17 أبريل 2020
توفي الزعيم تورغوت أوزال في 17 أبريل1993، وكان قد شغل منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، ويعتبر أحد القادة العمالقة المحافظين الذين نقلوا تركيا ومن الهامش إلى المركز.
تحتفي تركيا بالذكرى السابعة والعشرين لوفاة تورغوت أوزال، أحد زعمائها البارزين، والذي توفي فجأة في 17 نيسان، وقد شيّع جنازته التي أقيمت برعاية من الدولة، مئات الآلاف من المواطنين الأتراك، كما حضرها عدد من كبار الشخصيات من 72 دولة.
أدت سياسات أوزال المحافظة المعتدلة، والنهج الليبرالي الذي تبناه تجاه مختلف القضايا – بدءًا بالإدارة الاقتصادية للبلاد، إلى العمل على تقليص النفوذ القوي للجيش على النظام السياسي– إلى تغيير تركيا بطرق غير متوقعة، وجاءت تلك السياسات وما تمخض عنها من تغيرات في أعقاب معاناة البلاد من انقلاب عسكري وحشي في العام 1980، والذي أتي على مختلف الأطراف السياسية القائمة في البلاد.
اشتُهر عن أوزال مقولته التي لخص بها فلسفته السياسية الرئيسية قائلا “على الدولة أن تخدم الشعب، الشعب ليس معنياً بخدمة الدولة”، الأمر الذي شكّل مصدر إلهام للعديد من السياسيين الآخرين، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قام بتأسيس حزب العدالة والتنمية بناء على فلسفة مماثلة لفلسفة أوزال في العام 2001.
أسس أوزال حزب الوطن الأم (AnavatanPartisi بالتركية) في العام 1983مع أعضاء من مختلف الانتماءات السياسية، بمن فيهم من القوميين والمتدينين والليبراليين، وبعض ممن يتبنون رؤى اجتماعية ديمقراطية، الأمر الذي سمح له بتحقيق انتصارا ساحقا في الانتخابات العامة في أواخر العام 1983.
في العام 1987، فاز حزب الوطن الأم في انتخابات عامة أخرى لكن مع انخفاض في نسبة التصويت الانتخابي له.
ولكن، ولأنه غيّر نظام الانتخابات في البلاد، من خلال وضع عتبة ال 10% كشرط لتمثيل الأحزاب في البرلمان، تمكن الحزب من تحقيق الأغلبية، وتشكيل حكومة أخرى.
وفي العام 1989، تم انتخاب أوزال ليغدو الرئيس الثامن لتركيا، ويكون بالتالي أول سياسي مدني على الإطلاق يصعد إلى أعلى منصب في الدولة. منذ تأسيس الجمهورية التركية، كان جميع رؤساء البلاد السابقين بمن فيهم مصطفى كمال أتاتورك -الأب المؤسس لتركيا-من خلفيات عسكرية.
وبذلك، استطاع أوزال تشكيل استثناء مذهل في النظام السياسي في تركيا، حيث كان للعسكر سطوة مهيمنة لعقود، صارعوا خلالها الحكم الديمقراطي من خلال تنفيذ الانقلابات العسكرية من وقت لآخر.
لكنه عاش أوزال وسط التوترات القائمة مع الجيش.
وفي العام 1988، وأثناء مؤتمر لحزبه، تعرض لمحاولة اغتيال، يُشَك أنها كانت جزئياً من تدبير النخب العسكرية في البلاد، ولحسن الحظ أنه نجا من الاغتيال مع إصابته بجروح طفيفة.
وعاقبة الحادثة، اعتبر بقائه على قيد الحياة أمراً قدرياً، حيث قال: “أريد أن أؤكد بشكل خاص أنه لا يمكن لأحد أن ينهي حياة شخص آخر دون أمر من الله لأن الأعمار بيده”.
“لقد استسلمنا لإرادته”.
لطالما كان تديّن أوزال أحد أهم الأبعاد في مساره السياسي الاستثنائي.
خلفية أوزال
ولد أوزال في مقاطعة مالاطيا شرق تركيا في العام 1927، وينحدر أوزال جزئيا من أصول كردي[N1] ة، الأمر الذي لم يخجل منه والتحدث عنه مع الجماهير، وذلك على عكس كبار السياسيين السابقين، حيث لم يعد ينظر إلى هذا الأمر بوصفه أحد المحرمات.
كما كان أول رئيس ولد في الفترة الجمهورية للدولة، علما أن جميع الرؤساء السابقين قد ولدوا خلال فترة الإمبراطورية العثمانية.
كان والده رجلاً متديناً للغاية مثل جده الذي لم يعجب كثيراً برواية الجمهورية العلمانية المتشددة والمنحازة التي ظهرت مبكراً فيما يتعلق بالعثمانيين ودولتهم، التي شكلت الدولة التركية سابقاً.
وفي إحدى المناسبات، تحدث أوزال عن موقف جده من أحد السلاطين الراحلين ممن حكموا الإمبراطورية العثمانية، وهو السلطان عبد الحميد الثاني، الذي وصفته كتب تاريخ الجمهورية المبكرة بأنه “السلطان الأحمر” في إشارة إليه باعتباره زعيم قاسي.
وقال أوزال في خطاب له عندما كان قائداً للبلاد “كنت أقرأ كتاب التاريخ الذي يصف عبد الحميد الثاني بأنه” السلطان الأحمر”، وكان جدي يستمع إلي، وعندما انتهيتُ من القراءة، قال لي “كل هذا الهراء ليس أكثر من مجموعة من الأكاذيب، إنهم يعلمونكم أشياء خاطئة”، لكنني اختلفت معه حينذاك، وعارضته قائلا، كيف يمكنك أن تعرف بشكل أفضل من الكتاب”.
