السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أوجه رجائي لكم باسم “نصارى مصر”، إذ أنه المسمى الوحيد الذي يشملكم جميعا بعد أن انتشرت المسيحية وتشعبت وانقسمت إلى 349 مذهبا، هي المكونة لمجلس الكنائس العامي الحالي. بل لا أعرف حتى إن كانت كل هذه المذاهب لها من يمثلها في مصر.. أكتب إليكم لأنني لاحظت تزايد التبشير في مصر، لا بصورة ممجوجة فحسب، وإنما بصورة متدنية، وشتائم وتجريح في الإسلام والمسلمين، خاصة السخرية من القرآن الكريم بأسلوب لا يليق بكم، فأنتم أصحاب الأخلاق الحميدة والمحبة.. وحيث أن المسلمين باتوا لا يقرأون، كما أنهم لا يفهمون الألغاز التي يسمعون عنها في المسيحية، فأرجو ألا تنسوا وأنتم تبشرونهم، أن تشرحوا لهم بالتفصيل أصول المسيحية كما هي، لكي يفهموا، على أمل أن يتنصروا عن قناعة وإيمان راسخ، وليس بالمغريات.. وفيما يلي بعض الشذرات التي أعرفها عن المسيحية علها تعاونكم على تبشير المسلمين، وإن كان المصطلح الأصح هو تنصيرهم.
أرجو ألا تنسوا توضيح أن السيد المسيح له ثلاثة تواريخ ميلاد في الأناجيل، وأن والده هو يوسف النجار أو ربنا أو الروح القدس، وأن له أسرة وإخوة وأخوات، وله أبناء عمومه مذكورين جميعهم بأسمائهم. وكانت الكنيسة تمنع ذكرهم حفاظا عليكم ولكيلا يهتز إيمانكم بأن ذلك الإله الذي فرضته كان يأكل ويشرب وأنه فرد في أسرة لا ترضى عنه، وتتهمه بأنه أكول وشرّيب خمر، الخ.. وأن نسبه يرجع إما إلى داوود أو إلى هالي، وأن الكنيسة لا تعرف عنه شيئا منذ مولده سوى أن أسرته هرّبته من اغتيال هيرود لكل الأطفال، مع العلم بأنها واقعة لم تحدث تاريخيا، وأنهم أتوا به إلى مصر، رغم أن إنجيل لوقا يقول في: (2: 22) إن أهله عادوا به إلى الناصرة، أي أنهم لم يطأوا أرض مصر.. لكن الوضع كما تعلمون، المسألة انتقائية، يأخذون ما يخدم اللحظة أو الظروف ويغضون الطرف عن الباقي، وكلها أناجيل..
كما أن الكنيسة لا تعرف عنه شيئا منذ هذه الوقعة، المتناقضة، سوى أنه وهو في العاشرة من العمر اختفى من المنزل ثلاثة أيام ليناقش علماء اليهود، وقالت له أمه حين عثرت عليه: “أقلقتني أنا وأبوك”، (وتقصد يوسف النجار وليس ربنا، لأن تأليه يسوع لم يكن قد تم اختراعه بعد).. أذكركم بها حتى لا تنسوها فهي مهمة في تسلسل الأحداث. ثم اختفى من الأناجيل ولا تعرف عنه الكنيسة أي شيء سوى حين عاد إلى الظهور وهو في الثلاثين من عمره، ليقوم بالتبشير لمدة سنة أو سنة ونصف أو ثلاثة سنوات، وأنه كان يعالج المرضى ويخرج الشياطين، وفقا لأي إنجيل تلتزمون به في سردكم هذه القصص، لأن لوقا يوضح في بداية إنجيله: “إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا”.. فراح يشرع هو أيضا في تأليف قصته اعتمادا على اليقين.. ولا يخفى عليكم ولع المسلمين بالقصص والحكاوي.. واغفروا لي إن نسيت بعض التفاصيل الهامة، فهي بجد من الكثرة حتى يصعب حصرها.
