كالأشخاص في اختلاف أشكالهم وألوانهم وريحهم وطِباعهم، كذلك هي الأزهار. كلّ صنف منها مُتفرّد بذاته، مُستأثر بعطره، مُغاير في خضابه، مُبايِن في سَمتِه، ومُتميّز بسلوكه وخصاله. مِمّا جعل لِكلٍ منها رمزية خاصة لطالما كانت مصدر إلهام للشعراء والكُـتّاب على مرّ العصور.
فالبيلسان مثلًا، هذه الأزهار الرقيقة البيضاء الصغيرة، اتّخذ منها الشاعر اللبناني طلال حيدر رمزًا للفِدائيين الذين كانوا يمُرّون عبر مديـنته، مدينة القلعة بعلبك، يمضون عبر أحراشها وسهوبها نحو الجنوب يُقاومون كيان الاحتلال الصهيوني.. ولا يعودون! ليُدرك بعد ذلك تساقط هذا الزهر كالثلج شهيدًا في ساحة الشرف، وحنينُه إليهم عبّر عنه في قصيدة شجيّة، ليقول في مطلعها بلغته المحكيّة:
وحدن بيبقوا مثل زهر البيـلسان
وحدن بيقطفوا وراق الزمان
بيسكروا الغابي
بيظلهن مثل الشتي
يدقوا على بوابي
يا زمــان
لتسرق فيروز القصيدة بصوتها، وذلك بإقرار وإذعان الشاعر نفسه، وتُثيرَ في النفس الكثيـر من الشجن. ولكن ما يزيد على هذا الشجن أشجانًا.. هو حال أزهار بيـلسان الحراك! البيضاء بياض السلام، الجميلة جمال الإقبال على الحياة. أزهار أُقفل على الكثير من بتلاتها عديد أقفال أقبية السجون والمعتقلات. بيد أنّها بنور الصمود والثبات وصدق الإرادة والنضال، ما فتئت تُضيء ظلمة الزنزانات.
هي أزهار صغيرة مُقارنةً بِكِبَر استكبار الظالم العادي، وقسوة السادن الجلّاد. ولكنّها بتراصّها وتكاتفها وتشابكها وتآزرها قضّت مضاجع أرباب الطغيان وكهنة الإجرام.. وزعزعت أركان معابد الاستبداد. لِيغشى قلوبهم الخوف والهلع ويشتكي العُداة في هوان إرهاب زهر البيـلسان إيّاهم. فغدى العادي نفسه المفعول به لفعل أرهب المُتعدّي بعد أن كان الفاعل، وصدق في وصف الحال وإعادة توزيع الأدوار.. وهو الكذوب!
نعم.. لقد نسي هذا الظالم أنّ الأسطورة ذكرت بأنّ ريح أزهار البيـلسان تدفع الأرواح الشريرة وتطردها، وربطت أيضًا خشب أشجارها بالموت! لذلك كُلما حاول اقتلاع أو إسقاط أغصان شجرها مات هو وصمدت هي في شتاء ظُلمه، لتُزهر من جديد في ربيع نصرها. فصبرًا جميلًا آل النضال…
سيأتي زمـان
يُوَلّي فيه عهد الهوان
ستفتح أبواب الحرية والأمان
ستقطف أوراق جور الزمان
ستقتلع جذور غابة الطغيان
ستنمو بذور العدل والإحسان
ستُوشَّح وشاح العرفان
وستَبقى.. مثل زهر البيـلسان
فادية ربيع
7 يناير 2022