بقلم جمال لعبيدي*
في أي بلد طالب العسكريون بإلحاح باحترام الدستور بينما ترفضه أحزاب سياسية من المجتمع المدني؟ أين شوهد عسكريون وهم يطلبون إجراء انتخابات دون إبطاء في الوقت الذي ترفض أحزاب معارضة إجراءها ؟
ما هي الأسباب المقدمة لتبرير هذا الرفض المزدوج وما هو تفسير الوضع المفارق المترتب عنه ؟
جاء السبب الأول في قول هؤلاء بأنه لا يمكن إجراء الانتخابات ولا يمكن أن تكون نزيهة طالما بقي في السلطة كل من رئيس الدولة الحالي، السيد بن صالح، والوزير الأول، السيد بدوي.غير أنه بالإمكان أن نذكر بعكس هده الحجة وهو أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ فازت مرتين، مرة في الانتخابات البلدية عام 1990 ومرة أخرى في الانتخابات التشريعية عام 1991، في ظل سلطة مناوئة لها تماما.
إنهم يشيرون، على الخصوص، إلى وجود خطر تزوير الانتخابات، كون الوزير الأول الحالي متهما بـ”التخصص” فيه. إن حجة تزوير الانتخابات تعمل هنا عمل المسلمة التي تسند مجموعة من الحجج السياسية المحكوم عليها بالسقوط لولاها. لكن هيا بنا نتصدى، دون خوف، لما يبدو بديهيا أولا. هل الأمر بهذا الجلاء وهذه البداهة ؟ هل نحن أمام حقائق لا جدال فيها ؟ هل جرى، في يوم من الأيام، توفير مجموعة شاملة من الأدلة المادية القطعية التي تثبت واقع التزوير؟ هل رفعت أحزاب بعينها دعاوى قضائية، في هذا الشأن، ضد السلطة أو ممثليها؟ لقد سبق أن قطعت وعود بإصدار كتب بيضاء عن تزوير الانتخابات، لكنهذه الكتب لم تنشر أبدا أو لم تأت بما يحسم الموضوع.
المشكل الحقيقي يكمن، في الواقع، في موضع آخر: الامتناع عن التصويت، امتناع ضخم للهيئة الناخبة تتراوح نسبته بين 70و80% . هؤلاء الممتنعون هم الموجودون اليوم في الحراك اوالمساندون له. في ظل نسبة امتناع كهذه، كان يكفي تصويت بضعة آلاف من المناضلين والمناصرين لجبهة التحرير الوطني وللتجمع الوطني الديمقراطي، الحزبين الانتخابيين بامتياز، لكي يفوز كلاهما في أغلب الأحيان. لا حاجة إذن إلى اللجوء إلى حجة التزوير لتفسير الأمور.
نظام سياسي منتج للامتناع عن التصويت
ما يجب أن نلوم السلطة عليه هو هذا الامتناع عن التصويت بالذات، هو الحث عليه – ولو سلبيا-واستغلاله.
أخذ النظام السياسي، مثله مثل كافة الأنظمة المشابهة، ينتج الامتناع عن التصويت ويتغذى عليه، سواء قبل أكتوبر 1988 أو بعده، رغم حدوث تغييرات هامة. هذه هي طريقة عمله، سواء تعلق الأمر بالأحزاب المؤيدة للسلطة أم أغلب أحزاب المعارضة، إذ كان ذلك يسمح للأولى بالبقاء في السلطة ويسمح للثانية بتبرير إخفاقها بممارسات السلطة. هنا يكمن، ربما، تفسير رفض الحراك لجميع هؤلاء، نبذه لمجمل النظام السياسي على النحو الذي يسير عليه.
كانت الأغلبية الساحقة من الجزائريين مقتنعة بأن الانتخابات، في ظل نظام كهذا، هي انتخابات بلا رهانات، بما أنه لا يوجد بين القوى السياسية المتسابقة من تستحق بذل كل ما في وسعهم بذله لنصرتها. هذه هي القاعدة العامة منذ الاستقلال، ما يعني أن ظاهرة الامتناع قديمة وإن لم تخضع للإحصاء. أما الاستثناء، فكان في 1990 و1991، حيث عرفت الجبهة الإسلامية للإنقاذ كيف تكون قوة تعبئة. بالمناسبة: جرى اتهام الجبهة الإسلامية للإنقاذ بتزوير تلك الانتخابات، لكن السلطة لم تفكر آنذاك في إعادتها وإنما قررت ببساطة إلغاءها لتأكدها من قدرة الجبهة على الفوز بها من جديد.
