ما المقصود بسيف السلطان ! ؟ ليس سوى سيف العدل و القانون؛ يتجلى ذلك في حدود سؤال الخروج الذي تمت الإشارة له تحت عنوان ” سيف ذو حدين “، والوصول إلى التمييز بين حالتين، لا ثالث لهما، الخروج على الحاكم، والخروج عنه؛ خصوصا أن تناول الأحاديث النبوية الشريفة بخصوص هذا السؤال، جاء من باب تبرير مواقف وأفعال كثير من الحكام المستبدين الذين تسببوا في مآسي بحق الشعوب .
وعلى هذا الأساس فإن المعنى الأقرب إلى روح نصوص الأحاديث النبوية الشريفة التي أكدت على عدم الخروج، هو سلطان القانون، وتحديدا تلك الأحكام والإجراءات التي تصدر من لدن سلطة القضاء بحق المخالفين للقانون، أو المتسببين في الإساءة إلى الناس والاعتداء على حقوقهم؛ علما أن كثيرا من المتكلمين حصروها في شخص الحاكم أو الرئيس أو الملك، وابتعدوا عن روح النصوص التي ما كانت لتؤسس لطاعة في ظل معصية الله .
وبالرجوع لنصوص الأحاديث النبوية الشريفة في باب الخروج أو فحوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتقريب الصورة ما أمكن بخصوص المنهي عنه فعلا، ودحض بعض الشبهات، وإزالة ما تيسر من غموض يتصل، من دون ريب، بقراءة الناس و فهمهم، نقرأ ما يلي:
الحديث الأول:
عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قنيس، وقال: اسمعوا و أطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم . رواه مسلم .
الحديث الثاني:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك، قال: تؤدون الحق الذي عليكم و تسألون الله الذي لكم. رواه البخاري و مسلم .
الحديث الثالث:
عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال : قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع. رواه مسلم .
الحديث الرابع:
عن عدي بن حاتم قال: قلنا يا رسول الله، لا نسأل عن طاعة من اتقى، ولكن من فعل وفعل، فذكر الشر، فقال: اتقوا الله، واسمعوا وأطيعوا. رواه ابن أبي عاصم في السنة.
الحديث الخامس:
عن عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، و تصلون عليهم و يصلون عليكم، و شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم و يلعنونكم، قالوا: قلنا يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة. رواه مسلم.
الحديث السادس:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب و كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. رواه البخاري و مسلم .
الحديث السابع:
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية. رواه البخاري و مسلم.
لاحظوا، الأساس في كل هذا هو : لا طاعة في معصية الخالق؛ ومعنى : ” لا طاعة ” هي الامتناع عن المعصية وكل ما يؤدي إليها، أو يساعد على فعلها، وهذا هو المطلوب؛ فإذا شاركت العاصي في فعلته، أو ساعدته في ذلك، فأنت مشارك في المعصية؛ وعلى هذا الأساس تكون الاستجابة من باب طاعة الله، وليس طاعة العاصي، ولو كان شخص الحاكم؛ لكن لا يجب الخلط، لأن حدود ذلك واضحة، وهي عدم مفارقة الجماعة بشكل أو بآخر، وأقصاها هو تعريض أمنها واستقرارها للخطر، كأن تدعو إلى رفع السلاح تحت أي مسمى ولو كان باسم ” الجهاد ” فذلك منهي عنه، ومخالف لنصوص السنة وروح القرآن الكريم.
الأساس الثاني: ” تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم”
وهو المطلوب، فالمسلم له واجبات تجاه نفسه، وتجاه أسرته وتجاه مجتمعه، فإذا قام بواجباته تيسر الطريق إلى السؤال عن حقوقه في حدود طاعة الله، وهذا هو المراد، لأن الإنسان المؤمن لا يجد فاصلا بين الاثنين؛ وعلى أساس ذلك يستجيب الإنسان لقوله تعالى : ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” .
ولعل المتأمل في سلوك الأفراد والجماعات يلاحظ تقصيرا في أداء الواجبات “الحق الذي عليكم”، والتسرع على غير أساس في المطالبة بالحقوق، وصولا إلى رفع شعار “مجاهدة الحكام وقتالهم” وهذا هو المحذور.
الأساس الثالث: ” تسمع و تطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع و أطع ” .
بالنسبة للمسلم، يأخذ في الحسبان طاعة الله، ويصل ذلك إلى حدود التضحية بالمال والصبر على الأذى من لدن الحاكم أو الأمير، كأن تؤخذ منه بعض حقوقه، كأن يحبس أو يوضع تحت الإقامة الجبرية، فيفوّض المسلم أمره لله ويحتسب، لكن ذلك لا يصل به إلى المعصية أو المشاركة فيها، أو الشهادة زورا؛ هذا هو المعتبر؛ ومتى صدق الإنسان مع ربه في القيام بواجباته والاحتساب له في حقوقه، وصبر على ذلك في حدود ” لا طاعة لمخلوق في معصية الله، نصره الله .
الأساس الرابع : ” فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة “، هذا هو الجامع، طاعة الله، ويقتضي ذلك الامتناع عن كل ما من شأنه الوصول بالإنسان إلى المعصية؛ إن صوتك أمانة، وهو شهادة، فلا تعن على المعصية بشتى صورها وأشكالها، واصبر على ذلك . لعلكم ميزتم بين الخيط الأبيض و الخيط الأسود بخصوص سؤال الخروج، و ما يترتب عنه من حقوق وواجبات، وأفعال و مواقف.