انطلاقا من هذا نحاول في هذا المقال تقديم تشريح واقعي للحياة الجامعية مركزين على حالة المتهم الوحيد في كل هذا ألا وهو الأستاذ الجامعي ونعتذر لاستعمالنا بعض الألفاظ… ولكن المقام أوجبها.
1. واقع الجامعة الجزائرية اليوم
تعيش الجامعة الجزائرية اليوم واقعا مزريا ولكنه ليس استثنائيا لأنه انعكاس للوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الثقافية والأخلاقية، أي أنّ الحالة عامة وإذا عمت خفت كما يقول المثل كما أنّ حالة الانهيار ترتبط بالصيرورة التاريخية والسوسيولوجية للدولة والمجتمع ككل أي أنّ ما نعيشه اليوم هو نتيجة لمسار زمني وتفاعل اجتماعي لمجموعة من الظواهر المرتبطة ارتباطا ميكانيكيا وليس عضويا كما يحاول البعض التعبير عنه لأنّ الجزائر هي دولة في إطار التشكل ولم تصل بعد إلى مفهوم الدولة المؤسساتية.
إلا أنّ التركيز على الجامعة يجعلنا نشك في النوايا وإن كنا لسنا من مؤيدي نظرية المؤامرة وعليه سنحاول ذكر بعض النقاط عن حال الجامعة اليوم:
أولى المشاكل التي تعاني منها الجامعة اليوم هو مسألة العدد الهائل للطلبة (les effectifs) خاصة في مجال العلوم الإنسانية التي قال عنها رئيس الجمهورية بأنها علوم من غير مستقبل. هنا نتساءل لماذا كل هذا الكم الهائل من الطلبة حيث يقدر عدد الطلبة في المحاضرات بـ 300 طالب للمجموعة والتطبيقات بـ 40 طالب للفوج هذا الأمر يؤثر على مردودية الأستاذ الذي أصبح يقدم محاضراته بشكل روتيني عوض الإبداع أي أنّ إنتاجه العلمي أصبح مهددا بفعل سيطرة الكم على الكيف وأذكر أنه في سنة 1998 أخبرني أحد الأساتذة أنّ الطاقة الاستيعابية للمعهد (عوضت اليوم بالأقسام) 150 طالب في حين أنّ التوجيه أرسل 300 طالب، أما اليوم فإنّ هذا العدد أصبح عاديا مقارنة بالأقسام التي تستقطب سنويا أكثر من 1000 طالب (الحقوق خاصة).
المشكل الثاني هو إشكالية التأطير حيث أنه لا يخفى على أحد أنّ التأطير الجامعي يبقى يعاني من توفر الكفاءات الكمية والنوعية الأمر الذي أدى إلى الاستعانة بالأساتذة المؤقتين الذين يحملون شهادات الليسانس مما أخلّ بالمنظومة الجامعية التي تتطلب توافر كفاءات عليا وهذا ليس انتقاصا لأصحاب شهادات الليسانس وإنما التمثل الاجتماعي أدى إلى الإنقاص من قيمة الشهادات الممنوحة حيث يشاع اجتماعيا أنّ شهادة الليسانس حاليا هي بمستوى CEP خلال الستينات والسبعينات ونحن بدورنا نتساءل عن سبب فتح الجامعات وتوفير الإمكانيات بل ما الهدف من تعليم أبنائنا إذا كان التمثل الاجتماعي للشهادة بهذا الانحطاط كما أننا نتساءل لماذا يتسابق المسؤولون لتحصيل الشهادات الجامعية إذا كانت لا قيمة لها كما أننا نتساءل عن ضرورة إعداد قانون كامل (قانون الوظيف العمومي) قائم على الشهادات العليا. ولذلك فإنه إذا أردنا أن نحصل على تعليم نوعي فيجب توفير الإطار الكفء والحامل للشهادات العليا المتخصصة حتى لا يجرأ البعض الذين يتميزون بالخصي العلمي والمعرفي ولهم عقد نفسية متجذرة ويغلب عليهم طابع الحيلة وتشويه الحقائق ولا يرون الخير إلا في أنفسهم على تشويه صورة الجامعة.
