انتخابات مصيرية بالنسبة للمسلمين في مواجهة خطر اليمين المتطرف
ستكون لها حتما انعكاسات عميقة على مستقبل أوروبا ..!!
مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا
أوروبا على وشك أن تشهد أسبوعاً من التغييرات العميقة وممكن الجذرية. أين تجري نهاية هذا الأسبوع انتخابات في المملكة المتحدة وفرنسا سيكون لها انعكاسات عميقة على مستقبل القارة العجوز !!
ستشهد حتما أوروبا هذا الأسبوع تغيرات سياسية عميقة. تنتخب كل من فرنسا والمملكة المتحدة حكومة جديدة يومي الأحد والخميس. وسيتعين على البريطانيين اختيار رئيس وزراء جديد، وعلى الفرنسيين اختيار برلمان جديد. من المؤكد أن كلا العمليتين الانتخابيتين مختلفتان للغاية في طبيعتهما، لكن سيكون لهما تأثير كبير على سياسة القارة القديمة..
لم تخطئ مؤسسات استطلاع الرأي في توقع نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا فجاءت، إلى حد بعيد، مطابقة لما دأبت هذه المؤسسات على إعلانه منذ أن حلّ الرئيس إيمانويل ماكرون البرلمان في التاسع من يونيو (حزيران)، ودعا إلى انتخابات جديدة
ثمة رابحان، هما «التجمع الوطني» اليميني المتطرف و«الجبهة الشعبية الجديدة» التي تضم أحزاب اليسار الثلاثة والخضر.
مصير المملكة المتحدة و مصير فرنسا : “نفس الشيء لكنه مختلف مع الفارق”
وفي بريطانيا، من المحتمل أن يضطر رئيس الوزراء البريطاني الحالي ريشي سوناك إلى تسليم المشعل لحزب العمال وزعيمه الحالي كير ستارمر أن يتولى رئاسة الحكومة البريطانية بعد 14 عاما في المعارضة، إذا تأكدت استطلاعات الرأي. وفي الوقت الحالي، يتمتع حزب يسار الوسط بآراء إيجابية بنسبة 40%، وحزب المحافظين المحافظ بنسبة 20% فقط، كما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة بي بي سي البريطانية.
ما الذي سيتغير إذا حل يسار الوسط محل المحافظين
ليس هناك الكثير حتى الآن، على الأقل ليس في السياسة الخارجية. وقد أوضح زعيم حزب العمال كير ستارمر، الذي كان هو نفسه معارضًا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أنه لن يتراجع عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فهو يرغب في تحسين العلاقات مع الاتحاد.
وفيما يتعلق بقضية أوكرانيا وفلسطين، أعلن كير ستارمر أيضًا أنه سيتبع خط منافسيه المحافظين إذا تم انتخابه. ولم يتعهد حزب العمال بالحفاظ على التزام المملكة المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي فحسب، بل قام أيضًا بحملة من أجل إبرام “اتفاقية أمنية” جديدة مع أوروبا، على الرغم من أن تفاصيل ما قد تحتويه هذه الاتفاقية تظل غامضة وسرية.
فرنسا بين فكي عفريت في أوروبا، الاتصال أم الانفصال
تختلف الانتخابات الفرنسية في كل شيء تقريبًا عن الانتخابات البريطانية. وفي فرنسا، كان قد دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة في أوائل يونيو/حزيران بعد النتائج الضعيفة التي حققها حزبه في الانتخابات الأوروبية. وستقام الجولة الثانية يوم الأحد المقبل. وفي الوقت الحالي، حزب التجمع الوطني، اليميني متطرف، بزعامة مارين لوبان، الذي يتربع على القمة متبوعا باليسار، ويأتي في ثالث ترتيب حزب الائتلاف الرئاسي لحكومة ماكرون.
وإذا تمكن حزب التجمع الوطني من بسط نفوذه في البرلمان الفرنسي يوم الأحد، فلسوف تتغير علاقات فرنسا مع أوروبا بشكل جذري، وبالعالم أيضا وفق أولويات!! إذا أصبح جوردان بارديلا (28 عاما) رئيسا للوزراء، فيمكنه إما شن حرب عصابات سياسية ضد رئيسه ماكرون أو محاولة تغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل.
