لا تزال أصداء انتخابات تركيا الأخيرة تتفاعل محليا وعربيا ودوليًا، بين مبتهج مطمئن، وعبوس قمطرير متآمر، قد تتعدد الدروس المستخلصة منها، لكن، ثمة درس جدير بالإشارة، كان بطله محرم انجه، منافس أردوغان الرئيسي في انتخابات 24 جوان. أثبت انجه من خلال موقفه عقب نشر النتائج النهاية، أنه أولا معارضٌ وطنيٌ محبٌ لبلده وحريصٌ على سلامتها، وثانيا، انه يتمتع بثقافة المعارضة السياسية، ويؤمن بأخلاقيتها وآلياتها، وثالثا، أن الممارسة السياسة استثمار على المدى البعيد ولا يتوقف عند خسارة موعد انتخابيي، لأن المسار السياسي طويل النفَس، يقتضي المثابرة، ويفرض على المنهزم فيه في محطة ما، الاعتراف بهزيمته وفوز خصمه والعمل لمساعدته في سبيل الوطن، في انتظار مواعيد أخرى، قد يحالفه الحظ فيها، مما يعزز صورته في أذهان من يخطب ودهم ويتوقع أصواتهم.
هذا الموقف من محرم أنجه، ذكرني بأحدث ألخصها في مشاهد ثلاثة:
1) وطنية المعارض محرم تجهض كيد المتربصين وتكشف زيف ادعاءاتهم حول الديمقراطية والحريات والتعددية
مهما كان رأي المرء في محرم انجه، الذي أبدى مقاومة سياسية شرسة، في مواجهة منافسه أردوغان، لكنه فور ظهور النتيجة، أقر بهزيمته (حوالي 30% أمام رجب طيب أردوغان 52%) ووجه رسالة إلى الرئيس المنتحب قال فيها “فلتكن رئيسًا لنا جميعًا واحتضن الجميع، كنت سأفعل ذلك لو تم انتخابي”.
المنافس محرم انجه لم يكابر ولم يتنكر للصناديق ولم يسفه صوت الشعب، واعترف بنزاهة العملية. في ندوة صحفية عقب النتائج، عاتب أحد الصحفيين الغربيين، على محرم “تسرعه في الاعتراف” وأنه كان عليه “أن يصمد ويلبي مطالب الملايين من أنصاره، الذين كانوا ينتظرونه في الشارع للاحتجاج ورفض فوز أردوغان”، وهي إشارة واضحة بل تحريض صريح على التمرد وإدخال البلاد في حالة اقتتال، فرد عليه محرم ردا رادعًا، بقوله أن مثل ما يشير إليه، تصرف لا يليق بل وينافي قواعد العملية الديمقراطية، لأن الديمقراطية تتطلب المنافسة الشريفة والاعتراف بنتائج الصناديق. والملفت للنظر، أن هذا الصحفي الغربي الذي يدعي تمثيل قيم ومبادئ الديمقراطية، هو من يدعو إلى هتك أعراضها وإجهاض نتائجها والتحريض على لاقتتال، لكننا لم نسمع أبدا، توجيه مثل هذه الدعوة إلى مشرح منهزم في أي دولة من الدول الغربية، ولم يطلب يوما أنصار المرشحين المنهزمين بالخروج إلى الشارع لرفض النتائج، باعتبار أن الشعب قد صوت وقال كلمته، وكأن الديمقراطية وقيمها تطبق فقط في بقعة جغرافية ثقافية محددة.
2) نسجل أيضا ذلك التباين الصارخ بين موقف محرم ومواقف المعارضة عندنا في الوطن العربي، خاصة في الجزائر، مصر وتونس، التي فور اتضاح هزيمتها النكراء في صناديق الاقتراع توزعت أطياف هذه “المعارضة” بين مستنفر للدبابات ومحرض على قتل من خيبوا ظنهم، واحتقار الشعب ووصمه بأقذر النعوت (منها غاشي، أي دهماء)، وحتى التنصل منه، مثل صاحب مقولة “أخطأت في انتمائي لهذا الشعب”، ونعلم النتيجة الدامية لكافة هذه المواقف.
ضحالة الثقافة السياسية وغياب الذمة لأخلاقية، لدى هذه الأطراف العربية، أعمت بصيرتهم وجعلتهم يتحولون إلى أبواق وأدوات للدكتاتوريات المتحكمة، واختارت التحريض على الشعوب وإغراق البلدان فيما تعيشه، بدلا من اعترافها بالنتائج والاستعداد لجولات أخرى، فأقصت نفسها نهائيا من اعتبار الشعب، بحيث لم يعد ينفع تملقها الآن أو لاحقا، وتباكيها على انتهاك الحقوق والحريات والمطالبة بدولة القانون، مثلما شهدنا بعضها يتبجح مؤخرا.
