حالة استنفار كبيرة تعيشها بعض قوى المعارضة في الجزائر خاصة مع اقتراب أهم موعد انتخابي أي الإنتخابات الرئاسية التي لا يفصلنا عنها سوى بضعة أشهر، استنفار أملاه وعي هذه القوى بأن الجزائر بدأت الإستعداد الفعلي للإنتقال إلى عهد جديد غالب الظن أن القوى الشبابية الحية هي من ستتولى فيه المهام الكبرى في مؤسسات الدولة، من منطلق أن الرئيس بوتفليقة ومنذ عهدته الرئاسية الأولى كان يحضّر لنقل المشعل إلى الشباب الجزائري، لكنه لم يتسرع في ذلك، وفضّل تهيئة الأرضية لهذه الفئة التي تعوزها الخبرة لا غير، إضافة إلى تخليصها من تبعات صراع الديناصورات الذي عصف في تسعينيات القرن الماضي بأمن واستقرار البلاد.
الرئيس بوتفليقة عندما قبل بالترشح لرئاسة الجمهورية سنة 1999، كان يعرف حجم ما ينتظره من المشاكل المتراكمة، وكان يعي أن أهم عقبة تقف في وجه تحرر البلاد من أزماتها تتمثل في موروث المأساة الوطنية، وصراع أمراء الحرب مع بعض الجنرالات حول مناطق النفوذ في الدولة، وكان يعي تمام الوعي أن كلا الطرفين استفاد من مأساة الجزائر، لكنه وبحكمته وتمرّسه في السياسة عمل بذكاء كبير لتفادي خروج صراع المستفيدين إلى العلن، لأن مؤسسات الدولة عند فوزه بالعهدة الرئاسية الأولى كانت مُنهكة للغاية وغير قادرة على تحمل تبعات صراع الديناصورات، ولذلك ركز اهتمامه على استعادة عافية وصحة هذه المؤسسات وتقويتها وتخليصها بشكل تدريجي من هيمنة جنرالات المصالح والمتاجرة بمآسي الجزائريين، وهو ما تحقق له بشكل كبير خلال العهدة الرئاسية الرابعة، حيث استطاع أن يقدم على تحقيق أهم إنجاز شكل ركيزة وعوده للشعب الجزائري، والمتمثل في الإنتقال بالبلاد من حكم جنرالات الدواء واللحوم والكيوي والخزف والمخدرات … إلى حكم الشعب عبر مؤسساته الدستورية.
الرئيس بوتفليقة وبعكس ما يدعيه بعض أقطاب المعارضة في الداخل والخارج، نجح فيما فشل فيه قادة البلاد منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا، فهو من جهة قطع بشكل تام مع ذهنيات الإنقلابات التي لا تزال متجذرة في عقول بعض المستفيدين من مآسي الجزائر، ومن جهة أخرى وضع الأسس المتينة لدولة جزائرية مدنية، تحتكم إلى القانون والشرعية الشعبية، وبطبيعة الحال فإن انتقالا بهذا الحجم، من غير المعقول أن ترضى به القوى السياسية وقوى الكواليس التي كانت تستفيد دوما حتى في حال انهيار أمن واستقرار البلاد، ولهذا السبب نرى اليوم أن بعض الأطراف أُصيبت بحالة من الهستيريا بعد استشعارها بأن مصالحها باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار التام.
