كتاب اشترك فيه 20 فيلسوفاً وعالماً يثير ضجة كبيرة في أوروبا.
يبرهن فيه العِلْم (الغربي) لأول مرة، تصريحا لا تلميحا على وجود الله..
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
من أشهر الكتب والدراسات العلمية العالمية اليوم والتي حازت على إعجاب الكثير من المهتمين من العالم أجمع، ومازال من أكثر الكتب الفرنسية إنتشاراً في وسائل الاعلام عموما عربيها وأعجميها، علما أنه صدر أخيرا فقط منذ شهر أكتوبر 2021.. انه كتاب “الله ، العلم والبراهين” للمفكران الفرنسيان: ميشيل – إيف بولوريه، وهو مهندس في مجال المعلوماتية وحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال العلوم وإدارة شؤون الأعمال من جامعة “باريس – دوفين”. أما الآخر فهو اوليفيه بوناسييس، خريج مدرسة البوليتكنيك الشهيرة.. أما الناشر فهو مجموعة قي تريدانيال الشهيرة والمتخصصة في العلوم والطب والطبيعيات والأديان والروحانيات والتاريخ، منذ تأسيسها عام 1974.
“DIEU – la science et les preuves” de Michel-Yves Bolloré et Olivier Bonnassies – Préfacé par Robert w. Wilson, prix Nobel de physique.
Éditeur Groupe Guy Trédaniel. Paris
طبعا الكتاب يشدك من أول فقراته الإشهارية وحتى بألوان غلافه الزاهية، أين يُعرف أصحاب الكتاب مجهوداتهم، بقولهم أنه بعد ثلاث سنوات من العمل مع أكثر من عشرين عالمًا واختصاصيًا رفيعي المستوى، “البراهين الحديثة في الكتاب تكشف وجود الله”، إذ بعد ما يقرب من أربعة قرون، من كوبرنيكوس إلى فرويد مرورا بجاليليو وداروين، تراكمت الاكتشافات العلمية بطريقة مذهلة، مما أعطى الانطباع بأنه من الممكن شرح الكون دون الحاجة إلى اللجوء إلى إلاه خالق!! وهكذا، مع بداية القرن العشرين، انتصرت المادية فكريا. بطريقة كانت غير متوقعة ومذهلة، تأرجح اليوم البندول العلمي في الاتجاه الآخر بقوة لا تصدق. إن اكتشافات النسبية، ميكانيكا الكم، توسع الكون، موته الحراري، الانفجار العظيم، الضبط الدقيق للكون أو تعقيدات الكائنات الحية قد اتبعت بعضها البعض. لقد جاءت هذه المعرفة الجديدة لإضفاء الحيوية على اليقين الراسخ في الروح الجماعية للقرن العشرين، لدرجة أنه يمكننا اليوم أن نقول أن المادية، التي لم تكن أبدًا مجرد اعتقاد مثل أي اعتقاد آخر، في طريقها إلى أن تصبح غير عقلانية!!”
حيث يبحر بنا مؤلفو الكتاب بطريقة علمية رائعة تاريخ هذه التطورات ويقدمون ” بانوراما دقيقة للأدلة الجديدة على وجود الله. علما أنه في فجر القرن العشرين، بدا أن الإيمان بإله خالق أمر مخالف للعلم. ولكن اليوم أصبحت حقيقة العلم توافق أن للكون إله خالق، وللمخلوقات رب يعترف به؟ “دعوة للتأمل والنقاش..”.
وما شدني في الأسابيع الاولى لصدور هذا الكتاب لما ذاعت شهرته في العالم أجمع، أرسل لي أحد الاخوة الأطباء في الغرب، يحثني على ضرورة الاطلاع عليه عاجلا، قصد تنوير جالياتنا المسلمة وإبداء رايي كتابيا في محتواه كباحث مسلم يعيش في الغرب ومزدوج اللغة، على أن أنشر زبدة محتوى قراءاتي المركزة للكتاب في مقال في حلقتين أو ثلاث، في الجرائد العربية والفرنسية، لأنه – على حد تعبير زميلنا- لحد الساعة لم نسمع إلا بوجهات النظر الغربية؟!
