لا أبالغ إذا قلت أن الثورات العربية ضد الاستبداد كان له اثر نفسي كبير أدى إلى بعث روح الأمل لدى المواطن العربي في العيش داخل مجتمعات مدنية قائمة على أساس الحرية والعدالة والمساواة كالتي أتت بها الثورة الفرنسية وإعادة بناء الإنسان العربي وجعله قادرا على مواجهة تحديات العصر.
إن من البديهيات التي اقرها علم الاجتماع السياسي أن لكل ثورة أعداء يتربصون لها. فالأنبياء عليهم السلام عندما ثاروا على النظم الاجتماعية البالية لقوا معارضة شديدة من أوساط نافدة ليس لها مصلحة في التغيير. ومن هذا المنطلق لا نستغرب حدوث كل هذه الاضطرابات في الدول العربية ما بعد الثورة مادام أن بقايا الأنظمة الفاسدة تستغل التناقضات الإيديولوجية والسياسية والمذهبية بين مكونات المجتمع للرجوع بعجلة الزمن إلى الوراء أو الحفاظ على الوضع القائم وتغيير بعض الأمور التي لا قيمة لها.
أعتقد أن لب المشكل يتمثل في الصراع الأيديولوجي بين التيارين الإسلامي والعلماني على كيفية ممارسة السلطة وبما أن للاتجاه الأول قاعدة شعبية كبيرة لا يمتلكها التيار الثاني على اعتبار أن المشاعر الدينية للجماهير تؤثر في تحديد اتجاهاتهم السياسية فان العلمانيون يلجئون إلى أساليب غير ديمقراطية لإقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي بتحالفهم مع الغرب الامبريالي المعادي للإسلام أو تحريض المؤسسة العسكرية التي لا تؤمن بالديمقراطية للقيام بانقلابات عسكرية وإعادة إفراز مشهد سياسي مدجن.. إن ما عاشته الجزائر بعد إلغاء الجيش المسار الانتخابي من عنف همجي عقدين من الزمن نجد أسبابه متوفرة الآن في الوضع المصري لذلك نناشد عقلاء أصحاب الحق في مصر ألا يسقطوا في هذا الفخ أما تونس التي قدمت نموذجا ثوريا رائعا وصدرته إلى باقي الدول العربية دون إرادتها تخشى الآن من استيراد ثورة مضادة انقلابية تهدد أمنها الداخلي.
إن من اغرب المواقف العربية على الإطلاق هو لدول الخليج وعلى رأسها السعودية التي آوت الفار بن علي ثم أرسلت قواتها إلى البحرين لقمع محاولة تمرد الطائفة الشيعية على نظام الحكم السني ودعمت المعارضة المسلحة في سوريا بهدف التخلص من نظام آل الأسد وفي المقابل ساندت الانقلاب العسكري في مصر بدافع عداوتها لحركة الإخوان المسلمين. فهذا التناقض الغير مبرر أخلاقيا يمكن فهمه إذا نظرنا إليه من الزاوية المصلحية الضيقة والدور المشبوه التي تقوم به السعودية في المنطقة لإعادة صياغة وضع جيوسياسي جديد لا يسمح فيه لأي نظام قائم بمعاداة الكيان الصهيوني ويكون مواليا للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لآل سعود
مما لا شك فيه أن قابلية الاستعمار التي تحدث عنها المفكر الجزائري مالك بن نبي كتعبير عن حالة نفسية اجتماعية مرضية تعاني منها الشعوب لتكون فريسة سهلة للمستعر قد تحولت إلى قابلية الاستبداد والاستعباد، والدليل على ذلك ما رأيناه من جماهير غفيرة مطالبة العسكر بالانقلاب على الشرعية في مصر ودعوة بعض المثقفين العرب بمواجهة المد الثوري تحت ذريعة المؤامرة الصهيوأمريكية على دول المنطقة. أما بالنسبة لرجال الدين فشعارهم هو حاكم غشوم خير من فتنة تدوم لتبرير الاستبداد السياسي. وبين هذا وذاك فإن لدعاة الحرية نضال يبدو انه طويل الأمد.