وأرجو ألا تنسوا ما تؤكده الأناجيل من ان أسرته لم تكن تؤمن به، وتعتبره معتوها أو به مسّ، على الرغم من أن بعض الناس رأت أنه نبي من الأنبياء، وتكرر ذلك عدة مرات في الأناجيل. بينما رأى اليهود أنه ثوري، وأنه ذهب ليفتح أورشليم ممطتيا حمارين في آن واحد. لذلك أدانوه وأقاموا له محاكمة خصيصا يوم السبت، وهو العطلة المقدسة لديهم والتي تحرّم عليهم القيام فيها بأية أعمال، ورغمها لقد خرجوا عن دينهم وجمعوا سبعين قاضيا في غرفة من بيوتهم الضيقة بالليل ليحاكموه ويغتالوه. وأن الحواريين أتباعه قد فروا هربا، بل منهم من أنكره! وبالفعل قتله اليهود وعلقوه على خشبة وفقا لعادتهم ووفقا لما هو وارد في الأناجيل وفي أعمال الرسل أيضا. فأرجو ألا تنسوا هذه الجزئية تحديدا، أنهم علقوه على خشبة لأن الصليب لم يكن قد تم اختراعه بعد، وإنما اخترعوه في القرن الرابع. لأن هذه التفاصيل تضفي مصداقية على كل ما تقولونه للمسلمين..
معذرة، كدت أنسى، أرجو ألا تغفلوا ذكر أن الكنيسة أكدت، في مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، أن كل هذه الاختلافات والمتناقضات ليست متناقضات بالمعنى المفهوم وإنما هي اختلاف وجهات نظر، خاصة أنه ثبت لديها أنها ليست منزّلة من عند الله، وأن بها الصالح والطالح، وقد قام بكتابتها اسماء غير التي هي معروفة بأسمائهم، وأنها كُتبت بوحيّ من الروح القدس. وللعلم، لقد وصل عدد المتناقضات الثابتة والواردة في الموسوعة البريطانية هو 150000 تناقض. وقد تضاعف هذا العدد باكتشاف مخطوطة كاملة للإنجيل، معروفة باسم “إنجيل سيناء” وهي نسخة كاملة ترجع للقرن الرابع. أما “ندوة عيسى” التي أقيمت في معهد ويستار بأمريكا، وحضرها أكثر من مائتين عالم متخصص في اللاهوت والتاريخ واللغات القديمة، وبعد دراسة عدة سنوات أكدوا أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوّه بها، وأن 86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها.
وذلك لا يضير التبشير في شيء، حتى وإن كانت هناك متناقضات تبدو شديدة الوضوح مثل هذه الجُمل حول سبب مجيء يسوع إذ يقول متى (10: 34) “جاء يسوع ليلقى سيفا وليس سلاما” ؛ بينما يقول لوقا (12 : 49 – 53) “جاء يسوع ليلقى ناراً وانقساما” ؛ في الوقت الذي يؤكد فيه يوحنا (16 : 33) “جاء يسوع ليلقى سلاما” ! ؛ بينما يقول يسوع وفقا لإنجيل لوقا (19: 27): “أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فاْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي” !عموما لقد تناولت موضوع المتناقضات في الأناجيل (1 و 2) ، لكي ترجعوا إليها إذا نسيتم أية تفاصيل لكى يكون تبشيركم المسلمين مقنعا منطقيا ومبني على أساس.
فاتني أن أوضح لكم في الفقرة السابقة، بمناسبة رسالة يسوع أو لماذا أرسل الرب ابنه في هذه الدنيا، إذ يقول يسوع: “لم أرسل إلا إلى خراف بين إسرائيل الضالة” (متّى 15: 23)، وللعلم، لقد قررها قبل ذلك في الإصحاح العاشر حينما كان يوصي حوارييه الاثني عشر ليرسلهم للتبشير قائلا: “إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (جملة 5 ـ 6). وهو ما يؤكد أن يسوع لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل التي ضلت عن رسالة التوحيد، وليس لتنصير العالم كما تزعم الكنيسة الكبرى.
