هل يمكن أن نستحضر عنصر المسؤولية حينما نتحدث في موضوع من المواضيع ؟ كيف أكون مسئولا وأنا أتكلم ؟ أو كأننا نصبح ملزمين بدفع مقابل عما نقول، متى أكون حرا في كلامي، ومتى أصير عبدا؟ وهل يستطيع المتحدث للناس أن يفكر بداية في وقتهم واهتماماتهم ومدى استعدادهم ، وإمكانية الاستئذان منهم ، أو كأنه يستشعر قيمته في قيمتهم وقوته من قوتهم ، وكيف يحرص على الجمع بدل الفرقة من خلال مراعاة مشاعر الناس وقناعاتهم وخصوصياتهم ؟ وما هي حدود مسئوليته إذا تعلق الأمر بحياتهم وإنسانيتهم ؟
يقول وزير الدفاع الأمريكي من باب المسئولية :
1 ـ نحن وحلفاؤنا ملتزمون بمعيار في اليمن لم يلتزم به أحد في أي حرب سابقة .
2 ـ واشنطن تبذل جهودا كبيرة تمنع سقوط ضحايا مدنيين في اليمن .
3 ـ مقتل أي مدني باليمن مأساة وواشنطن ملتزمة بأعلى المعايير لمنع سقوط قتلى .
4 ـ سنواصل العمل مع الطيارين السعوديين لتحسين قدراتهم على تحديد الأهداف وقصفها .
هذا الكلام صدر عن المسئول الأمريكي ـ ماتيس ـ بمعنى هذا هو موقف الإدارة الأمريكية وسياستها .
ماذا لو كان المستهدف هو أرض أوربية ، أو أمريكية ، أو أن المستهدف هو جزء من الأرض التي تحتلها إسرائيل ؟ ما هي الصورة التي سيظهر بها وزير الدفاع وإدارته ، والكلمات التي سيختارونها ، وأثر ذلك على الأرض ؟ ثم من يستطيع من العرب أن يواجه مثل هذا التصريح بتصريح يعيد للأمريكيين صوابهم وإنسانيتهم ؟ تصوروا لو كان المستهدف هو الشعب الكوري الشمالي ، عفوا ، المقصود بكلامي : هل يستطيع ماتيس وإدارته الاستهتار بمشاعر الكوريين الشماليين ، مثلما يستهترون يوميا بمقتل المسلمين ؟ أهو استهزاء أم تشفي ؟ وما بال الكثرة من العرب والمسلمين التي لم تعد قوة ، بل غثاء كغثاء السيل ، ليس هذا كلامي ولا استنتاجي الخاص ، هل هناك عبارة معبرة عن حالنا وأحوالنا أكثر من عبارة غثاء ؟ وهل من سبيل إلى الخروج من هذه الدائرة لمن يريد أن ينجو فلا يصدق عليه الحكم ؟ كيف يمكننا أن نساهم في الارتقاء بخطاباتنا ونميز بين ما لنا وما علينا ولا نقبل أن نتحول إلى أداة هدم بدل أن نكون صمام أمان ، متى فكرنا في كل كلمة نكتبها أو نتحدث بها ، نجمع ولا نفرق ، نحسن ولا نسيء ، نؤمن روعات الناس ولا نكشف عوراتهم .
تصريح وزير الدفاع الأمريكي في الميزان :
1 ـ نحن وحلفاؤنا ملتزمون بمعيار في اليمن لم يلتزم به أحد في أي حرب سابقة .
بماذا يوحي هذا الكلام ؟ إن دل فإنما يدل على أن الحرب على الشعب اليمني لم يسبق لها مثيل ، ألم
تتواطأ أكبر دولة في هيئة الأمم المتحدة مع دول أعضاء على استقرار اليمن ، ألم يعبث هؤلاء جميعا بأمن الشعب اليمني ؟ هل بقي أمام الإدارة الأمريكية والتحالف العربي سوى احتلال أرض اليمنيين والإمعان في إذلالهم إلى أبعد الحدود ؟ كيف يمكننا مقارنة حروب أمريكا السابقة بما يجري داخل اليمن حتى نتأكد من مصداقية وزير الدفاع الأمريكي ؟ كيف يمكننا التعرف على معيار الإدارة الأمريكية إذا كان اليمنيون يجوعون بالملايين ، وتلاحقهم الأمراض الخطيرة بالملايين ، ويموت أطفالهم ونساؤهم بفعل الأسلحة التي تقدمها أمريكا وعلى يد طيارين تدربهم أمريكا ؟
2 ـ واشنطن تبذل جهودا كبيرة تمنع سقوط ضحايا مدنيين في اليمن .
