مرة أخرة، ومن جديد، تتوّحد غالبية وسائل الإعلام، المكتوبة منها والمرئية، المعربة والمفرنسة، “العلمانيةّ و”الإسلامية”، الحداثية والمحافظة، في الدفاع عن الجلاد وتبييض صفحاته، والتطوع في الوقت نفسه، بتجريم من يفضح جرائمه، حتى ولو كان شابا عمره 15 سنة تعرض لمحاولة اغتصاب. لم تكتف هذه الماكينة الثقيلة بالسكوت عما تعرض له كافة ضحايا ممارسة المخابرات الإرهابية، مثل اغتصابها وليد نقيش من قبلُ وتحرشها بسعيد شتوان بعده، لم تكتف بالتستر عما تعرضوا له، بل راحت تنهش لحمهم، وتطعنهم مضاعفة، ومضايقة وابتزاز ذويهم، واتهامهم بالكذب تارة وافتعال التحرشات وعمليات الاغتصاب تارة أخرى، بل زعمت أن هناك أطراف تتربص بالبلاد، تقف وراءهم وتوظفهم، للمساس بسمعة أجهزة الأمن “البريئة” من هتك حرمة وكرامة الضحايا، حتى أصبحت المهمة الأولى والوحيدة لهذه الماكينة هي تبرئة كافنياك وعبلة وأخواتها من دماء وأعراض المئات من الجزائريين على مر عقود من الزمن.
لم تعر هذه الأقلام والقنوات “المستقلة” بكل “تنوعها”، أدنى اهتمام لمصير الضحايا، ولم تتحقق بشأنهم كما تفرضه عليها رسالتها، ولم تنبس ببنت شفاه حول تلك الجرائم، ناهيك عن التنديد بها، والتضامن مع ضحاياها، واستماتت في تسخير أقلامها وعدسات كاميراتها في الدفاع الشرس، عن الجلاد كالعادة، بصرف النظر عن هوية الضحايا، بما يثبت لنا مرة أخرى، ان الصراع، لم يكن يوما أيديولوجيا، مثلما يؤكده تمَوْقع كل أطياف هذه الوسائل، إلى جانب العصابة وتبييض صفحاتها المخزية، ومهاجمة كل من يفضح جرائمها واتهمهم بتهم بن عكنونية، لتبين أن خط الفصل الحقيقي لم يكن يوما بين علماني/إسلامي؛ ومعرب/ مفرنس؛ حدثي/ محافظ أو وعربي/ أمازيغي، بل الفصل والتمايز كان ولا زال، بين من يقف الى صف الضحية دائما وأبدا، ومن يقف الى صف الجلاد دون شرط أو قيد، وبين من اختار صف الشعب، ومن احتمى في المنطقة الخضراء، نادي العصابة، وهذه الحقيقة قد اتضحت بحمد لله بفضل الحراك، بما يفسر تلك الحرب الهوجاء ضده وضد أهله.
لسوء حظ العصابة الحاكمة والأجرام الدائرة في فلكها والمنتفعة من معالفها، هذا الإعلام الوظيفي لم يعد يحتكر المجال لنفث بروباغندا منظومة المخابرات الإرهابية دون منافس أو رواية مغايرة، وقد أصبح في ورطة بعد أن واجهته وسائل بديلة شعبية بسيطة لكن فتاكة، بفضل استقلاليتها وعدم خضوعها لسيطرة العصا والجزرة، فجعل المافيا العسكرية تجند كل أبواقها للنيل من هذه الوسائل وتجريمها والعمل على إسكات صوتها بكل الطرق، مثلما يتبين في تصريحات تبون أمام الصحافة، وتهديدات لا تشوبها شائبة.
من منظور العصابة، فإن أكبر “جريمة” وأخطرها، يرتكبها الإعلام البديل، من وسائل التواصل الاجتماعي، من فيسبوك ويوتوب وتويتير، أنها تخترق الحواجز وتفلت من رقابة “مقصهم” الذي سمح لهم طيلة عقود من الزمن بتمرير رويتهم الحصرية للأحداث، دون خشية صوت يناقضه، ومكنهم من التصرف في البلاد والعباد بلا رقيب ولا حسيب، وسمح لهم باقتراف الجرائم وتكديس الأموال والنهب بلا طائل، لكن الآن، انتهى عصر الاحتكار “الذهبي”، فكل شيء أصبح يُعرض أمام العالم، بفضل هذه الوسائل، لتكشف هول جرائم منظومة الحكم، ويطلع المواطن على تفاصيل كل صغيرة و كبيرة، ويكشف عورتهم، بما يفسر حروبهم القذرة على هذا الإعلام البديل الذي لا يمكنهم كتم أنفاسه، بعد أن فشلوا في شراء جزء كبير منه، وإنفاق الملايير على الذباب والأقلام المرتزقة وشراء صفحات بأكملها من كبريات الصحف للترويج لهم. كل ذلك لم يفلح في وقف الأصوات الحرة التي اخترقت الجدار الحديدي، واستطاعت من خلال تلفون ذكي، أو حاسوب قديم، وانترنت متعثر، كسر الرقابة المفروضة لكشف الحقائق على أرض الواقع.
فوق ذلك أصبحت العصابة عارية، ومحل تنكيت وسخرية بين المواطنين، على ما يسمونه حربهم السبرنتية، التي أنفقوا على أداوتها ملايين الدولارات، ولا يعلمون حتى معناها، ولم يستطيعوا حتى تأمين حرمة غرف نوموهم من برنامج بيغاسوس على سبيل المثال فحسب، وهم الذين سخروا كل وسائل البلاد لتعقب الزوالية ومواصلة إرهابهم بحق الشعب، بعد أن أفزعهم اكتشاف الشعب بأنه يُحكم من طرف عصابات منضوية في منظمة إرهابية، تستعمل مؤسسات الدولة لقهر الشعب.