلى بر الأمان، سعيا لإعادة القيادة و الريادة لمن يستحقها ، و هو ـ حقا ـ أهل لها، من الجيل المخضرم الذي تعلم في جامعات الوطن و في خارجه، عملا بالمبدإ المعروف : الرجل المناسب في المكان المناسب . و بدون ذلك ، فإن البلد آيل إلى وضع لا يعلم مدى خطورته إلا الله سبحانه و تعالى وحده.