3) ذكرني موقف محرم بدرس رائع في أخلاقيات المنافسة الشريفة، قدمته إليانور روزفلت، زوجة الرئيس الأمريكي ديلانو فرانلكين روزفلت (من 4 مارس 1933 إلى 12 ابريل 1945). رغم المكانة والثقة التي كانت تحظى بها إليانور روزفلت وسط الشعب الأمريكي، مني مرشحها للانتخابات الرئاسية (في 1952 و1956) حاكم ولاية إلينوي، بالهزيمة أمام منافسه دوايت ايزنهاور، ومع ذلك لم تسب الشعب الأمريكي ولم تتهمه بالجهل والغباء مثلما وصفه البعض عندنا، بل ردت بقولها الشهير، في مقالة نشرت بإحدى الصحف “حتى إذا حدثت النفس الإنسان بالتشكيك في حكمة الشعب، فمن الأفضل دائمًا الاعتقاد بأنه مع مرور الوقت ستكون حكمة الأغلبية أكبر وأقوى؛ يجب على من هُم في الأقلية قبول هزيمتهم بسمو النفس”. الدرس اكتمل.
في الختام لا يمكن لمنصف أن ينكر أن محرم انجه خرج ناجحا من الامتحان الانتخابي حتى بعد خسارته أمام أردوغان، لأنه خرج برأس مال ثمين يمكنه استثماره لاحقا، وهذا يشكل في الواقع، أصل العمل السياسي، المواصلة في العمل لإقناع المواطنين بجدوى البرامج والمقترحات، والاستعداد لمراحل بعد الهزيمة، لأن الهزيمة ليست في واقع الأمر نهاية المطاف، وإنما مرحلة لصقل التجربة ليس إلا، الأمر الذي لم يفهمه كل من استنجد بالدبابة ضد الصناديق، وادعى تبريرا لدعمه الانقلابات، بعد خسارته صوت الشعب، أن خروج الدبابة جاء لحماية الديمقراطية. لله في خلقه شؤون.
3 تعليقات
Vous faites allusion a l`interruption du processus électoral de 1991, mais a mon avis, il y a tout un monde entre ces élections en Turquie et les élections algériennes de décembre 1991 qui, par ailleurs, ont été réellement sans fraudes :
– En Turquie, avant les élections, personne ne criait ` la mithak la dousthour…`, et personne n`a demande au peuple de se préparer à changer les habitudes alimentaires et vestimentaires.
– En Algérie, entre les deux tours, des élus ont déclaré qu`ils installeront des guillotines dans chaque place et placette des villes et villages. ` … Ces gens étaient décidés à nettoyer le pays de tout ce qui n’est pas eux et qui refusera de s’aligner. Ils ne savaient pas que la violence n’est efficace que contre ceux qui ont une solution de rechange et les algériens en grande majorité n’avaient pas d’autres patries ; la violence peut sévir mais elle fera face à diverses formes de résistance…`-1-
– Dans les élections turcs les acteurs sont en majorité des croyants honnêtes , des gouvernants légitimes et des théologiens en phase avec le savoir universel, en Algérie le croyant lambda est généralement ignare ou malhonnête et beaucoup sont capables de ruser avec Dieu, le gouvernant est illégitime et les ulema et autre `chouyoukh` sont sans réel savoir et beaucoup sont au service de l`autorité.
Les généraux ont beau être corrompus ou incompétents mais ils ont été capables de se dire `mourir pour mourir, autant mourir au pouvoir et on ne sera pas seuls a mourir`.
Les hommes raisonnables, et contrairement au mauvais croyant le bon croyant est raisonnable, ne montent pas au maquis pour tuer des concitoyens et détruire les infrastructures du pays parcequ`on leurs a vole la victoire électorale. Le même vole a eu lieu dans des anciens pays communistes mais les gens n`ont pas pris les armes, ils ont manifeste fortement mais pacifiquement et ont obtenu gain de cause.
