مهلا لا تذهبْ بكم احلام اليقظة بعيدا، المعني بالإنقاذ هنا ليس كما قد يتباذر إلى ذهن المرء. نادي العرب لا يقصد انقاذ أهل غزة ولا وقف الإبادة ولا وضع حد للتجويع حتى الموت داخل محتشدات أوشفيتز الفلسطينية، ولا هو نداء منهم دعما لإقامة دولة فلسطين، فنادي العرب لم يحرك ساكنا على مرة 22 شهرا من الإبادة؛ محاولة الإنقاذ التي يتبرع بها نادي العرب بسخاء هي لإنقاذ جيش الإبادة من ورطته ولإنقاذ المشروع الصهيوني الذي تكشفت حقيقته أمام العالم، وأخيرا إنقاذا للمجرم نتنياهو، الملاحق من كل الجهات وعلى رأسها محكمة الجناية الدولية.
فبعد ٢٢ شهرا من الابادة بالنار والتجويع كسلاح ضد أهل غزة المحاصرين؛
وبعد دعم عالمي غربي شامل لا مشروط في عِز الإبادة الجارية بمشاهدة العالم قاطبة؛
وبعد المناورات الدنيئة من عواصم العالم “الديمقراطي” الغربي، والحصار الذي يستمر منذ 18 سنة ويزداد قسوة؛
وبعد كل وسائل الضغط الممارسة ضد الشعب لإرضاخ المفاوض لشروط الكيان، لتسليم سلاحه والافراج عن الاسرى ومغادرة غزة؛
أي بعد فشل كل هذه الرزمة من الجرائم والمناورات والغدر من القريب قبل البعيد، وفشلها في تحقيق أهداف الحرب المعلنة وغير المعلنة، وآخرها حملة عربات جدعون التي وعد أصحابها بأنها ستحرر الأسرى مع القضاء المبرم على المقاومة ودفع أهل غزة للخيار بين الموت جوعا وحصارا أو مغادرة فلسطين، إلى جانب فشل مناورات ويتكوف وترامب ونفاق ماكرون وستارمر لدعم تحقيق هذه الأهداف بالخداع والكب والافتراء، فضلا عن اعتراف كبار قادة جيش الاباة ان كل ذلك لم يفلح في تحقيق الأهداف وأن مواصلة الحملات لن يأتي بجديد (ما عدا مزيد من الجرائم)، واعترافهم [نشر 600 من المسؤولين العسكريين والأمنيين والسياسيين الإسرائيليين السابقين (قادة جيش – موساد – شاباك – أمان – شرطة – سياسيين) مقطع فيديو يستنجدون فيه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب كي يتدخل لاتقاذ إسرائيل ووقف الحرب! ] بأن هذه الحملات قد استنفدت اغراضها، ورفع تقاريرهم للقيادات السياسية بأنهم لن يستطيعوا ميدانيا فعل أكثر مما ارتكبوه، وإنذاراتهم بخطورة وضع الجيش المتفكك مع رفض التجنيد وترهل افراده بين الصدمات النفسية المؤدية إلى الانتحار، وخطر التفكك الاجتماعي في حالة استمرار الوضع وفرض تدابير قاسية على الرافضين التجنيد، وحثهم على ضرورة إبرام صفقة تبادل ووقف الحرب، كحل أوحد لاستعادة الأسرى والحفاظ على تماسك الجيش والدولة، بعج هذا كله “تدخل” شيلوك العرب ليقدم طوق النجاة للكيان.
في اجتماعهم بنيويورك قبل يومين، “طالبوا” (ابتزاز دنيء) الضحية، الواقعة تحت الاحتلال والحصار والتجويع طيلة سنتين تقريبا، بالخضوع لشروط الكيان التي لم يفلح هو نفسه بفرصها على المقاومة بالحديد والنار وتواطؤ العالم الغربي ولعربي على حد سواء.
لاحظوا كيف أن هؤلاء “الأشقاء” الحريصين على فلسطين، يأمرون المقاومة بإلقاء سلاحها المتواضع محلي الصنع (سلاح يدافعون به لفك الحصار على شعبهم)، التخلي عن السلاح الذي لولاه ما اضطر المحتل ووكلائه الجلوس مع ممثليهم وعقد صفقات معهم.
