لقد دُفعت دفعا إلى الحديث عن هذا الموضوع بعد الذي قرأتُه هذه الأيام في الصحف الوطنية عن تصريحات الجنرال المتقاعد خالد نزار وزير الدفاع الأسبق للمحققين معه بجنيف (سويسرا) عن تهم التعذيب وجرائم ضد الإنسانية، وقصدي من ذلك ليس الردّ على شخصه؛ لأن الشعب الجزائري يعرف الحقيقة، ولا الإجابة على الأسئلة المطروحة، لأنّ الغرب ملّة واحدة (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ اليَهُودُ وَالنَّصَارى حَتّى تَـتّبعَ مِلّتَهُمْ)، ولكن قصدي وضع القارئ الكريم أمام الصورة الحقيقية لما جرى حول هذا الموضوع والحيثيات والملابسات التي رافقته، خصوصا بالنسبة للشباب الذين لا يعرفون كثيرا عن خلفيات الأزمة لكونهم كانوا صغار السنّ أثناء وقوعها، ولتقاعس بعض وسائل الإعلام بما فيه الصحافة المكتوبة عن واجب تعريف المجتمع عما حدث لهذه الفئة ، والذي لاحظته شخصيا أنّ ما ينشر حول هذا الموضوع هو ما يوافق أطروحات السلطة فقط ، إلا أنّه ينبغي الإشارة هنا إلى التصريحات المتكررة مؤخرا للأستاذ فاروق قسنطيني حول الفئات المنسية في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ومنهم معتقلو الصحراء، وهم بالآلاف ربما قرابة العشرين ألفا الذين أخطئت في حقهم الدولة الجزائرية وينبغي ردُّ الاعتبار لهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم وبذويهم ماديا ومعنويا كما يقول الأستاذ قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان.
ويجدر بنا هنا قبل الخوض في المقصود أنْ نؤكّد على حقيقةٍ محكمةٍ وقاعدةٍ جليلةٍ يغفلُ عنها الناس ويتغافلها أهل السياسة والقانون ومن يمتهنون العمل في إطار حماية حقوق الإنسان ، وهي أنَّ : (ما بُني على باطل فهو باطل)، ويمكن تذكير هؤلاء وهؤلاء بالمثل الشعبي المشهور (أُكلتُ يومَ أُكل الثور الأبيض) ، ذلك أنّ الذين قاموا بانقلاب 14 جانفي (1992) وصادروا إرادة الشعب الجزائري السيد واختياره الحرّ الذي عبّر عنه في الانتخابات التشريعية ديسمبر 1991 والانتخابات المحلية جوان 1990 والتي أقرها المجلس الدستوري طبقا لدستور فيفري 1989 وقوانين الجمهورية السارية المفعول آنذاك ، هؤلاء هم من فتحوا أبواب الشرّ وأشعلوا نار الفتن التي تسعّر بلظاها الشعب الجزائري زمنا طويلا ولا يزال… لقد قاموا أصلا بالانقلاب على شرعية الرئيس المنتخب الشاذلي بن جديد وهدموا أولى دعائم الجمهورية وشعائر الديمقراطية التي يتغنون بها، أسقطوا بالقوة رئيسا شرعيا وبرلمانا منتخبا وعوضوهما بمجلس أعلى للدولة ومجلس انتقالي معين فاقد الشرعية، مسلوب الصلاحيات، وبفعلهم هذا قَـبَرُوا نهائيا المسار الديمقراطي الذي أقره الشعب من خلال دستور فيفري 1989 بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 ومزقوا أخر أوراقه، وهذا باطل في الشرع والدستور والأعراف، ولعمري ماذا يكون حكم هذه الأفعال إلاّ حكم أصلها ألا وهو البطلان.
