إنّ مالك بن نبي الذي شاركتَ في ملتقى خُصّص له، يا وزير الشؤون الدينية والأوقاف، لو كان حاضرًا وسمع ما تقول لباشر في تأليف رسالة أخرى عن سقوط رجال الدين في أوحال البوليتيك.
نتساءل من الذي أفتى لك بأنّ المسجد مكان عبادة وتكوين وعلم وليس مكانًا للعمل الخيري، فمنذ أسّس الرسول الأكرم (ص) أوّل مسجد في الإسلام لم يقل أحد بهذا القول الشاذّ؟ أهي فتوى أهل العلم الأحرار، أم هي قرار رؤسائك وآمريك من مغتصبي سلطة الشعب الذين يسعَون إلى التحكّم في كل صغيرة وكبيرة في حياة المواطن، أم هي نابعة عن التصوّر الفاسد للطرقية السلبية المُبعِدة للفرد عن هموم مجتمعه، وارثة سلفها من ركائز السياسة الاستعمارية في الجزائر؟
لِتعلم أنّ العمل الخيري واجب شرعيّ، منبثق من الرحمة، مبنيّ على الصدق والتجرّد، ملازم للإيمان والتقوى، مرتبط بالعبادة، وأنّ جزاءه عظيم في الدنيا والآخرة، وإن كان العمل الخيري في الإسلام ديني المنطلق، فهو ناسوتي المرمى لأنه لا يميّز بين ذوي الحاجات من الخَلق على أساس الدين. وإنّ الله عزّ وجلّ يربط قبول الصلاة بعمل الخير كما جاء في الحديث القدسي الشريف: “إنما أتقبّل الصلاة ممّن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل بها على خلقي، ولم يبت مصرًّا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب”، كما قال رسول الله (ص): “لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجة، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين”.
ولتعلم أنّ أبواب الخير كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى تشمل الدعوة إلى الله، وإعانة الضعيف ومساعدة المحتاج وإغاثة المنكوب، ونصرة المظلوم، وإصلاح ذات البين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق بالحيوان، والعناية بمخلوقات الله الأخرى، وهي مجالات متكاملة تصبّ كلّها في إطار ما يُسمّى اليوم بالأمن البشري.
ولتعلم أنّ المسجد وإن لم يكن بمثابة جمعية خيرية متخصّصة بكلّ ما تتطلّبه هذه الأخيرة من خبرة فنية وإدارية وحقوقية وميدانية، فإنّه كان دومًا، ولا بدّ أن يبقى، القلب النابض للمجتمع المسلم الذي يتمّ فيه تشخيص حال الأمة وتُعرَضُ فيه مشاكلها وتُناقش، وتُطرح فيه المقترحات لحلّها وتُتخذ فيه المبادرات الخيّرة. إنه مركز العمل الخيري بجدارة. فلا خير في مسجد لا ينفتح للمجتمع بكل أطيافه من متديّنين وغير متديّنين، بل من مسلمين وغير مسلمين، ولا يهتمّ بقضاياهم ولا يفيدهم في قضاء حوائجهم. ولا خير في مسجد لا يبدي أهمية للعمل الإنساني، ولترقية حقوق الإنسان، ولحلّ الخلاف بين الأفراد والجماعات، وللممارسة المواطنية، ولحماية الحيوان، وللحفاظ على البيئة.
إنّ قانونك يا وزير الشؤون الدينية والأوقاف وجه جديد قديم من أوجه الاستبداد والتسلّط على رقاب العباد وهو عارٍ عن الشرعية على أكثر من وجه. إنه عارٍ عن الشرعية لأنه صدر عن نظام فاقد أصلًا للشرعية ببرلمانه وحكومته، وما بُني على باطل فهو باطل. وهو عارٍ عن الشرعية لأنه يتعارض مع الأعراف والقوانين الوطنية والدولية الأساسية التي تضمن للمواطنين حرية تشكيل الجمعيات، فهو ينوي تحويل جمعيات مستقلة عن السلطة إلى لجان تحت السيطرة الإدارية والتحكّم المالي والمراقبة والتوجيه من طرف وزارتكم التي لا مبرّر لوجودها أصلًا في مجتمع مسلم، والتي في حد ذاتها ليست إلا شذوذًا مؤسساتيًا ورثتموه عن الاستعمار، ونسخة رديئة من “مكتب شؤون الأنديجان” الذي وضعته سلطات الاحتلال من أجل تحكّم العسكر في الدين وترويضه واستغلاله لأهداف سلطوية، وضرب مؤسسة الأوقاف واحتكار العمل الخيري، بغية إضعاف المجتمع وتكريس تبعيته للنظام الحاكم.