هناك إشكال آخر يتعلق بالتسيير البيروقراطي للإمكانيات المادية والوسائل التكنولوجية فالمكتبة تفتح على الثامنة وتغلق على الرابعة وقاعات الانترنت كذلك مع الانقطاع المستمر، ووسائل إلقاء المحاضرات تستهلك من الإجراءات أكثر ما تستهلكه تأشيرة لكندا. أضف إلى ذلك تسيير شؤون الطلبة والمستخدمين لأنّ الإعلان عن افتتاح السنة الجامعية لا يكون إلا فلكلوريا في حين أنّ هناك من الطلبة من يلتحق بالدراسة بعد 3 أشهر.
في مقابل هذا هناك بعض التحسن في النواحي القاعدية ونقول أنها غير كافية لأنّ وزارة التربية تعمل على رفع نسبة النجاح في البكالوريا مما جعل بعض المحللين يقول أنّ تلك النتائج سياسية أكثر منها مقدرات علمية.
2. الأستاذ الجامعي الحلقة الأضعف
ونعود الآن إلى موضوعنا وسبب الهجمة الرعناء على الأستاذ الجامعي حيث نجمل الموضوع في النقاط التالية:
– من ناحية التوظيف: نود أن نؤكد هنا أنّ عملية توظيف الأساتذة يتم بطريقة إدارية محضة وليس بطريقة علمية أو اختبارية حيث ينقط الملف الإداري على 18 نقطة من 20 واللقاء مع لجنة الاختيار على 2 من 20. إذن فعملية اختيار الأساتذة لا ترتبط بالنواحي العلمية والكفاءات التكوينية إنما هي عملية إدارية روتينية فلماذا نلوم الأساتذة ونحملهم مسؤولية ولوج أشخاص ليس لهم علاقة بالتعليم إلى الجامعة وننعتهم بالمحسوبية والرشوة في التوظيف، الحق أنّ الإدارة هي المسؤولة والإدارة تمثل الدولة وليس الأساتذة وعليه فالدولة هي المسؤولة عما ينتج عن التوظيف غير المسؤول.
– من ناحية التأطير والتكوين: يتهم الأستاذ أيضا بقلة تحصيله العلمي من جهة وعدم كفاءته في تأدية مهامه من جهة أخرى وكذلك قله أو انعدام إنتاجيته ولم يتم التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء ذلك. نقولها بصراحة ومن دون مواربة، إنّ الأستاذ الجامعي وصل على هذه المرحلة لأنه مكلف بهمة واحدة وهي الوظيفة التي أوكلت له والمتمثلة في تسيير وضعية معينة والمساهمة في تحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي وقد ذكرنا في مقال سابق أنّ الجامعة عبارة عن حصانة للكبار والمتكفل بدور الحاضنة هنا هو الأستاذ الجامعي وبالتالي فالقائمين على شؤون التعليم بصفة عامة لا يهمهم التكوين أو التحصيل المعرفي بقدر اهتمامهم بضمان السلم ولاستقرار الاجتماعي. ورغم هذا فإننا لا ننكر المجهودات التي يبذلها البعض وعلى مسؤوليتهم لتحسين المستوى والتكفل بالإنتاج العلمي إلا أنها تبقى مجهودات فردية مرتبطة بقناعات شخصية وليست جماعية أو مؤسساتية. نقطة أخرى نشير إليها لماذا يحتقر الأستاذ الجزائري في بلده وبين أهله ثم لما يهاجر مكرها نحاول تأميمه والتحدث باسمه ونعته بالجزائري في حين أنه في بلده ينعت بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان ألسنا نحيا في مجتمع لا يعترف بكفاءاته إلا يحن هروبها من بلدها؟
– من ناحية التسيير الإداري: في حقيقة الأمر الأستاذ الجامعي ليس مستقلا كما يبدو للبعض فهو في الأصل موظف يخضع لقانون هدفه التسيير الرشيد للمرافق العمومية وبالتالي فهو عند الضرورة تنزع عنه صفة الأستاذ ويخضع لصفة الموظف وهذه هي النقطة التي يضغط بها على الأستاذ الأمر الذي يستوجب عليه مراعاة الإدارة والإجراءات الإدارية حرفيا مما يخرجه عن أصل وظيفته. وتبرز هذه الإشكالية خاصة عندما يعيّن الأستاذ في منصب إداري حيث يتقمص هذا الدور – دور الإداري البيروقراطي – مما يجعله تحت ضغوط نفسية مهنية تجعله يتحول عن مسيرته فعوض أن يكون ميسرا يصبح معسرا لأنّ الإدارة تستلزم تطبيق إجراءات معينه واجبة الإتباع الأمر الذي أدى إلى بقرطة الجامعة وجعلها مؤسسة إدارية عوض أن تكون مؤسسة علمية.
