ماذا قال العالم بخصوص حراك الشعب الجزائري؟
لم تسعه كل الأوصاف التي تداولها العام والخاص، وسائل الإعلام مجتمعة من ألفها إلى يائها، ومن أعلاها إلى أدناها، ومختلف التعليقات والتفاعلات عبر وسائط وأوساط التواصل الاجتماعي، خصوصا المجتمع الفيسبوكي الذي لا تحده حدود، ولا تحكمه قيود، ولا حتى ما تحدث به كبار المحللين والخبراء، فيما يعني أن الحراك الوطني الجزائري بات أكثر الأسئلة إلحاحا، وأكثر المواضيع نقاشا، وأهم وأخطر القضايا حضورا على طاولة العام الجديد، وهو يرسم العقد الثاني من قرننا الواحد بعد العشرين.
ومن بين ما ميز هذا الحراك المبارك سلميته غير المتوقعة وغير المنتظرة، مما جعله يبدو متفردا تاريخا و أخلاقا، وما يجب تسجيله هو أن هذا المنحى من السلمية لم يأت من العدم، لأنه، ومن دون ريب ينهل في منطلقاته وأبعاده وسماته الفكرية والروحية من الخزان الحضاري والفكري الجزائري ذي النزعة البنائية التساؤلية، سواء تعلق الأمر بزخم الثورات التي عرفتها الجزائرية على مدى أكثر من مائة و ثلاثين سنة في ظل حركة استعمارية استيطانية، أو ما اتصل بميراث جمعية علمائها، أو ما تعلق على وجه الخصوص بواحد من عباقرتها المتميزين الذي سبق زمانه، واستغرق زمان من قبله بكثير من الوعي والحضور، من خلال عالم القراءة و التأمل المتفرد تاريخا و أخلاقا، فيلسوف الحضارة ومهندس الأفكار مالك بن نبي رحمه الله الذي كان أكثر ما يوصي معاصريه بالقول “اكتب بضميرك”، وبمعنى أوسع : اقرأ بضميرك، وقارب بضميرك، واشهد بضميرك.
ولعل حركة رشاد التي واكبت واحدة من أخطر المعضلات التي عاشها الشعب الجزائري بعد الاستقلال، من بعد أن قال الشعب كلمته في استفتاء من أجل اختيار ممثليه بكل حرية، من خلال انتخابات، شهد العالم على رحابتها وسلاستها وقوتها، فهالها ما قامت به سلطة الاستبداد من اغتصاب وسرقة ووأد للحق العام على مرأى ومسمع الجميع، فحملت ثلة من أبناء الجزائر، من ألمع ما جادت به عبقريتها بعد الاستقلال، وشهدت به أكبر وأشهر جامعات أوروبا وأمريكا، ومعاهدها. ثلة اختارت أن تسلك طريق المقاومة انطلاقا من مبدأ اللاعنف، وعبّرت عن ذلك المسار في أكثر من محفل و أكثر من مناسبة، رافعة لواء “الحكم الراشد”، و هو كذلك ما ميّز أدبياتها وخطابها الذي تجاوب معه الجزائريون بكل فئاتهم بالرغم من التعتيم والتضييق واللامبالاة، وكانت حركة المقاومة هذه بحق حركة مقاومة سلمية، لأنها لم تولد من فراغ، و لا كانت مجرد عنوان بين عناوين الساحة الحزبية، لقد نبعت من وسط تميز بالبحث والنقاش العلمي والفكري المتفرد، فاستطاعت بأسلوبها ومنهجها وأدواتها أن تتجاوز النظرة الحزبية الضيقة والرؤية التمثيلية الباهتة والمطالب الجهوية أو العرقية التي ميّزت كثيرا من الشعارات. وعلى هذا الأساس كانت حركة رشاد حركة فخر لكل الجزائريين، فهي لا تضيق بلون معين من الأفكار أو رأي من الآراء، سبيلها المقاربة والمثابرة والنقاش العلمي والفكري الهادئ، لأنها لا تخاف من الأفكار بقدر ما تحذر من الوثنية والأصنام.
وليس غريبا في هذا الباب بالذات أن يتوج صبر الجزائريين لأكثر من عشرين سنة من بعد اغتصاب حقهم في بناء دولة الحكم الراشد، أن يبتهجوا جميعا بحراكهم السلمي المجيد.
* ماذا يجب أن يتعلمه الجيش من الشعب؟
فرصة تاريخية ثمينة أمام الجزائريين عامة والجيش الجزائري خاصة، أن يتوّج حراكهم بميلاد دولة الحكم الراشد.
* مما يجب أن يتحرر الجيش؟
حرية الجيش، ليست سوى ذلك الحد الإيجابي، وهو الحد الفاصل الذي يجعله حاضرا على خط الرشاد، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا التزم الحد الإيجابي، وهو الحد الوسط الفاصل بين نافية الأنا ونافية الآخر، فإذا كان جيشنا قد جسد الثانية من خلال عدم التدخل في شؤون الآخرين انطلاقا من سياسة الدولة التي نادت بها مرارا وتكرارا منذ الاستقلال، فإنه مطالب بتجسيد الأولى، ألا وهي عدم التدخل في الشأن السياسي عموما، والشأن الحزبي خصوصا. فإذا تحقق هذا المطلب وهذا المراد وهذا الاستحقاق الذي هو مطلب ومراد واستحقاق حضاري، فإن جزائرنا الحبيبة ستعبر بسلام إلى شط الأمان من أجل بناء دولة الحكم الراشد.