وقبل أنْ أشرع في سرد حيثيات وملابسات الإعتقلات التي حدثت ابتداءً من تاريخ إعلان حالة الطوارئ يوم 9 فيفري 1992 ، أودّ أن يعلم القارئ الكريم أنّ كاتب هذه الأسطر هو واحد من ضحايا الاعتقال، اعتقل مباشرة بعد نشرة الثامنة ليوم 9 فيفري 1992 فور الإعلان عن حالة الطوارئ من مقر سكنه مِنْ قِبل عناصر الدرك الوطني ونُقل إلى معتقل رقان بولاية أدرار يوم 12 فيفري 1992 وكان مع آخر من خرج من معتقل عين امقل بولاية تمنراست بتاريخ 2 ديسمبر 1995، وعايش المآسي والفضائح والتجاوزات والخروقات والإهانات والمساومات التي مورست على المعتقلين من قبل مُعْتَقِلُوهم ، والتي لا يسعها إلاّ مجلدات ليس هاهنا مجالها، ولكن سيأتي بإذن الله وعونه حتى لا يظن البعض أنّ السكوت دليل الموت أو الخنوع، ولكن لكل حديث زمن ومكان لم يحلا بعدُ، والله المستعان، فقط ليعلم الجنرال أنّ الناس اعتقلوا من مقر سكناهم أو عملهم وليس كما يدعي أنّهم اعتقلوا من ساحات الاعتصام أو المظاهرات وإنْ كان الدستور يكفل لكل مواطن حق التظاهر والاحتجاج بشرط ألاّ يخلّ بالنظام العام أو يعتدي على حرّية الآخرين.
ولا أسعى من خلال هذا المقال أن أنقل يوميات المعتقلين ولكن فقط الوقوف عند بعض المغالطات التي حاول الجنرال نزار أن يستغفل بها عقول الناس وهو يعلم الحقيقة، فإن كان لا يعلم فذلك شأن آخر… أترك الجواب عنه لأنه ليس من شأني، أمّا والحال أنه يعلم فتلك طامّة أعظم.
إنّني أحاول أن أميط اللثام عن بعض الممارسات التي كشفت سوءات أدعياء الحداثة والعصرنة والديمقراطية كيف عاملوا مواطنيهم وحافظوا على كرامتهم وأموالهم وحقوقهم الأساسية التي وهبها لهم الله وحده واهب الحياة وأقرّتها أعراف الدّول ومواثيق الأمم الحاضرة والغابرة، المؤمنة والكافرة، بل وصارت تعادي وتصاحب، تسالم وتحارب على قدر احترامها أو هدرها.
إنّ أبرز سوءةٍ ظاهرةٍ في مسألة معتقلات أو محتشدات الصحراء هو توقيتها والأمكنة التي اختيرت لها، والتي من خلالها تبرز بعض بصمات بقايا الاستعمار الفرنسي الهمجي؛ حيث أنّ تاريخ بداية نقل المعتقلين إلى معتقل رقان المحاذي للمطار العسكري هو 12 فيفري وهو المصادف لـ 13 فيفري 1961 تاريخ انفجار القنبلة النووية الفرنسية في صحراء الجزائر المعروفة بـ : اليربوع الأزرق، فربما كان هذا صدفة ، فكيف يكون اختيار المكان صدفة أيضا وهو المكان الذي كان قاعدة الجنود الفرنسيين المكلفين بتحضير الانفجار النووي الفرنسي ، ويعلم العام والخاص أنّ آثار الإشعاعات النووية قد تبقى لأكثر من 4500 سنة ، فإن كان هذا صدفة أيضا فماذا نقول عن معتقل وادي الناموس الموجود بولاية بشار على بعد 150 كلم والذي حوّلنا إليه بعد رقان، وكان مركزا عسكريا اتخذه الجيش الفرنسي كقاعدة لتصنيع وتخزين الأسلحة الكيميائية وقد مكثوا فيه (أي الفرنسيين) – حسب سكان المنطقة- بعد الاستقلال إلى غاية أواسط السبعينيات، وهو عبارة عن بنايات ومخازن والمناطق المحيطة به على نصف قطر الدائرة يقارب 150 كلم أراضي جرداء لا تصلح لشيء دليل على تأثيرات المواد الكيميائية، فإن كان هذا الاختيار صدفة أيضا، فماذا نقول عن معتقل تسابيت الموجود على بعد حوالي 25 كلم غرب أدرار باتجاه بشار الذي كُدّس فيه المئات وحوّل إليه المئات على دفعات من رقان، وهو عبارة عن مخازن للمواد الكيميائية والغازات السامة التي تستعمل في مكافحة الجراد على المستوى الوطني، وأذكر أننا كنا نعاني كثيرا من آثار هذه المواد الكيميائية ومن أعراضها سيلان العيون والأنف مع شدّة الألم في الجهاز التنفسي، فإن كان هذا صدفة، فهل نقْلُ المعتقلين إلى سجن ماكماون (برج الأحمر) السجن الذي بنته فرنسا خصيصا لحبس الجزائريين إبان فترة الاستعمار وقد حبس فيه الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله؛ ألا توجد سجون أو أماكن أخرى غير هذه التي تحوم حولها الشبهات، ونفس الكلام يقال عن معتقل عين امقل بتمنراست وتيبرغامين بآوقروت وغيرها.
