الأمازيغ هم سكان شمال إفريقيا الذين نشأوا وترعرعوا على حب البساطة والخشونة والاعتماد على النفس ، لا يقف في طريقهم عائق ، يكرهون الظلم ولو كان من أقرب الأقربين ، تاريخهم حافل بالبطولة والتضحية من أجل الانعتاق والحرية ، لم يكونوا يعترفون بالحدود الفاصلة ، لأنهم كانوا يرون فيها قيودا تحد من عزيمتهم ومخالب تجرح كيانهم ، فثاروا في وجهها ونسفوها نسفا ، وباتوا ينطلقون في ربوع وطنهم الممتد من المحيط الأطلسي غربا إلى المحيط الهندي شرقا ، ومن حدود البحر المتوسط شمالا إلى بوابة الصحراء الكبرى جنوبا ، لا يصدهم صاد ولا يمنعهم مانع ، فلما لامست قلوبهم عقيدة التوحيد ذابت بينهم كل الفوارق لونا وعرقا وجنسا ، اسألوا من أقام الأزهر وبنى القاهرة ، وعمر طويلا في اشبيلية وقرطبة ، اسألوهم كيف تعلموا لغة الضاد التي استوعبت ألسنتهم وحافظت عليها ، حفظوا القرآن الكريم وتأدبوا بأخلاقه ، وذادوا عن الحمى وسادوا في سبيل مبادئه ، فكانوا فعلا شهود حق لا شهود باطل ، وسفراء حضارة لا سفراء فتنة وفرقة ، تحطمت على أيديهم أخبث سياسات المحتل الغاصب والماكر ، وسجلوا أقوى وأنصع المواقف من قضايا أمتهم العادلة ، فهم اليوم عرب أكثر من العرب لأنهم تعالوا عن سخافات بعض العرب الذين رأوا في عروشهم عربا خاصة دون كل العرب ، وهم مسلمون كما هم كل المسلمين ، يميزهم رفضهم للطائفية ونبذهم للفرقة باسم المذهبية ، هؤلاء هم العرب الأمازيغ . أما البرابرة الأمازيغ فهم المنتسبون زورا إلى الأمازيغ ، ترعرعوا أبا عن جد على الاحتيال والاستسلام والمكر والغدر والخداع ، لذلك سجل التاريخ ارتباطهم بكل محتل غريب عن الديار ، حتى صاروا يمتازون بتلك الصفة الذميمة ، فمهما بذلت وقدمت لهم من جميل وأحسنت لهم من معروف ، سرعان ما ينكبون على وجوههم فيولون أدبارهم ويرفعون شعار الفرقة ويتمرغون في ساحات التبعية ولو كان ذلك على حساب إنسانيتهم .
اليوم لا نستغرب من الحركة البربرية بقدر ما نستغرب من الأمازيغ الأحرار الذين باتوا غير آبهين بما يحاك ضدهم ، فبدل الصمت الآثم وجب علينا ، وذلك أضعف الإيمان ، أن نلتفت حاكما ومحكوما إلى داعي الحق من أمثال الأستاذ الحر عثمان سعدي ، وقبله لم نلتفت إلى كثير من القامات من أمثال عبد الحميد مهري ، ومولود قاسم ، وعلي بن محمد ، و… ، من الذين همهم ذاكرة الجزائر ومستقبلها ، مثل هؤلاء الأحرار عانوا أكثر مما عانوا من الفوضى التي مرت بها الجزائر إبان تسعينيات القرن الماضي ، الساحة اليوم مليئة بالألغام الموقوتة وتعاني أكثر من العمليات المرقمنة لتمييع وتعويم كل ما هو نظام ومنظومة ، وصدق السيد عبد الحميد مهري رحمه الذي قال : نحن في زمن الرداء وللرداءة رجالها . إن الجزائر دائما حبلى وإن أحفاد ابن باديس ، والأمير عبد القادر ،والمقراني ، والإبراهيمي ، والورتيلاني ، والعربي بن مهيدي ، وأحمد سحنون ، ومهري عبد الحميد ، وآيت أحمد وكل أحرار الجزائر ، يعلمون من هو الأمازيغي الذي لا يفرق بين الجزائريين ، وحتى بين كل سكان شمال إفريقيا ، بل أبناء الساحل الممتد من حدود المغرب على المحيط الأطلسي إلى سواحل عمان المطلة على المحيط الهندي ، يعرفون جيدا من هم الأمازيغ الذين اختاروا سفينة اللغة العربية التي لا تحدها حدود ولا تحول بينها وبين دروب العلم والمعرفة والفن والإبداع ظلمات ، وهم يعرفون جيدا من تكون الحركة البربرية التي صنعتها