يعرف الجميع أنه من العبث محاولة تطهير وتعقيم جرح متعفن بأدوات ملوثة، وبالمثل لا يمكن إصلاح وضع بالغ التعفن بأجهزة غارقة في الفساد، ومن نفس المنطلق من السخافة (والمناورة) ادعاء محاكمة الفاسدين، بنفس المنظومة القضائية التي تشكل جزء لا يتجزأ من دولة الفساد الذي يطالب الشعب برحيلها. طبعا سيُتهم كل من يرفض الإجراءات الأخيرة، من حيث المبدأ، بالمزايدة والتشكيك والمطالب التعجيزية، ويقال له مثلما قيل له من قبل أن جيش (ما بعد 2015) ليس هو نفسه الذي سفك دماء الآلاف من الجزائريين في التسعينات، ومن ثم أن جهاز القضاء اليوم هو غير الجهاز ما قبله. إن من يحاول إقناعنا، بأن الإجراءات التي تقوم بها السلطة الحالية (رئاسة بن صالح صوريا، وقايد صالح فعليا) إما مغفل يستغفل غيره، أو مضلل يشارك تضليل المضللين، لأن الواقع الماثل أمام الأعين، يثبت أن نفس العمود الفقري لدولة الفساد لا يزال قائما، بحكومته وبرلمانه (بغرفتيه) وإدارته وولاته وجهاز قضائه، ومن العبث الضحك على الناس من خلال تغيير وجوه بارزة واستبدالها بأخرى، لأن الذي غيّر هذه الوجوه، سواء من ولاة أو رئاسة مجلس الدستوري او مدراء شركات وطنية وما إلى ذلك، هو النظام نفسه المتهم بالفساد، أي حتى الآن لم يتم تغيير خارج النظام وبإرادة الشعب.
بطبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن ينفي أن القبض على عدد من المشتبه فيهم باختلاس أموال الدولة أو التورط في صفقات مشبوهة أو الحائزين على مشاريع بدون وجه حق او قروض تفضيلية بناء على ولاءات ومصالح مشتركة مع موظفين سامين نافذين في الدولة، لا شك أن مثل هذه العمليات قد أثلجت صدور المواطنين باعتبار ذلك جزء مما يطالبون به في إطار إحقاق الحق واستعادة سيادة الدولة والأموال المنهوبة والحقوق المهضومة لكن، لا يجب أن تشغلنا مظاهر العادلة عن العدالة الحقيقة التي لا يمكن تحقيها إلا في ظل دولة القانون والشفافية، وبمؤسسات نابعة عن إرادة الشعب صاحب السيادة.
هل هناك من يستطيع أن ينفي بأن السلطة القائمة حتى الآن بما في ذلك جهاز القضاء لا زالت هي نفسها برجالها وآلياتها وقوانينها، مهما حاول البعض إظهار الأمور على غير حالها، مع التوضيح أن رفض هذه الإجراءات لا يمس رجال القانون في هذه المنظومة أو الطعن فيهم كأشخاص، بقدر ما يركز على المنظومة التي يعملون فيها طيلة عقود من الزمن ولا تزال قائمة، وهي نفس المنظومة التي يطالب الشعب بتفكيكها واستبدالها بمنظومة نزيهة شفافة وغير مورطة في الجرائم المهولة التي دمرت البلد، من جهة أخرى، يستحيل تحقيق العدالة الحقيقية في مثل هذه الظروف، لأن كل ما يمكن أن يحدث هو إما إستقواء الطرف القوي في الظرف الحالي، على خصومه المرحليين، وهم شركاء الأمس، أو تصفية حسابات، أو تلغيم الوضع ونشر الشكوك في كل الناس، أو إلهاء الشعب بملفات لصد الأنظار عن جوهر المطالب، أي رحيل الفاسدين المتمسكين بمقاليد الحكم الفعلي، وليس فقط في الوجوه المنفذة، أي باختصار مطلب دولة القانون والعدالة.
دولة القانون وحدها تستطيع محاكمة الذين نهبوا أموال الشعب واستباحوا دماء الموطنين، في محاكمات قانونية وعادلة وشفافة، بناء على أدلة موثقة تثبت ارتكابهم جرائم ثابتة لا بناء على الشك والشبهة، وتصفية الحسابات أو صد الأنظار وخلط الأوراق. عندما نرفض المحاكمات “الوظيفية”، فليس معتى ذلك أن المواطن يشك في ان معظم الأسماء التي ذكرتها وسائل الإعلام، قد جمعوا أموالا طائلة خلال العشرية الدموية عندما كان الجزائريون يقتلون تقتيلا في جنح الظلام، وترمى جثتهم في قارعة الطريق أو يختطفون من بيوتهم أو أماكن عملهم وأيضا الذين استحواذهم على ثروات البلاد بملايير الدولارات خلال عشرينية بتوفليقة التي أسست لدولة الفساد، ويتعين على هؤلاء تقدم بيانات واضحة عن مصدر ثرواتهم، وفق قاعدة المتهم برئ حتى تثبت إدانته، لتفادي المحاكمات التعسفية، واسترداد الأموال التي هربوها خارج البلاد ليستفيد منها الوطن والمواطن، وليس متابعتهم بشأن قضايا تدخل في إطار اختلافات أو صراعات بين الأطراف، لذر الرماد حولها. خلاصة القول، يمكن تحقيق الهدفين في آن واحد، ومن دون الوقوع في مطب تصفية الحسابات وصد الأنظار، أولا الحجر على كل من تحوم حوله شبهات مع مراقبة حركة أموالهم ومنعهم من مغادرة التراب الوطني وكذا تهريب أمواله، وتأجيل محاكمتهم إلى حين استيفاء شروط محاكمة عادلة، في ظل دولة القانون التي تظل المطلب الجوهري للشعب المنتفض.
تعليق واحد
فعلا إن الذي يجري هو مسرحية ، فصولها باتت معلومة من أولها إلى آخرها ، إذا كان قايد صالح يتحرج من جرائد ، قليل من يقرأها اليوم من شبابنا بالملايين على وجه الخصوص ، ذكرت وجود إيعاز أو إملاء باتجاه النيابة العامة التي استدعت أويحي ، لوكال ، ربراب ، و كونيناف على مستوى محكمة سيدي أمحمد ، فذلك يعني أن قيادة الأركان ما زالت تتناول الأوضاع بمنظور أواخر الثمانينات ، و الأدهى من ذلك الظهور في صورة من يشفق على الدولة ، و شعب الدولة، و سلطة الدولة ، من جهة يرمي السلطة بالتصابة ، و من جهة يلوم المقاطعين لندوتها و وزرائها هنا و هناك ! ؟ مما سبق ذكره يمكن الجزم أن طريقة التعاطي مع ملف الفساد الذي حموه طويلا ، و كانوا جزءا من بيادقه ، هي فخ خطير ، يريدون تعويم ساحة الحراك و إلهائه من أجل تجاوز مرحلة الوعي الجماعي و خلط الأوراق إلى الحد الذي يمكنهم من اتهام الجميع باسم الجميع و تبرئة الجميع باسم الجميع ، و الرهان على على الزمن كهامل يمكن أن يغرق الحراك في جو المطالب الاجتماعية ، و على هذا الأساس وجب أن يضغط الشعب باتجاه التخلص من بؤر النظام الجاثمة على صدر الدولة .