والحاصل أنّ اختيار هذه الأماكن لم يكن محض صدفة بل كان أمرا مقصودا أو امتدادا لمشروع قديم جديد نكاية في جيل فجر الثورة وطرد الاستعمار وقضى على أحلام أزلامه، ونكاية أيضا في جيل الاستقلال الذي حاول تقليم أظافر فلول مدرسة لاكوست وبقايا أشباه القياد والحركى وذلك بإكمال أمانة الشهداء ورسالة المجاهدين التي تم تمييعها وصرفها عن تحقيق مقصدها كما نص عليه بيان نوفمبر المجيد.
أمّا ما جرى داخل المعتقلات طيلة الأربع السنوات فكان قاسيا ومنافيا تماما لما يمكن أن يتصوره الجزائري ، كان بعيدا كل البعد عن معاملة الأسرى في الحروب، فكيف ونحن لم نكن محاربين ولا مخالفين للقوانين، بل العكس هو الصحيح فنحن كنا نمثل الشرعية بأبهى وأوضح صورها، فُزْنا في انتخابات نظمتها السلطة القائمة وأشرفت عليها من بدايتها حتى نهايتها وشهد على نزاهتها القريب والبعيد، العدو والصديق، لقد لقي الكثير منا حتفه لأتفه الأسباب، وبالرصاص الحي؛ ومثال ذلك المجاهد حسن حضري (رحمه الله) من بلعباس وكان معطوب حرب (مبتور الرجل) قُتل بدم بارد دون أي سبب وعلى مرأى من الجميع وذلك بمعتقل رقان، وأيضا الشهيد بوعلام غزالي من مستغانم برصاصة طائشة في العنق وكان صائما يوم عاشوراء بمعتقل عين امقل، وآخرون ماتوا في الصحراء بسبب العطش حينما حاولوا الفرار من جحيم الصحراء وسوء المعاملة المتمثلة أساسا في سوء التغذية والتي تعتمد أساسا على المعتقلين أنفسهم وذلك بشراء بعض الأغذية بأموالهم التي يبعثها لهم ذووهم، أما العلاج فينبغي على المريض أن يشتري الأدوية من ماله الخاص، وأما ظروف الإيواء فحدث عنها ولا حرج فمعظم سنوات الاعتقال قضيناها في الخيام مع أغطية وأفرشة لا تصلح أحيانا إلا للحيوانات؛ رثّة قديمة ووسخة، البرد الشديد في أشهر الشتاء والحرّ الشديد أيضا في الصيف والذي لا يحتمل خصوصا بالنسبة لكبار السن والمرضى، وهذه الأوضاع وغيرها كانت تدفع المعتقلين إلى الدخول في إضرابات محددة بأيام لتنبيه القائمين على شؤون المعتقل، وإضرابات مفتوحة في حالات أخرى ولأسباب موضوعية، لكن الذي كان يحدث بعد ذلك هو العقاب الجماعي بقطع الزيارة ومنع التداوي وفي بعض المرات جلب قوات مكافحة الشغب والقيام بضرب المعتقلين وعزلهم عن بعضهم في صور أبكت حتى العسكريين المشرفين على المعتقل كما حدث في معتقل وادي الناموس بولاية بشار كان آخرها بتاريخ 8 فبراير 1993 بعد مرور سنة كاملة عن إعلان حالة الطوارئ حيث هجمت علينا قوات مكافحة الشغب التابعة للدرك وأبرحونا ضربا وقاموا بعزل مجموعة من المعتقلين في جناح بعيد وسلّط عليهم أضخم المتدخلين جثة وأقساهم طبعا فنهشوهم نهشاً، وأجسادهم ضعيفة مكبلة ومنعوا عنهم الزيارة لمدة شهور ، أمّا ما لا يمكن نسيانه فهو قيام ضباط من الأمن العسكري وعناصر الدرك بإجراء استنطاقات على مدى ساعات طويلة مع المعزولين مباشرة بعد عزلهم وهم ينزفون وفي حالة يرثى لها ولم تقدم لهم أي إسعافات أولية إلا بعد ثلاثة أيام ثم بعد شهور يحالون على المحاكمة العسكرية بتهم عجيبة كتهديد الأمن العمومي (داخل المعتقل طبعا) ومحاولة قتل قائد المركز الأمني الذي لم يره المعتقلون أبدا … إلخ ، والغريب الذي ينبغي للجنرال نزار الإجابة عنه هو أنه كيف يحاكمُ مدنيون – مبعدون كما