من يريد أن يقلع، جاز له أن يبحث عن وسيلة، هذا إذا كان بمفرده، أما إذا كان المعني بالإقلاع جماعة، فيمكن أن يحدث اتفاق أو اختلاف بخصوص الوسيلة. كذلك حينما نتكلم عن الإقلاع، ربما هناك من يفكر في وجود رحلة، كرحلة لأجل السياحة، أو لأداء مناسك عمرة أو فريضة الحج، لأجل ذلك نحتاج إلى وسيلة، مثل حافلة أو طائرة، ومثل هذه الوسائل متاحة، يجتهد حتى عدوك في توفيرها، يؤجرها أو يبيعك إياها ولا يرى مشكلة في ذلك، لأن هدفه هو كسب المال وتوسيع دائرة نشاطه، يبيعك كذلك الغذاء والدواء واللباس، لا مشكلة في ذلك، اطلب تُجاب، ومن المفيد له أن تزيد حاجاتك ونفقاتك، يستوي في ذلك الفرد والجماعة، بل كثير من الدول والمجتمعات.
ليس هذا بالإقلاع! الإقلاع مرحلة من مراحل الرحلة، مثل الطائرة تبدأ من الأرض ثم تطير في الهواء.
وعليه فالإنسان، فردا كان أو جماعة، لم يفكر من البداية في الإقلاع وإنما فكر في الرحلة! والغالب أنه يعتمد في تحقيق هذه الرحلة على غيره، مثل حال العرب والمسلمين اليوم، إذ أن النشوة والراحة التي يشعر بها، تختلف كثيرا عن النشوة والراحة التي شعر بها من صنع الطائرة وأنتج الغذاء والدواء.
الفرق شاسع بين عشرات الآلاف من طلبة المسلمين والعرب الذين رحلوا إلى أوربا وأمريكا ونالوا فيها الشهادات، واستقروا وانبهروا وشعروا بنشوة الحياة هناك، وبين شاب يهودي واحد، مثل العالم الكيميائي “حاييم وايزمان” الذي لعب دورا متقدما في صناعة ” وعد بلفور”، وترأس الكيان الصهبوني على أرض فلسطين سنة 1948!
الفرق شاسع!
شبابنا المتعلم بالآلاف رحلوا، فأقلعت بهم الطائرات باتجاه أوروبا وأمريكا، أما “انشتاين” و “حاييم” فقد أقلعت بسببهم إسرائيل من واشنطن ولندن وحطت على أرض فلسطين، هذا هو الإقلاع، أما الآخر فهو” اقتلاع “!
*ماذا عن غزة ؟!
غزة العزة، بعد طوفان الأقصى، المقاومة أقلعت، زلزلت الأرض من تحت أقدام الصهاينة، أرادوا اقتلاعها فاقتلعتهم وخيبتهم، ولم يبق من صحيفة صفقة القرن سوى أعلاها مكتوب عليه “معبر رفح” كمؤشر على وجوب رحيلهم! وفعلا فقد رحل من اليهود الآلاف من فلسطين إلى أمريكا وأوروبا خوفا من مفاجآت الزلزال القادم.
لكن! لماذا لم تقلع مصر، مثلا، أو الأردن؟ الجواب هو أن هؤلاء جميعا باتوا أسرى، ولو تسنى للمقاومة في غزة أن تطالب بإطلاق سراحهم لفعلت!
يقول الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله: “ولدت في عصر يدرك نصف الذي يقال بوضوح، لكن الذي يقول كلمة حول النصف الثاني يحاكم بكل قسوة” .
ويقول:” بكل أسف! الاستعماريون فهموني بالنصف الآخر من كلمتي، ونلت منهم ما أستحق، فأنا في أعينهم لا أسب الاستعمار بل اقتله وهو داخل البيضة، أخنقه في جذوره التي تمتد في مساحة القابلية للاستعمار” . راجع كتاب: وجهة العالم الإسلامي – الجزء الثاني – ص 16 .
اليوم و بعد طوفان الأقصى، تكون غزة قد ضربت للمسلمين والعرب موعدا على خط الإقلاع عبر ” طوفان السلمية” ، والعالم الإسلامي والعربي، ليس في حاجة إلى حماسة شباب، لا تختلف حماسته، كما هي حماسة شباب الأردن أو المغرب في شيء، عن أنين مريض يرقد طوال سنين على سرير القابلية للاستعمار ! ولكنه يحتاج إلى بناء قائم على وعي منهجي له مقدماته ونتائجه.
أرسل تعليقاً