وبناء عليه فإنّ مصير قانونك هو نفس مآل القوانين التي أصدرتها السلطة الاستعمارية في عهد الاحتلال: مزبلة التاريخ، وبئس المصير.
عباس عروة
13 ديسمبر 2011
5 تعليقات
RE: كيف تُبعِدون العمل الخيري عن المسجد وهو مركزه!؟
Il me semble que la poubelle de l’histoire commence à etre drolement “trop pleine”. Il va falloir inventer des incinerateurs nucleaires pour ces types qui ne peuvent meme pas esperer loger dans les poubelles de l’histoire …
مكان عبادة وتكوين وعلم وليس للعمل الخيري
Ce bonhomme n’est pas à sa première sortie « à contre courant » pour ne pas dire autre chose.
Il doit savoir que le Masjid est lui-même une œuvre de bienfaisance. Tout comme les Zaouyas
lorsqu’elles étaient dans le droit chemin.
Les bonnes œuvres, les bonnes actions se font dans le Masjid.
C pas vrai, Comment ne peut-il pas savoir cela ?
Il parle d’enseignement, d’éducation, alors que seule la prière est autorisée, et sous surveillance.
Qu’espère –t-il d’aujourd’hui et de demain ?
Qu’Allah nous protège !
عمل الخير
عمل الخير :
نظرتنا إلى المسجد نابعة من قصورنا في نظرنا بسبب استغراقنا في النظر إلى صورتنا التي تشكلت يوما بعد يوم في واقع مثقل بتراكمات أزمة فكر الأزمة التي حبست أنفاسنا وعقولنا وبصائرنا ، فلم نعد نرى سوى تلك الصورة المشوهة التي ورثناها جيلا بعد جيل ، إذا كان ولا بد أن نعمل خيرا فلنقرأ قول الله سبحانه وتعالى في حاضرنا وحضورنا وتواضعنا وقبولنا وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قائم بيننا ، فلا نرى لغيره حضورا ، لنقرا بين يديه قوله سبحانه وتعالى : ” وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ” الآية 18 من سورة الجن ، سوف لن نتأخر بعدها في الاجتهاد في اختيار خيرة أبنائنا من المتفوقين والمجتهدين والممتازين والمؤهلين والقادرين والمتواضعين والمقبولين للظفر بأعلى درجات التعلم والتعليم والتكوين في أفضل وأقوى وأحسن معاهدنا المتخصصة ، كي يكونوا النخبة التي يمكنها الإشراف على مساجدنا ، وخصوصا المساجد الجامعة منها ، عندها فقط نتعلم ونعلم أن عمل الخير يستغرق حياتنا في عباداتنا ومعاملاتنا ووسطيتنا وشهادتنا في الدنيا قبل الوقوف بين يدي الله سبحانه .
تسيير المساجد ام تعظيمها ؟
تسيير المساجد أم تعظيمها ؟
نظرتنا إلى المسجد نابعة من قصورنا في نظرنا بسبب استغراقنا في النظر إلى صورتنا التي تشكلت يوما بعد يوم في واقع مثقل بتراكمات أزمة فكر الأزمة التي حبست أنفاسنا وعقولنا وبصائرنا ، فلم نعد نرى سوى تلك الصورة المشوهة التي ورثناها جيلا بعد جيل ، إذا كان ولا بد أن نعظم بيوت الله في أرضه فلنقرأ قول الله سبحانه وتعالى في حاضرنا وحضورنا وتواضعنا وقبولنا وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قائم بيننا ، فلا نرى لغيره حضورا ، لنقرأ بين يديه صلى الله عليه وسلم قول الله سبحانه وتعالى : ” وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ” الآية 18 من سورة الجن ، حينها وحينها فقط سوف لن نتأخر بعدها في الاجتهاد في اختيار خيرة أبنائنا من المتفوقين والمجتهدين والممتازين والمؤهلين والقادرين والمتواضعين والمقبولين للظفر بأعلى درجات التعلم والتعليم والتكوين في أفضل وأقوى وأحسن معاهدنا المتخصصة ، كي يكونوا النخبة التي يمكنها الإشراف على مساجدنا ، وخصوصا المساجد الجامعة منها ، عندها فقط نتعلم ونعلم أن عمل الخير يستغرق حياتنا في عباداتنا ومعاملاتنا ووسطيتنا وشهادتنا في الدنيا قبل الوقوف بين يدي الله سبحانه ، وحينها لن يختلط على أحد من القائمين على شؤون الناس موضوع مساجدنا ومدارسنا ومزارعنا ومعاملنا وبيوتنا وشوارعنا و قرانا ومدننا وجامعاتنا ، وكل محيطنا الحيوي في نظرتنا إلى حاضرنا ونظرتنا في مستقبلنا .
