ونحن في ذكرى 24 سنة مضت منذ انقلاب 11 يناير1992 لعسكر فرنسا – وبمباركتها وتغطيتها، حتى لا نقول بوحيها وتدبيرها – على إرادة الشعب الجزائري وانتهاك سيادته وخرق الدستور والقانون العام، نريد فقط وقفة تذكيرية للضمائر، على الصعيدين الوطني والإنساني، لما ترتب عن ذلك الانقلاب الفاشي، من مآسي إنسانية واجتماعية، أدٌت إلى مقتل أكثر من 200,000 مواطن مات البعض تحت التعذيب، واختطاف 20.000، لا يزالون مفقودين إلى يومنا هذا، وسجن الآلاف من الأبرياء، وفتح المعتقلات في الصحراء، وتشريد قرابة المليون والنصف من سكان القرى…الخ…الخ.
لقد مضت أيضا، 10 سنوات على ما يسمى – افتراءً – ب “المصالحة الوطنية” المقدمة من طرف الوجه المدني للنظام، المتمثل في شخص الرئيس بوتفليقة، وتبين جليا، في حينها، أنها كانت مجرد أكذوبة ومناورة، أراد النظام من خلالها، تغطية جرائمه القمعية البشعة في حق الموطنين العزل؛ جرائم يرتقي بعضها إلى تصنيفها كجرائم حرب، خطط لها أو أمر بها أو ارتكبها أو شارك فيها، جنرالات الطغمة الانقلابية – من أمثال خالد نزار الذي يتابعه القضاء السويسري حاليا، وتوفيق مدين، ومحمد تواتي، وبشير طرطاق، وكمال عبدالرحمن، وجبار مهنا،…على سبيل المثال، لا الحصر، وهذا بغض الطرف عن الأموات منهم كالعربي بلخير ومحمد لعماري وسماعين عماري و، و،…الخ.
وفي المقابل، لقد لجأ النظام، من خلال قانونه للمصالحة الوطنية المزعومة، إلى تقويض تسوية ملفات كل معارضيه ذوي الاتجاهات الإسلامية و/أو الوطنية ولا سيما الموجودين قسريا في الغربة، بشروط مذلة للكرامة، مما جعل معظمهم يرفضون العودة إلى حضن الوطن، مهما كلفهم الأمر من حنين إلى بلدهم وزعزعة وصل الرحيم مع أسرهم وذويهم. ولأشد جريمة في هذا المضمار، هي المأساة الإنسانية التي يعيشها منذ ربع قرن، أحد الأبرار والأحرار من أبناء هذا الوطن، المجاهد وضابط جيش التحرير، عبدالحميد إبراهيمي الوزير الأول السابق الذي يناهز عمره 90 سنة وهو في المنفى قسريا في الغرب الشقيق.
بينما أضحت في جزائر اليوم، وعلى اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم العصبية، شراذيم المجرمين والعملاء واللصوص والنهابين، المستأسدين ب”أمهم” تصول وتجول… ويطل علينا البعض منهم من حين لآخر، وبكل وقاحة واستغباء للناس، عبر الوسائل الإعلامية أو الشبكات الاجتماعية، ليتجرع بقيه، وكأنما شيء لم يكن… وهكذا يأتي المجرم اللص أحمد أويحيا، الذي زج في السجون إبان التسعينات – ظلما وعدوانا في معظم الملفات – أكثر من 5.000 من إطارات السامية أو المتوسطة في الدولة متسببا في عشرات الانتحارات من بينهم، وتسبب في تشريد وتمزيق المئات من الأسر…، أقول، وهكذا يأتي هذا الشخص القذر الذي يشغل منصب مدير الدوان في الرئاسة، “ليبشر” الملأ بمشروع “دستور جديد”…، هم ماضون لتمريره على غرفتي ما يسمى ب “البرلمان”…في تغيـيـب كلي وسافر للشعب، وهو المعني الأول؛ “دستور” لا نعرف من صاغه ولا من أملأه…؛ دستور مشؤوم، يحمل في طياته من ألغام وقنابل موقوتة، ما سيؤدي بالوطن لا قدر الله، إلى مأساة جديدة قد تكون أدهى وأمر من أختها التي لا نزال نتخبط في تداعياتها…
وهنا أوجه – بمحظ صفتي كمواطن عادي – الدعوة إلى كل النواب والمستشارين الشرفاء، سواء أكانوا في صفوف أحزاب المعارضة، أم صفوف الأحزاب الحاكمة، أن يستوعبوا جيدا الظروف الخطيرة المحدقة بالوطن إن لم أقل المؤامرة الرهيبة التي تستهدف الوطن، من قبل أعداءه في الخارج، وعملائهم في الداخل.
أتوجه إليكم لأنذركم من لعبة النظام الخبيثة. ومن وراء النظام، اللوبيات اليهودية الصهيونية، وأخرى للأقدام السودة يحركها الحنين الاستعماري، بل حتى شراذيم المال القذر من أبناء جلدتنا الذين استولوا بتواطؤ مع العصابات الحاكمة الفاسدة – العسكرية منها والمدنية – على الملايير من الدلارات وأصبحوا لا يعرفون وطنا ولا انتماءً غير المال الذي أصبح القاسم الديني والأخلاقي المشترك والمعتمد لدى أرباب العهد الجديد، عهد العولمة اليسوعية الزاحفة على الأديان، والثقافات، واللغات، والخصوصيات الوطنية التي كرسها التاريخ والجغرافية، وسيادات الشعوب والأوطان…
لقد أصبحتم بفعل الظروف السياسية الراهنة، آخر قلعة قانونية وسلمية، لإسقاط المؤامرة المبيتة ضد الوطن، بمجرد انسحابكم الكثيف من البرلمان ورفضكم – باسم الضمير والشرف و الروح الوطنية – أن تكونوا جسرا يدوسه بقدميه، نظام مارق منهار، قادم على الزوال. ولديكم مبررين دامغين، أولهما قانوني-دستوري، يكمن في عدم تقديم المشروع الدستوري من قبل الرئيس بنفسه، لا من خلال دوان مشكوك في أمره…، وثانيهما أخلاقي، يعود إلى إقصاء الشعب الجزائري وتغييبه كليا من هذه العملية المشبوهة.
اللهم فاشهد إني قد بلغت.
عبد القادر الذهبي
11 جانفي 2016