أعلن راديو الفاتيكان يوم 10 مايو 2016، أن البابا فرانسيس كتب رسالة لتواضرس الثاني بمناسبة مرور ثلاث سنوات على لقائهما الذي “تصادف” وكان أيضا إحياء لذكرى مرور أربعين عاما على اللقاء التاريخي بين البابا بولس السادس والباتريارك شنودة الثالث سنة 1973.. وواصل راديو الفاتيكان موضحا أن البابا القبطي كان قد اقترح في ذلك اللقاء، أن يتم الاحتفال كل 10 مايو “بالعيد الأخوي الذي يجمع بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية”.
وبمناسبة الاحتفال بالعيد الثالث لذلك اللقاء أرسل البابا فرنسيس خطابا لتواضرس الثاني يؤكد فيه على القيم المشتركة بين الطائفتين، ويكرر فيه قلقه من أجل المسيحيين في الشرق الأوسط. ويواصل راديو الفاتيكان موضحا: “أنه بعد قرون من الصمت وعدم التفاهم بل والعداء أحيانا، يتزايد تقارب الأقباط والكاثوليك ويتحاورون ويعملون معا على التبشير، خدمةً للإنسانية. وهو ما يسعد البابا فرنسيس الذي يذكّر بهذه المناسبة باللقاء الثالث عشر للجنة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الشرقية الأرثوذكسية الذي أقيم في القاهرة منذ بضعة أيام”.
أما موقع زنيت، وهو واحد من المواقع الرسمية للفاتيكان، فقد تناول نفس هذا الخطاب تحت عنوان “يوم الصداقة القبطية الكاثوليكية 2016”. وقد أدرج ترجمة كاملة باللغة الفرنسية لخطاب البابا فرنسيس الصادر بالإنجليزية، ويتضمن العبارة التالية:
“في مواجهة التحديات الحالية في العالم فإن البابا فرنسيس يدعو الأقباط الأرثوذكس والكاثوليك إلى تقديم رد مشترك قائم على الإنجيل، كما يطالب المجتمع الدولي بأن يستجيب بحكمة وعدالة ردا على العنف غير المسبوق الذي يلم بالمسيحيين في الشرق وبأقليات أخرى”. والأقليات الأخرى مقصود بها المسلمون ! وهو تقريبا أهم ما يتضمنه الخطاب الفاتيكاني.
ومما جاء أيضا في هذا الخطاب:
“بعرفانٍ للجميل تجاه الرب إلهنا أشير إلى الخطوات التي قمنا بها معا على طريق المصالحة والصداقة (…)، وفي هذا الجو من الصداقة المتجددة، فإن الرب يعاوننا على رؤية الروابط التي توحدنا بأنها تولدت من نفس النداء ونفس المهمة التي حصلنا عليها من الآب يوم تعميدنا. وبالفعل، أنه بفضل التعميد أننا نصبح أعضاء في الجسد الوحيد للمسيح الذي هو الكنيسة، شعب الله الذي يطالب بحمده. ليت الروح القدس، الأساس الموزّع لكل العطايا أن يوحدنا كل يوم أكثر من ذي قبل برباط الحب المسيحي ويرشدنا في حجيجنا المشترك إلى الحق والمحبة حتى نتحد كاملا”. والاتحاد بالكامل يعني يقينا تنازل أحد الطرفين عن عقائده، فالخلافات بين الكنيستين عقائدية لاهوتية.
ثم قام البابا فرنسيس بشكر تواضرس الثاني على حسن استضافته السخية للقاء الثالث عشر للجنة الدولية المشتركة من أجل الحوار اللاهوتي بين الكنيستين والذي انعقد في القاهرة بدعوة من بطريركية القديس مرقص منذ أيام.. ثم يوضح الخطاب الفاتيكاني نقاط العمل المرتقب قائلا:
“وعلى الرغم من أننا لا زلنا في الطريق نحو اليوم الذي سنصبح فيه واحدا، مجتمعين حول نفس مائدة الإفخارستيا، فنحن منذ الآن قادرين على إظهار الاتحاد الذي يجمعنا. فالأقباط والكاثوليك يمكنهم معا الشهادة بالقيم المهمة من قبيل القداسة والكرامة لكل حياة إنسانية، وقدسية الزواج والحياة الأسرية، واحترام الحياة التي وهبها لنا الله. وحيال كثير من التحديات المعاصرة، فإن الأقباط والكاثوليك مطالبون بتقديم إجابة مشتركة قائمة على الإنجيل”.
