ما سأتناوله في هذا المقال الوجيز، ليس تجنيا على إخواني ولا مبالغة، ولا عرضا تشويهيا لصورة بلدي الجزائر، التي أعتز وأفتخر بانتمائي اليها ، ولا بحثا عن شهرة من خلال الاستفزاز، ولكنه واقع مرير أوصلنا اليه القائمون على شؤون البلاد … الذين فشلوا في قطاعات مختلفة… أرويه لكم، من خلال رسائل قصيرة لا تحتاج الى بلاغة كبيرة، ولا الى إزالة تشفير…فهي واضحة وضوح بيت الزجاج.
قبل أن أعيش بالمهجر وأنهم من بعض المعارف ولو على بساطتها، درست في مدارس الجزائر الغراء أيام هواري بومدين رحمه الله، وفي جوامعها العريقة قبل أن يظهر خوارج العصر، وتربيت في أسرة محافظة…وكان من بين من علموني، أحد المناضلين في حزب الشعب ، حسين بليدة رحمه الله …وخريج الزيتونة، عبد الله خبابه رحمه الله . وقضيت جزءا من عمري في بلادي ، حيث اشتد عظمي، وأعرف أدق التفاصيل عندما كنت هناك…
اليوم وأنا أتابع إحدى برامج قناة النهار الفضائية “على الفاسبوك “، بخصوص ما يجري في الجزائر… وخارج أسوار دور النشر بالمعرض الدولي للكتاب… لاحظت أن الذين تم استجوابهم من طرف الصحفي بخصوص اقتناء الكتب، كانت أعينهم مصوبة على الشاورما، عكس الكتب التي من المفترض أن تكون الدافع للذهاب الى المعرض، وهذه حقيقة وواقع يراه الناس، ويعرفه الكتاب وأصحاب دور النشر، والأمر لا يخص الجزائر فحسب، بل يخص الوطن العربي باسره وأمة اقرأ.
وقد أذاعت هذه القناة من قبل عدة برامج، حيث سُئل أحد الشباب عن الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، بخصوص اعتزالها الغناء، فأجاب أنه يحمد الله على ذلك… وبدأ في معاتبتها ثم نصحها وهو لا يعرفها أصلا. وسُئل آخر عن محمد علي كلاي الذي يُسير ولاية العاصمة … وأجاب إجابات جعلت المتابعين يسقطون أرضا ضحكا على الواقع التعيس. وقد فعلت القناة نفس الشيء مع نواب المجلس الشعبي الوطني، وكذا مواطنين حول مفجري الثورة…وأنا هنا لا أتخذ من قناة النهار معيارا أقيس به كما ربما يتبادر الى أذهان السطحيين، بل أتحدث كون أنني ابن الجزائر وأعرف ما يجري في بلادي، ولو أنني لم أرها منذ 17 سنة.
نعم؛ لقد فاز طفل بجائزة القراءة في دبي، وفاز آخر بحفظ القرآن، وفاز كاتب بجائزة، وآخر بتكريم… ولنا الشرف في ذلك … ولكن: أنا لا أتحدث عن هذه العينات من المجتمع الجزائري، بل أتحدث عن الأغلبية الساحقة، التي مع الأسف لا تقرأ، وإذا ما قرئت فإنها لا تحسن القراءة، وأصبحت ثورة البيتزا والشاورما هي السيد.
بمعنى أنه لم يعد مكان للكاتب ولا الكتاب مع أننا أمة اقرأ بقدر ما أصبح المكان للمال والبطن … ويكفي أن نذكر قول الشاعر: رأيت الناس قد مالوا الى من عنده مال ومن لم يكن عنده مال فعنه الناس قد مالوا.
لقد ثار ثلة من الرجال المخلصين في الجزائر، ورفضوا تلك الأوضاع البائسة أيام الاستعمار، وضحوا بأنفسهم من أجل تحرير الوطن…واستطاعوا بإمكانيات جدّ محدودة أن يقلبوا المعادلة…ولو أرادوا الأكل والشرب والتمتع بزخرف الحياة الدنيا ما تحملوا الصعاب ولا خاضوا مسالكها.
للأسف، لم يعد اليوم حديث عن التضحيات والايثار، بقدر ما أصبح الحديث عن ثورة البيتزا والشاورما، التي غزت الولايات… وقد تفاجأت وأنا أستمع الى أن بعض العائلات التي أعرف عراقتها …لم تعد كما كانت، وأصبحت فيها المرأة تمتطي السيارة بمفردها وتدخل مطاعم البيتزا… فيما أنا أعيش في قلب فرنسا وغيري في دول أخرى … نتجنب الدخول الى المطاعم الا في حالات السفر أو في حالات خاصة.
عندما اندلعت أحداث الشغب على خلفية لقاء الجزائر ومصر، بخصوص تصفيات كأس العالم، سمعنا تصريحات غير أخلاقية من بعض المصريين، والتي أساءت للجزائر وللتاريخ المشترك بين الشعبين، قلت حينها للجزائريين: إذا لم يتحرك الشرفاء ويتداركوا ما يمكن تداركه، فسيأتي اليوم الذي تسمعون فيه ما يندى له الجبين، من جزائريين…وليس مصريين.
لقد استمعت وشاهدت بعيني هذه الأيام ، ما يقوم به جزائريون على مواقع التواصل، من سب وسخرية واتهام للشعب بشتى الأنواع… ولذلك، نحن اليوم أمام مفارقة كبيرة ، بين ثورة نوفمبر التي صنعها الرجال، وثورة الشاورما والبيتزا في الجزائر التي فعلت فعتها … ويا رب احفظ الجزائر من المكائد.
نورالدين خبابه 03 نوفمبر 2017