عجبتُ من سفهاء قومٍ بحكم حاكمٍ وقدرة قادرٍ أصبح لهم الحق في النظر في معادن الرجال. إذ لم يكتفوا بالجرح والتعديل وفقَ معاييرهم، إنّما تعدّوا ذلك إلى الحكم على الصالحين المُصلحين بالردة في دينهم. هذا الدين الذي اتّخذ من العمالة والخيانة والدنية والمهانة والرداءة أركانًا لهُ.
بصفة عامة الصالح إن كان كذلك، هو أمرٌ يختص به لنفسه. أمّا إن أصبح مُصلِحًا، فهذا دليلٌ على وجود المُفسدِ. اﻷمرُ الذي لا يروق بالتأكيد لكلّ من غُيِّب ضميره ووعيه. فكان فاسدًا ابتداءً، ثم تعدّى ذلك بنشر فساده من حوله. فما بالك إذا تعلَّق الأمر بمصائر الأوطان. هنا كان لِزامًا على كلّ حريصٍ على سلامة وطنه أن يشحذ في سبيل إنقاذه كلّ هِمَّة ولا يدَّخر في ذلك جهدًا.
الوطنية بمفهومها المعقّد قد نظَّر لها الكثير من الفلاسفة والمفكّرين. أمَّا من منظور المواطن البسيط، هي أوّلا إحساسٌ ينتابُ الإنسان ولا يعلمُ له مصدرًا. قد يكون مُستمَدًّا من الأرض التي يقف عليها في بدايات حياته، فتكون قد أرضعته إيّاها وهو لا يدري. وقد يكون مُستمَدًّا من تاريخ هذه الأرض وكل من ضَحَّوا في سبيلها، فتكون بذلك مسؤوليةٌ لا يمكن لأيّ وفيٍّ مخلصٍ أن يتجاهلها أو يتخلّى عنها. بعد ذلك تتحوّل إلى غيرةٍ على هذا الوطن، وعدم القبول بكلّ ما يهدّد حاضره ومستقبله. وهذا بدوره يدفع الأحرار لأن يكونوا مناضلين من خلال العمل الدؤوب من أجل إرساء كلّ ما يضمن وحدة وسلامة واستقرار هذا الوطن. وكذلك مواجهة كلّ من يحيك الدسائس ضدّه، في الداخل ممّن فضّلوا طريق التيه عن الرشاد، وفي الخارج ممّن يتربّصون طمعًا بمصالح البلاد.
ولرحابة صدر الوطنية وسِعة أُفُقها، لم تشترط لها لا لونًا ولا مذهبًا. الكلّ مُرحّب به ومُباركٌ جهده. لكنّها تركت لعُمومِ الشعب تمييز الخبيث من الطيب، لأنّه بطبعه فطرته سليمة. مقياسه في ذلك مصداقية الأشخاص وثباتهم على مواقفهم. أمّا غير ذلك فطريقهم قصير وسيُكشَفون ويسقطون يومًا ما لا محالة. المطلبُ هنا يبدو غاليًا، وحتمًا لن يُقبل دون التضحيات ثمنًا له. فمن المناضلين الصادقين من قضى نحبه، ومنهم مَن يكافح دون هوادة، مُضحّين في سبيل ذلك بالكثير من الغالي و النفيس وما بدّلوا تبديلا.
بعد ذلك يأتي من تعذّر عليهم فهْمُ بعض المفاهيم النبيلة، ويُقرّرون نزع صفة الوطنية المستقيمة عمّن لم يُوافق هوى أنفسهم السقيمة. والأغرب من ذلك أنّهم ربطوا ما لا يُقدّر بالأثمان بوثيقة هي في الحقيقة صكّ غفران. ورقةٌ بيضاء مكتوبةٌ بحبرٍ أسود مختومةٌ بختمٍ أحمر. هذا الختم الذي حاولوا أن يختزلوا فيه سيادة وطنٍ بأكمله، تاريخه وعزّته وكرامته. قيمة الوثيقة بذلك لا تساوي أكثر من ضريبةٍ تدفعها الرعية للحصول على الجنسية.