هنا يتوجب أن أُذكِّر كل مواطن جزائري بأننا كنّا طوال عقود من الزمن، نُوجّه أصابع الإتهام مُباشرة إلى جنرالات الموز والدواء… ونحملهم مسؤولية مآسي الشعب الجزائري، لكننا كُنّا نكتفي بالكلام وفي أحسن الأحوال بالتظاهر والإحتجاج دونما أن نتمكن من تغيير أوضاع البلاد، بل إنه حتى عندما انتفض الشعب الجزائري في 5 أكتوبر 1988، عرف جنرالات الموز واللحوم والخزف… كيف يقلبون الكفة لصالحهم، ويواصلون نهبهم لخيرات الشعب الجزائري، لأنهم كانوا متشبعين بالثقافة الإستعمارية الفرنسية، كونهم كانوا ضباطا في صفوف الجيش الفرنسي، ونجحوا في ضمان مناصب رفيعة في صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد الإستقلال، بل ووصل بعضهم إلى تولي قيادة أركان الجيش، ووزارة الدفاع الوطني. هذه الحقائق التي يعرفها الجميع، هي ما جعل الرئيس بوتفليقة يتعامل مع الأوضاع برويّة وحكمة، لأنه كان يعي جيّدا أن المساس بمصالح هؤلاء المستفيدين، سيدفعهم لا محالة إلى تكرار سيناريو اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، وهذا ما يفسر انتظار الرئيس بوتفليقة إلى غاية سنة 2013 للكشف بشكل علني عن إصلاحاته الشاملة، التي انطلق في تنفيذها بوتيرة سريعة بعد فوزه بالعهدة الرئاسية الرابعة، برغم أنه كان ينوي مباشرة تنفيذها قبل ذلك، لكن هبوب رياح ما سُمّي ب”الربيع العربي”، دفع بالرئيس إلى صبّ اهتماماته كلّها صوب تحصين أمن الجزائر، لمُواجهة أكبر مؤامرة عالمية على الوطن العربي والإسلامي، والتي كانت ولا تزال تعمل على إدخال بلادنا في عين الإعصار، ولا أدلّ على ذلك من كوننا أصبحنا مسيّجين بأخطر بؤر الإرهاب الذي صنّعه هذا “الربيع العربي”، والمتمثل في “داعش” وأخواتها، في كل من ليبيا وتونس ومالي… لكن برغم كلّ ذلك فإن السياسة الرشيدة للرئيس بوتفليقة شكّلت سدّا منيعا حال ولا يزال دون انتقال العدوى الداعشية إلى بلادنا، وما دام أن الرئيس قد أمّن البلاد، واطمأن بالفعل على جهوزيتها في مواجهة الأخطار القادمة من الحدود، فقد حدّدَ بالتالي ساعة الصفر، لإطلاق مشروعه الإصلاحي الشامل.
برأيي أن رئيسا كالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي نجح في قيادة سفينة الجزائر في أوج الأعاصير الأمنية في الداخل والخارج، ونجح ليس فقط في إيصالها إلى برّ الأمان، بل تعدّى ذلك إلى ضمان إبحارها نحو مستقبل جديد يُؤسس لعهد جديد وجمهورية جديدة تضمن للجزائري أن يمارس حقوقه بكل حرية وأمان، دونما خوف من بطش جنرالات الموز والسكر والخزف والدواء.. من خدم فرنسا الاستعمارية، ودونما قلق من احتمال تسرّب الدواعش إلى البلاد، برأيي أن رئيسا بهذه الحكمة يستحق بالفعل أن نصنّفه كأكبر رجل سلام في العالم، لأنه استلم سفينة البلاد في عزّ اشتداد العواصف، وهاهو اليوم يُجهّزها بكل الآليات التي تضمن إبحارها ولعقود من الزمن بسلام وأمن.
26 سبتمبر 2018
زكرياء حبيبي
تعليقان
يمكننا أن نحسن الظن بالسيد زكرياء حبيبي ، وليس لنا ما نخسره ، ولكن أليس من حقنا أن نطلب من الكاتب حججا على طرحه ، يسرنا أن يكون كلام السيد حبيبي مؤسسا ، ولكن التسلسل المنطقي لحلقات الصراع على السلطة يحتاج إلى برهان من السيد حبيبي على أن فرنسا الاستعمارية لم تعد تتحكم كما كانت إلى عهد قريب من خلال عملائها الذين وصلوا وفق كلام السيد زكرياء إلى قيادة الأركان ، عظيم أن يكون الرئيس بوتفليقة قد ألحق الهزيمة بفرنسا وعملائها ، لكن هل يستطيع السيد زكرياء أن يحدد لنا الآجال بخصوص استلام الشباب المخلص والكفء لمقاليد القيادة حتى تنجو السفينة بجميع ركابها ؟
نعم…
الاعداد لقانون جديد نتاع برنامج جديد نتاع نظام نتاع الرايس بوتاف……
هذا ماكان…….