أول ما يمكن أن يخطر للقارئ الكريم وهو يقرأ العنوان، وجود طارئ، حيث يركز أكثر ما يركز على مفردة “طوفان”، مثل الذي ضرب مدينة – درنة – الليبية التي انصرف الإعلام العربي خصوصا عن السؤال عنها، وعلى الأقل عن أطفالها ! أو مثل الدمار الذي لحق بالمغاربة قبل ذلك بأسبوع!
أما مفردة ” السلمية ” فلا وجود لما يؤشر، على مستوى مراكز البحث و الدراسات في حدود عالمنا العربي خاصة، بوجود اهتمام و بحث و دراسة ! ذلك أن القاموس العربي، ناهيك عن قواميس العالم كله ليس فيها ما يشير من قريب أو بعيد إلى جواهر هذه الدالة الخطية، لسبب واحد، وهو تركيز الآلة الفكرية الغربية على دالة خطية، رسموا مسارها وفق مٱربهم، ألا وهي دالة الارهاب! وصولا إلى تجميع القوى وتركيز الاهتمام حول صفقة القرن، ومن ضمنها عمليات ” التطبيع” أملا في تصفية قضية فلسطين المحتلة والرهان على عامل الزمن كعنصر أساسي في تحديد معادلة التاريخ التي تصطبغ إلى حد بعيد بالقاعدة الخالدة: ” المغلوب مولع باتباع الغالب ” .
*وجهة العالم العربي : عالمنا العربي اليوم في حكم المغلوب غلبة ممنهجة تم الإعداد لها لأكثر من قرن على يد القوى الاستعمارية انطلاقا من تفاهمات” سايكس بيكو ” ، مرورا بأحداث 11/09/2001، وصولا إلى اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاشم على أنغام عمليات التطبيع ، واستعدادا للاحتفاء بتدشين مشروع ” صفقة القرن ” التي تغنى بها الرئيس الأمريكي ترمب بمباركة ملوك و أمراء العرب الذين خصصوا أموالا طائلة لذلك .
*مفاجأة القرن :
المفاجأة هي من صميم ” ثورة القرن”، حيث تمت الاشارة إلى ذلك في 30/04/2019 بالقول : و السبب في كون ما قامت به كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة حماس يوم السادس من أكتوبر 2023 ، مفاجأة لم يتوقعها بعيد ولم تخطر على بال قريب ، هو أن أمراء الأعراب و ملوكهم ، يوم استقبلوا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وأغدقوا عليه ملايير الدولارات ورقصوا له و معه كثيرا ، كانوا قد احتفلوا بصفقة القرن قبل الاسرائيليين أنفسهم واعتبروها مشروعا منتهيا، خصوصا أن رئيس المصريين السيسي كان قد أطلعهم على ما وصلت إليه الأشغال داخل حدود سيناء التي هيأها لتكون سجنا كبيرا لٱلاف الفلسطينيين من سكان غزة، على أمل ضمها إلى للإسرائيليين كأمر واقع ! هذا الذي جعل الإسرائيليين يطمئنون كثيرا !خصوصا أنهم كانوا يثقون بوعود الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مواجهة الخطر الإيراني و حزب الله اللبناني سواء . أما ملف الضفة الغربية فلهم من الوقت الكثير للتفكير في صفقة تناسب الوضع الجديد و تتلاءم مع خارطة دولة إسرائيل من البحر إلى النهر .
*مٱلات طوفان الأقصى :
المقاومة الفلسطينية أمامها تحدي كبير، و هو تحدي داخلي أساسا، يشبه إلى حد بعيد التحدي الذي واجه الجزائريين من بعد مؤتمر الصومام و مؤتمر طرابلس الذي ولد ميتا، ثم بعد ذلك الدخول في صراع على السلطة لم ينته إلى يوم الناس هذا ! إن التحدي الكبير أمام المقاومة هو تجاوز النظرة الحزبية الضيقة والحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني، كما هو اليوم قرار المقاومة، ذلك أن طوفان الأقصى جاء مفاجئا ومتفردا، مفاجئا وقد تمت الإشارة إليه، أما من حيث تفرده و تميزه، فقد محص وميز الطيب من الخبيث وأعاد الأمل من جديد للأعراب حتى يؤمنوا من جهة، و لمختلف التنظيمات على مستوى العالم العربي خصوصا، و العالم الاسلامي عموما، من أجل قراءة متأنية بخصوص ما هم مقدمون عليه، لا لشيء سوى أن “طوفان السلمية ” لن ينتظر المتأخرين كثيرا، وما حدث داخل بعض التنظيمات من انكشاف أمر بعض المندسين الذين عمروا طويلا، ليس سوى فرصة أمام هذه التنظيمات لتتطهر من سوٱتها و تراجع نفسها .
*طوفان الأقصى جزء من طوفان السلمية :
لقد ثبت بالدليل القاطع أن اليهود مصرون على الخطيئة وأن عنادهم لا حدود له، وأن سبيلهم الأوحد هو القتل وإلحاق الأذى بالانسانية على نطاق واسع، وما حدث لأطفال غزة و نسائها خير دليل !