والسؤال هو كيف لشيلوك العرب الذي لم يستطع مجرد ادانة الإبادة ولا امداد الشقيق الفلسطيني المحاصر المُجَوّع، بجرعة ماء ورغيف خبز، أن يسمح لنفسه، دون خجل ولا ذرة مروءة، أن يطالب المقاومة ما لم يستطع سيدهم ومُرعبهم، فرضه عليها بالوسائل التي تشل فرائس شيلوك، لكنها لم تستدع تركيع المقاومة وإخضاعها لشروطها؟
قد يتساءل المرء، لماذا تسير قيادات الدول العربية على هذا لنهج المخزي، وما الذي يدفعها باتجاهه؟ الجواب ببساطة ما نقله العديد من الدبلوماسيين والسياسيين الأوروبيين والأمريكيين الذين التقوا بهؤلاء القادة، من جملتهم، مؤلف كتاب “الحرب”، ومفجر فضيحة واترغيت، بوب وودورد. فهؤلاء القادة العرب يرون في الشعب الفلسطيني وفي أهل غزة اليوم، شعبا مقاوما ثوريا يكافح من الأجل التحرر، وهذه سمة مقلقة بالنسبة لهم وتقض مضجعهم، كونهم يخشون من أي روح مقاومة تحررية رافضة للوضع القائم، ويخشون من اتساع رقعتها لتصل عتبة دولهم، فتوقظ شعوبهم، وتُعرض عروشهم للخطر، هذا الشعور منهم يشكل عامل تقاطع بين مشاريع الكيان ومشارعهم، واشتراك مخاوف الجانبين، بما ساهم في تعزيز التنسيق بينهما، سرا وعلنا، فتقاطعت أحلامهم وأمالهم، ودفع باتجاه “التوافق” على القضاء على هذه الغصة (المقاومة) في غزة. هذه الآمال والهواجس المشتركة، تفسر موقف شيلوك من المقاومة، وترك أهل غزة يتعرضون للإبادة، عقابا لهم، وانتقاما منهم، وابتزازا لهم للانتفاضة ضد المقاومة، وأخيرا محاولة فرض عليهم ما عجز الكيان أن يفرضه عليهم بسنتين من الإبادة بما يتجاوز عدة مرات قنابل هيروشيما ونكازاكي.
فوق ذلك شيلوك العرب يكره غزة وفلسطين والمقاومة، لأنها تفسد عليهم رغبات وخطوات التطبيع التي يتحرقون لإبرامها، مثلما كانت تسير على قدم وساق في إطار المشروع لابراهيمي قبل أن ينسفه طوفان لأقصى، وهو الأمر الذي لم تغفره لهم قيادات العرب. هذا الوقف المحارب لروح فلسطين لمقاومة ن قبل قيادات العرب هو ما جرأ الكيان على مواصلة طيلة 22 شهرا إبادته أمام العالم، مطمئنا من الإفلات من أي عقاب أو حتى انتقاد فعلي، ولا حتى استدعاء السفراء ووقف التطبيع أو التبادلات التجارية والثقافية وحتى العسكرية بالنسبة للبعض منهم. بل يدرك الكيان أن هناك من قادة لعرب من هم أشد حرصا منه على “إتمام” المهمة وتخليصهم من الأرق، من خلال بل وتحريضهم على المزيد. هل فهمنا إذن لماذا هذا لبيان المخزي من الدول العربية المجتمعة في نيويورك؟
أخيرا، والسؤال المطروح، هل وتكوف بلغ من اليأس من إمكانية إخضاعه المقاومة والشعب الفلسطيني، إلى درجة أفقدته البصيرة، فجعلته يلجأ إلى شيلوك العرب، لعلى وعسى، يحقق له ما لم يفلح فيه هو وكيله نتنياهو؟ أم انه وصل الى قناعة امام تغيّر الوضع العالمي دراماتيكيا بعد فقدام الكيان الدعم والرصيد الدوليين اللذات تمتع بهما طيلة 70 سنة، خاصة بعد انتفاضة العالم قاطبة تنديدا بحالة التجويع القاتلة والصور المروعة التي تملأ العالم بأطفال يموتون على لمباشر نتيجة انعدام الطعام وأساسيات الحياة، فأدرك هو وسيده ترامب أن الوقت ينفذ والوضع العسكري للكيان يزداد سوءً، فتعلق بآخر قشة، يستنجد بها لعلها تنقذ الكيان من الغرق المحتوم، فكان حاله كحال المستنجد بالرمضاء من لنار.
أرسل تعليقاً