في نفس الوقت طلبت من أحد الاخوة من فرنسا أن يزودني بتسجيل رابط الندوة الصحفية التي نشطها الناشر والمؤلفان حول الكتاب، فوجدتها علمية وغنية وثرية ومن الطراز العالي، لما لا وصاحب تقديم الكتاب حائز على جائزة نوبل في الفيزياء، وما أدراك ما جائزة نوبل، حيث كتب مقدمة الكتاب البروفسور روبيرت ويلسون، أحد كبار مشاهير علم الفيزياء الأميركيين من حَمَلَة جائزة نوبل عام 1978. صحيح أنه ليس متديناً على المستوى الشخصي، إلا أنه تحمس للكتاب وقال ما معناه: على الرغم من أن الأطروحة القائلة بوجود روح ذكية أو عقل أعلى يقف خلف الظواهر كمسبب خالق للعالم لا تبدو له كافية إلا أنه يعترف بتماسكها ومنطقيتها. ثم أضاف: “هذا الكتاب يقدم منظوراً مهماً جداً عن العلوم الفيزيائية الفلكية والانعكاسات الفلسفية والدينية المترتبة عليها.”
ومن بداية قراءاتي للصفحات الاولى والفهرس للنسخة الالكترونية لاحظت أن الكتاب علمي جدا ودسم جدا ويحتاج الى قراءة مركزة متأنية في جلسات وجلسات، خشيت أن لا يمكنني زادي العلمي المتواضع ولا وقتي من دراسته وإبداء رايي في محتواه المتشبع بالنظريات الكونية ولو بقيت مع الكتاب أسابيع، خاصة لما بدأت البحث عن أصداء الكتاب وما كتب عنه من تعاليق بالفرنسية والانجليزية خاصة، وجدت أن عدد الاحالات في محرك قوقل لوحده فاقت 17 مليون إحالة!! رقم خيالي!!
فاتصلت بأستاذنا الدكتور محمد محارقة، الباحث العلمي والاستاذ في جامعة جنيف، ما دامت الامور العلمية والفلكية هي من مجال بحوثه الرئيسية، فباغتني أنه يملك النسخة الورقية للكتاب وهو منكب على دراسته منذ أيام خلت، ولم ينهي قراءته بعد، الا أنه لاحظ مثلي أن ما يفوق 200 صفحة الأولى للكتاب، بها أمور علمية غاية في الأهمية اما الأجزاء الاخيرة للكتاب فقد دخل اصحابها في بعض “الطلاسم الدينية”، مما جعلهم ينبهون القارئ “العلمي” خصوصا، إن أراد تجاوز بعض “الروايات الدينية” فلا حرج!! لكنهم حسب زميلنا الدكتور محمد ” اكتفوا فقط بالروايات المسيحية واليهودية لا غير”، ولم يذكروا – من باب الانصاف العلمي فقط – ولو كلمة واحدة عن وجهة نظر الدين الاسلامي كرسالة موثقة خاتمة لها مراجعها الدينية والعلمية !، حسب تعليق زميلنا الجزائري ..
طبعا، في نفس الوقت كنت اطلعت قبل ذلك على مقال صغير بجريدة الشرق الأوسط في الموضوع، كتبه هاشم صالح، الكاتب السوري المعروف الذي كان مقيما في فرنسا منذ الثمانينات ولمدة ثلاثة وثلاثون عاما، والذي يصنف كمفكر تنويري، بحيث اشتغل وترجم بعض كتب محمد أركون، وله العديد من الأعمال التي تعبر عن أفكاره.. حيث كتب منبها القارئ العربي بقوله:” ينبغي أن نموضع الأمور ضمن سياقها التاريخي لكي نفهم سبب الهزة التي يُحدثها هذا الكتاب القيّم في الأوساط الثقافية الفرنسية منذ أسبوعين أو ثلاثة. ينبغي أن نفرّق بين سياقهم وسياقنا لكي نفهم الأمور على حقيقتها. مسألة وجود الله محسومة عندنا – كمسلمين- ولا يخطر على بال أحد أن يجادل فيها. معاذ الله. ولكن الأمر ليس كذلك في فرنسا وعموم الغرب حيث تهيمن الفلسفة المادية الإلحادية بشكل شبه مطلق على الجميع. من يؤمن بوجود الله عندهم يعد شخصاً رجعياً متخلفاً عن ركب الحضارة والعصر! بالطبع لا تزال هناك قطاعات مسيحية ولكنها مهمشة وتعد من مخلفات العصور المنقرضة أو المرشحة للانقراض”. وبالتالي فالوضع عندهم معاكس تماماً للوضع عندنا في العالم الاسلامي.”
