خرجنا للتنزه وقتها أنا وصديقي خليل بن شيخ في أحد الصباحات ومعنا أحد الإخوة من تيارت يقال له العيادي وآخر من بلعباس يقال له مومن…
عند وصولنا أمام البريد المركزي القديم وسط المدينة الذي كان يقع أمام بعض المحلات التجارية ومستوصف، لست أدري هل ما يزال على نفس الحال؟
كانت ثكنة للجيش بقربهما في الجهة السفلى للبريد، يتأهب أفرادها لعمل ما، وهذا من خلال التحضير الظاهر واستدعاء جنود من خارج الثكنة.
بدأ أفراد من الشعب يلتفّون وينظرون كلهم إلى أفراد الجيش ولا يدرون وجهتهم…
كان أحد الضباط وقتذاك برتبة نقيب أو رائد اسمه شوشان… أمر جنوده لتفريق أفراد الشعب الذين كان أغلبهم متكئا على الجدران…
بدأ بعض المواطنين يصيحون ضد هذا الاستفزاز بكلمات تردد في الملاعب… واو واو الخ… أمر أحد الضباط جنوده ونحن نتفرج على الهواء بتفريق أبناء الشعب… وكان أحد الجنود يحمل رشاشا ،سقط منه… لست أدري خوفا أم كان يرفض أن يضرب إخوانه؟
عنّفه الضابط أمام مرأى ومسمع من الناس وأخذ الكلاش ورمى مكانه… وهكذا بدأت الأحداث في بوسعادة ونحن كشهود…
ولو كان وقتذاك لديّ كاميرا لنقلت لكم المشهد كما هو.
بدأ أفراد الشعب يتجمهرون بعد سماع الرصاص وأول شيء بدأ به بعض الشباب هناك هو الهجوم على بعض المحلات التجارية وأخذ ما فيها، حيث كانت وقتذاك أزمة كبيرة في الدقيق، القهوة، الزيت، السكر.. بدأ الرصاص ينطلق من هنا ومن هناك والجرحى يسقطون هنا وهناك وقيل لنا فيما بعد أن هناك 6 قتلى ولست أدري لحد الساعة هل هذا العدد صحيحا…
طلبت من صديقي خليل أن نعود فورا إلى المعهد… حتى لا نسقط كضحايا، فنحن غرباء في بوسعادة من جهة… وقد يعتقد بعض إخواننا الناقمين على النظام بأننا ننتمي إلى أفراد الجيش أو الشرطة بزي مدني، لأننا كنا نخرج “بلباس كلاسيكي مع ربطة العنق”.
كان صديقي خليل شغوف بمشاهدة تلك الأحداث ومتابعتها… أما أنا فكنت أحذّره بتجنّب أيّ انزلاق ونحن كذلك، بدأ الصّراخ يعلو في كل مكان والمواجهات تتوسّع من حيّ إلى حيّ وسط المدينة، والجرحى يسقطون واحدا تلو الآخر…
بعد إصرار خليل على متابعة ما يحدث قرّرت العودة لوحدي إلى المعهد… لم أتجاوز 100 متر حتى لحق بي خليل مسرعا… وفي طريقنا إلى المعهد مرّت علينا عدّة رصاصات وضربت الحائط مقابلنا وكأن هناك قنّاص يترقبنا ويحاول قتلنا… تذكرت في تلك اللحظات بعض التوجيهات التي تعلمتها رفقة صديقي خليل عندما كنا نؤدي الخدمة الوطنية معا في أرزيو بوهران، أثناء فترة التدريب “في حالة المواجهة” فطبقتها وأمرت صديقي خليل أن يفعل مثلي…
بتنا تلك الليلة في رعب… حيث كنا نستمع إلى الرصاص ولا ندري مصيرنا؟ وحيث أن المعهد كان مستهدفا نظرا لأنه كان محاذيا لفندق القائد… وكان هناك احتقان في أوساط البوسعاديين قبل أحداث أكتوبر… كانوا يطالبون باعتماد بوسعادة كولاية وغلق فندق ببوسعادة لا يتناسب مع تقاليد المنطقة…
في يوم الغد خرجنا فوجدنا أغلب السطوح فوقها أفراد من الجيش متأهّبون للقتال وكأننا في حالة حرب.
وقع حظر التجوال في المدينة وظل الوضع بتلك الطريقة عدّة أيام… أُمِرنا للخروج عُنوة بعدها من طرف المراقبين في المعهد آنذاك، للمشاركة في مسيرة تأييدا للشاذلي بن جديد وكان من بين المراقبين شخص يقال له موسطاش قيل لي أنه توفي رحمه الله، الكل يعرفه…
بعدها أستدعينا للمشاركة في مؤتمر جبهة التحرير الوطني الذي تمّ عقده بالقاعة البيضاوية بالعاصمة وحضره أزيد من 10 آلاف شخص وقضينا عشرة أيام هناك…
ومما أتذكره، كان أحد الأساتذة في اللغة العربية والأدب، اسمه الاشهب، فتح بيننا نحن الطلبة نقاشا حول الديمقراطية والتعددية… وحدث بيننا صراع كبير وصل إلى ملاسنات كلامية… وكان السؤال: هل تؤيد إنشاء حزب إسلامي وتقبل بتطبيق الشريعة الاسلامية في حالة فوز حزب إسلامي أم ترفضه؟
نور الدين خبابة
12 أكتوبر 2011