وبعد ذهابه إلى الولايات المتحدة في الخمسينيات، ولاحقاً في السبعينيات لمواصلة تعليمه بعد تخرجه من كلية الهندسة الكهربائية في جامعة اسطنبول التقنية، وهي واحدة من أقدم المؤسسات التعليمية التي تعود إلى الفترة العثمانية، كانت لدى أوزال الفرصة لقراءة كتب أخرى عن حياة وإرث عبد الحميد الثاني باللغة الإنجليزية. وفي نهاية المطاف، خلص إلى أن “جده كان على حق” وليس الكتب المدرسية في عهد الجمهورية المبكرة. وهكذا علق السياسي غير التقليدي بقوله “هنا قلتُ في نفسي كم كان خاطئا هذا النوع من تدريس التاريخ”.
ونتيجة لذلك، تبنى أوزال مقاربة الماضي العثماني بشكل مختلف عن العديد من أسلافه بعد وصوله إلى السلطة، الأمر الذي دفع البعض – نظرا لانتهاجه مسارا سياسيا مندفع، إلى إطلاق على نهجه، اسم “العثمانية الجديدة” التي عملت على زيادة نفوذ تركيا في المناطق العثمانية السابقة من البلقان إلى القوقاز والشرق الأوسط.
وقد لاحظ أردوغان -الذي دافع أيضاً عن استراتيجية توسيع النفوذ التركي في جميع المجالات -الكثير من أوجه الشبه بين نهجه السياسي ونهج أوزال، مشيدا بإنجازات الرئيس السابق أوزال.
قال أردوغان العام الماضي في كلمة له بمناسبة إحياء الذكرى السنوية لوفاة الزعيم التركي السابق، “إن الراحل تورغوت أوزال لعب دوراً قيادياً في التنمية والتقدم في بلادنا، حيث حصل على مكانة خاصة في قلب الأمة”.
وكان ينتمي أوزال أيضاً لحركة ميلي غوروس (وجهة النظر الوطنية) ذات التوجه الديني، والتي تركت بصمة عميقة في السياسة التركية منذ أواخر الستينيات، حيث قامت بإنشاء عدة أحزاب للدفاع عن السياسة المحافظة من خلال التأكيد على الحاجة للاستمرارية بين الماضي العثماني والحاضر الجمهوري.
نجم الدين أربكان، مؤسس وقائد الحركة، كان من أتباع محمد زاهد كوتكو، زعيم جماعة إسكندر باشا، وهي فرع من الطريقة النقشبندية الصوفية المنتشرة عالمياً، والتي وجهت الكثير من هذه الأحزاب حتى أواخر التسعينات، وكان كل من أوزال وأردوغان أعضاء في الحركة تحت قيادة أربكان.
سياسة أوزال الاقتصادية
دافع أوزال عن تحرير الاقتصاد التركي من خلال انفتاحه على العالم الخارجي، والقيام بالخصخصة المكثفة لبعض القطاعات العامة، مما عرضه لبعض الانتقادات، ومواجهة بعض قادة النقابات الأقوياء، والسياسيين المؤيدين للحركات العمالية.
في سنوات حكم أوزال، كانت نسبة التضخم في تركيا مرتفعة جداً، لتصل إلى عتبة الرقمين معظم الوقت، مما زاد في معاناة الأسر المنخفضة الدخل.
على الرغم من انتقاد سياسته الاقتصادية، كان لأوزال معرفة وخبرة واسعة في الاقتصاد، حيث عمل لدى منظمة تخطيط الدولة المرموقة (Devlet Planlama Teskilati: DPT)، كما عمل لدى البنك الدولي في الولايات المتحدة بين عامي 1971 و1973، حيث طوّر مهاراته في اللغة الإنجليزية.
في منتصف السبعينيات، عمل أوزال أيضاً في العديد من الشركات الخاصة بما في ذلك Sabanci Holding””، مما زاد من خبرته، وفي العام 1979، أصبح نائب رئيس الوزراء الراحل سليمان ديميريل، والذي سيصبح فيما بعد خصمه السياسي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات.
وفي عهد ديميريل، أسهم أوزال في تطوير قرارات 24 كانون الثاني التي تعرضت لانتقادات كثيرة، كما أسهم في الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي مهدت الطريق لتحرير البلاد من الناحية المالية.
وفي ذات الوقت الذي واجهت سياساته الاقتصادية انتقادات قاسية، ينسب الكثيرون له الفضل في دعم النمو الاقتصادي التركي.
وفاة أوزال المشبوهة
توفي أوزال فجأة في العام 1993 عندما كان رئيساً، ويبدو أن وفاة أوزال حدثت في ظروف مريبة، وقد أظهر تشريح الجثة بعد الدفن، بعد استخراجها في أواخر العام 2012 أنه تعرض لعملية تسميم، لكن التقرير كان مقتضباً ولم يصرح بأن السم هو ما أودى بحياة الرئيس الراحل
كما يدعي أفراد عائلة أوزال أنه مات نتيجة التسمم، لكن، وفقاً لتقرير الوفاة الرسمي، فقد توفي الرئيس السابق بسبب النوبة القلبية.
المقال الأصلي هنا
المصدر: TRTworld
تعليق واحد
هذا هو الصنف النافع مثل الغيث النافع يدر على الأمة بإذن ربه الأمن من الخوف و الأمن من الجوع ، بخلاف الكائنات الضارة ، فردا كان أو حزبا أو طريقة ، و ما أكثرها ! يعرفون بسيماهم و من لحن القول ، بل مذاقها مر و مضر ، و آثارها على حياة الشعوب و خيمة .