يدعي – في محاكم عسكرية ، بل وعندما صدر حكم البراءة في حقنا شهر سبتمبر 1993 بالمحكمة العسكرية ببشار ارتبك المعنيون بالأمر والقائمون على السجن العسكري ببشار فبقينا مدة أربعة أيام داخل السجن في كل يوم نهيئ أنفسنا للخروج ثم يُقال لنا باتوا اليوم وغدا تخرجون، وفي اليوم الرابع تم القيام بإجراءات الخروج بطريقة عادية ولكن عند باب السجن وجدنا الدرك في انتظارنا فكبّلونا وأعادونا إلى معتقل وادي الناموس … فماذا تقول في هذا يا سيادة وزير الدفاع الأسبق؟! لا شك أنّه منافٍ تماما لقيم الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير وأيضا للقوانين والأعراف المعمول بها. وللفائدة أنَّ جريدة الوطن (الناطقة بالفرنسية) كتبت بمناسبـة الحكم علينا مقالا بعنوان : Le tribunal militaire de Bechar donne des bouquets de fleurs pour les terroristes أي بالعربية : المحكمة العسكرية لبشار تقدّم باقات ورود للإرهابيين. طبعاً ” الطيور على أشكالها تقع ” أو ” وافق شنٌّ طبقة “.ولم تحمّل نفسها واجب البحث عن الحقيقة.
إنّ الموضوعين في المراكز الأمنية أو مراكز الحجز الإداريCentres d’internat administrative كانت تحت وصاية وزارة الداخلية طبقا لقانون حالة الطوارئ وليس لوزارة العدل أي علاقة بهم من قريب أو بعيد كما يدعي الجنرال في تصريحاته، فعلى مستوى كل ولاية شُكّلت لجان أمنية يرأسها والي الولاية وبعضوية ممثلي المصالح الأمنية وعضوين مدنيين غالبا من المجاهدين ، هذه اللجنة هي التي تحدد أسماء الأشخاص الموضوعين رهن الحجز الإداري وهي أيضا تقرر من يطلق سراحهم ، ورخصة الزيارة التي كان يطلبها أهالي المعتقلين يمضيها والي الولاية وتسلّم عن طريق مصالح الدرك الوطني ثُمّ تستعيدها هذه الأخيرة بعد نفاذ المدّة المحددة فيها ، وهذا حتى لا تكون دليلا على هذا الإجراء الغير قانوني، وإلاّ لماذا تُسحب هذه الرخصة من الأهالي؟ وللعلم فإنّ الإدارة العسكرية المشرفة على تسيير المراكز الأمنية كانت تسلّم للمفرج عنهم في الشهور الأولى ما يشبه بطاقة الخروج التي تسلّم للمساجين فور خروجهم من المؤسسات العقابية ، لكن تمّ التنبه إلى أنّ المعنيين يستعملونها في طلب اللجوء السياسي في الدول الأجنبية ولهذا امتنعت هذه المراكز عن تسليمها للمفرج عنهم ، هذا وللعلم فإنّ الإفراج توقف نهائيا بعد مرور السنة الأولى من الإعتقال، ولقد تسبب هذا الإجراء في مشاكل لا تحصى للمفرج عنهم من المعتقلات في السنوات الأخيرة ؛ فلم يستطيعوا تبرير تغيبهم الطويل أمام الهيئات القضائية أو المؤسسات المستخدمة وكذلك مصالح الخدمة الوطنية، حينما وجدوا أمامهم استدعاءات أو إعذارات أو أوامر بالقبض تبعا للأحكام القضائية الغيابية ، ولا شك أن القارئ الكريم قد يراود خياله صعوبات جـمّة ومشاكل عدّة قد تعيق استئناف حياتهم العادية ، رغم طلبهم شهادات من إدارة الولايات تثبت تواجدهم في مراكز الحجز الإداري فأبت هذه الأخيرة فعل ذلك وفي أحسن الأحوال ردّت بما يمكن قياسه على الحكمة الشهيرة ” رُبّ عذرٍ أقبحُ من ذنبٍ “، فكيف نسمي هذا في منطق دولة الحقّ والقانون ، وأجزم أنّ الجنرال نزار لن يجد الجواب السليم عن هذه الممارسات اللإنسانية التعسفية المنافية للدستور والقانون والأعراف.
