مساهمة جديدة قيمة من الدكتور عباس عروة، حول الأزمات وحلها
عنوان الكتاب: السعي إلى السلام: مدخل إلى ترشيد الخلاف
“فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (الأنفال، 1)
“ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله؛ قال: إصلاح ذات البين” (رواه أحمد والترمذي وابن حبان)
يُعتبّر العالم العربي والإسلامي من أعلى أقاليم العالم كثافة للخلافات بين الدول وداخلها التي غالبا ما تؤول الى العنف. ومع ذلك فهو واحد من أفقرها من حيث موارد ترشيد الخلاف النظرية والعملية. وقد تأزّم الوضع أكثر في السنوات الأخيرة، حيث أظهر مسار التغيرات السياسية في عدد من الدول العربية أنّ مرحلة الانتقال فترة حرجة محفوفة بالمخاطر، تكون فيها الدولة في وضع هشّ، مهدّدة بالعديد من الخلافات التي تندلع وتتأجّج على شكل تجاذبات سياسية وأيديولوجية وتوترات عرقية ولغوية وقبلية واحتقانات دينية ومذهبية.
وتتطلّب معالجة التوترات التي تعصف بالمنطقة وتعرقل جهود التنمية البشرية فيها، تكوين نخبة واسعة من المتخصصين في تحليل وترشيد الخلافات، لهم دراية بالتقاليد العربية الاسلامية في هذا المجال والخبّرة التي طُوّرت في الغرب، وقدرة على تكييفها وتنزيلها على المجتمعات العربية الإسلامية مع الأخذ في الاعتبار النسق التاريخي والواقع لاجتماعي والخصوصيات الثقافية لهذه المجتمعات.
وفي حين انتشرت في العالم الغربي العشرات من مراكز وبرامج الدراسات والبحث للتعاطي العلمي مع ظاهرة الخلاف وطرق فضه وترشيده وتحويله الى قوة فاعلة وألية إيجابية لتطوير المجتمع، فإنّ العالم العربي والاسلامي يكاد يخلو من مثل هذه المراكز والبّرامج. وفي أحسن ا لحوال يلجأ القائمون على مسائل الخلاف والسلام الى الاستعانة بخبّرات غربية (منظمات ومراكز (تقوم بتطبيق وصفات أُعِدّت في فضاء ثقافي مغاير للتقاليد العربية والاسلامية.
من الضروري فهم الأسباب التي تجعل العالم الاسلامي غائبا عن الاسهام في هذا المجال المعرفي الحيوي، مع أنه يوجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسير العلماء والصالحين من الأمة من القِيم والمبادئ والتوجيهات والأمثلة العملية ما يمكّن من تطوير نظرية متكاملة وقابلة للتطبيق في مجال الوقاية من العنف والتعامل مع الخلاف وحسن ادارته وتعزيز السلام.
ولعلّ الأحداث التاريخية التي مرّ بها المسلمون، خاصة الصراعات السياسية الكبّرى في العقود الأولى من التاريخ الاسلامي حالت دون ظهور مقاربة صحية للخلاف واسهام نظري معتبر في هذا المجال.
ثمّة اليوم وعي متزايد بالحاجة في العالم الاسلامي لإتقان أدوات تحليل الخلاف وأليات ترشيده. ويمكن قياس ذلك من خلال العدد المتزايد من الشباب المسلمين الذين تدربوا على الوساطة أو يتابعون مناهج أكاديمية في ترشيد الخلاف في الجامعات ومراكز التدريب الغربية.
وقد أنشئ معهد قرطبة للسلام بجنيف في 2002(مؤسسة قرطبة بجنيف سابقا (كمحاولة للمساهمة في سدّ الفجوة بين الكُّم الهائل من الخلافات التي تعصف بالعالم العربي والاسلامي ونقص القدرات والموارد في مجال ترشيد الخلاف والوقاية من العنف وبناء السلم. وتم تحديد ا لأهداف الآتية للمعهد: 1 احياء موارد السلم داخل المجتمعات المسلمة؛ 2 : تمكين الفاعلين في مجال السلم في المجتمعات المسلمة ؛3: تمكين مجموعة من الممارسين لترشيد الخلاف لتكون نشطة وفعالة؛ 4 :الدفع نحو مجتمعات مسلمة تكون جامعة لا اقصائية في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ 5 :المساهمة في التفاعل السلمي بين المسلمين وغير المسلمين.