هل توقف التحالف عن قصف الشعب اليمني ؟ ما طبيعة الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية ، هل طلبت عقد جلسة لمجلس الأمن للنظر في الانتهاكات بحق الشعب اليمني ؟ كيف بالإدارة الأمريكية تشفق على الشعب الإيراني فتسرع من خلال بعثتها لدى الأمم المتحدة وتطلب عقد جلسة طارئة ولتكن يوم الجمعة ، الخامس من شهر يناير 2018 ، هل السنة الجديدة تختلف عن سابقتها ، أم أن الشعب الإيراني يدين بدين غير دين اليمنيين ، أم لأن اليمنيين هم من الهنود الحمر الذين أثقلوا أمريكا في يوم من الأيام فاجتهدت في إبادتهم ، أو أن اليمنيين عرب والأمريكيون مغرمون بالعرب وبساستهم ، عند هذا الحد لم نصل إلى سبر أغوار مثل هذه الجهود التي تحدث عنها وزير الدفاع الأمريكي .
3 ـ مقتل أي مدني باليمن مأساة وواشنطن ملتزمة بأعلى المعايير لمنع سقوط قتلى .
متى ستتحرك واشنطن ، وكيف ، حتى تمنع حلفاءها من استهداف اليمنيين ، متى يتوقف سقوط القتلى ، ومتى تبرهن واشنطن أنها صارت ملتزمة ؟ مثل هذه الأسئلة تكشف فعلا طبيعة الالتزام الأمريكي ، وهو دون ريب ما قطعته هذه الإدارة على نفسها والتزمت به أمام حلفائها العرب ، فحتى يتوقف قتل المدنيين ، لا بد أن تنفرد الإمارات بالجنوب ويكتفي السعوديون بشيء من الشمال ، إذ يمكن حسبها ووفق خبرائها دفع الحوثيين ، بالرغم من أن هذه التسمية لا تعبر فعلا عن هؤلاء الذين هم جزء كبير من الشعب اليمني ، دفعهم إلى الانكفاء والاكتفاء بجزء من أرض اليمن ، والإبقاء على حالة من عدم الاستقرار بما يخدم مصالح واشنطن وإسرائيل . هل تذكرون شيئا مما تسميه واشنطن اليوم بأعلى المعايير سنوات الدم والدمار والتشريد والقتل داخل سوريا ؟ ماذا عن طبيعة هذه المعايير التي رصدها وزير الدفاع الأمريكي وإدارته ولم يرصدها السوريون واليمنيون وكل العرب ؟ وإلا كيف هي واشنطن اليوم تدين بأشد العبارات عمليات القتل والاعتقال في إيران ، ولم تحرك شفتيها أمام عمليات قتل الأبرياء لسنوات على أرض بلاد الشام رغم ما قيل بخصوص استخدام الكيماوي والقصف الوحشي بالليل والنهار وكيف لم تهتم يوم كان الأبرياء يستغيثون وهم محاصرين بين أزقة وشوارع حلب ؟
4 ـ سنواصل العمل مع الطيارين السعوديين لتحسين قدراتهم على تحديد الأهداف وقصفها .
يختتم وزير الدفاع تصريحه المميز والمحير والمدهش ، الجدير بكثير من التأمل واستخلاص العبر ، المسألة تتعلق بدور واشنطن وحرصها الدءوب على حماية الأمن والاستقرار الدوليين ، فبدل الالتزام بأعلى المعايير لمنع الفوضى والقتل ومزيدا من الخوف والجوع والتشريد والدمار والخراب ، ها هو وزير الدفاع يفصح عن طبيعة ما التزم به وكاد يقسم على ذلك من خلال تصريحه ، بماذا ختم قوله ؟ أكد على أن الإدارة الأمريكية كما تعودت على المدح والذم في أن واحد ، كما فعلت ، أو فعل رئيسها مع باكستان ، وكذلك مع المملكة السعودية ، لم يثبتوا على موقف ، لذلك فهو يناقض بداية كلامه ، لقد أكد وزير الدفاع قائلا سنواصل العمل ، ليس مع هيئات المجتمع الدولي لاستتباب الأمن وإنهاء عمليات القتل ولكن رفقة الحلفاء ومع جميع هؤلاء ، ولكن هذه المرة فقط مع الطيارين السعوديين الذين يمرون بعملية تدريب داخل اليمن للرفع من قدراتهم بعد أن اختبروها مع أبرياء اليمن ، هذه المرة سيعمل الأمريكيون لتحسينها أكثر من أجل تحديد الأهداف وقصفها بعناية فائقة ، لكن هذه المرة يمكن أن تكون الأهداف على أرض أبعد ، إذ يمكن أن تطال إيران ولبنان .
هكذا نفهم سياسة واشنطن وهكذا نقارب أسخن الملفات من وجهة نظر غير أمريكية ، فهل عجز العرب إلى هذا الحد ، ومعهم أصبح العالم ينتظر غير آبه بالأمن والأمان وحياة الإنسان ، ماذا ننتظر مثلا من ألمانيا التي يشهد تاريخها على صلابتها في قضايا الإنسان ، وماذا عن بريطانيا التي صارت مضرب الأمثال في داخلها الذي استوعب الألوان والأجناس والأديان ؟ هل سلم هؤلاء جميعا وكل العالم لواشنطن كي تعبث بإنسانية الإنسان ؟
بشير عبد الرحمن