لا يجب أن نغتر بنتائج عابرة براقة يأتي بها الانقلاب العسكري، صريح أو متلبس، قد يبدو لنا أنه قد حررنا من نظام فاسد فاشل ظالم، حتى ولو كان النظام المطاح به فاسد فاشل ظالم فعلا، لأننا سنصحو لا محالة، بعد فترة وجيزة، على كابوس من صنع خيالنا وسذاجتنا ونسج أيدينا، لندرك ونتذكر بعد فوات الأوان، أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الطبع يغلب التطبع، وأن العقلية العسكرية لا تؤسس دول ولا تحرر شعوب ولا تبني مؤسسات، ناهيك عن تقديم مشروع مجتمعي حضاري ينهض بالأمة.
إن رفض الانقلاب موقفٌ مبدئيٌ وأخلاقي لا يخضع للمساومات والحسابات السياسية، وليس من الأخلاق أن ندينه عندما يتم ضد طرف قريب منا أيديولوجيا أو سياسيا أو اجتماعيا، ونغض الطرف عنه أو حتى ندعمه، عندما يتم ضد طرف نعتبره خصما ومعارض لتوجهنا، هذا موقف انتقائي ذميم لا يستقيم والمبادئ الأخلاقية.
لم يكن الانقلاب العسكري يوما في صالح الشعوب مهما تظاهر به الانقلابيون والمروجين لهم، إنها مغالطة كبيرة فادحة وقاتلة، لأن الانقلابي، سواء كان شخصا أو مجموعة، حتى وإن أطاح بظالم محل مقت الشعوب، فلن يستمر الوقت طويلا حتى يتحوّل “المنقذ” على ظهر دبابة وبيانه رقم 1، إلى طاغية أكثر شراسة ودهاء من المطاح به، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
غداة انقلاب السيسي على ثورة 25 يناير، وعلى الرئيس المدني الشرعي المنتخب الأول بطريقة شفافة، في تاريخ مصر منذ قرون، وعلى الدستور، وإدخاله مصر في أتون حرب مدمرة خلفت آلاف القتلى والسجناء والمختطفين، ليعيد بمصر إلى عهد بائد أسوء بكثير مما كانت عليه في عهد مبارك، دخلتُ في مناقشة على الفضاء الأزرق، كان أحد المشاركين فيها السيد علي رشدي، القيادي السابق في حزب FFS، وانتقدتُ يومها الانقلاب باعتبار أن الانقلاب يبقى انقلاب، ومن الواجب إدانته أيا كان فاعله وضد أي جهة تم، فجاء رد السيد رشدي، [ته “لا ينبغي التسرع في الإدانة ولا بد من انتظار ما سيفعله السيسي، لأنه وعد (هكذا يعتبر السيد رشدي) بأنه سيعيد السلطة للشعب” !!!!!، السؤال المطروح على السيد رشدي وكل من سار على هذا النهج (هو مثال فقط) هل كان سيقول نفس الشيء لو وقع الانقلاب ضد حزب متجانس أيديولوجيا مع توجهات حزبه؟؟؟ لا اعتقد، وما يُلاحظ أن موقفه هذا لم يكن موقف الديمقراطي الذي يدعي العمل من أجل إقامة دولة مدنية تحكمها المؤسسات وتعود فيها الكلمة للشعب وإرادته المعبر عنها في الصناديق الشفافة. إن موقفه يبين أنه يقوم على نزعة أيديولوجية ضيقة، وتصفية حسابات مع خصوم أيديولوجيين والتشفي فيهم، أما الشعب وإرادته وخياره، فهي آخر ما يفكر فيه السيد رشدي وأمثاله على ما يبدو. ولنا أن سأله اليوم، بعد 5 سنوات على انقلابه، هل أعاد السيسي الحكم والسلطة والكلمة إلى الشعب؟ الواقع يجيب، لقد سجن عشرات الآلاف، ولم ينج من بطشه حتى أقرب المقربين منه الذين ساعدوه في الانقلاب، وقد زج بهم في السجن لمجرد تجرئهم على الترشح لمنافسته في الانتخابات الرئاسية على غرار الجنرال سامي عنان. والسؤال الأخير، هل كان جواب السيد رشدي آنذاك و”نصيحته” بعدم التسرع والحكم على الانقلاب، مبنيا على استشراف وحنكة سياسية، أم على تموْقع أيديولوجي أفقده البصر والبصيرة وجعله يساند العسكر على خيار الشعب فقط لأن المنقلب عليه كان من طرف “خصم” لمذهبه، تماما مثلما خرج آلاف من حزبه قبل 25 سنة، وأمدوا الانقلاب بذريعة للاستمرار، عندما استدرجوا وخرجوا في الشارع ورفعوا شعار لا دولة بوليسية ولا دولة دينية، فحصلنا على خراب ينبئ بذهاب الدولة برمتها.
أرسل تعليقاً