ومن يمنعون الناس من الاستيقاظ هم من يقومون بحشو العقول سواء بالمذهبية الضيقة أو الطائفية الممقوتة أو الحزبية التي تخدم العصبيات والأهواء باسم الإسلام أو باسم الديمقراطية، أو الوطنية الزائفة التي تدغدغ العواطف وتخدم المصالح والفئات والاشخاص، أو باسم الحضارة والتمدّن…
لقد أرادت الأنظمة الفاسدة المفسدة لشعوبها أن تظل هائمة نائمة وأن لا تستيقظ أبدا من سباتها، وكلّما حاولت أن تستيقظ وأن تصحو وتنهض، سارعت هذه الأنظمة لإبقائها في حالة النوم، وكل من صحا وأراد إيقاظ صاحبه من نومه اتّهم بالإرهاب وبالتحريض والزندقة والتخلّف والرجعية و… وحيكت ضدّه كل أنواع التهم حتى يُمنع من الحديث والتواصل مع من يعتبرهم نيام…
وقد يقول قائل ما فائدة هذه الفلسفة الزائدة في هذا الوقت بالذات، ألم تستيقظ الشعوب وانتهى الدرس؟
أقول بأنّ الاستيقاظ الذي أعنيه في هذا المقال هو النهضة الشاملة، ولا أريد أن يكون الاستيقاظ ظرفيا كالذي يشبه ذلك الإنسان الذي استيقظ مفزوعا من نومه ولا يعرف وجهته ثم يعود لنومه، ومن يزعم أنّ الأمة نهضت فالعبد الضعيف لا يزال حذرًا.
إنّ هدف الإبقاء على حالة النوم ومنع الناس من الاستيقاظ هو تفويت فرص النهضة على الشعب، لأنّ نهضته تعني فساد مخطّطات المتاجرين بالأزمة والمقامرين والانتهازيين والمستعمرين الجدد، الذين غيّروا أقنعتهم واستراتيجياتهم ويحاولون بوسائل الدعاية والمكر والخداع ربح مزيد من الوقت كي تبقى المبادرة عندهم وتستمر الشعوب في رقادها…
إنّ أوّل شيء يؤدّي بالإنسان الذي يريد التحرّر من العبودية بكلّ أشكالها هو خلع رداء الطاعة العمياء من الحاكم الظالم المستبدّ المتكبّر، ومن الداعية المغرور المرائي والمتهوّر، والاعتماد على النفس واستخدام العقل.
فلا نهضة ولا حضارة دون وعي، ولا بناء دون تركيز ونظر. فالحضارة والنهضة بما تحملانه من معنى ليستا حكرًا على بلد ولا لجهة بعينها في كل المجالات، بل هما في متناول كل من أرادهما واستوفى شروطهما.
والاستيقاظ الممنوع هو ليس خاصَّا بأنظمتنا فحسب، بل يشمل من يُصدّرون لنا القشور ويأخذون منّا اللّب، ويدعّمون الدكتاتورية والفرعنة التي تقتل الإبداع والفكر في أمتنا، وتجعل من الإنسان مهزوز النفس خانعًا متكلا… ويمنعون عنا الاستيقاظ الحقيقي الذي يعيد لنا كرامتنا وعزتنا بين الأمم…
نور الدين خبابة
6 يناير 2012