إن موضوع الرهان موضوع أساسي بالفعل في أي تصويت كان، سواء في الجزائر أو في غيرها. يجب التأكيد على هذه النقطة حتى نتفادى مستقبلا بروز من يطعن في الانتخابات ويتهم الآخر بالتزوير لا لسبب سوى لأنه خسرها.
إن موضوع رهان الانتخابات يتطابق، في الواقع، مع موضوع التغيير. في 1990 و1991، كانت المشاركة في الانتخابات قوية جدا، لأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت تبدو لقسم عريض من الشعب كقوة تغيير. ليس لشعبنا أو لأي شعب آخر ما يدعوه للتحرك سوى الأمل في التغيير. لذا جعل منه “الحراك” شعاره الرئيسي وزاد عليه شعار ” تغيير النظام”.
يحق لأحزاب المعارضة بالطبع أن تشكو الحراك عدم اعترافه بجميل دأبها على انتقاد النظام. لكن هذا لا يغير من الواقع شيئا؛ فالحراك ظهر بصفته حركة خارج نطاق القوى السياسية الموجودة، لأنه لم ير في أي واحدة منها بديلا سياسيا حقيقيا. لقد انتفض الشعب بمفرده ضد تعفن الحياة السياسية وبقرطتها عندما بلغت أوج التعفن والبقرطة عبر مسألة ” العهدة الخامسة” وعبر بعض الحوادث البارزة التي سبقتها بقليل، مثل حادثة وضع رمانات الإقفال على أبواب المجلس الشعبي الوطني.
إن الحراك هو الأغلبية الساحقة التي تغادر الامتناع عن التصويت وتلتحق بالحياة السياسية. إنه كواحد من الحركات الشعبية الكبرى أقصر السبل للجماهير الضخمة لاقتحام الحياة السياسية النشطة وفتح أبواب النقاش والمبادرة السياسيين. استنادا إلى الجملة الشهيرة ” الجماهير هي صانعة التاريخ “، يمكن القول بأن الحراك يمنح للبلاد فرصة تاريخية ثمينة جدا. وخلال سيل الأحداث المتلاحقة والمتسارعة، تتعلم الجماهير عبر تحركها بسرعة فائقة، تبحث عن أصدقائها الحقيقيين، الخ.
ومع ذلك، يجب تفادي تصوير “الحراك” تصويرا مثاليا. إن الملايين التي تقتحم النشاط السياسي وتشارك فيه تأتيه مصاحبة معها حمولة من المؤثرات والرؤى والاعتقادات والخبرات وأيضا قلة الخبرة، الخ. باختصار: إنها تأتي بأنواع مختلفة من التصورات.
يوجد في “الحراك”، مثلا، ذاك الحلم ب ” الإجماع ” الضارب في القدم، حلم الانسجام الشامل. هنا يكمن – ربما – سبب نجاح الاقتراح المتعلق بتعيين شخصية أو عدة شخصيات ” عليها إجماع “، فنكون قد اكتشفنا، في الجزائر، الوصفة السحرية للعثور على رئيس تمثيلي بلا انتخابات، وبالتالي لماذا إجراؤها أو عدم تأجيلها… إن الإجماع مصطلح غير ديمقراطي؛ أما الديمقراطية فهي، بالعكس، أداة إدارة الخلافات والنزاعات والتناقضات بطريقة سلمية.
يمكن العثور ضمن الحراك أيضا على مواقف تتصف بالفوضوية بمعنى الكلمة. إن الرغبة الجامحة في التغيير، المقرونة بالارتياب والعداوة إزاء بيروقراطية الدولة الخانقة والمتعجرفة، تفسر رفع شعار ” يتنحو قاع “، أي ” ارحلوا جمعيا”، دون تحديد هذا ” الجميع “. هذاالشعار قد ينسب إلى مواقف عدمية تهدف إلى هدم دولة يعتبرها البعض كامتداد للدولة الاستعمارية والبعض الآخر كدولة استبدادية، شمولية وخانقة للحريات. هذه الفوضوية قد تلتقي مع توجه يرى أصحابه أنه لا مفر من محو كل ما تم حتى الآن وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة و” سوية “.