ومن العجب أن يقول الجنرال أنّ المعتقلين ليس لهم أي نشاطات، وأنّهم يقضون وقتهم في الصلاة والدعاء وهذا صحيح كونهم من سواد الشعب الجزائري المتمسك بدينه حتّى في أحلك الأزمنة وقت الاستعمار ليس كحالة نخب المجتمع التي جثمت على صدر هذا الشعب الذين لا يحسنون حتّى صلاة الجنازة التي أربع تكبيرات وسلام فقط ، ولا أدري ماذا يقصد من هذا الكلام؟ هل يريد أن يدلل على أنهم لا ينفعون في شيء، وأنّ ديدنهم فقط الصلاة والدعاء؛ فهو في هذا قد جانب الحقيقة ، ويمكن أنْ أحيله على زميله في الانقلاب على إرادة الشعب رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي في حوار مع قناة أجنبية ردّا على سؤالها : هل لدى الكوادر المنتخبة قدرة على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الجزائري ، قال (مترجما عن الفرنسية): للأسف نعم. فاستدرك السائل: فلماذا أوقفتم المسار الانتخابي إذن؟!
قال بصراحة: لا يمكن أن أسمح بحكومة إسلامية في وقتي أنا. وهو الآن لم يسمح له (غزالي) حتّى بحزيب لا يقدّم ولا يؤخر، جزاءا وفاقا. ويمكن أنْ أشير هنا إلى أنّ الأغلب في المعتقلين خصوصا الدفعات الأولى كانوا من الكوادر الإطارات الحاصلة على أحسن وأعلى الشهادات العلمية الممتازة ومن أشهر الجامعات العلمية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومن الجامعات الجزائرية فالرجل وأمثاله وحفاظا على مصلحة الوطن والمواطن يشلون كفاءات وقدرات هائلة طيلة أربع سنوات لا لشيء إلاّ أنّهم خالفوا غيرهم الرأي في طريقة تسيير شؤون البلاد، وهم من انتدبهم الشعب لتسيير شؤونه وإصلاح أحواله المزرية التي خلفتها السياسات الفاسدة التي انتهجتها سلطات البلاد منذ الاستقلال على مدى أربعة عقود من الزمن.
أمّا إنْ كان الجنرال يقصد أنهم لا يتعرضون للتعذيب الجسدي والقيام بالأشغال الشاقة فهذا صحيح نسبيا، ولكن في المقابل كانوا يتعرّضون لضغوطات نفسية وابتزازات معنوية وإغراءات ومساومات جمّة من ذلك مثلا أنّ القائمين على شؤون المعتقلات كانوا يمنعون دخول ملابس الرياضة ويقطعون توزيع اللحم إلاّ إذا ترك المعتقلون ممارسة الرياضة بدعوى أنّ المعتقلين يقومون بتدريبات متعلّقة بالرياضات القتالية كالجيدو والكراتيدو .. وهلّم جرّا ، وأيضا كانوا يوميا يعرضون على المعتقلين ? عن طريق أجهزة Auto projection – محاضرات واعترافات وما شابه بقصد التأثير في عقلية وقناعات المعتقلين ، وللتاريخ أنْ أحد من المعتقلين كان يحضر مثل هذه السفاهات. والأدهي والأمر من ذلك أنهم مارسوا ضغوطا رهيبة على المعتقلين خصوصا في وادي الناموس قبيل انعقاد ندوة الوفاق الوطني وذلك بإنقاص كمية الأكل اليومي كمية الأكل اليومي إلى مستويات دنيا كما ونوعا ونشر معلومات بين المعتقلين تفيد أن هناك لجنة ستزوركم عن قريب وأنهم سيطلق سراحكم بعد ذلك وفورا، وفعلا حضرت اللجنة ممثلة في ثلاث شخصيات أعضاء لجنة الحوار الوطني وهم السادة محمد تواتي (جنيرال متقاعد) وميهوب ميهوبي والثالث لم أذكر اسمه وحاولت إدارة المعتقل اختيار أشخاص من بين المعتقلين مما يناسب هدف الزيارة …المتمثل في تهيئة ممثلين عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ يحضرون ندوة الوفلق الوطني بقصد تزكية قيادة جديدة