لأنه متخاصم مع السلفية كان ردّ فعله عليها غير منضبط إلى درجة أنه يخالفها في كلّ أطروحاتها حتى الصحيحة منها.
هي تركّز على السنة فلم يكتفِ ببيان أخطائها المنهجية بل تهجّم على السنة ذاتها ، وأدخل الشك في الثوابت الدينية العلمية وطعن في البخاري ومسلم أي أعمل معول الهدم في المرجعية العلمية الثابتة ، ولا أدري هل تنبّه إلى الخدمة الجليلة التي قدّمها مجانا لخصوم الاسلام من مستشرقين وعلمانيين و” مفكرين مستنيرين ” ، أولئك الذين اتخذوه حجة على الاسلام ولسان حالهم يردّد : وشهد شاهد من أهلها ! ولإغاظة تلك السلفية الوظيفية صار يتناول جيل الصحابة رضي الله عنهم بكثير من الاستخفاف الذي لا يليق وهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء والرسل ، جيل زكاه القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم ، فهو يعيد النظر في تعديلهم وتوثيقهم رغم إجماع الأمة بشأنهم ، ولم يتورّع عن الطعن في معاوية وعمرو رضي الله عنهما ، يثير الناس ضدهما من غير أن يدقق في نوعية الخلاف التاريخي بعد الفتنة الكبرى ، الذي كان خلافا سياسيا لا دينيا ، فنقله من ذلك المجال إلى هذا.
ولأن السلفية تناصب الشيعة العداء فقد تبنّى وجهة نظر هؤلاء في كثير من الأمور العلمية والتاريخية والواقعية وانتصر لهم ، ومع ذلك يدفع عن نفسه تهمة التشيع التي تلاحقه.
وكانت الطامة الكبرى انحيازه إلى النظام السوري في حربه الدموية ضدّ الشعب المطالب بالحرية والكرامة رغم وقوفه القديم مع الثورات العربية السلمية ، ولم يفعل ذلك – فيما يبدو – إلا نكاية في السعودية وأتباعها ، وكأنه لا يبصر بعينيه أن هذه الدولة والجماعات الملتصقة بها قد خذلت أهل السنة خذلانا شنيعا في سورية وفي غيرها من البلاد العربية لأن الذي يسيّرها ليس الانتماء الديني وإنما المصلحة الذاتية مع جرعة كبيرة من الغباء السياسي وانبطاح تامّ أمام القوى الغربية التي تضمن بقاء النظام غير الشرعي في الجزيرة العربية.
هذا هو – في رأيي – الدكتور عدنان إبراهيم ، وقد كان يمكن أن يكون من المفكرين البارزين النافعين للأمة لولا الغلوّ في ردّ الفعل الذي يطبع مساجلاته مع الطرف السلفي إلى درجة دفعه إلى المجازفة بآراء ومواقف هي قرة عين أعداء الاسلام ، وللرجل علم غزير ومنهجية موفقة لاستفادته من الجوّ الفكري الذي نشأ في أحضانه في الغرب ، لكنه نجا من الجمود والتنطع والأحادية ليقع في بعض ما ذكرت من المخالفات الشنيعة.
من محاسنه توظيف تكوينه الفلسفي في الردّ على الالحاد والملحدين والانتصار للتوحيد ، وامتلاكه عقلية علمية حضارية أكسبته التفتح والميل إلى الحوار ، كل هذا مع مهارة خطابية مشهودة.
وإنما أدليت بهذا الرأي لإلحاح بعض الاخوة عليّ منذ زمن لما يعرفون عني من مخالفة للمدرسة الوهابية ، فظنوا أن ذلك يجعلني في صفّ د. عدنان بلا تحفظ ، لكني لا أخالف تلك الطائفة في كل شيء مثله وإنما في غلوائها التي أورثتها الزعم أنها هي الحق وصبغت حركتها بقسوة القلب وإغلاق العقل والتعصّب الشديد لصفّها والمبالغة في رفض المخالفة والتشنيع على المخالف ، وهي صفات لا علاقة لها بالهدي النبوي الكريم ولا مميزات السلف الصالح ، لذلك أنازعها ادّعاء تمثيل أهل السنة والجماعة دون سواها من الطوائف ، وأنا معها في الأصول والكليات ومصادر التشريع وكل ما يميّز أهل السنة – أي الأمة – عن غيرهم ، وفي مقدمة ذلك التمسك الواعي البصير بالسنة النبوية – مع خلافي معها في منزلة السنة وفهم الأحاديث النبوية خارج إطار الظاهرية والنصيّة لأني مع المدرسة المقاصدية – وتبجيل صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من مراجع الحديث المعتمدة ( مع العلم أن الذي يشاغب به بعض الناس على السنة والصحيحيْن شبهات قديمة دندن حولها المستشرقون وأشبعت بحثا وردّا ، ولم يأتِ د. عدنان بشأنها بأي جديد ) و إنزال الصحابة رضي الله عنهم المنزلة التي تليق بهم والتي أجمعت عليها الأمة ، وهم بشرٌ لكن لهم منزلة رفيعة لتخرّجهم من مدرسة النبوية مباشرة ، يجوز البحث العلمي في الوقائع التي عايشوها من غير طعن أو انتقاص من قدرهم لأن في ذلك لمزا لِمن رباهم صلى الله عليه وسلم.
أما سعي عدنان ابراهيم إلى توحيد السنة والشيعة فقد كان حلمأ جميلا عند المتفائلين وأصبح الآن كابوسا حقيقيا بعد ما استقوى الرافضة بدولهم وأسفروا عن معدنهم واستبان أن ما يربطهم بالإسلام خيط رقيق أو دعوى يُكذبها الواقع كل يوم ومن كل الجوانب.
خلاصة القول ان د.عدنان ليس ذلك المجدد الذي يُبعث للأمة على رأس كل مائة سنة كما يروّج ” التنويريون ” ، ولا هو ذلك الجاهل المستهتر أو المرتد كما يصفه الوهابيون ، بل مفكر مسلم نحبّ فيه أشياء ونردّ أخرى.
عبد العزيز كحيل
12 جانفي 2017