وبدعم من أحزاب اليمين المتطرف في العديد من البلدان المجاورة، يستطيع حزب التجمع الوطني أن يشكل أقلية معيقة داخل مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي، وأن يوجه مسار السياسة الأوروبية، ويمنع المساعدات عن أوكرانيا، ويمنع توسع الاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تتجنب هذه الاستراتيجية عزلة فرنسا، ولكنها قد تخلف عواقب وخيمة على أوروبا.
هذه الانتخابات مصيرية للجالية المسلمة في أوروبا عموما
اليوم في فرنسا جدل كبير حول الانتخابات المصيرية للجالية المسلمة في أوروبا عموما وفرنسا خصوصا، فقد حان فعلا وقت الجد بدل الهزل. إذ أن هذه الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا تمر بفترة صعبة ومضطربة، ومستقبل أجيال المسلمين على المحك. لأن هذه الانتخابات التشريعية ليست عادية، بل هي انتخابات تاريخية وحاسمة ستحدد اتجاها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا جديدا لفرنسا في السنوات القريبة الآنية والقادمة. ولهذا السبب فهي من الأهمية بمكان أن تشارك فيها جاليتنا بحزم وعزم وبقوة ونشاط في إسماع أصوات الأقليات التي تتلاعب بها الأحزاب اليمنية المتطرفة !!
تعليق على ما يسمى عادة بالأفضلية الوطنية وتداعياته
التعليق على ما يسمى عادة بالأفضلية الوطنية وتداعياته التمييزية في مسائل القانون العام والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، إذ يمكن لليمين المتطرف (التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان) أن تزيد من تصلب المجال الاجتماعي، والحريات الأساسية، تحت غطاء الأمن العام والعلمانية، ستصبح الخطب والسلوكيات التي تنطوي على الوصم والتمييز أكثر ديمقراطية وأكثر وضوحا؛ ثقيلة عقليا وبالتأكيد لا تطاق على المستوى البشري! ولا شك أن الحياة الاجتماعية، مع انعدام الثقة السياسية التي ستتبعها، سوف تتأثر بشدة.
إن مسألة الجنسية الأحادية التي تطالب بها أحزاب اليمين المتطرف، قد تقدم خدمة في الواقع إذا كانت تشمل جميع مزدوجي الجنسية بما فيهم بنو عمومتنا؛ وهو ما سيفاجئنا، بمعرفة وزن (البعض) الذين تعرفونهم في فرنسا؛ كما هو الحال بالنسبة لمسألة التدخل الأجنبي، التي تثير التساؤلات حول الحلف الأطلسي والسيطرة على…(..).. من خلال الأميركيين. وبالتالي في السياسة، يجب عدم الخلط بينها وبين السياسة الشرعية (الإسلامية)، هي فن الخداع والتسوية وتغيير الوجوه. إن أي برنامج انتخابي يشمل فقط أولئك الذين يؤمنون به، ونحن نعلم ذلك. ولهذا السبب نحن نتحدث عن أهون الشرين، وللوقوف على ما ينشده الإسلام في مثل هذه المناسبات، قد يطول بنا المقام للشرح والتعليل، وقد أطنبت قبلنا مؤسسات وعلماء وندوات وموسوعات في الموضوع.
التصويت في الغرب قانوني ومصيري للمسلمين وغير المسلمين؟
المشاركة في الحياة المدنية واجب على كل مواطن مهتم بمستقبله ومستقبل الأجيال القادم، فما بالك بالمسلم الرسالي، إذ يُعَد التصويت ممارسة ديمقراطية أساسية وحاسمة، خاصة في الأوقات المهمة مثل تلك التي نمر بها حاليًا – كجالية مسلمة في فرنسا خصوصا وأوروبا عموما، كما أن اللامبالاة من طرف بعض المسلمين في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة هي شكل من أشكال الإهمال غير المسؤول، الذي يهمله عدد كبير من مواطنينا العرب والأفارقة في فرنسا خصوصا والغرب عموما. لهذا وأكثر من هذا، يجب عليهم أن يساهموا في تحقيق الصالح العام لمنع أي ضرر محتمل والدفاع عن حقوقنا وحرياتنا، لأن التصويت هو تعبير عن حق في الحياة والوجود بالنسبة لأي إنسان، ناهيك عن المهجر قصرا.
