الظاهر أن الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، قد وجد في تصريحات الأمين العام للأفلان عمار سعداني، فرصة العمر، لتجديد ولائه إلى فرنسا، والتأكيد لها بأنه لا يزال إلى اليوم، الخادم المُطيع لها، والمروّج لسياستها في الجزائر، والحامي لمصالحها ومصالح بيادقها في البلاد، فأويحيى، لم يكتف برأيي بمعارضة مواقف غريمه في الأفلان، بل ذهب إلى حدّ تزييف تاريخ الجزائر برُمّته، وتقديم ضباط فرنسا من الجزائريين، على أنه لولاهم لما تمكّنت الجزائر من تشكيل جيش قوي.
أويحيى وفي الندوة الصحفية التي عقدها نهار هذا اليوم 08 أكتوبر 2016، كشف بحق عن وجهه الخفي، ومبادئه الحقيقية التي تتقاطع بشكل كبير مع مبادئ قصر الإليزيه، فالرجل قالها بصريح العبارة، إن: “بوتفليقة ضابط جيش التحرير الوطني عمل مع ضباط فرنسا، وهواري بومدين ”الموسطاش” حصلت له مشكلة كبيرة عام 1967 بسبب ما يسمى ضباط فرنسا ولكن تمكن من بناء جيش بضباط فرنسا”، وبالتدقيق في العبارات التي استعملها أويحيى، يظهر وكأن الجزائر لم يكن لها قادة وجنود من جيش التحرير الوطني الذي دحر فرنسا ومعها حلف الناتو، وحقق الإستقلال للجزائر، فأويحيى بإغفاله الحديث عن جيش التحرير الوطني، يسعى بدهاء إلى إيهام الشعب الجزائري بأن “الجيش الجزائري” سليل “جيش التحرير الوطني”، هو هدية تفضلت بها علينا فرنسا من خلال ضباطها الجزائريين الذين وقفوا لتحية العلم الفرنسي إبّان الثورة التحريرية المُباركة، والحال كذلك أرى أنه كان من الأجدر أن يُوجه أويحيى تحية إجلال للفرنسيين على مكرمتهم هذه..
كلام أويحيى الذي يصيب دون أي شك، أيّ وطني غيور على بلاده بالرغبة في الغثيان والتقيّؤ، يستدعي سبر أغواره، والوقوف عند بواعثه الحقيقية، فبرأيي أنه لا ضرر في أن ينتقد أويحيى تصريحات عمار سعداني بشأن اتهاماته للجنرال توفيق والأمين العام السابق للأفلان عبد العزيز بلخادم، من باب الإختلاف في الرؤى والرأي، لكن أن يذهب إلى حدّ تلميع وجه ضباط فرنسا في الجزائر، الذين وقفوا وراء ويلات البلاد والعباد لعقود من الزمن، فهذا ما لا يمكن السكوت عنه، وهذا ما يستدعي النبش في تاريخ أسرة هذا الشخص خلال الثورة التحريرية المباركة، لأنه لا يُعقل أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص أسرته متشبّعة بالماضي الثوري، أمّا عن البواعث الأخرى، فلا أستبعد أن يكون أويحيى بخرجته هذه، يحاول إعطاء ضمانات لفرنسا بأنه رجلها في الجزائر، ويمكن التعويل عليه في الإستحقاقات الرئاسية القادمة.