وهنا قد يبادركم أحد المسلمين المشاكسين قائلا “إن ما تقومون به من محاولة تبشيرنا منافي لقول السيد المسيح ويتعارض معه”! فأرجو ألا تهتزوا وإنما وضحوا له بكل ثقة أن مجمع الفاتيكان الثاني (1965) قد خرج عن تعاليم يسوع في أمور كثيرة، وأنه فرض تنصير العالم، واخترع بدعة الحوار بين الأديان لكسب الوقت حتى تتم عملية التبشير والتنصير، كما يجب أن تقولوا له بلا خجل أن ذلك المجمع قد فرض على كافة المسيحيين وعلى كافة الكنائس المحلية أن تساهم في عملية التبشير هذه، مع العلم بأنها أول مرة تصدر فيها الكنيسة الفاتيكانية قرارات خاصة بالمدنيين، مع غض الطرف طبعا عن إن مثل هذا القرار يضع الأقليات المسيحية والكنائس المحلية في موقف حرج، أو بمعنى أدق : في موقف الخيانة للبلد وللمسلمين، أينما كانوا، بما ان ولاءكم في هذه النقطة تحديدا أصبح للفاتيكان مثل كنيستكم، وبمثابة خيانة للمسلمين، ما علينا..
ولا تنسوا، رجاءً، أن تشرحوا للمسلمين كيف بدأت المسيحية في مصر فإنجيل يقول إن مرقص حضر إلى هنا وآخر يقول إنه ذهب إلى قبرص، وهو ما يؤكده أيضا بولس الرسول قائلا في أعمال الرسل: “فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر. وبرنابا أخذ مرقس وسافر إلى قبرص” (اع 15: 39) أي أن مرقس لم يحضر إلى مصر. وهو ما تؤكده أيضا الموسوعة الكاثوليكية وغيرها من المراجع.
ومن المهم توضيح أن المسيحية منذ بداياتها الأولى كانت منقسمة إلى العديد من الفرق المتناحرة، وكيف كانت هذه الفرق تحارب بعضها بعضا، حتى معركة أريوس السكندري الشهيرة، الذي كان رافضا فكرة المنادين بتأليه السيد المسيح، فقام الأسقف كيرولس بالوشاية به وقام الإمبراطور قسطنطين بجمع مجمعا في نيقية سنة 325 وتم فرض تأليه السيد المسيح. واستمرت الخلافات حول تحديد طبيعة السيد المسيح، وهل له طبيعة واحدة أم اثنين وربما ثلاثة، لا أذكر، فانعقد مجمع القسطنطينية سنة 381 ليفرض عقيدة الثالوث، وقام بتعديل عقيدة الإيمان ليثبت بها كل مسيحي في الدنيا أن الآب والابن والروح القدس متساوون في كل شيء تماما، أي ان الثلاثة واحد. وقد تأخذ منكم هذه الجزئية تحديدا بعض الوقت لشرحها للمسلمين، فهم إلى حد ما يجيدون الحساب، لكن لا تنسوا وتذكروا أن تأليه المسيح سنة 325، وفرض الثالوث سنة 381، وأن الثلاثة واحد.
ومن أهم النقاط التي يجب تناولها في شرح المسيحية للمسلمين، أن تتنبهوا لتوضيح ما قام به الأباطرة الرومان، فالدقة في سرد التواريخ والأحداث تضفي مصداقية تساعد على الإقناع. فقد كانت المسيحية تحارب في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وكانت كل بلد من بلدانها تتمسك بعقائدها. وكان المسيحيون الأوائل يتعرضون للاضطهاد حتى بدايات القرن الرابع وتسمى هذه الفترة “عصر الشهداء”. وعند تولي الإمبراطور قسطنطين الحكم سنة 312، أصدر في العام التالي مرسوما يسمح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم مع باقي العقائد السائدة. وعندما وصل تيودور إلى الحكم سنة 379 جعل الديانة المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية وأصدر المرسوم المعروف باسم “مرسوم تسالونيكي” يوم 28 فبراير سنة 380. كما أصدر به أوامره بإغلاق كافة المعابد ودور العبادة والكنائس غير المسيحية الكاثوليكية. وبدأت المسيحية مشوارها بهدم كافة المعابد والمكتبات وما لم تتمكن من هدمه طمست معالمه وغطته برسومات مسيحية، مثلما حدث في معبد أبو عودة في النوبة المصرية وغيره كثير..
