لم ألتفت كثيرا إلى خبر حصول عبد الوهاب عيساوي على جائزة “بوكر” لكن شدني احتفاء الفرنكوبربريست بالرواية وثناؤهم الغريب عليها، وهم التيار المعروف بتضايقه من كل ما هو عربي فضلا عن الإسلامي، لم يلتفتوا يوما إلى تكريم أي كاتب له خلفية عربية إسلامية من الجزائريين فضلا عن غيرهم، فبحثت الأمر ووجدت السرّ: الرواية تتكلم عن “الإحتلال العثماني” للجزائر…بطل العجب، ويبطل أكثر حين نعلم أن الجائزة المتوّجة لها تمنحها دولة الإمارت في إطار مخطط محكم يهدف إلى إفساد تديّن المسلمين وتغريبهم والتشويش على ثوابتهم، جنبا إلى جنب مع الحرب المسلحة والانقلابات العسكرية التي تقف خلفها – مع أطراف الحلف العربي المتصهين – في أكثر من بلد عربي، هي – مع هذا الحلف – خلف المؤامرات وشيطنة الاسلام والتحريض ضد العلماء والدعاة والمصلحين، ومنح الجوائز جزء من هذا المخطط الشيطاني الذين يرتكز – من بين عوامل أخرى – على شيطنة العثمانيين القدامى والنظام الحاكم في تركيا حاليا لاعتزازه بالعثمانيين.
و”بوكر” جائزة انجليزية اشترتها الإمارات لتوظيفها في مخططها الهدام، وهي مثل عدد من الجوائز الكبرى لها خلفية ايديولوجية وأبعاد سياسية، فهي لا تخدم الأدب بل سوء الأدب لأنها موجهة وغير بريئة.
هذه أولى الأثافي أما الثانية فهي وجود أمين الزاوي في اللجنة التي تمنح الجائزة، والرجل مجاهر ببغضه الشديد للإسلام عقيدة وتديّنا وتاريخا، يبدئ ويعيد في هذا كلما تكلم أو كتب، وهو – مع آخرين على شاكلته – قرة عين أعداء الاسلام في الداخل والخارج، ذكّرتني عضويته في هذه اللجنة بعضوية أركون في لجنة ستازي التي شرّعت منع الخمار في فرنسا، أي هو شاهد زور يبصم بالعشرة على كل ما ينتقص من الإسلام وأهله، والتواجد العثماني في البلاد العربية عامة وفي الجزائر خاصة غصة كبرى في حلوق العلمانيين اللادينيين والفرنكوبربريست، فهم يتكلمون عن “الوجود الفرنسي” في الجزائر وعن “حملة نابليون” على مصر ويؤكدون على “الإحتلال العثماني” هنا وهناك…هذه عباراتهم: وجود فرنسي، حملة فرنسية، احتلال عثماني…ولا يخفى على العارفين بالساحة الأدبية ان أية جائزة كبرى – مثل نوبل وغونكور – لا تُمنح لعربي ولا لمسلم إلا إذا كان إنتاجه يتنكر للعرب والإسلام والمسلمين، هذا هو الشأن مع نجيب محفوظ و الطاهر بن جلون وعمر بلهوشات وآسيا جبار وكمال داود وأضرابهم…وأنا لست هنا متحاملا على هؤلاء بسبب خلافي الإديولوجي معهم وأتمنى من القراء أن يطالعوا على سبيل المثال رواية ” مرسو، تحقيق مضاد” (بالفرنسية) التي نال بها كمال داود الجائزة الفخمة سنة 2015 ليتأكدوا من ضحالتها.
ما الذي يجعلني أفرح لتكريم هذا الكاتب وروايته “الديوان الإسبرطي”؟ لأنه جزائري؟ لأنه يكتب بالعربية؟ هذا تفكير سطحي عاطفي…أولا من الناحية الأدبية أرى أن لغة الكتاب أقل من المتوسط حتى لا أقول ركيكة، ثم أمين الزاوي عضو في اللجنة التي تمنحها، و- شخصيا – لا أتمنى أن يتسلم جزائري حرّ أبيّ جائزة من نظام حكم استبدادي ظالم يحارب الاسلام والأحرار دون هوادة ويتحالف مع الصهاينة ضدهم، إذًا لغة غير راقية، أمين الزاوي، الإمارات العبرية ..c’est trop…وأنبه إلى أن اعتبار العثمانيين غزاة يقتضي إطلاق الوصف على الفاتحين الأوائل، وهو ما يهدف إليه التغريبيون وعبّر عنه كاتب ياسين بصراحة كاملة ، فهذه الرواية المكتوبة بالعربية سمّ قاتل لا تُمتع القارئ بأي شكل….لكاتبها وللترسانة الإعلامية العلمانية أن يتعتزوا كما يشاؤون، لكن ذلك لا يغيّر من الحقيقة شيئا: هذا التكريم جزء من الحملة المستعرة ضد الإسلام وأتباعه وتاريخه، ولا يأتين أحد ليصدع رؤوسنا بحكاية النقد الأدبي، يريد منا أن نخرس لأننا لسنا من أهل هذا الفن…هذا كلام مضحك لا يصلح للدفاع عن قضية …لمن يؤلف الكاتب؟ للجمهور أم للنقاد؟ وهل ينتظر القراء رأي النقاد ليطالعوا أية رواية أو قصيدة أو مقال أدبي؟ النقد الأدبي تخصص أكاديمي أما المقياس فهو القراء، ولسنا عاجزين عن الإدراك حتى ننتظر الضوء الأخضر أو التفسير من طرف النقاد….عندما ينشر أي كاتب فهو بالدرجة الأولى والأخيرة في مواجهة الجمهور وليس النقاد…ينطبق هذا على الأدب والسينما والمسرح والرسم وغيرها من الفنون.
لا بأس من الإشارة إلى أن الجملة الأولى في الرواية هي:” إن الشيطان إله هذا العالم يا صديقي المبجل”…وكنت أعتزم نشر مقتطفات من الرواية تؤكد منحى العثمانوفوبيا التي تنضح بها لكن اتسع الخرق على الراقع، اخترتُ هكذا هذه الجملة في ص 323 لأنها تعبّر عن قناعات العلمانيين المتسترين بما يسمى “الانسانية”: ” أملي في هذه الحياة كلها إيصال الجسر بين هوتي الشرق والغرب (…) لا يهم أن أكون اسماعيل أو توماس، أو حتى مسيحيا أو مسلما، المهمّ ان أكون معك إنسانا (…) نحن الذين سنعيد للإنسان قدسيته”. أختم بالإشارة إلى أن الرواية تحاول الإشارة إلى الاحتلال الفرنسي لتسويته بما تسميه الاحتلال العثماني لكن بقفازات من حرير وبتركيز كبير على الأفكار “الفرنسية التنويرية” التي ستنعم بها الجزائر في ظل فرنسا العظيمة…فهمتم الرسالة؟