ما صدر عن أويحيى من إساءة لجيش التحرير الوطني، وللرئيس بوتفليقة شخصيا، من خلال تصريح أويحيى بأنه أي الرئيس بوتفليقة قد تعامل مع “ضباط فرنسا”، يجب أن يشكل موضوع نقاش واسع من قبل المجاهدين والمُختصين، لتسليط الضوء على المرحلة التي استعان فيها الرئيس الراحل هواري بومدين ب”ضباط فرنسا”، وكشف الأسباب الكامنة وراء ذلك، فبحسب ما أعرفه شخصيا من مجاهدين كبار، أن الرئيس هواري بومدين، كان يقول دائما بأن المجاهدين معروفون بخشونتهم، وعنادهم، وبالتالي لا يمكن ترويضهم وتوجيه الأوامر لهم، بعكس “ضبّاط فرنسا”، الذين رأى أنهم في موقف ضعف، ويمكن التحكم فيهم بسهولة أكبر، وبرأي كبار المجاهدين دائما، أن الرئيس هواري بومدين قد إرتكب أكبر خطأ مكّن “ضبّاط فرنسا” من التحكم في البلاد بشكل كلي بعد وفاته، بل وحتى إزاحة الرئيس بوتفليقة آنذاك وإرغامه على الهجرة خارج الجزائر، لكن بعودة الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر، سنة 1999، وتوليه السلطة، لم يكن قادرا على تغيير الأمور بالسرعة المرغوبة من قبل البعض، فكان أن فضل التعامل برويّة وهدوء مع الوضع، الأمر الذي مكّنه من اجتثاث الرؤوس الكبيرة ل”ضباط فرنسا” من صفوف الجيش الوطني الشعبي، الواحد تلو الآخر، لتجنيب وقوع البلاد في دوامة جديدة من العنف، وبالموازاة قام بإعادة إحياء عقيدة جيش التحرير الوطني، بقراره التاريخي المتمثل في إنشاء مدارس أشبال الأمة، تيمّنا بمدارس “أشبال الثورة”، وعيّن مجاهدا على رأس قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي وهو الفريق قايد صالح الذي لم يقف في حياته ل”تحية العلم الفرنسي”، وبفضل هذا المجهود الهادئ والهادف، بات الجيش الوطني الشعبي مُحصّنا ضد مؤامرات “ضباط فرنسا”، بل انخرط في عهد الرئيس بوتفليقة بشكل قوي في مهامه الدستورية، متشبّعا بمبادئ ثورة نوفمبر التي عمل ضباط فرنسا على وأدها، وأبى الرئيس بوتفليقة إلا أن يُحييها ويجعلها منارة توجه البلد إلى مساره الصحيح، ومن ثمة فإن تصريحات أويحيى برأيي تصبّ في الإتجاه المُعاكس لرغبة الرئيس بوتفليقة، وطموحات الشعب الجزائري، في تحصين استقلال البلاد، وهنا كذلك لا بُدّ من الوقوف برويّة عند تصريحات أويحيى التي دافع فيها عن الجنرال توفيق بخبث كبير، وبكلام يحمل ما يحمل من تهديدات مُبطّنة، حيث قال: “أنا لا اتفق مع الخطاب الأخير (يقصد خطاب سعداني) أنا أملي .. عندما يتكلم البعض أن لا ينسى أن وراء شخص ما (يقصد الجنرال توفيق) هناك الآلاف من الأعوان وهم ضباط وضباط صف وجنود وهم كذلك من الجيش الوطني الشعبي”، وهنا كذلك نتساءل هل نية أويحيى هي الدفاع عن المنتمين لجهاز المخابرات الذي كان يقوده الجنرال توفيق، أم أنه يحاول تمرير رسالة مفادها أن الآلاف من عناصر هذا الجهاز هم وراء الجنرال توفيق ويُساندونه؟
هنا كذلك أؤكد بأن الرئيس بوتفليقة لم يستهدف الجهاز على الإطلاق، بل إنه عمل على تخليصه من التبعية للعقليات البالية التي أرادت أن تُحوّله إلى مجرد تابع لإرادة بعض الأشخاص عوض تبعيته للدولة الجزائرية، فالرئيس بوتفليقة بإصلاحه لجهاز المخابرات، أعاد الإعتبار لكلّ مُنتسبيه، بل وأعاده إلى مهمته الرئيسية التي حاول البعض أن يحرِفه عنها، وهو اليوم باحترافيته، أقوى من ذي قبل، وأكثر فعالية وأهل للدفاع عن أمن الجزائر واستقرارها وصدّ كل المؤامرات التي تستهدفها، وبرأيي أنه إذا كان هجوم سعداني على الرئيس السابق لهذا الجهاز قد أزعج البعض، فلنترك للعدالة الجزائرية التحقيق في الإتهامات التي ساقها سعداني ضدّه، دُونما السعي إلى محاولة تعميم الإتهام إلى الجهاز ككل، بغرض اختلاق الفتن وتعميم الفوضى الخلاّقة التي كان ضُبّاط فرنسا بارعين في تنفيذها.
زكرياء حبيبي
8 أكتوبر 2016