كمال سوامس
خريج معهد العلوم السياسية الجزائر
26 أوت 2013
6 تعليقات
تعقيب
لا أوافقك الرأي في قولك أن الاسلاميين يستندون لقاعدة شعبية عريضة ، وهذا يبدو صحيحا في المجتمعات التي سمعت شعاراتهم ولم تجرب حكمهم ، لكن سرعان ما تهجرهم تلك القواعد بعد أن تكتوي بنارهم .
ما تؤاخذ به يا سيدي الفاضل، العلمانيين والعسكر من تبعية للمشروع الغربي وموالاة الصهيونية هو نفس ديدن الحكومات الاسلامية ، شاهد ذلك في المعرب ،في تونس ، في مصر مرسي وغيرهم
الاسلاميين لم نعرف منهم الا نوعين من الحكم ، اما تخلف مدقع أو انبطاح للمشروع الغربي
ثانيا لا أدري لماذا عندما تتحدث عن البحرين تلجأ للتصنيف الطائفي وكان عليك أن تقول ان شئت ثورة الأغلبية الشيعية على حكم الأقلية السنية
شكرا لك
بلا
متى حكم الإسلاميون كي تجربهم؟ كلما أُتيح للشعب ليختار بحرية اختارهم وسرعان ما لجأتم للعسكر لإلغاء الشعب واختياره ثم شرعتم في اجتثاث من اختارهم وعاقبتم من أخطء الاختيار (حسبكم).
والدليل على أن الإسلاميين لهم قاعدة عريضة بل أنصارهم أغلبية شعوبنا هو أنكم لا تلجؤون (بمحض إرادتكم) للانتخابات الحرة مرة أخرى؛ تعلمون يقينا أنكم ستُهزمون ومن سوف يفوز… فهنيئا لكم بالاستبداد وحذاء العسكر والانتخابات المزورة للأبد.
RE: بلا
[quote name=”Kaddour”]متى حكم الإسلاميون كي تجربهم؟ كلما أُتيح للشعب ليختار بحرية اختارهم وسرعان ما لجأتم للعسكر لإلغاء الشعب واختياره ثم شرعتم في اجتثاث من اختارهم وعاقبتم من أخطء الاختيار (حسبكم).
والدليل على أن الإسلاميين لهم قاعدة عريضة بل أنصارهم أغلبية شعوبنا هو أنكم لا تلجؤون (بمحض إرادتكم) للانتخابات الحرة مرة أخرى؛ تعلمون يقينا أنكم ستُهزمون ومن سوف يفوز… فهنيئا لكم بالاستبداد وحذاء العسكر والانتخابات المزورة للأبد.[/quote]
إن كنت لا تعلم أن الاسلاميين قد حكموا فهذا مشكل حقا ، رغم أن الشواهد كثيرة
حكموا في تونس وبناءا على مقولة السيد كمال سوامس أعلاه ، فندت كلامه وبينت أنهم كذلك عملاء للغرب كمن سبقهم وهاهو الغنوشي من وراء الستار يعقد الاتفاقيات مع البنتاغون لبناء قاعدة عسكرية باقليمه تونس وإن شئت أحدثك عن عمالته للمنظمات الصهيونية
أما بمصر فقد أسقط حكمهم 33 مليون مصري بالضربة القاضية
واليك مثال آخر عن حكمهم : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، هل ترى ماذا أصبح ؟ بيد قبائل الخليج أداة لسفك دماء المسلمين في اقتتال في ما بينهم
بالعودة للانتخابات فقد سبق ووضحت أن الاسلاميين يفوزون في المرة الأولى ، وبعد أن يكتوي الشعب بهم ، فسرعان ما يتبرأ منهم ، وراجع نتائج الانتخابات الأخيرة في الجزائر وبيننا انتخابات مصر القادمة
شكرا لسعة صدرك
RE: RE: بلا
هذه هي أمثلتك وأدلتك ؟ لا ترقى حتى إلى بهلوانية إعلام الجنرال السيسي.
