انتهزتُ الفرصة، علّني أهبُ السماء قلبي، وأشتكي ديدنَ الفسقِ إليكِ، دفاترَ النفاقِ وسرائرَ المقتِ. مرّتِ السنون وكرّتِ الأعوام، واللّهيبُ في الهشيمِ يزحفُ ويلتوي. درتُ إلى خلفِ الستارِ فتنفّستُ لهيثَ صوتكِ الرخيمِ يدعوني وأنا في عجالةٍ إلى لفظِ أنفاسي. أصابني القيء وروادني القحطُ، فتركتُ البلاد والعباد والودّاد.
انتهزتُ الفرصةَ لأعود وأقتادَ إليكِ منيتي لعلي أجدُ منفذًا سعيدًا لميعادي. ماتتِ الأيام ودارتِ الشهور ونُسيَتِ القبور ووخِزتِ الصدور، وأنتِ هاربةٌ من ساعديَ وأنا لستُ دارٍ.
انتهزتُ الفرصةَ أنتظرُ على حافّةِ الطريقِ بُزوغَ شمسِ بلادي، فاستسلمتُ وهنًا لنجمِ تونسِ الساطعة الخضراءِ.
انتهزتُ الفرصةَ ولم أدرِ أنّكِ تهبينَ حبكِ لجاري، تلهّفتُ مجيئكِ وخذلتني وقتلتني في بركةِ ماءٍ آسن، فأدركتُ عقبها أن نبراسَ أملي أدركهُ العفاء وصبري باتَ في العراء، تائهًا على عتبةِ الممات.
انتهزتُ الفرصةَ ولم أستجمع كاملَ قواي وخُنقتْ آمالي في مهدها، تحترقُ وتنفذُ وتذوبُ، واحدًا تلو الآخرَ كعودِ الثقابِ. خرجتُ دونَ مُريةٍ، في حوارٍ وسجالٍ وشجارٍ وعراكٍ معَ نفسيِ فلم أجد قط حلاً يافعًا سوى نفيكِ من مخيالي.
انتهزتُ الفرصةَ لأستنجدَ بأحبابي وزمالتي وأمثالي وأقراني، فلم أعثُر إلاّ على العبراتِ والنبراتِ، فقرأتُ الكتاتيبَ والدواوينَ ودُرتُ بالشوّافينَ والعرّافينَ والعارفينَ فلم أجد دواءً لكِ يا بلادي، انتظري هناكَ في الخلوةِ، وسأبحث لكِ عن حلٍّ عاجلٍ وافٍ. ما عساني أصنعُ يا بلادي، وأنتِ غارقةٌ في وحلِ الوبالِ والأوثانِ، وسقمكِ لي بالمرصادِ. اتركيني وحدي، أفكرُ وأعلّلُ في دواهمِ حروقاتي.
انتهزتُ الفرصةَ ورحلتُ بعيدًا، واجتنبتُ مهانةَ الرقيقِ والأوتادِ والأوغادِ، ففضلتكِ يا فتاةَ بلادي على سائرِ النساءِ، ولمْ يكتف مخي اجترارًا في اجترارِ، سعيًا منهُ إلى إيجادِ مرّوقٍ لعذابي.
انتهزتُ الفرصة يا بلادي وأنتِ في الظلامِ الدامسِ، تكتمينَ سرّكِ الشائعِ، وتقفينَ على قارعةِ الطريقِ تناولين كالطريدةِ، الحديثَ مع هاشميك وقتاليكِ وسفاحيكِ. تركتُ ألسنةَ اللّهيبِ في الهشيمِ ورُحتُ أغوصُ في بتوركِ وأغازلُ جراحكِ وأروّضُ مشاعركِ.
انتهزتُ الفرصةَ يا فتاةَ بلادي لأرى النجومَ وأعتلي البوادي وأجُرَ الصحاري في كنفِ الأدراجِ والأبراجِ.