لقد عمّ الارتياب وتراكم تجاه كل ما هو رسمي. وبات هذا العامل الذاتي، بالنتيجة، عاملا موضوعيا من الناحية السياسية ينبغي أخذه بعين الاعتبار خلال تسيير الأحداث ومرافقة الحراك حتى تجد التوترات الحتمية استعدادا للتوصل إلى الحلول الوسطى والمخارج السلمية.
وهناك أخيرا الحجة القائلة بأن البلاد غير مستعدة للانتخابات. عن أي استعداد يتكلمون؟ استعداد الشعب؟ الانتخابات تدوم يوما واحدا. استعداد القوى السياسية ؟
الجيش
تشترك كافة الحجج المشار إليها آنفا في نقطة واحدة: إنها تلتقي عند المطالبة بتأجيل الانتخابات الرئاسية. ونظرا للارتياب المتراكم إزاء الدولة، يمكن لتلك الحجج أن تجد صدى معينا لدى شرائح شعبية عريضة ولاسيما لدى قسم من الشبيبة ذي المنزلة الاجتماعية غير القارة والهشة (25 % من البطالين من فئة الشباب)، ومع ذلك، يلاحظ بأن تلك الحجج لا تعالج جوهر المسألة المتمثل في الضمانات من أجل انتخابات صحيحة إذ يضعها أصحابها، من حيث الترتيب، بعد مسألة تغيير الهيئات التنفيذية، أي التغيير الفوري للسلطة.
وهكذا نجد أنفسنا في النهاية، بعد أخذ اختلاف الصياغة بعين الاعتبار، أمام ذات القضية التي طرحت في 1990 – 1991: يومئذ رفع طلب وقف المسار الانتخابي بعد انطلاقه واليوم يرفع طلب وقفه قبل انطلاقه وتأجيله إلى أجل غير مسمى. حتى توزيع الأدوار هو نفسه بعض الشيء بفضل… الزيادة في طول العمر في الجزائر، إذ نشاهد الآن تحرك عدد هام ممن أدوا أدوارا في التوزيع السابق لكن بسحنة من شاخوا.
ومع ذلك، هناك فارق، بل فارق كبير جدا: في 1990 – 1991 كان التيار الديمقراطي العلماني التغريبي قد ناشد الجيش التدخل ثم ساند هيئة الأركان وقائدها طيلة سنوات النزاع التالية. أما اليوم، فإن التيار المذكور لا يبدي مساندته لهيئة أركان الجيش ويعرب عن معارضته لقائدها، الفريق قائد صالح، الذي يلتف حوله التيار الوطني.
إن قائد أركان الجيش مشهود له بالوطنية. إنه أقدم، منذ انطلاق “الحراك”، على التعهد بأن الجيش لن يتسبب أبدا في إسالة ” قطرة دم ” واحدة لشعبه. وهو يرفض شراء أسلحة هامة من فرنسا ومن الغرب ويحافظ على سياسة عدم تدخل الجيش الجزائري في عمليات خارج الحدود. وهو لا يتكلم علنا إلا باللغة العربية وقام بتعميم استعمالها في الجيش، كما أنه لا يتوقف عن الترديد بأن الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني مؤكدا على هذا التواصل من خلال تسمية كل صرح يدشنه باسم واحد من الشهداء.
نعثر هكذا، مرة أخرى، على الكسر الاجتماعي – الثقافي القديم بين مجتمعين، مجتمع تغريبي ومجتمع عربي –إسلامي وطني. هكذا يتجدد ظهور هذا الكسر،من خلال مشهد مأساوي، كلما طرحت مسألة السلطة.