Vous semblez cher ami ne pas avoir lu le texte d’une manière sereine, pondérée et neutre, car au-delà de la différence entre les deux pays, les deux expériences, les deux contextes, le point majeur auquel j’attire l’attention, consiste dans la culture de l’opposition, qui devrait apprendre de ses erreurs, et même de ses échecs, si l’on veut aller de l’avant et baliser la voie à un système de gouvernance tant attendu, , et non pas se mettre du coté du bourreau, pour peu que le peuple ne l’ait pas choisi, au point de se mettre au service des junte comme ce fut le cas en Algérie (92), l’Egypte (2013) au prix qu’on connait, alors que la sagesse, le pragmatisme, et la raison auraient voulu, que l’on ne saborde pas le droit du peuple dans son exercice de choisir, de se tromper, et d’apprendre, plutôt que d’exercer ce paternalisme primitif destructeur, qui a fait chavirer le pays dans la situation délétère que connait le monde arabe, et c’est à cet effet que j’ai donne l’exemple d’Eleanor Roosevelt (je vous suggère de reprendre le passage pour comprendre les raisons qui m’ont convaincu à la prendre comme exemple, et celui de Mohrem InJa, pour le reste, peut être y reviendrai je dans une autre occasion, amicalement
الإنسان الحر :
فعلا الأستاذ رشيد ، المسار السياسي ليس عملية قمار ولا هو محطة رد اعتبار شخصي ، المسار السياسي ليس سوى جزءا من مسار دائري مرتبط ومتعلق بحياة المجتمع السياسي من ألفه إلى يائه ، مثل هذا المسار تستغرقه المعادلة التي رسم معالمها المفكر الجزائري مالك بن نبي وحاول تقريب أبعادها والكشف عن خباياها بالرغم من صعوبة المهمة وثقل عبئها ، عنصر الزمن في المعادلة أهملناه كثيرا وطمسنا روحه في أكثر من استحقاق ، كلنا تقريبا لا نفكر سوى في حاضرنا بالرغم من أن حاضرنا ليس هو الزمن كله الذي تقتضيه المعادلة وتستدعيه حلولها ، حالنا كمن يريد في كل مرة قطف الثمار في غير وقتها ، وأكثر من ذلك نأخذ لأنفسنا ما ليس من حقنا غير آبهين بحقوق أجيال تأتي بعد هرمنا أو ذهابنا ، فنحرمها بذلك من عامل الزمن الذي كان من الضروري أن يستغرق من داخل أنفسنا ليمتد عبرنا إلى تلك الأنفس التي انتظرتنا حتى نفي بالعهد والوعد ونستوفي واجباتنا التي لم نقدر أثرها منذ أن حدث الانكسار وزلزلنا أيما زلزال هذا من جهة ، أما تعبيرك عن السيد انجه بالمعارض الوطني فهو تعبير فيه ما فيه ، هل تستطيع أن تحدد فحوى عبارة ” وطني ” ؟ هل تستطيع أن تزنها ؟ أو تقارن بين وطنية السيد انجه ووطنية السيد أردوغان ؟ التعبير المناسب في السياق الديمقراطي والتداول بين الناس ضمن المعترك السياسي هو القول أن السيد انجه إنسان حر ، أي أننا نقف في هذه الحالة ودائما بين صنفين من الناس : إنسان حر ، وإنسان عبد ، شتان بين الأحرار والعبيد ، تعلمنا مثل هذا التحديد من رؤية المفكر الحر بن نبي : ” الإنسان الحر الذي يقف حدا فاصلا بين نافية الأنا ونافية الآخر ” من هذه الزاوية تحديدا يمكننا قراءة مواقف كثير من الساسة : السيسي ـ ترامب ـ ميركل ـ أردوغان ـ كيم جون يونغ ـ محمود عباس ـ هنية ـ نصر الله ـ محمد بن سلمان ـ محمد بن زايد ـ الملك محمد السادس ـ بوتفليقة ـ آيت أحمد ـ ميشيل عون ـ صدام حسين ـ بشار الأسد ـ عمر البشير ، ـــــــــــــــــ من التحديد السابق يمكننا دون عناء تمييز الأحرار من العبيد ، ومن بين العبيد يظهر ذلك الصحفي الذي عاب على السيد انجه موقفه ووصفه بالمتسرع ، ذلك أن الإنسان الحر صحفيا كان أو عسكريا أو متحدثا باسم الفاتيكان أو الأزهر الشريف لا يمكن أن يتجاوز حرية الآخرين ويسفه رؤاهم أو اختيارهم ولو لم يعجبه ويسره ، موقف الصحفي العبد ليس طفرة ، بل هو حلقة في سلسلة طويلة ضمن المسار الغربي الليبرالي الرأسمالي الذي اغتصب أرضنا وداس عرضنا وحرمنا من حريتنا ، وما أكثر العبيد داخل حدود وطننا العربي الذين يقفون مثل هذه المواقف من الأحرار ، خصوصا حين تختار الشعوب إنسانا حرا ليحكمهم ويسوسهم ، تقوم قيامتهم جميعا وتجمعهم صفة العبيد ، ويا ليتهم كانوا عبيدا لله الواحد القهار
الغرب بالرغم من أنانيته المفرطة تخلص إلى غبر رجعة من مغبة ” الوطنية ” واستعاض عنها بالمواطنة التي وسعتهم جميعا ، إلى أن نتحرر ونعيش أحرارا حينها يمكن أن نعبر عن رؤانا من دون الحاجة أن نأخذ الإذن من ترامب ولا بوتين ولا حتى من ماكرون