لمن لا يعرف هذه البحيرة المغلقة، فهي فاصل بين جزئين هامين من بلاد الشام، فلسطين المقاومة والأردن الغائب! شديدة الملوحة تمتاز بشاطئ تحت مستوى البحر ب 400 متر، ما يصلها من مياه لا يجد له مخرج، مكان يكاد يكون أخفض نقطة على وجه الأرض!
تنتج منه إسرائيل في مصانعها البوتاس والمنغنيز والمغنسيوم والبرومين ومواد كيماوية أخرى، فهي أرض محتلة بطبيعة الحال.
هذه الأرض المحتلة قريبة من الضفة الغربية، لها رمزيتها في قاموس الاحتلال الصهيوني الغاصب، ربما فكر اليهود في تحويلها إلى ما يشبه المنفى أو المقبرة! على شاكلة كاليدونيا الجديدة التي اختارتها فرنسا كمنفى للمقاومين الجزائريين! لقد رسموا عدة سيناريوهات للتخلص من الذاكرة الفلسطينية، سواء تعلق الأمر بغزة أو بالضفة!
*رمزية المكان:
الفكر اليهودي بارع في الشماتة بكل ما هو رمز للسيادة الفلسطينية خصوصا، وبلاد الشام عموما، وبارع في اختيار الوكلاء على مر التاريخ! لم يقع الاختيار على بيروت الشامخة ولا القدس الطاهرة! كان يمكن اختيار عمان (الأردن) أو القاهرة ( مصر)، لكنهم اختاروا، و من اختار ذلك هو ” بيرنز” وكبار مستشاريه، اختاروا البحر الميت تعبيرا عن قيمة وكلائهم، سواء عبد الله الملك، أو السيسي الزعيم، أو عباس الرئيس! أما ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، فمكره أخاك لا بطل !
*رمزية التوقيت:
لم يشهد تاريخ مشروع بناء الكيان الصهيوني (دولة إسرائيل) أزمة مثل أزمته اليوم، فهي أزمة فكرية، ثقافية، حضارية بما لهذه العبارات في حدود الفلسفة اليهودية المستضعفة من معاني! أزمة حادة بكل المقاييس (أزمة موت) ! جاءت على أثر طوفان الأقصى الذي استهدف الاحتلال الغاصب في بيضته! بعيدا عن السب والشتم و كل الشعارات الميتة والقاتلة ! نعم هو استهداف في مقتل. و من الدلالات فشل حكومة نتنياهو المجرم في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، ضف إلى ذلك خراب الحكومة من الداخل باستقالة كل من ” غانتس” و ” ايزنكوت”، و عدم القدرة على تجنيد الحريديم، هذا المكون الشبيه بالجسم السرطاني في جسم الكيان المحتل الغاصب!
*أهداف القمة:
الإدارة الأمريكية تسابق الزمن، انطلاقا من مبادرة الرئيس بايدن الأخيرة، لأجل إنعاش حكومة إسرائيل وبعث الحياة من جديد في مشروع دولة إسرائيل التي لم تعد هذه الأيام تميز بين النهر والبحر، حيث أخطأت السبيل ووصل بها العمى إلى حدود البحر الميت! ربما اختارت المكان لشدة ملوحته وانخفاضه لأجل التخلص من رائحة نتنياهو والتستر على عوراته! ليس هذا صدفة، إنه من صميم المكر والعناد والكراهية والإجرام بحق الأبرياء على مر العصور.
أطلقوا على القمة، القمة الإنسانية الطارئة لغزة! والمصيبة أن من دعا للقمة هو ملك الأردن بمساعدة رئيس مصر! ومن حضر القمة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية “بلينكن” مديرا ومشرفا، وضيف القمة هو محمود عباس، أما “غريفيث” فمكره صاحبك على الحضور.
بلينكن هو الساعي طيلة ثمانية أشهر من أجل إحضار كل ما تحتاجه إسرائيل من قنابل وصواريخ وطائرات لقتل أطفال ونساء فلسطين وغلق كل المعابر والمنافذ أمام شعب يباد!
محمود عباس، بلغ في سب وشتم المقاومة حد التخمة!
السيسي، شاهد ما شافش حاجة!
عبد الله الملك، أوكلوا له توجيه الدعوة لحضور مراسيم تشييع الجثامين!
هؤلاء هم الذين يرفعون اليوم شعار القمة الإنسانية من أجل غزة ؟!
هذه القمة الميتة من تصميم ” بيرينز” مدير الاستخبارات الأمريكية، انطلاقا من مكتبه المتقدم بالقاهرة، استجابة لإيجاد مخرج لمعضلة ” اليوم التالي للحرب” ! الذي عجز نتنياهو، غالانت، ايزنكوت ، غانتس، و كل جهابذة الفكر اليهودي في فك شفرته التي نسج خيوطها السيد السنوار!
في نهاية المطاف استسلمت حكومة نتنياهو بمجلسها الوزاري و مجلسها الحربي وشاباكها و موسادها، و سلمت أمرها لأمريكا من أجل إنقاذها! و فعلا، اليوم تريد أمريكا و حلفاؤها انقاذ إسرائيل، والبداية هي مبادرة ” بايدن” و قمة الموت، كل ذلك لقطع الطريق على المقاومة و استرجاع أنفاس الكيان الصهيوني الغاصب.
*الخلاصة :
المقاومة الفلسطينية وحدها تدرك طبيعة المكيدة ومكر بني صهيون، وهي وحدها من يجب أن تقرأ في كتاب المقاومة ما يجب الإقدام عليه، لأن الذين تساءلوا: ماذا بعد غزة؟ اخطأوا، فقط المقاومة وحدها كانت تفكر فيما بعد طوفان الأقصى، وهي وحدها فقط كانت تتساءل: ماذا بعد طوفان الأقصى؟ المقاومة لم تعد تقتصر على غزة، المقاومة في الضفة، بل ستشمل كل أرض فلسطين.