ما لفت انتباهي في خضم هذه الأحداث العظام المتسارعة محطة تشابهت أحداثها بأحداث عشناها وتجرعنا مرارتها وتزامنت ذكرى حدوثها بشهر يناير|جانفي 1992 مع يناير 2011 مع قرب الجارتين الجزائر وتونس، وهي محطة مفصلية في ما نتج بعدها ومزلق خطير سجل التاريخ عناوينه الحمراء… والتاريخ أستاذ شاه.
إنَّ رئيس هيئة الأركان التونسي وقائد القوات البرية رشيد عمار الرجل الموثوق به شعبيا كما تصفه المدوّنات (وبغضّ النظر عما تخبئه لنا قابل الأيام) قد خيّره زين الهاربين المخلوع بين إطلاق الرصاص على المتظاهرين أو الإقالة، فاختار الخيار الثاني، وعيّن بن علي الجنرال أحمد شبير رئيس الاستخبارات بدلا منه، وهذا طبقا لأبي بكر الصغير، رئيس تحرير صحيفة “الملاحظ” وغيره من الصحفيين التونسيين. وتباعا لذلك نزل الشعب التونسي يصافح الجيش واتخذه درعا له في مواجهة بقايا النظام البائد، و قد نقلت لنا صور الفضائيات صورا تاريخية قلّ أن تراها في العالم الثالث، صور للمتظاهرين وهم يقبّلون رؤوس العسكر، وقد أذهلت هذه الصور الحاللين السياسيين وضربت أروع مثال لنضوج الشعب التونسي، ذلك الشعب الذي تركنا مشدودين لتتبّع أخباره.
يذكّرني هذا المشهد بوزير الدفاع الجزائري السابق “خالد نزار” الذي أمر الجيش للنزول إلى الساحات التي اعتصم فيها المتظاهرون سلميا، فأمر بإطلاق الرصاص الحيّ من فوَهات البنادق التي يحملها من لا يملكون ضميرا حيّا إلى صدور الشباب، فتهشّمت رؤوسهم واندلقت أمعاؤهم بسبب الرصاص الحارق الخارق الذي لا يرحم، من طرف القناصة الذين تمركزوا فوق أسطح العمارات، وبدأ المنعرج الخطير والمنزلق الدموي الذي مازالت نتائجه حتى كتابة هذه الكلمات، فشتّان بين عمَّار ونزَّار!
لعب الجنرال نزَّار أسوأ الأدوار في تاريخ الجزائر المعاصر وذلك بإصدار مثل هذه القرارات المصيرية وحفظ الجنرال عمَّار دماء التونسيين من السيلان – لا سمح الله – لو أطلق للجيش العنان. إنّ الأحداث ستمرّ لا محالة بحلوِها ومرّها ولكن ذاكرة الشعوب لا تمحى، “وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون”.
مراد شكري
21 يناير 2011