انتهزتُ الفرصةَ يا فتاةَ بلادي لأراكِ عروسًا في تباهٍ وتمادٍ، فقرأتُ في محياكِ علاماتُ التلاشِي والتراشي. مُدّي لي يدكِ يا بلادي لنذهبَ سَويًا تحتَ إيعازِ الأماني وصحبةِ التفاني لأنتهزَ الفرصة وأقتنصُها وأزّفَ إليكِ مآسي شعبي وآهاتَ قلبي، فلتقطي إذن رسالتي يا بلادي، تجدينَ فيها ملفوفةً معزوفةَ الأملِ.
كمال قروة
Kamal Guerroua
para la herida Argelia
14 جويلية 2011
3 تعليقات
RE: معزوفةُ الأمل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنني لأجد نفسي صغيرا تائها غير مدرك أمام تلك العبارات الجميلة المتناسقة التي تأخذك إلى الزمن الجميل زمن جبران خليل جبران الذي طالما سحرني بكتباته وبعباراته والتي تحس من خلالها بجمال اللغة العربية لغة القرأن
الأخ كمال قروة شكرا جزيلا على هذا المستوى الراقي المعبر عن مايختلج من أحاسيس في وجدان كل جزائري محب لبلده متطلع إاى فجر جزائر راقية بمثقفيها متألقة بعلمائها ساطعة كاللؤلؤة بشبابها المثقف
لقد أبرهني موضوعك وضننت أنني أقرأ إلى أحد عمالقة الأدب اللبنانين من خلال العبارات المنتقاة الكلمات الجميلة الرنانة
أرجوا من الإدراة المشرفة على الموقع إرسال البريد الإلكتروني لكمال قروة وشكرا جزيلا
تحية خالصة و شكر رفيع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أخي وصديقي كمال أحيك تحية خالصة و صادقة و من أعماق قلبي، أنا عبد النور من بني ورثيلان صديقك في الجامعة،و صحفي مراسل بجريدة الديار الوطنية اليومية بولاية سطيف، لقد اطلعت على مقالاتك الرفيعة المستوى و انبهرت بها أيما انبهار، و أنا أقدر لك هذه المكانة الرفيعة المباركة من الله جل جلاله، و أتمنى لك النجاح و الاستمرارية و الريادة في كل مجالات حياتك ، كما أدعو الله جل في علاه أن يحفظك و يلهمك السداد و الصحة و العافية و ان يزيدك علما و عملا و فقها في الدين.
إنني جد سعيد باكتشافي لهذا الصرح الإعلامي الخاص بشخصيتك، خاصة بعد اللقاء الذي جمعني بك في ” أودان” بالجزائر العاصمة يوم الأربعاء 26/02/2014 بعد غياب طويل،و مباشرة بعد إخبارك لي بامتلاكك لموقع إلكتروني خاص سارعت لتصفحهو الإطلاع على مقالاتك الرفيعة المستوى و الدقيقة التحليل في كل المجالات خاصة الساسية و الفكرية، حيث وجحدت نفسي بين الحقيقة و الخيال للأفكار التي قرأتها بتمعن، و كأنني أقرأ لأحد المفكرين الكبار على غرار المفكر مالك بن نبي مثلا، و أتمنى أن ترقى لمستوى هؤلاء المفكرين الذين لا تفصلك عنهم إلا مسافة قليلة جدا، كما أنني وجدتني أعيد النظر في مساري و تكويني التعليمي الضعيف جدا جداو بفضل نصائحك لي قررت بحزم و عزم الشروع في تغيير طريقة نظرتي للحياة، جاعلا العلم و الثقافة المعيار الأساسي للفعالية و النجاح في هذه الحياة خاصة في هذه البلاد.
ادعو الله لك بأن يبارك لك في أعمالك و يجعلك من أوليائه في الدنيا و الأخرة، و سأظل أتابع كل جديد عن مقالاتك القيمة و الشيقة و السلام عليكم.
hello
[b]والله يأخي لقد قرأت مقالتك القيمة وجدتك ترقي إلي مستوي ادباء في الساحة العربية علي غرار جبران خليل جبران أيلي أبو ماضى فدوى طوقان نازك الملائكي والله أنت نجم ينير في سماء الأدب الجزائري قيمة أدبية وفنية للجزائر اتمني لك النجاح في مشوارك المهني المشرف.[/b]