هذا وقد كتبت عنه جريدة «الفيغارو»، من جهتها قائلة: هذا حدث هائل. أخيراً العلم الفيزيائي الفلكي يتوصل إلى البرهنة على وجود الله. هذا الكتاب يقلب كل قناعاتنا السابقة الراسخة. هذا الكتاب يروي لنا ملحمة العالم الكبرى. إنه الكتاب الذي يوضح لنا كيف خلق الله الكون لأول مرة عن طريق الانفجار الأعظم أو ما يُدعى باللغة الإنجليزية: “البيغ بانغ”. وهو الانفجار الذي حصل قبل نحو 14 مليار سنة فقط! من اللاشيء خُلق كل شيء. كنْ فيكون. سبحان الله. إنه لقرآن كريم.
بالمختصر المفيد إنها تقول لنا ما معناه: طيلة أربعة قرون من كوبرنيكوس وحتى فرويد مروراً بغاليليو وداروين، تراكمت علينا الاكتشافات العلمية بشكل صارخ ومذهل. وأوهمتنا بأنه يمكن تفسير العالم من دون اللجوء إلى فكرة وجود إله خالق للكون.
وأما الآن في بدايات هذا القرن الحادي والعشرين فقد انعكست الآية. الآن أصبح الإيمان بوجود الله هو السائد. وترى الصحيفة أن الكاتبين على حق في إصرارهما على أن تطور العلم بات أقل دوغمائية (وهي حالة من الجمود الفكري حيث يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة) حينما يتعلق الأمر بالمسائل العقدية، حيث لم يعد بإمكان الملحدين الاعتماد عليه لإثبات عدم وجود الله، وأصبح بمقدور المؤمنين الاستشهاد بالاكتشافات العلمية لإثبات وجوده
وتؤكد لوفيغارو أنه في ظل هذه التساؤلات، يبقى أمر واحد فقط يقره كل العلماء سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين وهو: مبدأ التساؤلات الميتافيزيقية، وهو ما يعتبر بحد ذاته خطوة عملاقة إلى الأمام بالنسبة للمؤمنين بغض النظر عن معتقداتهم، حتى أن عالم الفيزياء النظرية ألبرت أينشتاين بنفسه انتهى به المطاف بقبول فكرة وجود إله “السبب الأول وراء الأشياء” كما يذكر عنه..
يتبع إن شاء الله..
تعليقان
يبدوا لي أن هذا الإستيقاظ و هذه الصحوة الملفتان للإنتباه يمكن ربطهما بتغير أساسي و هام جدا طرأ على المنظومة الفكرية، أو ما يسمى باللغة الفرنسية ب le Paradigme لهؤلاء الأشخاص. الكون و كل ما يحمله من سنن و من أسرار، هذا الكتاب المفتوح، لا يزال على حاله منذ أن خلقه الله عز و جل، كل ما في الأمر أنه بمجرد تغيير النظارة التي نرى من خلالها كل ما يحيط بنا يحدث في أنفسنا ما حدث لهؤلاء العلماء و بالتالي نصبح نرى أشياء و تفاصيل لم نكن لنراها لول هذا التغيير الذي أصاب نظارتنا. في هذا الإطار يمكننا فهم تلك اللفتات التي يدعونا إليها الله في كتابه الكريم، حيث يذكرنا بكبرى اليقينيات الكونية و بأصل خلقنا و ضعفنا، و هي أمور بديهية لكل من نزع من قلبه براثين التكبر و الإستعلاء
بوركت
ممكن تزودنا بالرابط للنسخة الإلكترونية مشكور؟