انصدمتُ للمستوى الهزيل الذي وصلت إليه الدولة بفعل تسيير رديء ولا مسؤول من قِبَل جماعة اغتصبت الحكم أصبحت تتكلم دون مراعاة للأعراف والتقاليد التي تسير بها الدول.
ما معنى تصريف سيل من التهم اعتباطًا لآراء سياسية سلمية يتبناها الرأي المخالف؟ ما معنى توصيفه بالإرهاب؟
فقبل أن نرمي أيّ مكوّن بتهمة معيّنة، وجب وضع تعريف قانوني للتهمة، أسبابها، الآثار المترتبة عنها… والعقوبة التي تقرّر كردع لها.. كل هذا بإقرار تخصصي محض من قِبَل مختصين في علم النفس والاجتماع.. والقانون.
فإن كان تعريف الإرهاب… قتل وتخريب أو الإشادة بهما والدعوة إليهما.. فإنّ من تنطبق عليه التهمة نظام العمالة المفلس، وليست الأفكار السياسية الهادفة الهادئة الهادية.
ألستم أنتم الذين طوقتم العاصمة وضيّقتم على أهلها ووضعتم الأحرار السجون ومارستم التعذيب والاغتصاب داخل أقبية البوليس السياسي حسب شهادات الضحايا وأمام قضاة الجمهورية؟ لماذا؟ لوقف حراك سلمي حضاري شهد له العالم وأشاد به كظاهرة مجتمعية، سياسية، نضالية، فريدة من نوعها في التاريخ الحديث؟
أيكون الحراك مدسترًا، مباركًا، ثم يصير صانعًا للإرهاب؟
وإن كان الحراك سلمي وحضاري فهذا بفضل التأطير العفوي من قِبَل مكوناته وأقطابه السياسية، والعمل التوعوي الاستباقي الذي قاموا به، تأصيلًا لمطلب التغيير الجذري لمنظومة الحكم وعبر انتقال ديمقراطي سلس، وسيلته نضال سلمي لاعنفي، يحصّن الجبهة الشعبية داخليًا يحمي البلد من كل تدخّل خارجي.. أقطاب سياسية نضالية عدّت المشهد السياسي الجزائري شأنًا عائليًا، وحدّدت خطوطه الحمراء.. استقرار البلد و تماسك الجيش.
بالمقابل من قام بالمجازر ومارس الحرب القذرة… من بن طلحة إلى الرمكة إلى الرايس؟ من الذي اسمه موجود في أعلى اللوائح القضائية الدولية؟ اسألوا القضاء السويسري والفرنسي فهما كفيلان بالإجابة عن سؤال كان قد طرح فيما مضى… ومازال: من يقتل من؟
اسألوا الدول العظمى عن أحداث تقنتورين وضحاياها من العمال الأجانب… بل اسألوا القاضي الجزائري الذي حكم على حسان وجبَّار بتهمة التعاون مع حركات إرهابية وتأسيس جماعات مسلحة… بل اسألوا بن حديد وشهادته عن تورّط الدولة العميقة وتجنيدها لزعماء الجماعة المسلحة زمن التسعينات.. فلو كنتم أصحاب شرعية وعدالتكم ذات مصداقية، لما تدخّل القاضي الفرنسي مارك تريفيديك للجزائر عنوة لإعادة فتح ملف جريمة اغتيال رهبان تبحرين عبر نبش قبورهم سنة 2014.
وإن كان كل فعل سياسي معارض ينشد مطلب تغيير نمط نظام الحكم.. إرهابًا!… فقد قالها مهري وآيت أحمد ذات يوم… فهل معنى هذا أنهما إرهابيان؟!
كان من المفروض أن يكون من تواجدوا فيما سمي بمجلسهم “الأدمن” وقرّروا هذا القرار أن يكونوا خلف القضبان… ألم يحاكم الماجور بحكم نهائي بتهمة التخابر وتهديد أمن الدولة وبهالة إعلامية… لتكون البراءة والتعويض وبتستر عن الحيثيات!..
ألم يكن الجزَّار مطاردًا بحكم غيابي مقداره 20 سنة سجنًا وصدرت في حقه مذكرات التوقيف الدولية بعد أن دعا إلى تمرّد الجيش على قادته… فماذا كانت النتيجة؟! عودة إلى البلد من الباب الواسع وعبر طائرة رئاسية وبمراسيم رسمية، في حين أن المعيَّن خاطب متتبعيه من وراء جدار التويتر!
لماذا لم يخرج النائب العام بندوة صحفية يبيّن لنا فيها أسباب اعتقال الماجور وحيثيات مذكرة توقيف الجزَّار… ولماذا تمّ التغاضي عنهما؟ أم أنّ النواب العامون شطار على عوام الشعب المطحون من أمثال القاصر شتوان وشباب أحرار أرادوا تطبيق القانون من أمثال تاجديت ودباغي ورياحي وخيمود…
وصدق المثل العربي القائل “رمتني بدائها وانسلّت”.
ذاكر ياسين