وهو ذات الإهمال والتسيب، الذي وقعت فيه جاليتنا المسلمة في سويسرا، في مثل هذا الشهر من عام 1430 هجري الموافق لعام 2009، أين يعيش في سويسرا (400) ألفِ مسلمٍ يصلُّون في مساجدَ ذاتِ مظهرٍ متواضِعٍ وتُوجَد فيها أربعُ مآذِنَ فقط في كل تراب الوطن، ومع ذلك فقد حَظَرت الحكومةُ بناءَ مآذنَ جديدةٍ فيها بعد استفتاءٍ كانت نتيجتُه (57%) يؤيِّدون الحظْرَ؛ وذلك خوفًا من المَدِّ الإسلاميِّ في أوربا !!
ورغم كل هذا لا يزال البعض من شبابنا يسألون أنفسهم السؤال السخيف: هل التصويت في الغرب قانوني وواجب على المسلم؟ يبدو أن مثل هذا النقاش المطروح اليوم يأتي من عصر آخر بل من العصر الحجري، حيث أنه عفا عنه الزمن بالنسبة للأغلبية الساحقة من المواطنين المسلمين في فرنسا وأماكن أخرى، سواء اختاروا المشاركة في الانتخابات أم المقاطعة. وفي وقت ديمقراطي مهم سواء كانت انتخابات محلية أو جهوية أو رئاسية، فالأمر واحد والمسؤولية جماعية. ومن المهم تذكير المؤمنين والمسلمين بالأمر الواضح، وهو إمكانية، بل ضرورة ممارسة الجميع لواجبهم المدني دون أي قيود دينية، فالإسلام يشجع على المنافسة والاختيار والغربلة بالتصويت السلمي، وليس فرض قناعات بالقوة والهراوات، كما هو حاليا في بعض دول عالمنا الإسلامي التي تنخرها الحروب مثل سوريا والصومال والسودان واليمن.. بل وحتى دولنا الإسلامية التي تتحكم في رقابها أراذل القوم، وتتصرف في مصير أجيالها عائلات وطوائف نصبت من طرف المستعمر، ولن تزاح إلا بانقلاب دموي يدفع ثمنه أبرياء، مع كل أسف!!
الإسلام يشجع بشكل عام و أساسي على المشاركة الإيجابية في شؤون الوطن الذي نعيش فيه
وما دام أن هناك من شبابنا الذين لا يزال البعض منهم يتساءل عن مدى قانونية المشاركة في الانتخابات، وهل هي مشروعة دينيا وإسلاميا أم لا. ولمساعدتهم على رؤية الأمور بشكل أوضح واتخاذ أفضل القرارات، نتناول اليوم ثلاثة أسئلة رئيسية تطرح عادة في الغرب وفي فرنسا بشكل خاص ..
على المستوى الديني والإسلامي أقصد، فإن نزع الشرعية عن التصويت على أساس حجج لاهوتية مغلوطة أمر سخيف. لأن البحث عن رأي فقهي للحكم على شرعية هذه الممارسة الديمقراطية هو في رأيي أمر لا معنى له ومضلل. ومن المهم أن نتذكر ابجديات الأخلاق والمعاملات الإسلامية تشجع عمومًا على المشاركة الإيجابية في الشؤون الجماعية والمساهمة في الصالح العام للمحيط ة التربة التي نعيش على خيراتها. ومعلوم للعام والخاص أن الأهداف الرئيسية للمعاملات الإسلامية هو تعزيز العدالة والرفاهية العامة، للناس كافة، دون تمييز عرقي او لوني أو ديني !!