وفي الفقرة الأخيرة يقول البابا فرنسيس في رسالته لتواضرس الثاني:
“كل يوم تتجه أفكاري وصلواتي إلى الطوائف المسيحية في مصر والشرق الأوسط، الذين يعاني عدد كبير منهم تجربة المصاعب الكبيرة والمواقف المأساوية. وأنني مدرك تماما اهتماماتك العصيبة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، خاصة في العراق وسوريا حيث إخواننا وأخواتنا المسيحيين وغيرهم من الطوائف الدينية الأخرى يواجهون المحن اليومية. ليمنح الله أبانا السلام والمواساة لكل الذين يعانون، ويلهم المجتمع الدولي أن يرد بحكمة وعدل على ذلك العنف الذي لا سابقة له”.
ويختتم بابا الفاتيكان رسالته لتواضرس الثاني بأنه يتبادل مع قداسته، “بمناسبة يوم الصداقة بين الأقباط والكاثوليك، قُبْلَة سلام أخوي في المسيح ربنا الذي بُعث” !!
وإذا ما استخلصنا أهم النقاط التي وردت في هذا الخطاب الفاتيكاني لكانت: “التبشير خدمة للإنسانية؛ الكنيسة هي الجسد الوحيد للمسيح الذي هو الله ؛ مواصلة العمل المشترك بين الكنيستين إلى أن يتم الاتحاد الكامل بينهما ؛ الحلول المطلوبة للمشاكل يجب أن تكون وفقا للإنجيل ؛ معاناة الطوائف المسيحية من المصاعب الكبيرة والمواقف المأساوية التي بحاجة إلى حل ؛ استجداء المجتمع الدولي لإنقاذ مسيحيو الشرق الأوسط “بحكمة وعدل” ردا على العنف الذي لا سابقة له”.
وإن رددت اختصارا على هذه النقاط الكاشفة، لقلت: أن التبشير كان وبالا على العالم أجمع، خاصة منذ أن جعله مجمع الفاتيكان الثاني (1965) إجباريا على كافة المسيحيين، وفرض قرار إلزام كافة المسيحيين وكافة الكنائس المحلية بالمساهمة فيه، فما من إنسان يقبل الاقتلاع من دينه عن طيب خاطر. واللهم لا تعليق على كون الكنيسة هي الجسد الوحيد للمسيح الذي هو لله، فهذا إيمانهم، غير أنه يكشف بوضوح أنه لا مكان على الأرض لعقيدة أخرى سوى الكنيسة ومسيحيتها. إن مسألة توحيد الكنائس المختلفة أو المتصارعة أمر كنسي يتعلق بالأتباع ومدى قبولهم التلاعب بالعقائد التي شبّوا عليها وتتبدّل أمام أعينهم ؛ لكن تكرار أن كل شيء يجب أن يتم وفقا لما ينص عليه الإنجيل يوضح ما وصل إليه الفاتيكان من تعصب أعمى، و لا بد من التصدي له علي المستويات السياسية العليا، فليس من حق الكنيسة أن تفرض عقيدتها ـ التي ثبت نسجها عبر المجامع على مر العصورـ على العالم أجمع ! ففي أي حرب تدور لا تكون الطوائف المسيحية هي الوحيدة التي تعاني من ويلاتها، وإنما المجتمع بأسره. والكنيسة تعلم يقينا أن أغلبية مواطني الشرق الأوسط من المسلمين، وأن المسيحيين بكل فرقهم أقلية يبلغ عددها خمسة عشر مليونا..
