الحمد لله القائل في كتابه “وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين”(سورة الذاريات الآية 55)، ففي التذكير منعة للمؤمنين لما غفلت عنه العقول فينتبهوا فيتذكروه.
هي ذكرى حزينة في تاريخ المسلمين غفلنا عنها كثيرا، لكنها لا تنسى لفظاعتها وشدة همجيتها وهولها. ففي يوم الجمعة 22 شعبان 492 هجري الموافق لـ 15 جويلية 1099 ميلادي استطاع جيش الفرنجة الصليبي المسيحي بعد حصار شديد، فتح أبواب مدينة القدس وارتكبوا أكبر المجازر فظاعة وهمجية وبربرية في حق المسلمين بلغ عددهم السبعين ألف 70000 شهيدا يمثلون جل سكان مدينة القدس من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الذين لم يجدوا ملجأ إلا داخل المسجد الأقصى.
وقعت هذه المجزرة الرهيبة خلال الحرب الصليبية الأولى (1096-1099) التي دعا إليها البابا أوربان الثاني Urban ll وبطرس الناسك Pierre L’ermite والتي انطلقت حملتها من فرنسا، راح خلالها البابا أوربان الثاني يوزع تذاكر الجنة والغفران على اللصوص والفقراء والمعدومين مخاطبا إياهم “دعوا اللصوص يصبحون فرسانا” مستغلا الأوضاع الاقتصادية السيئة التي كانت تعيشها أوروبا آنذاك مخاطبا إياهم “إن فرنسا قد اكتظت بالبشر، وان أرض كنعان تفيض حليبا وعسلا”، ولقد نجح في حشد أعداد هائلة من المتطوعين حتى الأطفال والنساء، نعم هكذا كان يدعو البابا إلى الحرب المقدسة وخدمة المسيح.
ويذكر الكاتب الراهب ريموند Raymond D’aguilers في وصفه للمجزرة الرهيبة داخل المسجد الأقصى فيقول: “لقد كان الذبح مهولا لدرجة أن الدماء كانت تغطي أرجلنا حتى الركب”، كما يذكر بعض المؤرخين أن من هذه المجزرة الشنيعة شاع المثل العربي “الدم للركب” أو بالعامية الجزائرية “الدم للركايب”.
وسقطت مدينة القدس، واستشهد جميع سكانها وجاء قادة المجزرة مساءً إلى كنيسة القيامة ليصلوا صلاة شكر للرب على توفيقهم على جرائمهم، وبعد يومين اجتمع القادة مرة أخرى لاقتسام القدس (فلسطين) وما حوله وأصبحت القدس تسمى مملكة بيت المقدس (مملكة بيت المقدس تشمل ما يقرب في العصر الحديث الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة).
وقد تم تعيين جودفوري الأول Godefroy De Bouillon أول ملك لمملكة بيت المقدس ويلقب بحامي بيت المقدس وخلال هذه الفترة تحول المسجد الأقصى لإسطبلات ومستودعات للذخيرة تسمى إسطبلات سليمان (Les Ecuries De Salomon).
نعم هذه هي الحقيقة، لقد حول المسيحيون المسجد الأقصى إلى إسطبلات ومستودعات للذخيرة.
لقد خان المسيحيون العهدة العمرية التي عهدها لهم الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي ضمن لهم فيها الأمن والأمان لأنفسهم ولأموالهم ولحجاجهم وها نحن نذكرهم بها مرة أخرى.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.
أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص. فمن أخرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو أمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم يخلى بيعهم وصلبهم حتى بلغوا أمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه ما على أهل إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبى سفيان.
وخلاصة لذلك نجد أن الحروب الصليبية والمجازر الرهيبة التي ارتكبت في حق المسلمين جاءت نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية قاسية كانت تعيشها أوروبا استغلها البابا أوربان الثاني كان الهدف منها الاستيلاء على الأراضي والأموال وليس للمسحيين حق مادي أو معنوي أو ديني منهوب أو مسلوب في بيت المقدس إلا وأخذ. كما كشف لنا التاريخ أن كنائسهم كانت محفوظة بين أيدي المسلمين ولم تمس بسوء إلا أنه بسبب الخلافات المذهبية وانقسام الحكم الإسلامي بين حكم شيعي عند الدولة الفاطمية وسني عند السلاجقة الأتراك ضاعت القدس فضاعت القدس. واليوم زادت خلافاتنا حدة وتطورت إلى صراعات قاتلة ذات طابع طائفي سني شيعي حتى ضاع بيت المقدس مرة أخرى ووقع بين يدي اليهود الصهاينة واستمرت عمليات التهويد التي لم تكن وليدة اليوم بل بدأت منذ ألفي سنة أو أكثر ولم تنجح ولن تنجح بإذن الله لأن الإسلام هو صاحب الحق في المسجد الأقصى كما جاء على لسان بطريرك القدس “ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة لتكون الدنيا دول بيننا ونستردها يوما ما، ولكنكم ملكتموها إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام وأخلاق الإسلام”.
فهلا اعترفت الكنيسة المسيحية بحق الإسلام والمسلمين في المسجد الأقصى؟
فالمسجد الأقصى حق للإسلام والمسلمين وسوف نسترجعه طال الزمن أو قصر.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
يحيا المسجد الأقصى
تحيا فلسطين
محمد العربي أوشن
14 جويلية 2016