1- تونس في مرحلة انتقالية من ثورة شعبية لا يحكمها أحد بعد .. مع أن الإسلاميون هم الأغلبية وأداؤهم جيد لحد الساعة حيث استطاعوا إفشال الثورة المضاضة بالتعاون مع باقي المخلصين من التونسيين.
2- تصديقك لخرافة الـ33 مليون دليل على قدراتك العقلية ..أم هي هوايتك للتدليس وعشقك لحذاء العسكر والمستبدين؟ … أما الضربة القاضية فقد وقعت على كل ادعاءاتكم بالديمقراطية ..فقط.
3- الإسلاميون في مصر أقوى اليوم من البارح بفضل سذاجتكم وحماقتكم الإجرامية والأدهى من ذلك أنكم لا تشعرون به من شدة احتقاركم للشعوب.
4- الإسلاميون يفوزون في كل مرة تكون فيها الانتخابات حرة .. نعلم أن هذه الحقيقة تألمكم ولكن اللجوء إلى الدماء وسحق الشعوب لإلغاء الانتخابات سوف لا يخفف من غيظكم وآلامكم ولا يغير في الأمر شيء.
أما بالنسبة لحكم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فأنصحك بالذهاب إلى طبيب نفسي أم الأمراض العقلية لأن الجواب على ذلك غير موجود لا في السياسة ولا في الواقع.
Stop et Fin
ليس بهذه الطريقة تكتسبون القراء ، كنت أظن أن الموقع للكلمة الحرة وأن هناك مساحة للرأي المخالف
كنت أشك في هوية صاحب الردود ، هل هو قلم حر أو يعبر عن رأي الموقع
لكن عندما رفضتم نشر ردي الأخير يتبين لكل ذي بصيرة السياسة المنتهجة
أتمنى لكم الاستمرار على هذا المنوال
RE: الربيع العربي أم الخراب العربي، كمال سوامس
نعم معك حق في ما يخص عدد المنتفضين على حكم المرشد ، وأعتذر عن الخطأ المطبعي حيث كنت أود أن أقول أن عدد المتظاهرين في رابعة العدوية قد بلغ 33 مليون شخص
أما في باقي ميادين مصر من ميدان التحرير الى الاتحادية الى بورسعيد دون أن أنسى الأسكندرية فلم يتجاوز عددهم 3000 آلاف ، وكلهم بلطجية
خطأ آخر وقعت فيه أنا فأعتذر مرة أخرى وهذا راجع ربما للوحة المفاتيح ، فالاسلاميون سلميون وما قيل عن تورطهم في سيناء أو في سوريا فكل ذلك دجل ونزوير والصور التي تداولتها وسائل الاعلام كروسيا اليوم أو الأوتي في أون لاين فقد كانت في مواجهات ضد الصهاينة وضد قواعد المارينز في العديد والسيليا
أما تونس فهي تعيش في وئام وقادة المعارضة حياتهم وحريتهم مصونة ، وقد صادق البرلمان على مادة تنص على تحريم وتجريم التعامل مع الصهاينة
اذن كما ترى فقد كانت معلوماتي مشوشة كما تقول وكنت أعتقد أن الاسلاميين لا يصلحون للحكم لأن طبعهم كقبائل الخليج ، إن لم يكن لهم سيدا فانهم يصنعوه، طبعهم التبعية اما للعباءة الوهابية أو الخيمة القطرية على أمل أن تحتضنهم العباءة الأمريكية
أما ما يسمى اتحاد علماء المسلمين فقد اتبعت نصيحتك وتوجهت لمدقق حسابات ،فأطلعني أنهم كالحمار يحمل أسفارا