– الجوانب الحياتية: وهي إشكالية الإشكاليات لم يتساءل الناقمون على الأستاذ الجامعي عن ظروفه الحياتية العامة ولا عن أسباب وصوله إلى أدنى السلم الاجتماعي حتى أصبح يضرب به المثل في البخل والتقشف وينعت بالجيب الخالي والرأس الغالي. فالأستاذ الجامعي لا يستطيع اقتناء جريدة بشكل يومي فما بالك بالكتب ولولا المكتبة الجامعية والانترنت والهوائيات المقعرة لما استطاع أن يتابع المستجدات ولا أن يعرف ما يدور حوله. قس على ذلك السكن، فالأستاذ الجامعي خاصة من الجيل الجديد يسكن في الأحياء الجامعية مع الطلبة وفي بيوت الشباب والفنادق الرخيصة. كما أنه يقطع مسافات طويلة لمكان عمله في وسائل نقل أقل ما يقال عنها أنها متعبة ناهيك عما سيلاقيه من أمراض بسببها مع تقدم السن ثم يأتي أحدهم ويقول أنّ مظهره لا يدل على مكانته فأيّ مكانة له وأيّ مظهر تريدون أن يتميز به. وحين يريد المطالبة بحقوقه على الأقل المادية (الأجر) يُتهم بمحاولة تحطيم الطلبة واللعب بمستقبلهم (أنظر الردود الواردة علة موقع الشروق اليومي أثناء تطرقها للإضراب المتوقع للأساتذة بداية من 30 ماي) ناهيك عن اتهامه بعدم الوطنية وبعدم الاستحقاق لكل ما يطالب به لأنه ليس بأهل لذلك.