نصل عندئذ إلى الشرح المحتمل للوضع المفارق الموصوف في مطلع المقال. قد لا تكون الأسباب المعلن عنها سوى خطاب المعارضة لهيئة أركان الجيش. ليس موضوع الرهان الرئيسي هو الانتخابات، في الوقت الحالي، وإنما قيادة الجيش، لا مسألة السلطة، وإنما مسألة السلطة داخل الجيش. و إجراء الانتخابات قد لا يحل هذه المشكلة بالذات، بالنسبة للقوى السياسية المعارضة للانتخابات. وإذا ثبت هذا الاستنتاج يكون سر المفارقة قد انكشف وكذلك المنطق الخفي لكل اقتراح.
غير أنه يتعين أن نتساءل كذلك عما إذا كان موقف كهذا، موقف رفض الدستور وإجراء الانتخابات، مهما كانت دوافعه المعلنة، موقفا قابلا للدفاع عنه على صعيد المبادئ وقادرا على الصمود بمرور الوقت وازدياد التأخر وتراكم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
اليوم الحيرة كبيرة في الجزائر. هل سنقدم فعلا على استخلاص الدروس من التمزق المأساوي الذي وقع قبل ثلاثين عاما ؟ لا شك أن خطوة أولى قد تمت في هذا الاتجاه بواسطة سياسة الوئام والمصالحة الوطنية. كما سمحت عودة الأمن والسلم بتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي نسبي. لكن كل هذا لا يكفي. هناك جروح لا تزال مفتوحة. ولم يتقدم الاقتصاد بوتيرة تسمح بتلبية احتياجات وتطلعات ساكنة تضاعفت عدادها بأربع أضعاف خلال 60 سنة. ولم تحل بعض المشاكل، مثل اجتياز مرحلة النفوذ الاستعماري أو بناء ديمقراطية حقيقية. وما انبثاق الحراك إلا دليل على استمرار هذه المشاكل والنقائص ودليل، في نفس الوقت، على كيفية تسويتها على ضوء دروس أعوام 1990، بمعنى التحلي بروح الحراك، روح ملؤها حب البلاد، التسامح، الأخوة الإنسانية، تغليب الحل الوسط والسلمية، أي روح التوحيد الوطني. نتمنى أن يسلك الجميع هذه الطريق: هذا هو الرهان الرئيسي الحقيقي.
_______________* ترجمه من الفرنسية أحمد رضوان شرف الدين
4 تعليقات
١ – القول : بأن مطلب الحراك ( يتنحاو قاع ) هو ، وفق السيد لعبيدي ، آت و نابع من مواقف عدمية تهدف إلى هدم الدولة ، بدعوى أن الحراك لم يحدد هذا ” الجميع ” الذي يجب أن يرحل ! ؟ و هذه مغالطة و ادعاء باطل ، لا أساس له ، في حق الحراك الوطني . و الدليل أن الشعب الجزائري بجميع قواه الحية ، و منذ الاستقلال ، لم يسلك سلوكا يهدف إلى هدم الدولة ، و هو يدرك جيدا أن العمود الفقري للدولة هو شعبها بوحدته الترابية التي راهن الاستعمار على تحويلها إلى جزر متنافرة بدل جزائر واحدة . و كذلك الشعب من خلاله مفكريه الأحرار يميز كثيرا بين الدولة و السلطة ، و لذلك فإن مطلب ( يتنحاو قاع ) و اضح جدا ، فالمقصود هم السياسيون الفاسدون الذين باعوا ضمائرهم لفرنسا ، و حرموا الشعب من الظفر بحكم راشد طول الوقت ، و كانت الدبابة وسيلتهم المفضلة لإرهاب الناس . و يدرك الشعب أن العناصر الفاسدة من ولاة و رؤساء دوائر ، و رؤساء بلديات ، سيحسم في ملفاتهم القضاء في الوقت المناسب ، و وفق الإجراءات المناسبة ، شأنهم شأن كل الفاسدين ، ولا علاقة لمطلب يتنحاو قاع بذلك .
٢- القول بأن هناك قوة ترفض الانتخابات ، فما عليك سوى تحديد هذه القوة و سبيلها و أدواتها . و دون ذلك يبقى كلامك بلا معنى .
٣- يقول سي لعبيدي : ” نعثر هكذا ، مرة أخرى ، على الكسر الاجتماعي – الثقافي القديم بين مجتمعين ، مجتمع تغريبي ، و مجتمع عربي إسلامي وطني . هكذا يتجدد ظهور هذا الكسر ، من خلال مشهد مأساوي ، كلما طرحت مسألة السلطة ” .