أيادي محتل الأمس الغاشم ، فرحم الله هواري بومدين الذي أدرك في وقتها حجمها الذي يليق بها وبأسيادها الذين لم يهضموا بعد خروج المحتل الغاصب خائبا مدحورا إن الجزائر بأمازيغها العرب وعربها الأمازيغ الذين انصهروا في ترابها وارتووا بمبادئ دين التوحيد ، ونطقوا بلغة كتاب ربها ، هم الآن وأكثر من أي وقت مضى يدركون مدى الكراهية والبغض الذي تحمله مثل هذه الحركة البربرية التي لم تعد قادرة على إخفاء وجهها الحقيقي ونواياها البغيضة ، المجد والخلود لأولئك الذين شيدوا حصن الحرية الذي تحطمت على أسواره كل المناورات والمؤامرات وستتحطم أيضا كل الإجراءات اللادستورية التي غيبت صوت الشعب وخالفت كل الأعراف والقوانين ، إذا كان ولا بد من معيار وميزان نزن به تطلعات الشعوب ومطالبها فلنفك قيودها أولا ولا نحرمها من ممارسة حقها في الاختبار الحر ، وإن مثل هذا لا يعطى من طرف المستبد أو الغاصب ، السبيل إلى ذلك ليس بالأمر الهين البسيط ، نواميس الكون وقوانينه لا تحابي أحدا ، كلكم يعرف بدقة حاجات الشعوب وما تربو إليه ، وحتى لا تضيع البوصلة استفتوا الشعوب بدل أن تستفتوا أهواءكم ، في غياب الاستفتاء الحر للشعوب سيكون مصير كل إجراء مزيدا من الفوضى ومزيدا من الضياع .
تخليص الثقافة الجزائرية من الشوائب الاستعمارية : *
وبالنسبة للذين يرون أن ” بربر” أو ” بربرية ” لا يعدو أن يكون رافدا ثقافيا أمازيغيا ، فإن ذاكرة شمال إفريقيا كفيلة بكشف كل ما هو شوائب زرعها المحتل الغاصب لأكثر من قرن ونصف القرن ، هل تعلم أن عبارة ” بربر ” أو ” بربرية ” كانت في الأصل إساءة لسكان شمال إفريقيا وامتداداتها نحو الصحراء الكبرى وامتدادا من حدود المغرب المطلة على المحيط الأطلسي إلى غاية أرض سلطنة عمان المطلة على المحيط الهندي ، لذلك فإن من يعبر عن واحد من عناصر الهوية الجزائرية ، أو الشمال إفريقية بالبربرية فإنه يؤكد من قريب أو من بعيد الإساءة إلى أحرار الجزائر خصوصا ، وشعوب ما اتصل بها جغرافيا وثقافيا وإنسانيا من ناحية أخرى ، وخير دليل هو دعوة كثير من القادة الجزائريين الأحرار إلى تخليص الثقافة الجزائرية من الشوائب الاستعمارية التي تريد أن تزيف أصولنا قصد تفتيت وحدتنا . وحتى بالنسبة للذين يعتبرون الجزائر خصوصا ، وشمال إفريقيا عموما مزيجا أمازيغيا عربيا ، فهو أيضا في حاجة إلى وقفة من وجهة ما هو من علم التاريخ ( الحجة القوية والدليل الدامغ ضروري ) ، أي الحاجة إلى فك شفرة مصطلح ” أمازيغ ” ومنبعه ، واعلم أن سكان شمال إفريقيا وامتدادهم الجغرافي والثقافي لم يبحثوا في يوم من الأيام عن مصطلح يعبر عن هويتهم أو عمقهم الثقافي والحضاري ، فقط الذين سموا أهل هذه المنطقة الحيوية بالبربر ، هم مصدر كل بذور الانقسام والصراعات المصطنعة ، والجزائريون اليوم في حاجة إلى من يأخذ بأيديهم إلى شط الأمان بحثا عن اختيار حر وسيد ، وليس إلى إجراءات ارتجالية أو تلفيقية .
وشتان بين الصبغة والطلاء:
إن ثقافة شمال إفريقيا صبغة ، اصطبغ بها سكان الشمال الإفريقي وامتداداته وكل من اتصل بهم من أجناس على مر العصور ، تناغمت مع صبغة الله ( الجانب العقائدي ) فلامست قلوبهم وأرواحهم واستوعبت أعراقهم وألوانهم وألسنتهم ، أما الطلاء فقد كان رافدا من روافد المحتل الغاصب لنشر الفرقة ( سياسة فرق تسد ) والخوف والكراهية ، فأهلا بصبغة الحق وبعدا لطلاء الباطل .
أرسل تعليقاً