أما استجداء المجتمع الدولي لإنقاذ مسيحيو الشرق الأوسط “بحكمة وعدل” ردا على العنف الذي لا سابقة له” والذي يعانون منه فرضا، فهي الطامة الكبرى الكاشفة للنوايا العدوانية التي تكنها الكنيسة بكل تفريعاتها ال 349 المنشقة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تصدر عن بابا الفاتيكان، مشعل الحرائق، كما يطلق عليه البعض، فقد سبق له أن ناشد هيئة الأمم بنفس هذا المضمون، وسبق للبابا بنديكت 16 الذي سب الإسلام عمدا متعمدا، أن قام بنفس هذه الخطوة. لذلك لا يسعني إلا أن أتساءل عن ذلك الإصرار الغريب لتلك المؤسسة الظالمة على إشعال مزيد من الحرائق ؟! ألا يكفيها مئات الملايين من البشر الذين حصدتهم طوال تاريخها المؤسف، وما تزال تبحث عن حصد المزيد ؟
تحركات البابا فرنسيس
المتابع لنشاطات البابا فرنسيس ولقاءاته في الآونة الأخيرة، يدرك أن هناك ثمة شيء يتم الإعداد له، فقد التقى بالعديد من المسئولين في مجال الحوار بين الأديان ليحصد البيانات والاقرارات. وقد استقبل وفدا من البوذيين موضحا لهم أنه يمكنهم التعاون لإنقاذ البشرية من آلامها، “انها ضرورة إجبارية أن يتخطى أتباع كافة الديانات حدودهم العقائدية ويتحدوا في بناء نظام اجتماعي مناخي قائم على القيم المشتركة”..
كما التقى بوفد يضم رئيس بكتاشية ألبانيا، بابا إدمون براهيماى، في لقاء يؤكد على الأخوة والحوار والقيم المشتركة، وأكد له براهيماى: “نحن نساند ونؤيد البابا فرانسيس فهو قائد يحمل لواء السلام والتعايش السلمي بين الأديان والشعوب والدول”، مضيفا: “إن حركة البكتاشية جزء من التصوف الإسلامي الداعي إلى السلام والأخوة والإيمان بالرب. أنها كوبري بين الشرق والغرب”..
وفي هيئة الأمم تحدث يوم 6 مايو مونسنيور برنارديتو آوزا، مندوب الكرسي الرسولي الدائم في هيئة الأمم، عن المبادئ الستة الأساسية لنبذ العنف، وهي: رفض غير مشروط للعنف باسم الدين؛ لا يجب ربط العنف والإرهاب بالدين؛ تربية النشء على احترام الإنسان أيا كان انتماؤه الديني؛ مواصلة الحوار بين الأديان بلا توقف؛ اقتلاع أسباب العنف؛ تعهد متواصل بالالتزام بهذه المبادئ”.. وقد سبق للبابا فرنسيس أن تحدث في هيئة الأمم يوم 25 سبتمبر2015 وأوضح أن المبشرين هم مجد الكنيسة ومثال يُحتذى به !..
كما التقي البابا فرنسيس بالملك عبد الله ملك الأردن، يوم 4 مايو الحالي، عقب اجتماع اللجنتين الخاصتين بالحوار بين الأديان واتفقوا على ثمانية نقاط هي: “إن النقاط المشتركة بين الأديان أكثر بكثير من الخلافات؛ ممارسة عبادة الله وحب الآخر؛ التضامن مع إخواننا واخواتنا في الإنسانية؛ مساعدة المحتاجين بعيدا عن الدعوة للدين؛ الاهتمام بتربية الشباب على تقبل التعددية؛ احترام القانون الدولي بتفعيل الحوار بين الأديان”.. والحوار بين الأديان يعني في الوثائق الكنسية وخاصة في وثائق مجمع الفاتيكان الثاني (1965): كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير !
وإذا ما تساءلنا عن سر كل هذه اللقاءات، وغيرها كثير، وإن كانت جميعها تصب في إقرار تقارب مشبوه فيه بين الأديان، وتذكرنا الاجتماع الذي تحدد له موعدا آخر هذا الشهر، في مدينة أستانا، حيث يُطبخ فيها الدين المقترح، التابع للنظام العالمي الجديد، لأدركنا شيئا مما يدور..
عودة إلى مسيحيو الشرق والبابا تواضرس
ودون الدخول في تفاصيل كثيرة تثقل هذا المقال، ان مسيحيو الشرق الأوسط، كما يقول الكنسيون، يعيشون وسط “بحر من المسلمين”.. وهم، في واقع الأمر، من يعتمد عليهم الفاتيكان والغرب المسيحي المتعصب لتنفيذ مآربهما. فهل من “العقل والعدل” الإطاحة بعشرات الملايين من المسلمين في سبيل تنفيذ المخطط الجائر لتنصير العالم ؟!
كلمة أخيرة أوجهها بكل هدوء للبابا تواضرس الثاني: ليتك تهتم بلاهوت أتباعك الذي شبوا عليه، لتقنعهم به حقا، بدلا من الانسياق في مخطط الفاتيكان، مشعل الحرائق، الذي لا يعنيه سوى أطماعه الهدّامة المواكبة للنظام العالمي الجديد. وأن تعمل ما فيه مصلحة البلد الذي تعيش فيه، فالأقباط في مصر، حتى وإن كانوا أقلية، فهم يقينا ليسوا فئة مطحونة “يعانون من المواقف المأساوية”، وإنما هم مواطنون يتمتعون وينعمون بما لا يصل إليه ملايين المسلمين في نفس البلد.. فهم يمثلون حوالي 4 % من تعداد الشعب المصري ويمتلكون حوالي 60 % من اقتصاد الدولة. لكنهم في واقع الأمر، مواطنون تشحنهم قياداتهم ـ بكل أسف ـ إلى مصير مجهول.. لذلك أقولها بكل موضوعية: ليتك تعيد ترتيب أقوالك وأفعالك، وتعمل على مصلحة البلد الذي يحويننا جميعا، مسلمين ومسيحيين بكل فرقهم، فالنار حين تشتعل لا تفرّق بين مسلم وقبطي وإنما تحصد الجميع..
مقالات سابقة تناولت فيها زيارة تواضرس الثاني وتنازلاته، علها تفيد في توضيح الرؤية:
تنازلات تواضرس الثاني للفاتيكان
http://saaid.net/daeyat/zainab/154.htm
خلفيات تواضرس الثاني والفاتيكان
http://saaid.net/daeyat/zainab/131.htm
زيارة تواضرس الثاني للفاتيكان: فريات وتنازلات.
http://saaid.net/daeyat/zainab/128.htm
زينب عبد العزيز
12 مايو 2016
تعليق واحد
كم يهمنا التوحيد
تبشير البابا فرنسيس ومختلف قيادات الكنيسة ينقصه عنصر بالغ الأهمية، إنه الروح،وهل يعقل أن يقوم جسد بلا روح ،وروح التبشير أن تتفق القيادات قبل الأتباع على كلمة سواء إنها توحيد الله ، وبعدذلك سيسهل اللقاء وسيسهل فهم الانجيل كتاب الله ،
وحينها فقط سيسهل فهم البابا فرنسيس من الأتباع قبل الآخرين ، ودون ذلك سيبقى التبشير جسدا بلا روح ،فهل يؤدي البابا الأمانة التي ائتمن الله سيدنا عيسى وسيدنا موسى وكل الأنبياء والرسل عليهم السلام ،فهل يشهد البابا على وحدانية الله ويتخلص من شوائب الشرك التي لم تعد تنطلي على عاقل في هذا الكون الذي يسبح ليلا ونهار بوحدانية الله ،نسأل الله الهداية ،نسأل الله الأمن والأمان لنا ولجميع عباده .