القول بوجود مجتمع تغريبي ، فيه مبالغة زائدة ، الصحيح هو وجود عناصر متغربة فاسدة و متنكرة ، أما المجتمع فهو واحد ، عربا ، أمازيغ ، بكل أعراقه ، لا يختلفون بخصوص سقف الوطنية إلى مع الساسة الفاسدين و كل القوى الطفيلية . يتمسكون باللغة العربية انطلاقا من تمسكهم بالإسلام . و السلطة الفاسدة هي التي استثمرت في سياسة ( فرق تسد ) ، و ما حدث بخصوص غرداية خير شاهد .
٤ – العقبة الكؤود في طريق الشعب من أجل المرور إلى انتخاب رئيس للبلاد بكل حرية ، هم المتمسكون ببن صالح و بدوي ، و المتسترين على القوى التي تقف وراء تقييد حركة الشيخ على بن حاج ، و تراهن على إضعاف الحراك أو تقسيمه مطلبيا ، و تخاف من تلاحم أبناء الشعب أكثر .
٥ – السيد لعبيدي ، لم يتطرق إلى مبادرة الثلاثي : أحمد طالب ، يحي عبد النور ، رشيد بن يلس ، و كذلك موقف و رسالة العلماء و على رأسهم الشيخ الجليل الطاهر آيت علجت الذي يذكرنا ، كلما رأيناه ، بالمشايخ أحمد سحنون ، محمد السعيد ، و علي شراطي رحمهم الله جميعا . فلماذا لم تثمن قيادة الأركان هذا الموقف ١لذي يمكن أن يسرع باتزان عملية انتخاب رئيس حر للبلاد يقينا جميعا شر الانقسام ! ؟ أو ليس تجاهل هذه المبادرات يصب في صالح القوى المتغربة و الفاسدة التي ضيقت على الأحرار كثيرا ، مثل الرجل الحر عبد الحميد مهري ، و الوزير علي بن محمد ، و الشيخ عباسي مدني ، و كل أحرار هذا الوطن العزيز ؟
٦ – أما بخصوص الأغلبية الممتنعة عن التصويت ، فببساطة ، هي لا تثق سوى في الأحرار الذين لا يخافون من الأفكار ، مهما كانت ، و فقط يخافون من تنافس الدنيا مصدر كل المهالك .
شكرا صديقي العزيز عن ملاحظاتك. أريد أن أقدم لك توضيحات في ما يخص مسألة وجود “مجتمعين” في الجزائز..
حقيقة لدينا مجتمعان بأتم معنى الكلمة. لدينا نخبتان,( نخبة بالغة العربية و نخبة بالغة الفرنسية ) و ذلك على مستوى كل النخب,( الاقتصادية ,العسكرية, الثقافية) لدينا صحفتان, جامعتان, كذلك واحدة بالغة العربية و الاخرى بالغة الفرنسية, اقتصادان أحد منهما “عصري” ( بلغة الأعمال الفرنسية) و الأخر “تقليدي” الخ… أنظر فقط الى الشارع و يمكن لك ان تصنف كل عابر الى واحد من المجتمعين و هذه الثنائية معممة بحيث ان الزواج نفسه يكون ضمن واحد من المجتمعين . . من خلال هذه القراءة يمكنك ان تصنف حتى الأحزاب إلى واحد من المجتمعين, إما المجتمع “التغريبي” ,و هو الأقلية, إما المجتمع العميق العربي الاسلامي الوطني, و هو الأغلبية الساحقة . أنا لا أبدي حكما وإنما ألاحظ الواقع فقط. ان هذه الثنائية هي مصدر عدد من التوترات في البلد و عراقيل بما في ذلك على المستوى الاقتصادي ( مثلا بطالة المتعلمين بالغة العربية في القطاعات الفرنكوفونية) .انها سبب الكسر الاجتماعي- الثقافي الموجود والذي قد ينفجر بشكل خطير في كل الأزمات السياسية. في أخر المطاف المشروع الوطني ليس هو الا الغاء هذه الثنائية الموروث من الاستعمار, لنوحد هكذا النسيج الوطني و نحقق اهداف الثورة الوطنية.