للبلاد، لكن المعتقلون رفضوا وأصروا على أنْ يقوموا باختيار ممثليهم، للتاريخ ينبغي التنبيه هنا إلى أنّ جلّ المعتقلون كانوا لا يرون نتيجة ترجى من لقاء اللجنة ومن ناحية المبدأ يرون أنّ هناك قيادات تاريخية هي من لها الحق في التمثيل… ولكن أمام ضغط القاعدة من عموم المعتقلين الذين ارتبط في أنفسهم الإفراج باللجنة، كانت المصلحة تقتضي لقاء اللجنة والاستماع إلى ما عندها، هذا على الأقل بالنسبة للجناح C الذي كنت أمثله رفقة أخ آخر، فيما كان للجناحين A و B ممثلون آخرون. وقع اللقاء وكان مضمونه أنّه نظرا للوضعية الخطيرة التي تمرّ بها البلاد تسعى اللجنة لعقد ندوة وطنية بالتوافق مع جميع الأطراف السياسية ونظرا لأن قيادة ج.إ.إ توجد تحت طائلة أحكام قضائية مما يمنعها من المشاركة اقتضى الحال التوجه إلينا للتمثيل ، وعرض علينا التفكير لمدة أسبوع ووضعت طائرة هيلوكبتر تحت تصرفنا في حالة الموافقة… ولكن المعتقلون اقترحوا إطلاق سراحنا أولا دون قيد أو شرط ، ثم يكون تقدير بناء على معطيات الواقع …ومرت الأمور دون أي شيء ذي بال ولم يُطلق سراح معتقل واحد بعد ذلك إلى غاية الأول من ديسمبر 1995 .
إنّ الحديث عن موضوع المعتقلين وما جرى لهم لا يمكن إيفاءه حقّه في صفحات أو كتيبات وليس الآن وقته، فلم يزل الظرف غير مواتٍ لكتابة تاريخه كتابةً موضوعيةً تستوعب الظرف وتستجدي الحكم ، إلاّ أنّه لا ينبغي تفويت المناسبة دون الكلام عن حديث الساعة فيما يخص ردّ الاعتبار وتعويض المعتقلين، ولعمري كيف يلزم عشرين (20) سنة ولمّا يستقرّ رأي السلطة على أمر في الموضوع ، هذا تبقى دائما السلطة تنفرد باقتراح الحلول وطريقة تنفيذها دون إشراك المعنيين، وهي لا تلجأ إلى المجتمع المدني والجمعيات إلى في الوقت وبالشكل الذي يخدم أطروحاتها ويحقق أهدافها غير مبالية ? كعادتها ? بالعواقب التي تنتج عن مثل هذه السلوكات وتفوت فرصة تاريخية لانطلاقة حضارية خلاقة يمكن أنْ تجنّب البلاد والعباد مصيرا مشئوما وأفقا مسدودا ونهاية مأساوية قد لاح طيفها غير بعيد.
أبوعمر الحمـدي أحد المعتقلين بالصحراء من 1992 إلى 1995
29 ديسمبر 2011
المصدر: يومية الشروق
3 تعليقات
اتقوا الله يا خونة
بعد قراءة هدا المقال يظهر لي وبكل وظوح ان كاتب هدا المقال عميل من عملاء الغرب
وهو يريد زرع الفتنة بين الجزائريين فلا تثقوا بكلام اناس يدافعون عن حقوق الشعب من الخارج ومن يريد الكلام فلياتي الى الجزائر ويتكلم فالجزائر بلد الحرية
واقول بصراحة لكل من يحاول زرع الفتن في الجزائر لن تحصلوا على اي نتيجة مع شعب اجداده مجاهدين والفاهم يفهم
للاسف
وانا ابحث عن موضوع معتقلات المراكز الامنية بعد انقلاب1992
تصادفت مع هاته الصفحة
للاسف لا يوجد موضوع يذكرنا بتلك الاحداث التى يصعب ذكرها
وللاسف لا احد يجرؤ بالحديث عليها
لا حقوق ولارد اعتبار ولا شىء
اما حكايات رد الاعتبار وحقوق الانسان وفاروق قسنطينى والملف رفع ووووو
كلها كذب
المهم حسبنا الله
كانت ايام نحسبها عند الله
مساعدة
بسم الله الرحمان الرحيم
اولا تقبل الله منا ومنكم الصيام وصالح الاعمال
بالنسبة لموضوع معتقلى المراكز الامنية لما بعد الانقلاب
نتمنى من الاخوة فتح الموضوع وطلب المساعدة من اهل الاختصاص
لرد الاعتبار ورد الحقوق
معتقل سابق