وفي المقابل تتجلى السلمية والأمن والسلام في سلوك المقاومة الفلسطينية، وليس طوفان الأقصى من خلال العمليات النظيفة ومعاملة الأسرى والمحافظة على سلامتهم، بالرغم من المجازر اليومية التي يقترفها الإسرائيليون بحق الأبرياء سوى أعلى درجات التمسك بالسلمية التي تترجم تعاليم الدين الاسلامي الحنيف بعدم التعرض للأبرياء، أطفالا ونساء ورجالا غير مسلحين، ناهيك عن العمران ودور العبادة و المدارس و المستشفيات، إنه طوفان الأقصى المتفرد والمتميز من خلال طهارة ونظافة أيدي المقاومين من دم الأبرياء، وهو جزء لا يتجزأ من طوفان السلمية الذي كشف الإرهابيين الحقيقيين في عالم اليوم، حتى وإن كانوا حكاما يملكون حق الفيتو في مجلس الأمن من جهة، أو كانوا منخرطين في صناعة الموت من خلال التنظيمات الإرهابية، على شاكلة ” داعش” و ما شابهه ا!
و بخصوص المٱلات فإن القاعدة الخالدة هي المستوحاة من قول الله عز و جل:” يا أيها الذين ٱمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم، و الذين كفروا فتعسا لهم و أضل أعمالهم، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم “. الٱيات 7-9 من سورة محمد .
بطبعة الحال هذا النص غير موجه على الإطلاق، فهو لا يخاطب الأعراب عموما، وإنما يخاطب الذين ٱمنوا، وعليه لا يمكن أن يكون من بين المخاطبين أولئك المطبعين مع الكيان الصهيوني، الذين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وذهبوا أبعد من الذين أبرموا اتفاقيات السلام التي لم تحترمها وتتقيد ببنودها إسرائيل قيد أنملة! الغريب بعض الأعراب وصل بهم الحال إلى إرسال طواقم طبية لإسعاف المصابين من الجنود الإسرائيليين! هل هؤلاء ومن على شاكلتهم مخاطبون بالٱيات القرٱنية السابقة؟ أبدا، فالمخاطبون هم فئة المؤمنين في فلسطين وفي غير فلسطين، أما المطبعون والموالون لهم فهم ضمن الفئة المخاطبة بقوله تعالى: ” فتعسا لهم و أضل أعمالهم ” . إن الذين يوالون الصهاينة لا شك فإنهم يخالفون ما أنزل الله، على الأقل في موالاة اليهود والنصارى على حساب المؤمنين الذين يتمسكون بالمقدسات و يقدمون دماءهم الزكية ثمنا لذلك .
و على هذا الأساس وجب تقييم و تقويم مساراتنا أفرادا، جماعات وتنظيمات، دولا ومجتمعات، فإما إيمان و إما دون ذلك، وعلى الأقل الإيمان بقضيتك التي تعمل لأجلها، فهل يعقل، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، أن ترفع جامعة الدول العربية شعار مناصرة القضية الفلسطينية وتخذل الشعب الفلسطيني مثل هذا الخذلان، فيعجز العرب عامة ومصر خاصة على فتح معبر واحد وهو معبر رفح أمام الغذاء والدواء لشعب يحرق حرقا ؟!
*خاتمة:
نحن على موعد مع طوفان السلمية الذي لن يكون سوى جسرا من أجل العبور إلى شط الأمان، واعلموا أنه لو كانت الدنيا تساوي جناح بعوضة لاحتفظ الله بأطفال غزة ونسائها الطاهرات وذهب باليهود والأعراب جميعا من دون رجعة! هي أيام وليست سوى أيام، وما دامت كذلك فخير زاد هو زاد الإيمان على خط السلمية الذي تجلى في طوفان الأقصى، وهو خيار فلسطيني بامتياز، ولا خيار عن هذا الخط وهذا المنهج، ألا وهو منهج السلمية، ليس استنساخا، ولكن وفق رؤية سننية كلية متوازنة تأخذ في الحسبان خصوصيات التعامل مع المعادلة الخالدة ضمن نظرية التغيير الاجتماعي: إنسان + تراب + زمن = حضارة .
إذا كانت حماس خاصة، والمقاومة الفلسطينية عامة، قد أخذت في الحسبان خصوصيات الصراع مع الاحتلال الصهيوني الغاصب، وهو صراع طبيعي شرعي، فإن المطلوب على خط التغيير الاجتماعي عدم الخلط بين الصراع الطبيعي والصراع المصطنع، ذلك أن بذور الصراعات المصطنعة تولد العنف بين أبناء المجتمع الواحد ، يقتل بعضهم بعضا، عنف لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، دليلنا في ذلك ما جاء في حجة الوداع (10هجرية) حيث خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يوم عرفة من جبل الرحمة، و من بين ما قال: “أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .
ومن دون شك فإن عدم الالتزام بفحوى هذا النص كان سببا في حجب النصر وجلب الويلات !
من دون ريب سيغلب طابع المفاجأة على طبيعة الصراع بين الحق والباطل مستقبلا، مثلما جاء حراك الجزائريين مفاجئا، وطوفان الفلسطينيين مفاجئا .
اللهم أنر دربنا وسدد خطانا واحسن خواتمنا.
أرسل تعليقاً