يا أمَّة ضحكت من (جبنها) الأمم”
د مصطفى حابس : جنيف / سويسرا
ونحن نتابع الفضائيات الغربية، وهي تنقل ” طوفان الأقصى” من أرض فلسطين الحبيبة السليبة الذي وصلت مياهه إلى أوروبا وأمريكا لتكدر عليهم صفو “يوم كيبور”، علما أن هذه الدول في مجملها تزعم أنها علمانية لائكيه لا علاقة لها بالدين، ناهيك على أنها عبرية، كما وصف شيخنا العلامة الابراهيمي، فرنسا بأنها “المستعمرة اليهودية” وذلك في مقال كتبه في جريدة البصائر المجاهد تعليقا على موقف فرنسا في مجلس الأمم “المتحدة على الباطل” – كما وصفه الإمام الإبراهيمي- في شأن القضية الفلسطينية، ذلك الموقف الذي جسّد “كل ما في العرق اللاّتيني من حقد وقاح، وبغض صراح”. أكد الإمام الإبراهيمي ذو البصر الحديد، والعقل الرشيد، والفكر السديد، والقلم الفريد في ذلك المقال أنه لا يجهل تغلغل الصهيونية في فرنسا، وتحكم اليهودية في كل مرافقها، وفي جهازها الحكومي، وفي كيانها الذي هي به أمة؛ و” بل نعدّ فرنسا ومستعمراتها كلها مستعمرة واحدة يهودية.
(البصائر-ع 38 في 7 جوان 1948. ص1، وآثار الإمام الإبراهيمي. ج3، ص 460.)
مرة أخرى يقف القاصي والداني على هذه الحقيقة، سكوت حكام العرب وتواطؤ بعضهم سرا وعلانية من جهة. ومن جهة أخرى كيف التف حكام الغرب ووسائل إعلامهم مع المجرم المتجبر (بنو صهيون) كعادتهم، مساندة مطلقة عمياء لجل دول العالم الغربي لمساندة ودعم كيان بني صهيون، القوة الذرية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، تدعمها كبرى الدول الغربية مجتمعة، وهو نفس السيناريو الذي دبر بليل للعديد من دول عالمنا الإسلامي، وما تفتيت العراق عن المبصرين ببعيد !!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !!
وهذه الأيام خصوصا، وبسبب وبغير سبب، يقرأ أحد منا على أصحابه، أو يسرد سردا الشطر الثاني من إحدى قصائد أبو الطيب المتنبي التي هجا فيها الحاكم المصري كافور الإخشيدي وقال فيها: “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”، ونحن أبدلنا الجهل بالجبن، والجبن أعلى درجة من الخوف إن جاز التعبير فالخوف من الأمور الطبيعية التي من السهل أن يشعر بها الجميع، ولكن الجبن من الصفات المذمومة التي لا يجب أن تكون في الرجال ولا في النساء…
والكثير منا يجهلون باقي أبيات القصيدة، ولا يعرفون المناسبة التي قيلت فيها، إن قصتها في غاية البساطة، فقد عرف عن المتنبي تقلبه في موقفه من ذلك “الكافور”، بين مديح جزيل وقدح غير محدود.
يقول المتنبي في تلك القصيدة التي يأتي في مطلعها البيت:
من أية الطرق يأتي نحوك الكرم*** أين المحاجم يا كافور والجلم
حتى يقول:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
وقد عاب المتنبي حينها على المصريين، في الشطر الأول من ذلك البيت، حصر تمسكهم بالدين في “حلق الشوارب”، في حين قبلوا بشخص مثل كافور أن يحكمهم، ومن ثم فلا يتحمل جريمة تنصيب كافور الاخشيدي ملكا على مصر أحد آخر غير المصريين أنفسهم، من وجهة نظر المتنبي.
وشاطر أبو العلاء المعري، المتنبي فيما ذهب إليه، حين خاطب أهل مصر قائلا: “اقتصرتم من الدين على ذلك (حف الشوارب)، وعطلتم سائر أحكامه! ورضيتم بولاية كافور عليكم مع خسته، حتى ضحكت الأمم منكم واستهزأوا بكم وبقلة عقلكم”.
“ويل للعرب من شر قد اقترب”!!
ليس المقصود هنا النيل من كرامة مصر أو شعبها العظيم، بقدر ما ترد على بال من يتابع المشهد السياسي العربي الحالي، ذلك الشطر من قصيدة المتنبي، لكن المقصود هنا ليس شعب مصر، ولا الملك كافور، وإنما البلاد العربية والإسلامية برمتها، والشعوب العربية قبل حكامها في مقدمتها.
وقد جاء في الحديث الشريف “ويل للعرب من شر قد اقترب”، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أزيد من 14 قرنا، أما اليوم فحق لنا أن نقول ويح وويل للعرب.. وويح وويل كلمات عربية لها وزنها ومدلولها في لسان العرب والعجم، خاصة في زماننا هذا من أيام العرب التعيسة هذه. ومعنى كلمتي “ويح” و “ويل” في القواميس متقاربة ومتداولة وددت لو وجدت أبلغ منهما للتعبير عن مرارة الحالة والهم والغم في ” القابلية للاستعمار” – على حد تعبير مالك بن نبي – الذي أنتاب أمتنا المسلمة في العقود الأخيرة؟ نعوذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وتسلط الأعداء وتفشي الداء وقلة الدواء!!