5 تعليقات
وطنيتك جنسيتك أم جنسيتك وطنيتك ، من هنا يبدأ الإشكال ! و يزيد الإشكال حدة في حالة التعدد ! هل يمكن أن تتعدد الجنسيات ؟ و الوطنية ، فتصبح وطنيات ؟ هناك من يخلط بين الوطنية و المواطنة ، مثلما يتعدد و يتمدد ، بفعل فاعل ، الحق على حساب الواجب ! وطنيتي و وطنيتك ! ما هذه الوطنية التي إذا نطقت بها كذبتك ، وإذا تخفيت بها تعريت ، وإذا استهنت بها أهانتك ، أتدري لماذا ؟ لأنها ولأنها فقط ، هي بمثابة العملة التي لا تقبل التحويل ، فهي بمثابة الأم العذراء التي لا يسري عليها ما يسري على الأمهات من ذهاب العذرية ، والتقدم في السن ، وذهاب صحة البدن والسمع والبصر ، فهي تسع جميع أبنائها ، مضيافة إلى أبعد الحدود ، لا يسعونها بأموالهم ولا بألقابهم ولا بمذاهبهم ، تمنحهم الرحمة والعزة والأمان والشموخ والاطمئنان ، فهي للوطن والوطن بها ، فإذا أردت أن تستدل على الوطنية فتدرك مدلولها فزنها بميزان الحرية ، يمكنك قياسها وقبل ذلك تحسسها من خلال تحسس حرية الديار والأوطان ، نتحسسها وندركها كلما زادت مناعتنا وانتفت قابليتنا للاستبداد ، نستدل عليها في مدارسنا من خلال سلامة ونباهة أطفالنا وحضور ووعي أساتذتنا ، تقييما وتقويما ، علما وبيانا ، أثرا وامتحانا ، نستدل عليها في مزارعنا فنشهد بخيرات الأرض ونشهد بآثارها ، نستدل عليها في جامعاتنا فندل عليها بقيمة الشهادة وأحقية صاحبها ، نستدل عليها بسمعة البلاد والعباد في شتى أنحاء المعمورة ، كسمعة ثورة الجزائر وشهدائها . لاحظ وتأمل معي في عبارة ” المجموعة الوطنية ” ، ماذا تعني ، إذا فقد الشعب أمنه أو حريته أو سكينته أو عافيته أو وحدته الترابية ؟ ماذا تعني ، إذا فقد المجتمع نظامه وتنظيمه ونشاطه وحيويته ؟ ماذا تعني إذا فقد القانون روحه ، أو حتى سمعه وبصره ؟ ماذا تعني ، إذا فقدت الدولة مصداقيتها ، والمجتمع استقلاله ، والشعب سيادته ؟ فهل يستطيع زغماتي أن يثبت لنا وطنيته؟ أو يحدد جنسية أولئك الذين نهبوا و سلبوا باسم الوطنية ؟ ! وعي الحراك الشعبي السلمي كفيل بوقف النزيف في عالم بات يتهدده داء فقدان المناعة الوطنية .
و هل يستطيع نزار قياس وطنيته في سوق الوطنيات، أو في ساحة كميدان الحرية أو ساحة الجمهورية ، فيخطب في الناس مدلول الجنسية ، فيتعرفون من خلاله على بن مهيدي أو زبانة أو حسيبة ، أو المقراني أو بوعمامة ، أو على الأقل يشفع له جندي من جنودنا البواسل على امتداد تراب الجمهورية ، ناهيك عن أهالي بن طلحة ، الرايس، سيدي موسى ، سيدي يوسف ، صوحان، الرمكة، بن عرفة و مئات القرى و المداشر…؟ بالله عليكم كيف يمكنني أن أقرأ الشعارات و لا أقرأ مضمونها و مدلولها من خلال ما يشعر به فعلا أبناء و بنات و أطفال و شيوخ الحراك ؟ !
يمكن أن يشعر المرء بالغربة في وطنه ، حينما يتحسس غربة جزائريات و جزائريين جردوا _ برفع الجيم _ من كل شيء سوى الجنسية ! إلا أن الأنصاف و الأشباه و كل الغرباء و الغرماء، لن يستطيعوا بأي حال من الأحوال الحيلولة دون تدفق دماء الوطنية ! ذلك هو سر قوة الحراك الشعبي السلمي و مدلول كلمة السر من أجل استرجاع السيادة الوطنية .
و بوتفليقة ! ماذا قال بخصوص الوطن و الوطنية و الاستقلال و السيادة و الثورة و الحرية ؟ هل يحتاج ذلك إلى قراءة و تفسير من لدن المختصين في القانون الدستوري أو الجرائم العابرة للحدود الوطنية ، أو تحليل بخصوص الخطابات و الشعارات ! عليكم بوعي الحراك و سلمية الحراك و مطالب الحراك ، فهو الدليل من أجل إدراك مدلول الجنسية الجزائرية .
أما زغماتي و لزهاري و أحمد لعرابة البروفسور في القانون العام الدولي و … ، فهم رهن إشارة الدولة ، عفوا لم أقصد ، السلطة ؟ لا ، النظام ؟ لا ، العصابة لم تبق نظاما و لا منظومة و لا سلطة ؛ أتت على الأخضر و اليابس ، همها الوحيد إبقاء الشعب رهينة ! فمن للشعب من بعد الله سوى حراكه السلمي المتميز !