كأنهم حبكوا خطة محكمة ليبغّضوا هذا البلد الطيّب لأهله ، فعلوا كل شيء ، تفننوا في إبداع طرق مستحيلة ليتضايق الناس من بلدهم ويفرّوا منه جسديا أو نفسيا ، اختصروا الجزائر في سلسلة من المخازي والمهازل كلّ واحدة أكبر من أختها، هذا البلد الذي هو موطننا ، تتعلق به الأفئدة ويحب له أبناؤه كلّ الخير ويتمنون التضحية من أجل رفعته ورقيه…لكنهم أرهقونا.
هل القراء في حاجة إلى التذكير بأن ” المشعل ” الذي يعيدون به الشباب منذ الاستقلال ما زال بيد مَن نعرف جميعا في دولة أغلب سكانها شباب ؟ لا يكون أحد مؤهلا للمناصب القيادية إلا إذا اقترب من الثمانين أو جاوزها ، أما ” الأحداث ” فأمامهم التطرف الديني أو الميوعة الأخلاقية أو “الحرقة “.
جاؤوا بوزيرة نذرت نفسها لإخراج المدرسة ” المنكوبة ” من حالها ورفعها إلى مصافّ المستوى العالمي وذلك بتغريبها تغريبا قسريا بدءا بإلغاء كل ما يربط المتعلم بالإسلام ( محَوا حتى البسملة من الكتب الدراسية ) في انتظار الفرنسة الكاملة بإقصاء العربية ، وكان مما ميّز عهدة الوزيرة مضحكات مبكيات مثل دورة ثانية للباكلوريا للغشاشين ومن تمّ إقصاؤهم في الدورة العادية ( هكذا يتمّ تشجيع الجريمة والتزوير بكلّ تبجح ، تماما مثل العفو عن عتاة نزلاء السجون بمناسبة ودون مناسبة ) ، وهل ننسى كيف عالجت مشكلة العطلة الفصلية حين قلّصت مدتها من أسبوعيّن إلى أسبوع واحد فاحتج التلاميذ على ذلك فجعلتها ثلاثة أسابيع !!! هل سمعتم بهذا في بوركينا فاسو أو اثيوبيا أو كزاخستان ؟ مع العلم أنها سياسة النظام وليست نزوات الوزيرة.
تأكدنا من مصادر موثوقة أن خدمات انترنت في موريتانيا والكونغو متقدمة على الجزائر أضعافا مضاعفة.
بلغت نسبة النموّ الاقتصادي في دولة بورندي ( التي خرجت من عهود من الحروب الأهلية والجوارية ) 5% أي من أعلى النسب ، أما عندنا فلا نصدق أية أرقام رسمية لأن التردي الاقتصادي ماثل أمامنا وجزء من حياتنا ، ولولا نعمة البترول لكان حالنا كما تتصوّرون.
وبالمناسبة ، ألا تتذكرون كيف كان الحديث الرسمي منذ أكثر من 40 سنة عن الاستعداد لما بعد البترول ؟ هل تغيّر شيء ؟ هل تمّ إعداد سياسة اقتصادية بديلة ؟ أرأيتم تداعيات انخفاض سعر البترول ؟ فكيف إذا جفّت الآبار وتوقّف الضخّ ؟
لا ينسى أبناء جيلي الحديث الرسمي الصاخب المدوي عن مشروعات عملاقة تعاند صور الصين العظيم من شأنها تغيير وجه الجزائر : الثورة الزراعية ، طريق الوحدة الإفريقية ، السدّ ألأخضر، مصنع الحجار، مجانية العلاج.
كادت في الخطاب الرسمي تحلّ محلّ أركان الاسلام ، مجرد مناقشتها كبيرة من الكبائر… ماذا بقي منها ؟ بل ماذا جرّت علينا من ويلات نتجرّع غصصها ونجرّ ذيول تكاليفها المادية و الحضارية إلى اليوم ؟ هذا ما فعله بنا جنون العظمة ، أما سويسرا فاختارت سياسة تناسب موقعها وحجمها وإمكاناتها واعتمدت اقتصادا يقوم على الصناعات الدقيقة والغذائية و الصغيرة التي لا تكلف كثيرا من الوقت والجهد والمال وتدرّ عائدات ضخمة ، وها هي كثير من الدول الإفريقية تنهج نهجها وتحقق نتائج باهرة ، أما نحن…
حياتنا السياسية تتلخص في ضمان ” السلم الاجتماعي ” ( أي البقاء في السلطة ) مهما كان الثمن ، على المستوى المحلي توزع الامتيازات على الأشرار ليكفّوا شرّهم عن المسؤولين ، المساجد تمّ تسليمها لأتباع الوهابية لقطع الطريق عن الحركة الاسلامية الواعية المعتدلة – من جهة – وللتمكين لدعاة الطاعة العمياء للحُكام ولو جلدوا الظهر واستولوا على المال – من جهة اخرى – ، الديمقراطية تتلخص في انتخابات دورية يخلف فيها الحاج موسى موسى الحاج ، الصحافة – المكتوبة فقط – حرّة أن تقول ما تشاء بشرط ألا يكون لكلامها أي مفعول.
الاسلام دين الدولة والعلمانية سيدة الموقف ، العربية لغة رسمية معها ضرّة مصطنعة وفوقهما جلالة الفرنسية التي تحوّلت من ” غنيمة حرب ” إلى الثابت الأول في البلد ، الديمقراطية أساس تسيير المجتمع لكن المقصود هو الديكور الديمقراطي في ظل شمولية سياسية تعشق الأحادية والجمود والتسلط.
لكن يبدو أن هناك من ألف المهازل إلى درجة التناغم معها ، فقد أكد رئيس حزب إسلامي – نال صفعة مدوية في التشريعيات السابقة ونزل عليه حمّام بارد للغاية – مؤخرا أن الانتخابات المحلية المقبلة فرصة للتغيير ! إنه ببساطة أصبح جزءا من المهزلة.
لا ، الجزائر في حاجة إلى وثبة حضارية قوية تبدأ بالخروج من منطق النظام و وضع مشروع مجتمع تنجزه القوى الكبرى الممثلة للشعب في إطار تفكير نوعي رفيع المستوى يطلّق الترقيع الايديولوجي …بهذا ترتفع البلاد فوق المهازل وتحتلّ المكانة التي تستحقها.
عبد العزيز كحيل
29 جويلية 2017