عمل الخير
عمل الخير
عمل الخير من صميم اهتمامات المسجد ، فإذا كانت بيوتنا الخاصة هي بيوت يسكنها الخير ، أو ينبغي أن يسكنها كأساس للسكينة والأمن والراحة والطمأنينة والإحسان ، فإن بيوت الله أعظم سكينة ، وأعظم أمنا ، وأعظم راحة ، وطمأنينة وإحسان ، وعمل الخير يستهدف كل هذه المعاني العظيمة ويشملها ، لأنها كلها مشمولة برحمة الله الرحمان الرحيم ، وهي ـ دون ريب ـ من متطلبات الإيمان والتقوى ، ومن جواهر العبادات وثمارها ، في الدنيا والآخرة ، تشمل الناس في إنسانيتهم التي هي رأس مالهم ، فهي من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه في دنيا ، لو ساوت عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، لأن الكفر هو جحود والجحود يمكن أن يحرم الجاحد طعم الحياة ، أو ليس الماء هو الحياة ، فما أعظم الحياة ، وما أعظم ماءها ، وما أعظم بيوت الله في أرضه ، وما أبغض الجحود في أرضه ، وما أبغض من يبغض عباد الله في بيوته . وإذا كان لا بد أن نبحث في القانون عن اهتمام فليكن في صميم تعظيم شأن الأوقاف ، فأين هي الأوقاف وأين هي الأعمال الوقفية من اهتماماتنا القانونية ؟ وإذا كان لا بد من اهتمام ببيوت الله فليكن من صميم الاهتمام بالمساجد ، وخصوصا المساجد الجامعة ، التي تجمع الكلمة ولا تفرقها ، تجمع القلوب من وحشتها ، والعقول من خلوتها ، المسجد الجامع يحتاج إلى وزير جامع ، وقبل ذلك إلى إمام جامع في خلوته وفي وحشته وفي كلمته ، إن المسجد الجامع يحتاج منا ، أمة التوحيد ، وأولياء أمور أمة التوحيد ، أن نجتهد في اختيار خيرة أبنائنا من المتفوقين والمجتهدين والممتازين والمؤهلين والقادرين والمتواضعين والمقبولين للظفر بأعلى درجات التعلم والتعليم والتكوين في أفضل وأقوى وأحسن معاهدنا المتخصصة نخبة يمكنها الإشراف على مساجدنا ، وخصوصا الجامعة منها ،عندها فقط نتعلم ونعلم ونعلم أن عمل الخير يستغرق حياتنا كلها ، في سكوننا وفي حركتنا ، في عباداتنا وفي معاملاتنا ، في وسطيتنا وفي شهادتنا في الدنيا قبل الوقوف بين يدي الله سبحانه ، عندها نحيا في صلاتنا وبصلاتنا ، في زكاتنا وبزكاتنا ، في حجنا وبحجنا ، في أوقافنا وبأوقافنا ، في قوانيننا وبقوانيننا ، وحينها فقط لن يختلط على أحد من القائمين على الشأن العام مجتمعا ودولة ، موضوع مساجدنا ومدارسنا ومزارعنا ومعاملنا وبيوتنا وشوارعنا وقرانا ومدننا وجامعاتنا ، وكل محيطنا الحيوي في نظرتنا إلى حاضرنا ونظرتنا إلى مستقبلنا ، وحينها فقط يمكننا تقييم فقرنا وغنانا ، لأنه إذا كان ولا بد من كلمة في عالم الفقر والغنى ، فالله هو الغني ونحن عباده الفقراء ، إن الغنى هو غنى النفس ، والفقر هو فقرها ، وإذا كان لا بد من كلام في جواهر الفقر والغنى ، فلنقارب صورة بيت من بيوتنا في شارع من شوارعنا ، قي مدينة من مدننا ، أو حتي في ريف من أريافنا ، بصورة بيت عند جيراننا ، فنسأل عن حضور الإنسان نظاما وتنظيما ، وعيا وحضورا ، شعورا وتقديرا ، أثرا وتأثيرا ، عندها ندرك معنى الفقر ومعنى الغنى ، بعيدا عن كل نكران وعن كل جحود ، فنحن أغنياء بجزائريتنا في تواضعنا ووحدتنا واعتزازنا بهويتنا وتاريخنا وحسن معاملتنا وصبرنا وإيثارنا واحترام العدو بسبب مواقفنا ، فنحن فعلا أغنياء ، أفقرنا الجحود وسوء الظن والجزع والمنع والكبرياء .