جاء في مقالة لصحيفة لومند الفرنسية، التي تعتبر إحدى الصحف “الأقل” عنصرية ومناهضة للقضية الفلسطينية في الفضاء الإعلامي الفرنسي، مقالة بعنوان “غزة: حماس تمنع الأطفال من الخروج إلى إسرائيل”. ليس المجال هنا للتذكير وإحصاء جرائم الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل طيلة عقود، الغرض هو الوقوف على ذلك الحجم الهائل من الحقد والازدراء والتضليل الذي تمارسه هذه الصحيفة والآلة الإعلامية الفرنسة عموما بكل صلف وإجرام، من خلال زرع حقدها العنصري الأعمى.
تشير الصحفية إلى أن هذه الزيارة “الإنسانية” تم تنظيمها من قبل حركة الكيبوتزيم (جمع كيبوتز) في حين تتجنب ذكر أن هذه الكيبوتزيم هي أراضي فلسطينية تم طرد أهلها منها قتلا وتشريدا ورعبا من أجل إقامة قرى وبلدات يهودية بالحديد والنار، وتضيف لومند أن حماس حرمت 37 طفلا من الأيتام من الخروج في هذه النزهة لكنها لا تذكر أنهم أيتام بفعل قتل إسرائيل، وأن يتمهم لم يكن بفعل كارثة طبيعية أو مرض أو عارض.
كما تقول الصحيفة أن الأطفال الفلسطينيين “المحرومين” الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة كانوا سيتمكنون من الالتقاء بأقرانهم للتعارف لكنها لم تقل بأن الزيارات ستكون إلى مستوطنات تم اغتصابها في تحدّ للمجتمع الدولي دون أن يجد المحتلّ من يردعه، وكيف له أن يرتدع عندما يشاهد المستوطن مثل هذه الصحف تبيّضه من كل جريمة بل وتحيل الجريمة إلى الضحية دون أن يرف لهال جفن، ثم توضّح الصحيفة أن الغرض من الزيارة يرمي إلى نقلهم إلى المستوطنات التي قصفها الإرهاب الفلسطيني (المقاومة) ليقف الأطفال على آثار “إرهاب” حماس الذي يروّع الجار الإسرائيلي الطيّب الكريم والإنساني.
التطرّف والانحياز الأعمى للإعلام الغربي والفرنسي على وجه التحديد ليس له نظير في مناهضة الحق الفلسطيني المشروع في استقلاله واستعادة سيادته وحرية، تطرف يقترن بدعم فجّ من قِبل هذه الماكينة الإعلامية الفرنسية في مساندة الجرائم الصهيونية إلى حدّ تصوير المحتلّ وكأنّه الضحية الأبدية حتى لما يوغل في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة ويسحقهم تحت أطنان من القنابل، ثم يصوّر ذلك على أنّه دفاع مشروع ضد “التطرّف والإرهاب الفلسطيني”، بل يذهب به الحقد إلى تحميل الضحية مسؤولية قتلها. هذا التطرف العنصري من الماكينة الإعلامية الفرنسية فاق كل تصوّر بحيث جعل بعض اليهود أنفسهم ينتقدونه ويدينونه ويعتبرونه أسلوبا انتحاريا سيجلب الدمار على إسرائيل واليهود. هناك من اليهود سواء في إسرائيل أو باقي بلاد العالم من صاروا لا يطيقون هذا الانحياز البغيض ويتهمون هذه الوسائل بأنها تزايد حتى على أشرس المنابر العنصرية في إسرائيل التي تفسح بحسبهم حيّزا من الرأي المخالف، مقارنة بالفضاء الإعلامي الفرنسي المحنط والمنغلق على رأي واحد، يردّد نفس الديباجة دون أن يجد من يخالفه الرأي، ويعتبر هؤلاء اليهود هذا التوجه خطرا عليهم وما فتئوا يحذّرون من عواقبه الوخيمة التي بدأت حسبهم تدفع نحو تصعيد بدلا من حلّ الأزمة بشكل “عادل” يضمن كرمة الشعب الفلسطيني وسيادته على أراضيه.
عنوان صحيفة لومند يحمل قدرا كبيرا من الخبث، إذ يصوّر الأمر وكأنّ ثمة تعاطف إسرائيلي غربي مع الأطفال الفلسطينيين، وحسرة عليهم من همجية “الظلامية المتطرفة” لحماس التي منعت هؤلاء الأطفال من الخروج من سجن غزة (طبعا دون ذكر من هو الحارس على أبوابها) للتنفس على حالتهم البائسة، ودون أن تشير هذه الصحيفة إلى أن هؤلاء الأطفال معظمهم من ضحايا هذا الكرم الإسرائيلي، ما بين يتيم ومشرّد ومعطوب وممزق الأشلاء، وأن من قتل ذويهم هم من يظهرون هذه الإنسانية الشيلوكية. تريد الصحيفة من خلال هذه المقالة الماكرة إظهار “السخاء” ونبل المضيف الإسرائيلي، في مقابل قسوة ولاإنسانية “حماس” العربي الفلسطيني الإرهابي، وكأن هؤلاء الأطفال يجهلون من هو قاتلهم، ولا يفرّقون بين الجلاد والضحية.
وفي الأخير، لنا أن نسأل لماذا لا تسمح “إسرائيل” رمز الإنسانية، وواحة الديمقراطية، لماذا لا تسمح لأطفالها بزيارة غزة الإرهابية والوقوف على هدايا إسرائيل الحنونة لشعب غزة، تلك الأطنان من القنابل التي قصفت بيوت وعمارات ومستشفيات ومساجد فوق رؤوس ساكنيها؟ هذا ما لن نقرأه أبدا لا على صفحات لومند ولا أي صحيفة متحضّرة أخرى، فرنسية كانت أو أوروبية.
رشيد زياني-شريف
30 ديسمبر 2014
Gaza : des enfants privés de sortie en Israël par le Hamas
http://www.lemonde.fr/proche-orient/article/2014/12/28/gaza-des-enfants-prives-de-sortie-en-israel-par-le-hamas_4546803_3218.html