لذا فإن استخدام فتاوى مستوردة من العصر الحجري، لنزع الشرعية عن التصويت هو خدعة لا ينبغي لنا أن نقبلها أبدًا. لكن كيف يمكن أن نفسر وجود بعض الآراء العربية – لكي لا أقول سلفية الفهم، لأن السلفية منهم براء – غير المؤيدة للتصويت في المجتمع الغربي؟ في رأيي، الجواب بسيط: أولئك الذين ينزعون الشرعية عن التصويت يشككون في الديمقراطية ويستخدمون فهومات بعيدة عن الدين، بوعي أو بغير وعي، لتعزيز القبلية والعشائرية المتزمتة. وهذا عكس التصويت الذي هو من حيث المبدأ شخصي وسري وإسلامي، علما أن الرسول (ص) عمل بالشورى، والخلفاء (ض) من بعده رشحوا قائمة ممن يمكنهم تسيير شؤون الدولة أو الامارة، وترك الاختيار لبعضهم الاخر، وهكذا دواليك، حتى استبدلت بغياب حكمة الإسلام، بالعنصرية والقبلية فهلكت الحرث والنسل، ولا زلنا نتجرع مرارتها عبر الأجيال لحد الساعة !! …
إن أية ديماغوجية انتهازية تسعى إلى الاستفادة من الغضب والقلق والخوف، أمر غير مقبول
إن الديمقراطية التمثيلية هي أثمن ما لدينا في الدول الغربية. إنها أفضل طريقة لدينا للمناقشة والمشاركة في الحياة العامة. ويجب أن يعيش ويحافظ عليها الجميع بشكل دائم. ومن الواضح أن المخاوف تشمل جميع التكتلات، بما في ذلك جاليتنا المسلمة، لأن المخاطر كبيرة في عالم أصبح خطيرا بسبب الحروب والتوترات الجيوسياسية. وينبغي أن يكون المبدأ التوجيهي هو المساواة في الكرامة بين البشر، ودعوتهم إلى التمتع بنفس الحقوق و الواجبات، ودعوتهم إلى الاحترام المتبادل والتضامن والعدالة والأخوة، في البلد الواحد والمجتمع الواحد..
فالقوة الشرائية والخدمات العامة والعلمانية والهجرة والأمن هي هموم مشتركة بين جميع المواطنين، مهما كانت معتقداتهم أو قناعاتهم. نحن نرفض كراهية الأجانب ونرفض العنصرية وجميع أشكال التطرف. كما نرفض الاسلاموفوبيا، أما محاربة السامية، فهذه كذبة العصر، لأن العرب ساميون في أصلهم مثل اليهود وأعراق أخرى، فكيف نكون كساميون أعداء للسامية !! نحن نرفض أي شبهة تحوم حول ولاء المواطنين المسلمين تجاه إخوانهم المواطنين من جنسيات و ديانات أخرى في البلد الواحد الذي يجمعنا جميعا!
الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي أمر أطنب فيه العلماء وأهل الرأي..
إن الانتخابات من أهم الموضوعات المعاصرة تداولا، أقيمت لها المؤتمرات والندوات ودرست في الجامعات بشقها القانوني، وأنشئت لها الهيئات والمؤسسات والمرجعيات التي تقوم عليها وتديرها، بل أخذت الدول في إقرارها وسن القوانين التي تنظمها، وأصبحت وسيلة من أهم وسائل الوصول إلى الحكم وإدارة الدول، مع ما يرافق هذه الانتخابات من غش وتشويه إعلامي وفساد مال، يشوه الحقيقة أحيانا كثيرة ويزين البرامج والمترشحين بمساحيق تجميل آنية كثيرا ما يصادمهم الواقع عند الممارسة !!
ومادام هذا الدين الاسلامي وشريعته السمحاء صالحة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وأنَّ لها في كل واقعةٍ حكماً، وفي كل نازلةٍ بياناً، وفي قواعدها وأصولها بيانٌ لكل المشكلات، وحلٌّ لكل المعضلات. والناس بحاجةٍ ماسَّةٍ لبيان الحكم الشرعي لكل الوقائع والمستجدات، فديينا يدعون بإلحاح، لتلبية نداء الواجب، للتصويت للأصلح والأفيد لديننا وجاليتنا، بغض النظر عن أصله و فصله .. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.