وأدار المعهد خلال العقدين الماضيين برامج ومشاريع تجمع بين 1 البحث التطبيقي الموجّه نحو اطلاق مبادرات اصلاح ذات البين، و 2 التدريب) باللغات العربية والانجليزية والفرنسية الى جانب لغات أفريقية أخرى(المكيّف مع السياق المحلي ونوعية واهتمامات المشاركين، و 3 الممارسة في مجال ترشيد الخلاف والوساطة بأنواعها، شملت عشرين دولة في العديد من المناطق الجغرافية: غرب أسيا وشمال أفريقيا، والساحل وجنوب الصحراء، وشرق أفريقيا، وغرب القارّة السمراء .
انّ الهدف من هذه المساهمة هو تزويد العاملين في مجال بناء السلم وطلبة الدراسات العليا المهمين بهذا المجال، الناطقين باللغة العربية، ببعض الأدوات والمقاربات التي يمكن استخدامها عند معالجة الخلافات في السياقات العربية الا سلامية، مع الحرص قدر الامكان على التعبير عن المفاهيم التي تم تطويرها في النظرية الحديثة للخلاف والسلم بلغة مفهومة في تلك السياقات مع استخدام موارد من داخل الثقافة الاسلامية، وذلك لتكون أكثر فعالية في عملية ترش يد الخلافات.
لقد تم تطوير فصول هذا الكتاب منذ أن بدأ معهد قرطبة للسلام بجنيف برامجه التدريبية سنة 2004 في سياقات عربية اسلامية. ونشُرت النسخة الانجليزية في 2013 وقد تم تحديث المساهمة وإعادة ترتيب موادّها. كما حُذفت منها ثلاثة فصول: فصل “عشرة مفاهيم أساسية في الاسلام” كان الغرض منه تعريف القارئ الغربي بمفاهيم الدين والاسلام والايمان والاحسان والرحمة والحقّ والكرامة والعدل والجهاد والشريعة، منها ما يُساء فهمه واستعمالَه في الغرب، وفصلا “العمل والكرامة” و”عمل الخير كمقاربة شاملة للأمن البشري”، الذي أفردت لَه مساهمة موسّعة باللغة العربية.
واضيف الى هذه النسخة العربية عدّة فصول ضرورية في التدريب على تحليل الخلافات وترشيدها، والتعامل مع الغلوّ والعنف المتطرّف، وتعزيز التماسك المجتمعي كما أثريت هذه النسخة بأمثلة توضيحية عن تصميم فضاءات الوساطة المحميّة ومنهجية الوقاية من الغلوّ والعنف المتطرّف نابعة من نشاط معهد قرطبة بجنيف في الس نوات القليلة الماضية.
الفهري
تصدير النسخة الانجليزية، 7
مقدّمة، 11
القسم الأوّل: مقدّمة تاريخية ومفاهيمية
1.تطوّر دراسات الخلاف والسلم في الغرب، 15
2.ترش يد الخلاف وبناء السلم في الاسلام، 31
3.ثلاثية الخلاف والعنف والسلم، 47
القسم الثاني: عمليّة ترش يد الخلاف
4. تحليل الخلاف، 65
5. أليات الانذار المبكر والاستجابة السريعة، 85
6.مقاربات ترش يد الخلاف، 93
7. عمليات التفاوض والوساطة، 103
8.مسار المصالحة، 135
القسم ا لثالث: التعامل مع الخلاف السياسي
9.عملية الانتقال الديمقراطي، 149
10. التجاذب الايديولوجي والتماسك المجتمعي
11. اللاعنف في العالم العربي والاسلامي، 195
القسم ا لرابع: الوقاية من الغلوّ والعنف المتطرف
12. ثلاثية الراديكالية والتطرّف والارهاب، 211
13.التمييز بين الكيانات ذات الخلفية الدينية، 229
14.عمليّة التطرّف وسبل ازالته، 239
القسم ا لخامس: التعامل مع التوتّرات ذات البعد الديني
15.التوتّرات الاسلامية–الغربية، 263
16.علاقة الدين بالخلاف وبناء السلم، 283
مراجع مختارة، 301
الاحالات، 327