البرلمان الأوروبي يؤيد اتخاذ إجراء عاجل ضد دولة المجر
بشأن تشريع مناهض لـ” مجتمع الميم”، وسويسرا مقبلة عليه؟
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
واجه الفكر الإسلامي المعاصر، ومعه جاليتنا الإسلامية في الغرب خصوصا، في السنوات الأخيرة جملة من القضايا غير المعهودة حملتها المتغيرات الاجتماعية المتلاحقة عبر الأجيال من قبيل: الانتحار أو الموت الرحيم، والالحاد، والتحول الجنسي، والمثلية الجنسية وما إلى ذلك من قضايا بات لزاما خلق أو تطوير خطاب إسلامي بشأنها، وتأسيس مقاربات أخلاقية وفلسفية استمدادا من الأصول الإسلامية في مقابلة الأطروحات المضادة. وفي السطور التالية أسعى إلى تناول واحدة من تلك القضايا وهي قضية “المثلية الجنسية” أو ما اصطلح عليه في سويسرا هذه الأيام بـ ” الزواج للجميع ” الذي فرضته بعض المواثيق الحقوقية الأممية..
ففي الوقت الذي صوت فيه أخيرا البرلمان الأوروبي لصالح اتخاذ إجراء قانوني عاجل بشأن قانون مجري جديد يحظر شرح المثلية الجنسية أو الترويج لها لمن هم دون سن 18 عاما ؟؟ حيث قال أعضاء البرلمان الأوروبي إن التشريع الجديد ينتهك “قيم الاتحاد الأوروبي ومبادئه وقوانينه”. واعتبر البرلمان أن القانون “مثال صارخ آخر ومتعمد على التفكيك التدريجي للحقوق الأساسية في المجر”. ويصر رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، على أن سياسة المدارس في بلاده مسألة تخص المجر وليس “بيروقراطيي بروكسل”.
وحث البرلمان المفوضية الأوروبية على استخدام أداة جديدة تمكن الاتحاد الأوروبي من خفض مخصصات الميزانية لأي دولة عضو تنتهك سيادة القانون (حقوق المثلية)، لضمان تراجع الحكومة المجرية عن القرار.
كما حث على اتخاذ إجراءات قانونية ضد حكومة المجر القومية اليمينية في محكمة العدل الأوروبية. ويقول منتقدون إن قانون المجر الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ الخميس، يساوي بين المثلية الجنسية والاعتداء الجنسي على الأطفال.
ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، القانون بـ “وصمة عار”، وقالت، إن “هذا التشريع يستخدم حماية الأطفال كذريعة للتمييز ضد الناس بسبب ميولهم الجنسية”. ورد رئيس الوزراء المجري قائلا “مهما فعلوا، لن نسمح لنشطاء مجتمع “ميم” بدخول رياض الأطفال والمدارس الخاصة بأطفالنا”.
وفي سويسرا ينخرط السويسريون في نقاش مجتمعي كبير، منذ أسابيع، كانت قد شرعت به معظم الدول الأوروبية. وفي 26 سبتمبر، سيقرر الشعب السويسري منح المثليين حق الزواج (المثلي) وتأسيس “أسرة” أم لا؟؟.
في الأثناء، يحتدم الصدام بين المدافعين عن “الزواج للجميع” (المثلي) والمتمسكين بالقيم الدينية وبالأسرة التقليدية بين رجل وامرأة.
معلوم أن تاريخ المثلية في الغرب، Homosexuality مصطلح حديث صاغه في أواخر القرن التاسع عشر العالم المجري كارولاي بنكريت، وهو يستخدم للدلالة على الممارسة الحميمية بين فردين من نفس الجنس (رجل- رجل، امرأة – امرأة)، وقد انتشر المصطلح ووظف في مجالات معرفية عديدة كعلم النفس والطب والأنثروبولوجيا، واستبعد تدريجيا المصطلح القديم الذي استقر قرونا طويلة في الحضارتين الشرقية والغربية، وهو اللواط، الذي اعتبر مصطلحا موصوما وغير محايد. وتتفق المصادر الدينية المسيحية والإسلامية أن أول من ابتدع هذه الممارسة هم قوم لوط، وثمة إشارات أن اليونان القديمة عرفت مثل هذه العلاقة وهو ما نجده في حوارات أفلاطون ومسرحيات أرسطوفانس. أما في عهد الرومان فقد كانت هذه العلاقة غير مقبولة حيث عاقب قانون جستنيان الصادر عام 529 مرتكبو اللواط بالإعدام. من جهتها نظرت الكنيسة بقلق إلى الجنس بصفة عامة وحظرته على الرهبان؛ إلا أنها أباحت نوعا واحدا هو “الجنس الإنجابي” أو الجنس في إطار الزواج الطبيعي بين رجل و امرأة، وفي المقابل نددت بأي علاقة تقع خارج هذا الإطار أو بين أفراد الجنس الواحد، وحمل بولس الرسول في رسائله على هذه الممارسة الشاذة ووصف أربابها بأنهم الظالمين الذين لا يرثون ملكوت الله، كما أدانها مجمع لاتران المسكوني الثالث وشدد على أن “من يثبت ارتكابه للانقياد الغرائزي الشهواني الذي يخالف الطبيعة سوف يعاقب”، ورغم تصنيف اللواط كمرض نفسي إلا أنه تصنيف أقل حدة من تصنيف المسيحية له كأثم، فالمرض لا مدخل للإنسان فيه ولا يمكن وصفه بالقبح أو الحسن، ولا يجوز معاقبة المريض، وهكذا انفتح باب الاعتراف والقبول المجتمعي له.
واليوم ها هي سويسرا وهي واحدة من بين آخر أربع دول في أوروبا الغربية لا تمنح المثليين حق الزواج، إلى جانب إيطاليا واليونان وليختنشتاين. وبالتالي، تحتل الكونفدرالية السويسرية المرتبة الثالثة والعشرين في تصنيف الفرع الأوروبي لجمعية المثليين على أساس المساواة في الحقوق للأشخاص المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحوّلين والمتحرّرين جنسيّاً (يُرمز لها اختصاراً بـ LGBTQ) متقدمة بذلك على إستونيا وصربيا فقط.
طبعا، ما دامت الجالية اليهودية والمسلمة أقليات في عدد المصوتين بلا، لأن أغلبية سكان سويسرا ينتمون دينيا للمسيحية بشقيها، وجل الأحزاب معهم، فلا شك أنهم قد يصوتون بالأغلبية الساحقة بنعم يوم 26 سبتمبر، وتدخل حينها سويسرا في محفل ” الاعتراف بحقوق المثليين والدفاع عنهم”، و يبقى تساؤل براءة الأطفال في المدارس، الذين يجدون أنفهم في عائلات غريبة الأدوار، طفل بأمين، أو طفل بأبوين، وهذا على حد تعبير أحد المعلقين الغربيين أنه فضل “لو أنه ولد في الضفة الأخرى للمتوسط في مجتمع مسلم، أرحم له و لعائلته”، أما أحد الأئمة فقد صرح بقوله ” هذا ضرب في صميم تفكيك أسرنا و ثوابتها الطبيعة البشرية التي تجعل لكل طفل أب ذكر و أم أنثى ..”، كما دعت من جهتها، مراكز إسلامية تصريحا لا تلميحا في جنيف وغيرها من كبرى المدن السويسرية، للتصويت ضد هذا المشروع المناقض لأدنى أبجديات الطبيعة البشرية و حتى البهيمية، لكن لا حياة لمن تنادي.. و لله في خلقه شؤون.