– الجوانب الأخلاقية المهنية: أكبر الإشكالات هي اتهام الأستاذ في أخلاقه وبأنه أكبر متحرش وبأنه يتلاعب بالنقاط ويتاجر بأعراض الناس. نحن لا ننفي هذه الوقائع لكننا نتساءل هنا كم عدد هؤلاء؟ ما نسبتهم إلى كل الأسرة الجامعية؟ لماذا لا نتحدث عن الباقين الشرفاء. هل الأمر مقتصر على الجامعة أم أنّ الوضع هو عبارة عن شبكة اجتماعية عامة. هل الأستاذ هو من يقف أمام الأحياء الجامعية في الليالي الحالكة؟ هل هو من يتتبع القصر؟ هل هو من يتاجر بالأعراض ويبتز الأسر؟ لماذا لا تتحدثون عن المسؤولين؟ عن النواب و القضاة والكوادر الأمنية والمقاولين والسياسيين الخبثاء؟ جانب آخر فبحسب التفسير القانوني فإنّ مسألة التحرش تتعلق بالسلطة الممارسة فأيّ سلطة يمتلكها الأستاذ إنه لا يمتلك حتى سلطة معرفية يمكنه الضغط بها وبالتالي فمسألة التحرش الجنسي بالطالبات مسألة مشكوك بها وهي أفعال فردية ناتجة عن مرض في القلب وضعف في النفس وفي رأيي أنّ العكس هو الصحيح أو الواقع لأنّ جامعاتنا اليوم عبارة عن دور لعرض الأزياء وهي لا تتعلق بنواحي الحريات الفردية بقدر ارتباطها بالاستلاب والتقليد الذي يعانيه المجتمع والمشجع من قبل أطراف فاعلة في الحكم وما المسلسلات التركية عنا ببعيد. ناهيك عن هذا أليست الجزائر جمهورية وبالتالي فالحرية الفردية مضمونة ومكفولة وبالتالي فمثل هذه الأفعال تتعلق بسلطان الإرادة وليس لها دخل بالمنصب أو غيره فلماذا هذا التحامل على الأستاذ وإن كنت من الغاضبين على هذا السلوك والمنتصرين لحفظ الدين والعرض؟
ورغم وجود بعض القضايا الأخرى الواجبة الإثارة إلا أننا نقتصر على ما سبق ذكره. ونحاول في الأخير تقدير سبب هذه الهجمة وفي رأينا أنها تتعلق بالقانون الأساسي للأستاذ. فالقائمون عليها يحضّرون الرأي العام لاستقبال هذا المولود الأعرج الذي بحسب رأينا هو غير قادر على ضمان مكانة هامة للأستاذ في المجتمع أي بالصريح المختصر أنّ الأستاذ الجامعي لا يستحق ما يطالب به وبالتالي فإننا سنجود عليه ببعض الفتات لإعلام الفئات الاجتماعية الأخرى أننا قمنا بواجبنا تجاهه فليقم هو بواجبه تجاه أبناء وطنه. أي أنّ الأمر ما زال في مرحلة الشد بين النقابات الممثلة للأساتذة والحكومة وكل يضغط بطريقته وإن كانت وسائل الحكومة أنجع وأقدر على تحقيق وفرض رؤيتها. وفي الأخير نود أن نقول لمن يشوه في سمعة الأستاذ الجامعي اتق الله في نفسك وفي إخوانك ولا تكن معول هدم أو سبب فتنة فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
نعيم بن محمد
25 ماي 2009
3 تعليقات
تعليق بالتأييد
مشكور على هذا المقال الواقعي و الدقيق و الذي يدل على انك الاستاذ الغيور على مهنته و وطنه
فليكن كل الاأساتذة مثلك
و ليصل هذا المقال الى الحكومة
حقا النتائج لها اسباب موضوعية فلنعالج الأسباب أولا
ومع هذا كله
[rtl]شكرا عى المقال [/rtl]
[rtl]ولكن مع كل هذا لا يجب أن نتملص من مسؤولياتنا على الأقل الأخلاقية والإنسانية منها [/rtl]
[rtl]فنحن أدرى من غيرنا بحجم التبعات التي علينا تحملها كأساتذة جامعيين [/rtl]
[rtl]”وكما يُقال “الغُنم بالغُرم[/rtl]
[rtl]والأجر على قدر المشقة [/rtl]
شكر وتقدير لصاحب المقال
بحق أنا أشكرك جميع الشكر على كتابة هذا المقال القيم، فأنا
أستاذة جامعية وأوافقك في كل كلمة قلتها لأن حجم القيود على الأستاذ كثير والأكبر من هذا تحايل وقلةأدب الطلبة مع الأساتذة والذين يلقون تشجيعا من طرف الإدارة، بل حتى أن بعض الأساتذة يفرحون بأي مشكل يلاقي زميلهم وبدلا من أن يتضامنوا للدفاع عن حقوقهم ويتآزروافهم يضحون به ويستحقرونه ويقفون مع الطلبة أصحاب المكائد ضد الأستاذ أو الحاقدين عليه بسبب النقطة