بقيت نقطة، لا أعرف إن كان المسلمون سيتقبلونها، وهي موضوع الإفخارستيا، أو المناولة على ما أعتقد. وهي الإيمان بأن جسد المسيح ودمه يوجدا بالفعل في قطعة البسكوت وكأس النبيذ الذي يتعيّن على من يأكلهم أن يؤمن إيمانا قاطعا بأنه “يأكل لحم المسيح ويشرب دمه”.. فإن باغتكم أحد المسلمين بأنه يقرف أو لا يمكنه تصور أن يتحول إلى أحد آكلي البشر، لا تنزعجوا وافعلوا كما تفعل الكنيسة وخاصة الفاتيكان في إفريقيا، إذ أنهم يقبلون بتعدد الزوجات، وأمور أخرى كثيرة في سبيل تنصيرهم.. وهناك مخرج آخر، بما أن هذه الإفخارستيا يؤمن بها الكاثوليك والأرثوذكس، بينما يؤكد البروتستانت أنه مجرد وجود روحي أو معنوي، وفقا لمذهب لوثر، فالمخارج متعددة للخروج من هذا المأزق. وإن شئتم الحق، يمكنكم مراجعة نصوص المجامع وكل ما تتضمنه من معارك وقرارات حول هذه العقيدة التي لم تستقر ببساطة علها تساعدكم..
ولا أنصح بأن تحدثوا المسلمين في موضوع قيامة يسوع أو أنه قد قهر الموت، ففي واقع الأمر لن يقبل بها أي عاقل منهم، فهم يؤمنون بأن الموت علينا حق، وأن الحياة والموت وجهان لعملة واحدة. كما أنه لن يقبلها أي طبيب مسلم، فهو يعلم يقينا أن العقل البشري لا يمكن أن يعود إلى الحياة بعد موته تماما ولمدة ثلاثة أيام متتالية. وهي المدة التي تؤكدها الأناجيل. كما أن موضوع قيامة يسوع مكتوب هو أيضا بصيغ مختلفة في الأناجيل الأربعة المتواترة، ولا أقول شيئا عن المُحجبة أو الأبوكريفا. خاصة ذلك الإنجيل الذي يتحدث عن النسوة اللائي ذهبن إلى القبر صباحا ووجدنه خاليا، فارتعبن وخفن إلى درجة أنه لم يقلن لأي أحد أي شيء عما شاهدوه. ويمكنكم مراجعة ذلك خاصة في الطبعات القديمة للأناجيل، إذ أنها تتبدل تقريبا من طبعة إلى طبعة.
وإن كان لي كلمة أخيرة أضيفها، فأوجهها للمسلمين:
أمانة في رقبة كل مسلم ومسلمة، بعد قراءة هذه الرسالة مشاركتها لجميع أصدقائكم ومعارفكم، بكل ما لديكم من وسائل اتصال، علها تعاون إخواننا النصارى في المهمة الملقاة على عاتقهم !
زينب عبد العزيز
أول يوليو 2016
تعليق واحد
زينة الأفكار
زينة الأفكار
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين نهجوا نهجه بإحسان وكل من أحسن السير زي
على الدرب إلى يوم الدين .
تقبل الله قيام وصيام الصائمين القائمين الموحدين ، وأيام عيد سعيدة لأمة التوحيد وخير وسلام وأمن وأمان لكل إنسان .
تحية إلى الدكتورة زينب عبد العزيز على مثل هذه الإطلالة التي أشعت بنورها عقولنا وأرواحنا في أيام العيد الأولى
وفتحت لنا فتحا عظيما في عالم القراءة ، واقتراح الأستاذة بتعميم فوائد الرسالة يمكن أن يتم من خلال التواصل عبر مختلف المنابر المتصلة بمراكز البحث والدراسة ، ومنابر الفكر الحرة ، والجرائد ذات القبول الواسع ، والأفضل أن تترجم الرسالة إلى لغات أخرى مثل : الانجليزية ـ الألمانية ـ الفرنسية ـ التركية ـ الصينية ـ الفارسية ـ الروسية .