و قد جاء في مختار الصحاح أن وَيْحٌ كلمة رحمة وويل كلمة عذاب وقيل هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد وويل لزيد، وكذا ويحك وويلك وويح زيد وويل زيد، أو تَعْسا له وبُعدا له ونحوهما ..
أنهلك وفينا الصالحون.. نعم، إذا كثر الخبث، ويح وويل
نعم ويح وويل للعرب “الجدد”.. ويح وويل كما جاء في القواميس، وَيْح [كلمة وظيفيَّة]: كلمة توجُّع وترحُّم وإظهار الشفقة، وقيل: هي بمعنى وَيْل “وَيْحك أيُّها الكاذبُ- وَيْحًا له-، و كما قال الشاعر قيس بن الملوح :
ألا يا طبيبَ الجِنِّ وَيْحكَ دَاوِني … فإنَّ طبيبَ الإنسِ أعياهُ دائِيا
أما نبي أمة أقرأ – صلى الله عليه وسلم- فقد حذر بذات المصطلح، بل وذهب أبعد من ذلك، إذ قال ذات يوم في بيته بيت زينب، -صلى الله عليه وسلم-: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا وحلق بين إصبعيه، قالت له زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث)، يعني إذا كثرت الشرور والمعاصي.. نعم الكثرة في الشرور والمعاصي من أسباب الهلاك، كما قال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، فالواجب إنكار المنكر بالفعل، فإن عجز فبالقول، فإن عجز فبالقلب، والله – سبحانه وتعالى- يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(المائدة:79) ، فالواجب على المسلمين إنكار المنكر، فإذا كثر الخبث والمعاصي صار هذا من أسباب هلاك الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا لم تنكر.
نعم، ما جاء ويل إلا لأهل الجرائم، وأما ويح فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قالها لعمار الفاضل كأنه أعلم ما يبتلى به من القتل، فتوجع له وترحم عليه !
فقد، جاء عن سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لعمار: “ويحك يا ابن سمية بؤسا لك! تقتلك الفئة الباغية” وقد قال أكثر أهل اللغة إن الويل كلمة تقال لكل من وقع في هلكة وعذاب، والفرق بين ويح وويل أن ويلا تقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه، وويحا تقال لكل من وقع في بلية يرحم ويدعى له بالتخلص منها، ألا ترى أن الويل في القرآن لمستحقي العذاب بجرائمهم: ويل لكل همزة! (ويل للذين لا يؤتون الزكاة)! ويل للمطففين! وما أشبهها؟
ويلٌ للعرب من ملوكهم، وويلٌ للعجم من سلوكهم
كما يطيب لنا في هذا المقام، نقل ما كتبه إمام البلاغة، العلامة محمد البشير الابراهيمي منذ أزيد من نصف قرنن وربع (سنة73) {نشر في العدد 70 من جريدة «البصائر»، 7 مارس سنة 1949}، تحت عنوان، سجع الكهان، قوله:
ويلٌ للعرب، من حبل قد اضطرب، وشرٍّ قد حلّ ولا أقول قد اقترب. قُسم الويل، على العميم والخُويل. فويلٌ للعرب من ملوكهم، وويلٌ للعجم من سلوكهم، وويلٌ للروم من صعلوكهم، جنت على الأصفر ناره، وعلى الأبيض ديناره، وعلى الأسود فدامته واغتراره، وعلى العربي ركْبُه البطيّ، ولسانه النّبطي.
ما أكثر الملوك وأهون العنا، وما أكثر السيوف وأقلّ الغنا، سيوف كالدراهم الزيوف، هذه لا تُقني، وتلك لا تغني، ونعيذ العروبة بالله من ملك لا يدفع، وسيف لا يقطع.
أحاجيكم ولا أناجيكم، مملكة في أفحوص، وعاصمة ليس لها (فحوص)، ودولة بلا صولة، وخزينة من أصفار وخزانة بلا أسفار، وكرسي بلا قوائم وعرش بلا دعائم. عرش كعشّ الحمامة، عُودٌ من غرَب وعود من ثُمامة (الغرَب والثمام: عودان رخوان).
وسيوف مجرَّبة، تخيّرن من يوم “تُرَبَة”، وجيش درّبه الغير، وجرّبه إلاّ في الخير، وبطانة مدّ بها الشّيطان أشْطانَه، وحاشية كالماشية، وأسماء بلا مسمَّيات، ومجازات لا حقائق لها، و(مجازات) كلّها حقائق، وملك يأتمر ولا يحجُّ ولا يعتمر، يَحسُن فيه التّمثيل بملك (التّمثيل)
فلله دركم يا حكام العرب “المتجمد”.. و لله دركم يا حكام الغرب “المتمدد” .. والله يمهل و لا يهمل و يهدي للتي أقوم، و إن غدا لناظره قريب، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.