الرهان الرئيسي ، بالأمس ، اليوم ، و في كل حين ، هو وحدة الجزائريين و لحمتهم ، لا فضل ، و لا فرق ، بين جهة و جهة ، و لون و لون ، و لسان و لسان ، مكانة اللغة العربية بصفتها لغة القرأن ، لا يضاهيها عند الجزائريين أي عنوان ، ولا يعوض الحاجة إليها أي شعار ، مهما كان ، أينما كان ، و كيفما كان ، وحدهم الجزائريون يقدرون ذلك و يدركون حقائق لغة القرآن ، مثلما يقدرها ، الفرس ، الهنود ، و التركمان ، و كل من آمن بالله الواحد الأحد الخالق الديان . عند هذا الحد وجب أن تسقط كل الدعاوى الباطلة التي تستهدف الجزائريين في لحمتهم ، ببساطة ، لأن من يريد تمزيق صف الحراك اليوم ، و يأتيه من زاوية ، هذا قبائلي ، و هذا عربي ، ثم هذا شعانبي ، و هذا ترقي ، و هذا ميزابي ، و لو وجدوا الظرف مواتيا و ملائما لوظفوا الطائفة و المذهب و التحزب و العصبيات ، لكن و الحمد لله ، فقد بات الجزائري بوعيه البديل ذي المنابع الفكرية الحضارية ، يدرك ألاعيب المستبدين ، الذين سيسوا اللسان و العرق، و اللون ، و المذهب ، و الطائفة ، و وظفوا ما أطلقوا عليه المجتمع المدني ، و التنظيمات المهنية لأغراض سياسوية ، أو بغرض البولتيك . كل هذا لم يعد يخف على الجزائريين و الجزائريات ، و قد جربوا كيف تعاملت العصابة مع كائنات مثل عمار غول ، خليدة تومي ، عمارة بن يونس ، حسن عريبي ، أحمد مراني ، سعيد قشي ، الهاشمي سحنوني ، و الويزة حنون ، و آخرين . لذلك و لذلك وجب ألا نسمح اليوم بضرب لحمة الجزائريين من أي جهة كانت ، و تحت أي شعار كان . و وجب أن يكون المؤشر هو العبارة الخالدة للعلامة عبد الحميد ابن باديس : ” و الله لو قالت لي فرنسا ، قل لا إله إلا الله ، ما قلتها ” ، و الحديث قياس .
شكرا صديقي العزيز عن ملاحظاتك. أريد أن أقدم لك توضيحات في ما يخص مسألة وجود “مجتمعين” في الجزائز..
حقيقة لدينا مجتمعان بأتم معنى الكلمة. لدينا نخبتان,( نخبة بالغة العربية و نخبة بالغة الفرنسية ) و ذلك على مستوى كل النخب,( الاقتصادية ,العسكرية, الثقافية) لدينا صحفتان, جامعتان, كذلك واحدة بالغة العربية و الاخرى بالغة الفرنسية, اقتصادان أحد منهما عصري ( بلغة الأعمال الفرنسية) و الأخر تقليدي الخ… أنظر فقط الى الشارع و يمكن لك ان تصنف كل عابر الى واحد من المجتمعين و هذه الثنائية معممة بحيث ان الزواج نفسه يكون ضمن واحد من المجتمعين . . من خلال هذه القراءة يمكنك ان تصنف حتى الأحزاب إلى واحد من المجتمعين, إما المجتمع “التغريبي” إما المجتمع العميق العربي الاسلامي الوطني . أنا لا أبدي حكما وإنما ألاحظ الواقع فقط. ان هذه الثنائية هي مصدر عدد من التوترات في البلد و عراقيل بما في ذلك على المستوى الاقتصادي ( مثلا بطالة المتعلمين بالغة العربية في القطاعات الفرنكوفونية) .انها سبب الكسر الاجتماعي- الثقافي الموجود والذي قد ينفجر بشكل خطير في كل الأزمات السياسية. في أخر المطاف المشروع الوطني ليس هو الا الغاء هذه الثنائية الموروث من الاستعمار .